Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

بريمر يروي تفاصيل ليلة القبض على صدام

08/02/2006

الديوان العراقي

يروي بول بريمر الحاكم السابق للعراق، في مذكراته التي نشرها أخيرا تحت عنوان «عامي في العراق» احداث ليلة القبض على الدكتاتور السابق صدام حسين، وفي ما يلي روايته: ايقظني رنين الهاتف الموضوع قرب سريري، في الساعة الثالثة والنصف فجرا في يوم الاحد 14 ديسمبر 2003 وكنت بالكاد قد نمت بعد يوم من العمل لمدة 18 ساعة. كان المتحدث مساعدي العسكري الميجور بات كارول الذي قال «آسف لإيقاظك سيدي» واضاف ان الجنرال جون ابي زيد قائد القيادة المركزية الاميركية يود التحدث الي فورا على خط مؤمن، وكان الهاتف الضخم الاحمر المشفر في مسكني معطلا وعليه اخذت ارتدي ملابسي للذهاب الى مكتبي في قصر صدام حسين القديم، وكنت وابي زيد نتحدث يوميا تقريبا، وقد كان من الغريب ان يتصل بي في منتصف الليل، وعلى خط مؤمن ولا بد ان يكون الامر اما خبرا جيدا للغاية، او سيئا للغاية، كما اعتقدت. وصلت الي مكتبي ذي الاضاءة المعتمة بعد 15 دقيقة كان نائبي الجديد ديك جونز موجودا هناك مع شخص من مكتب وكالة المخابرات المركزية الاميركية (سي. آي. إيه) وسألت ديك عما يجري وقال ديك وهو يلتفت باتجاه ضابط الاستخبارات «تفضل لا اود ان احرمك من حق الرد». < هكذا عرفوه وقال ضابط الاستخبارات «اعتقد اننا القينا القبض على صدام» ورفعت سماعة الهاتف الاحمر وتم ايصالي بابي زيد في مقر قيادته في قطر، وقلت «جون ما هذا الذي يقال عن صدام؟» ورد قائلا «يقول رجال العمليات الخاصة انهم عثروا على رجل ملتح ومتسخ في قاع حفرة غير محروسة خارج تكريت»، وسألت «كيف عرفتم انه صدام؟» وقال جون «عندما اخرجه جماعتنا من الحفرة قال «انا صدام حسين، رئىس جمهورية العراق، وفحصوه ووجدوا اثر الجروح والندوب والوشم التي نعرف وجودها في جسد صدام». وكنت وابي زيد نعرف منذ عدة اعوام ان صدام يستخدم بدلاء لارباك اعدائه، وبالتالي سألت ما الذي يمكن ان نقوم به من خطوات اضافية للتأكد من اننا قد القينا القبض على صدام فعلا؟! وقال جون «لقد احضرناه إلى بغداد وسنخلصه من الاوساخ، ونعرضه على بعض من كبار قادة النظام ممن اعتقلناهم. كما اننا سنرسل على عجل عينة من الحامض النووي الى المانيا لفحصه والتحقق منه. وهناك طائرة سي - 17 جاهزة للإقلاع». < 100% وقلت: «جون، لا بد ان نكون متأكدين 100 في المائة والا فإننا سنكون مصدر سخرية امام العالم اذا ما تسرب النبأ وكان هذا الشخص احد بدلائه. كم من الوقت ستأخذ فحوص الحامض النووي؟» ورد جون «مساعدي يقولون انه سيأخذ ما بين 24 الى 36 ساعة». وعدت الى سريري ولكنني لم استطع النوم فلعدة اشهر بعد التحرير كنا نطارد كل إشاعة او تقرير مبتسر حول مكان وجود صدام. وفي احدى المرات وصلنا تقرير من «مصدر موثوق به غير عادي» ان صدام يتجول في ارجاء بغداد في المقعد الخلفي لسيارة أجرة. وان لديه لحية بيضاء، ويرتدي قبعة حمراء اي «شيء شبيه بـ«بابا نويل». كما وصفه احد المتشككين. < تغيير الخطط وقد غيرنا خططنا بعد ان توصلنا الى ان صدام قد انفصل عن كبار المسؤولين بعد وقت قصير من التحرير، مدركا اننا نبحث عنهم. وبدأنا بدلا من ذلك في ملاحقة الاشخاص من المرتبات الادنى ممن «يسهلون» خطواته. مثل الخدم، والمزارعين العاملين في حدائقه وسائقي سياراته ممن قد يوفرون وسائل افضل للدكتاتور الهارب، وبالتالي فقد جمعت الاستخبارات العسكرية ووكالة المخابرات الاميركية قاعدة معلومات خاصة عمن كانوا يقومون بخدمته والاتصالات التي يجرونها. فهل تمكنا اخيرا من القاء القبض على ابن...؟ وبعد ساعتين من النوم المضطرب استيقظت لمواجهة يوم شاق. ووصلت البريغادير جنرال بربارة فاست كبيرة ضباط الاستخبارات في قوات التحالف مع الليفتنانت جنرال ريكاردو سانشيز قائد قوات التحالف في العراق وكان ريك يبدو مجهدا اكثر مني بسبب الحرمان من النوم. وقدمت فاست تفاصيل القاء القبض على صدام. ففي صباح يوم السبت القى عملاء القوات الخاصة القبض على احد اعوان صدام المشتبه فيهم خارج مدينة تكريت موطن عشيرة صدام. وخلال التحقيق معه قال الرجل انه يستطيع اخذهم إلى «شخص اكثر اهمية» ولكنه رفض الافصاح عمن يكون ذلك الشخص. < وثائق وأموال وعند اخراجه من الحفرة في مزرعة صغيرة، ابلغ صدام معتقليه بانكليزية ذات لكنة واضحة قوله «انا صدام حسين رئيس العراق، اود التفاوض». وعند تفتيش الحيز الضيق المخصص للنوم في داخل الحفرة، عثر الجنود على مسدس وحقيبة صغيرة بها وثائق «مثيرة للاهتمام» وفي وقت لاحق من تلك الليلة عثر الفريق على اثنين من مساعدي صدام كانا مسلحين برشاش كلاشينكوف ومعهما أكياس تحتوي على مبلغ 750 الف دولار اميركي من اوراق نقدية بقيمة مائة دولار. < كوندي.. إنه صدام! ونقلت طائرة مروحية تابعة للعمليات الخاصة صدام الى مركز احتجاز للاستخبارات العسكرية في مطار بغداد. وأوضحت فاست ان فريق الاستخبارات احضر اربعة من «السجناء من ذوي القيمة المرتفعة»، كانوا مقربين من صدام حسين الى ذلك المركز للتعرف عليه. وكان من بينهم طارق عزيز نائب الرئيس السابق، وقد عرف السجناء ذلك الشخص بأنه صدام حسين. وقد سجل عملاء الاستخبارات حديث السجين مع رفاقه البعثيين، وفحصوا الشريط عن طريق «تحليل الصوت» بالأساليب الرقمية. لمقارنة اسلوبه وطريقة حديثه في التسجيلات المحفوظة لاحاديث صدام في الارشيف. وقال ريك «تتطلب خطة وزارة الدفاع الخاصة باعتقال صدام نقله الى سفينة حربية اميركية في الخليج توخياً للسلامة». وقلت له «لا نستطيع القيام بذلك». اذا اعتبر صدام حسين أسير حرب لدى قوات التحالف، فإن اتفاقيات جنيف تمنعنا من عرضه اثناء الاحتجاز. ولكن اذا ما اخرجناه خفية من البلاد ولم ننشر صوراً للديكتاتور السابق وهو اسير لدينا، فإن العديدين في العراق، وهم من اكثر متبني نظرية المؤامرة في العالم، لن يصدقوا اننا اعتقلناه. وقلت للجنرالين ان «الناس يحتاجون الى تقديم اثبات بأنه معتقل لدينا». لقد تفهما هذا الامر، فلعدة اشهر ظلت الاسواق تعج بالشائعات التي تقول اننا في الواقع اعتقلنا صدام، وتوصلنا الى اتفاق معه. وان صدام نقل الى خارج البلاد وهو يعيش الآن حياة مترفة في «مزرعة في فلوريدا». وقلت «انا افهم انه من المهم بالنسبة للاستخبارات العسكرية استغلال صدام للحصول على كل ما نستطيع الحصول عليه من معلومات استخبارية، ولكنه من المهم ايضاً ان نتوصل الى طريقة ما، عن طريق اتفاقيات جنيف او سواها، لاقناع العراقيين بأننا قد اعتقلناه اخيراً». وابلغت المجموعة ان افضل سبيل لتنفيذ هذا الامر هو تشكيل وفد صغير من مجلس الحكم يذهب الى زيارة صدام، وبعدها يستطيع الوفد التأكيد في العلن بأنهم زاروا السجين. وبعد الساعة التاسعة صباحا بقليل بتوقيت بغداد او الواحدة فجرا بتوقيت واشنطن، قررت ايقاظ كونداليسا رايس مستشارة الرئيس للامن القومي آنذاك لإبلاغها الخبر. وقد تم تحويل مكالمتي لها فورا، وقلت لها: «لا يوجد اي شك، يا كوندي، انه صدام حسين»، وقالت «سوف اوقظ الرئيس، فهو يرغب في معرفة ذلك». < لقد ألقينا القبض عليه وجاءت تقارير تقول ان اجهزة الاعلام العراقية بدأت تبث تقارير او تعلن عن طبعات اضافية تقول اننا اعتقلنا صدام. ومن الواضح ان الانباء قد تسربت في اوساط القرى السنية المحيطة بتكريت وبلغت العاصمة فوراً تقريبا. وقد ادعت بعض الروايات ان صدام هرب أو انه قتل. وبدأت وسائل الاعلام والمواطنون العراقيون يتسابقون للحصول على معلومات. وفي ذلك المساء عقدنا مؤتمرا صحفيا امتلأت فيه القاعة بالحضور. وقلت «سيداتي، سادتي» وتوقفت برهة لاحداث بعض الاثارة واضفت «لقد القينا القبض عليه!». والعبارة التي قلتها كان قد اقترحها لي مساعدي للشؤون الصحفية البريطاني شارلز هيتلي قبل ان اصعد الى المنصة بقليل. وهي عبارة تسهل ترجمتها الى اللغة العربية. فقد قال شارلز «انك في حاجة الى عبارة قصيرة، ومؤثرة» وقد كان لها تأثير فوري. فقد بدأ الصحافيون العراقيون في الهتاف والتصفيق بشدة وكذلك العديد من المراسلين الغربيين، غير ان تعابير الفرحة الواضحة، التي بدت على المواطنين العراقيين كانت امراً مؤثراً للغاية. بل ان البعض منهم خنقته العبرات. < وجهاً لوجه بعدها ذهب اربعة اعضاء في مجلس الحكم معي للقاء صدام في موقع سري بالقرب من المطار وكان الوقت قريبا من ساعة الغروب في يوم بارد وصحو عندما هبطت طائرة البلاك هوك التي اقلتنا بالقرب من مبنى عادي محاط بسياج من الاسلاك الشائكة. وقادنا الجنرال سانشيز واحد الحراس عبر ممر معتم مصبوغ بدهان عسكري اصفر، وتوقفا في نهايته امام باب حديدي الى اليسار. وعندما يفتح يقود هذاالباب الى غرفة ذات شكل عادي وضوء باهر، عرضها اربعة امتار وربما كان طولها ضعف ذلك. والى يسار المدخل علق ملصق التحالف الذي يحمل صور الخمسة والخمسين المطلوب القبض عليهم وقد شطبت وجوه عدد منهم وكانت صورة صدام على ورقة اللعب قد اختفت تقريباً بعد شطبها بقلم سائل احمر. الى يمين الباب كان صدام يجلس على سرير عسكري وهو يرتدي بيجامة نوم عربية وشالاً شتوياً ازرق اللون وفي قدميه نعل بلاستيكي رخيص، ولاحظت ان اظافر قدميه متسخة ومتشققة، وبدت وكأنه كان يسير على التراب لاسابيع عدة والى جانب احدى قدميه كانت هناك علبة عصير عليها انبوب وردي اللون للشرب وعلى الحائط خلف رأس صدام علقت صورة البنتاغون الرسمية لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد والرئيس جورج بوش. وقد اعجبتني تلك اللمسة وهنأت سراً الجندي الذي فكر في تلك الخطوة. وكان صدام يجلس ساكناً ينظر الينا من تحت جفنيه. ووقف جندي اميركي يتحدث العربية الى جانب كتف صدام الايمن لحمايته وهو كان دون شك يحمل اوامر للتدخل في حالة محاولة اي عضو في المجلس مهاجمته وقال الحارس للجنرال سانشيز: «لقد استيقظ في التو سيدي». < «لعنك الله» وجلس اعضاء المجلس الاربعة متجاورين في مقعد منخفض في نهاية الغرفة حتى يستطيعوا النظر الى صدام احدهم الدكتور موفق الربيعي وهو في العادة شخص مهذب وهو طبيب للاعصاب درس في بريطانيا صرخ في السجين «صدام حسين، لعنك الله!». وكنت اعرف من خلال دروس اللغة العربية التي تلقيتها ان تلك اساءة بالغة. ورفع صدام وجهه وقال «من انت حتى تلعنني؟! انت خائن جاء مع الاميركيين» وبعدها التفت الى رئيس مجلس الحكم بالانابة عدنان الباجه جي، وهو وزير خارجية سابق كان قد نفاه صدام كما كان رأسه مطلوبا وذلك منذ عقود مضت. وقال صدام في صوت هادئ «صديقي الدكتور عدنان، لماذا اتيت مع هؤلاء الخونة؟! فأنت لست منهم. انت واحد منا». وعقد صدام اصابع يديه الى الداخل وكأنه يريد التأكيد على كلمة «منا» ووضع يده على صدره. وكان صدام يحاول احداث انقسام ضمن الوفد العراقي منذ اللحظة التي التقوه فيها. وعندما تجاهل الباجه جي حديثه، بدأ صدام يستعرض وجوه الآخرين ويتفحصها، وقال باستهزاء متسائلا «من سيقدم لي هؤلاء القادة العظام للعراق الحديث؟!». وافشل عادل عبدالمهدي من المجلس الاعلى للثورة الاسلامية سخرية صدام، حيث سأله «كيف تفسر عملية الانفال، وحلبجة؟». وذلك في اشارة الى حملة القمع الوحشية واستخدام الاسلحة الكيماوية ضد الاكراد. «لماذا اعطيت الاوامر بذلك؟». وقال صدام وهو يهمهم «لقد كانوا خونة وايرانيين» مشيرا بيده اليسرى وكأنه يعلن القضاء على بعض الكلاب المصابة بداء الكلب والحاجة الى القضاء عليها. وبدأ اعضاء المجلس الاربعة في توجيه اسئلة وهم يصرخون بعبارات، تحمل بعض الاهانات الى صدام. وقد بدا للحظة وكأنه اصيب بالذهول، فلعدة عقود لم يجرؤ اي احد على توجيه الحديث اليه بهذا الشكل، وعاش لكي يروي تلك الحكاية، وبعدها زم صدام شفتيه، ورفع ذقنه الى اعلى في تعبير على الاستعلاء. فهو قد يستمع الى هؤلاء الاشخاص التافهين، ولكنه يجيب فقط اذا رأى ان ذلك مناسبا. وصرخ فيه الربيعي قائلا «لماذا لم تكن لديك الشجاعة على القتال او على الاقل ان تموت وانت تحاول ذلك؟». والتفت صدام الى سانشيز، وسأل القائد الاميركي «لو كنت مكاني، هل كنت ستحاول المقاومة؟!» والتفت بعدها الى الربيعي، وسأله بصيغة تنم عن الاحتقار «ما عرفك انت بالقتال؟». ولم يرهب هذا الامر الربيعي وقال «على الاقل قاتل والداك قبل ان يقتلا» واظن ان صدام جفل عند سماعه ذلك. < إشارة بذيئة ووقف عادل عبدالمهدي وراء الطاولة ورفع يديه في اشارة بذيئة لفتت انتباه صدام وقال «ماذا تقول الآن عن المقابر الجماعية، وعن مئات الألوف ممن اعدمتهم ودفنتهم فيها؟». ورفع صدام ذقنه في حركة تنم عن الازدراء وقال«اعدمتهم؟ هل سأل اي منكم اقرباءه من هم هؤلاء المجرمون؟ انهم لصوص وخونة.. ايرانيون». وسأله الربيعي عن حوالي عدة اشخاص من البعثيين البارزين ممن امر صدام باغتيالهم في اوائل الثمانينات وقال «لماذا فعلت ذلك؟» ورد صدام ببرود «ذلك حديث شوارع وما شأنك انت بذلك؟ انهم بعثيون». وبدا الامر وكأن هؤلاء الاشخاص يعتبرون ملكية خاصة تعود اليه يمكن التخلص منها متى يشاء. وانحنى عدنان الباجه جي الى الامام وقال له «ولماذا غزوت الكويت؟ فذلك كان بداية انحدار العراق نحو الكارثة؟» وبدا وكأن صدام يحاول تكلّف الابتسام «عندما يخطر شيء ما في ذهني انفذه، وهذه هي طريقتي». وكانت كلماته متقطعة ويداه مرتعشتين وفجأة خطر في ذهني هتلر في مخبئه في ابريل عام 1945 وهو يعيش في عالم الافلام، يأمر قوات لا وجود لها لتدمير الهجوم السوفيتي الذي يحيط ببرلين، وعند مغادرة اعضاء المجلس كرر الربيعي قوله «صدام حسين، لعنك الله، كيف ستقابل الخالق؟». واذا كان لهذه الكلمات اي تأثير عاطفي فان صدام قد اخفى ذلك بطريقة جيدة فقد رد قائلا «سوف القاه بضمير صاف وكمؤمن». المصدر : القبس الكويتية Opinions