بطريركيــة بابل على الكلــدان مسـيرة حكيمـة ايام السـلم والحرب ( 1- 2 )
القسم الأول
اوسلو
المقدمة
البطريرك كلمة منحوتة من باتر ـ يركا وهي كلمة يونانية تعني أبو الآباء او زعيم العائلة او رئيس العشيرة او كبير القوم ... الخ في الكنسية اطلق هذا المصطلح على رئيس الكنائس المحلية ، باعتباره اب الآباء فهو رئيس الأساقفة ، وهو المنتخب من قبلهم ، وهو المرجع الأعلى لكل ما يؤول الى خير وصالح شعبه ، اضافة الى مسؤولياته الأدارية في المؤسسة الكنسية . لقد كان البطريرك الكلداني في القرون الأربعة الأولى يدعى جاثليقاً او كاثوليكوس وهو رئيس الأساقفة الذي يعني اب عام او مسكوني .
ومن الطبيعي ان يكون كرسي البطريرك في الحواضر والعواصم المهمة ليتسنى للبطريرك ادارة شؤون الأبرشيات ومن ثم الأتصال مع السلطات المدنية في حل اشكالات وهموم شعبه .
الحفاظ على الثقافة واللغة الكلدانية
ان محدودية المقال لا يتحمل العودة الى تاريخ الاجيال الاولى المؤسسة البطريركية الكلدانية التي كان يطلق اسم الجاثليق على البطريرك ، وقد مرت الكنيسة بظروف قاسية نتيجة الأضطهادات المتواترة في هذه الأجيال بسسب الحروب والتقلبات السياسية والضرائب التي كانت تفرض على الشعب الكلداني .
ولكن ننتقل الى اتحاد الكنيسة الكلدانية مع كنيسة روما في اواسط القرن الخامس عشر ، وقد تشبثت البطريركية الكلدانية بحقها في الدفاع عن طقوسها الشرقية وأصرت على استخدام اللغة الكلدانية في ليتورجها الكنسي . اللغة من المكونات الأساسية في كل دين ، كالأسلام واللغة العربية أنجيل لوثر واللغة الألمانية ، والكنيسة الكاثوليكية وقدسية اللغة اللاتينية ، ولكن الكنيسة الشرقية
الكلدانية بعد اتحادها مع روما تمكنت من الأحتفاظ بهويتها القومية الكلدانية ، بالأضافة الى عدم التزامها باللغة اللاتينية التي كانت متداولة في الكنيسة الكاثوليكية ، بل احتفظت بحقها في الحفاظ
على اللغة الكلدانيــة وعلى الطقس الكنسي الوطني الشرقي الأصيل ، وهذا دليل آخر لتفاعل المؤسسة البطريركية مع ثقافة وتراث الشعب الكلدانــي العريق .
يقول الأب منصور المخلصي في الكنيسة عبر التاريخ :
في المجمع الفاتيكاني رفع مار اودو ( البطريرك يوسف اودو 1793 ـ 1878 م ) صوته ليرفض
تطبيق القانون الغربي على الكنائس الشرقية التي تملك قانوناً خاصاً ، ويطلب احترام الأمتيازات البطريركية والتقاليد الكنسية القديمة ....
ويستطرد الكاتب : وقال البطريرك الشجاع المتقدم في السن وهو على فراش الموت : ما فعلت ضد الكرسي الأقدس ، لم يكن بروح ثورية ، بل دفاعاً عن حق كنيستي ولخير شـــعبي .. لقد قام مار اودو البطريرك الكلدانـــــــــي العظيـم بتأسـيس السيميناير الكلدانــي وشـجع تأسيس المطابع وبنى دير السـيدة ووطد تنظيم الكنيسـة الكاثوليكيــــة للشــعب الكلــــــــداني ....
(( بفضـل هذا التنظيـم القوي وقفت الكنيسة الكلدانيــــــــة صــامدة في وجـه كارثــة الأبـادة الجماعيــة التي أصـابت الكنيســتين الأرمنيــة والآثوريـــــــة في بدايــة القرن العشــرين في تركيـا راح ضـحيتها ذبح نصف اعضائهم )) .
الحرب العالمية وجسامة الأحداث
الحروب يقررها الكبار ويدفع ثمنها الناس البسطاء ،وهكذا كانت الحرب الكونية الأولى التي جلبت للمنطقة الكوارث والتشرد والمجاعات والأمراض ، لقد كانت بمجملها ظروف عسيرة ومعقدة في الجوانب السياسية والأقتصادية والأنسانية ، فكانت تتقاطع مصالح الدول الكبرى والمصالح الأقليمية والوطنية ، وكان على مؤسسة بطريركية بابل على الكلدان ان تقف مع شعبها الكلداني ليس دينياً فحسب ، إنما انسانياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً ، وعليها ايضاً ان تتصرف بدراية وتعقل ، وكانت زلّة واحدة في تلك الظروف تكفي لتدمير هذا الشعب ذو المحدودية الديمغرافية السكانية .
وسؤالنا هل افلحت المؤسسة البطريركية بالنهوض في هذه المهام في تلك الظروف العسيرة ؟
لقد خرجت الكنيسة من الحرب العظمى الأولى مثخنة بالجراحات على اثر الأضطهادات والقتل الذي لحق بأبنائها . والعراق نفسه كانت الفوضى وانفلات الأمني تعصف في اركانه مع غياب حكومة مركزية قوية .
وفي فترة الحرب وبعدها اجتاح الضيق والفقر شرائح كبيرة من الشعب ويشير المطران بابانا بابانا ( 1915 ـ 1973 ) الى الدور الذي لعبته البطريركية في تلك الظروف الصعبة حيث بدأت تساعد قوافل المهاجرين ، وكان البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني توما ( 1900 ـ 1947 ) يوزع الأعانات للمهجرين بيديه ، والشعب يضايقه وعندما اراد القس داود رمّو ان يصرفه عن المنكوبين ومضايقاتهم قال البطريرك عمانوئيـل توما قوله المشهور :
(( لا أتحول عنهم حتى تروني متسولاً كواحد منهم )) موقف من التطوع في الجيش الليفي
في العقد الثالث وأوائل العقد الرابع من القرن الماضي كانت هناك حملات للتطوع في الجيش ( الليفي ) الذي كان يتمركز في الحبانية ، لقد كانت الظروف المعاشية سيئة لأبناء شعبنا الكلداني وكان من رأي مجموعة كبيرة من ابناء شعبنا ومن الوجهاء ايضاً في مدننا وقرانا الكلدانية ان يفتح باب التطوع ، وأن تبادر الكنيسة الشرقية الكاثوليكية ( الكلدانية ) اسوة بالكنيسة الشرقية ( الآثورية ) ، وأن تتزعم الكنيسة هذه الحملة ، وإن هذا التطوع سينتشل مجموعة كبيرة من ابناء شعبنا من البطالة المتفشية ومن حالة الفقر بالأضافة الى المكاسب المادية التي تجنيها المؤسسة البطريركية . وفعلا من اجل هذا سافر يوسف بولا اسمرو وكان هو آخر رئيس لألقوش واتجه الى الموصل وقابل البطريرك عمانوئيل توما وشرح له الفكرة ، وما يمكن ان يسفر هذا التطوع من خدمة ومكاسب مادية الى الشعب الكلداني والى الكنيسة نفسها .
لقد كان رد البطريرك رفض الفكرة ، وكان باستطاعة البطريركية الكاثوليكية ( الكلدانية ) ان تجند اضعاف ما جندته الكنيسة الآثورية ، وكان حلوله المتسمة بالبراغماتية والعقلانية ، انه سمح لمن يريد التطوع بصورة شخصية أي فردية لكي يكسب معيشته ودون توجيه من البطريركية .
إن التطوع الفردي كان جارياً حتى بين العرب . ونحن اليوم نقدّر كم كانت نظرته بعيدة على الأمور المستقبلية للبلد ، حيث ان الأنكليز راحلين من البلد لا محالة ، وربط مصير الشعب بهم كان خطئاً فادحاً ، وهكذا اتسمت مؤسسة البطريركية ببعد نظر ، ويمكن تقييم صواب تلك القرارات على ضوء الأحداث التي توالت على العراق .
يليه القسم الثاني
حبيب تومي / اوسلو
في القسم الثاني من المقال :
ــ مواقف بعد العهد الجمهوري
ــ عودة الى العهد الملكي
ــ أحداث عام 1933 وموقف البطريركية
ــ دور المؤسسة البطريركية بعد 9 نيسان 2003
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استفادة من :
ــ الكنيسة عبر التاريخ : الأب منصور المخلصي
ــ القوش عبر التاريخ : المطران يوسف بابانا
ــ السياسي الأديب يوسف غنيمة : حارث غنيمة
ــ اليوبيل الذهبي ماريوسف غنيمة : القس يوسف بابانا
ــ الرئاسة في القوش : نبيل دمان
ــ مجلة بين النهرين ع 95 و96 سنة 1996
ــ الصديق عبد يوسف أسمرو