بطريركية بابل على الكلدان بين مطرقة الأرهاب وتعنيف الكتاب
تعتريني رغبة جامحة في إلقاء حجر المداخلة في النقاش الدائر حول الوضع المتردي لشعبنا المسيحي من الكلدان والسريان والآشوريين والأرمن ، وما يثار من غبار في معركة تحديد المسؤولية وتشخيص الداء ومكامن الخلل .في وقت الضيق والشدة تزداد الآلام وترتفع وتيرة الشكاوي وتضيق المساحات الممنوحة للتفكير الهادي ، لتعطى للتسرع وتصويب سهام التجريح وتوجيه الأتهامات وإلقاء اللوم والعتاب مساحات اكبر من اللازم .
بعيد 9 نيسان 2003 ارتبط احد احزابنا القومية ـ وهي الحركة الديمقراطية الاشورية ـ بعلاقات وثيقة مع البطريركية الكاثوليكية للشعب الكلداني ، وحينما سعت البطريركية المذكورة بتثبيت الأسم الكلداني في الدستور العراقي ـ وهذا جزء من حقوق الأنسان التي تعترف بها كل المنظمات الأنسانية والقوانين الدولية ، والتي تشكل حقوق الأقليات جزءاً مهماً من لوائحها ـ لجأت الحركة وهي المعروفة بتاريخها النضالي على النطاق القومي ، لجأت الى الجانب السلبي من حقوق هذه الأقلية العراقية ( الأقلية القومية الكلدانية ) إذ أرادت حرمان هذه الأقلية من أبسط حقوقها وهو تثبيت اسمها في الدستور كبقية البشر في العالم ، وكان ما كان من حملة لتأليب الكلدانيين انفسهم ضد البطريركية بحجة تمزيق الوحدة القومية .
على ضوء هذا الموقف المشرف من مؤسسة الكنيسة الكاثوليكية للشعب الكلداني ، ارتفعت أصوات القادة السياسيين بضرورة حصر تحرك ونشاط رجال الدين في دائرة كنائسهم وشؤونهم الدينية وأن لا يتدخلوا بما لا يعنيهم من الشؤون السياسية ، وأن يتركوا زمام المسائل السياسية منوطاً بأهلها من السياسيين في الأحزاب والمنظمات والمستقلين .
ونقول :
إن ذلك اصبح من حديث الماضي ولم نقبض منه شيئاً ، ولدينا اليوم ما يكفي ويزيد من المصائب والنوائب وعلينا بما يقال اليوم وليس ما قيل سابقاً .
واليوم ..
المشهد المسيحي في العراق لا يسر عدواً او حبيباً ، وبوجود هجمة أصولية اسلامية على كل ما اسمه مسيحي ، اليوم أقرأ مقالات يلجأ كاتبوها ـ وهم أناس مخلصون من أبناء شعبنا ـ الى توجيه اللوم الى المؤسسة الكنسية لاسيما الى الكنيسة الكاثوليكية ونعني بها بطريركية بابل على الكلدان في العراق والعالم ، ومن المؤكد ان هذا ناجم من شدة الظلم الذي يطال شعبنا في الهجمة الهولاكية التترية المعاصرة . إن كتابنا الأجلاء هنا يخلطون بين الضحية والجلاد ، وهم يحمّلون الضحية مسؤولية ما يصيب شعبنا من الأرهاب والقهر ، ناسين ان رجال الدين انفسهم ما برحوا ان اصبحوا في مقدمة الضحايا في عمليات الخطف والأبتزاز والقتل والتشرد والتهديد .
ولا ندري ما هو المطلوب من هؤلاء المساكين ؟
وأي ذنب يقترفون إن هم لم يصمدوا امام التهديدات ؟
بعضهم يزعم انه لو كنا موحدين لما استشهد الأب رغيد كني ورفاقه ، ويذهب بعضهم الى الطلب من السينودس الكلداني الذي انعقد مؤخراً في دير السيدة قرب القوش ، ان تلجأ الكنيسة الى فتح المصانع والأماكن السياحية .
ولا ندري كيف نوفق بين الطلبات التي تطلب من الكنيسة عدم الخروج من أسوار الشؤون الدينية ، وبين ان نطالب الكنيسة باتخاذ القرارات الجريئة ـ والتي لا تقتصر الأستنكار فحسب ـ وكذلك نطلب منها بناء المصانع والمشاريع السياحية .
كل هذه الأمور ممكنة في ظل الظروف الأعتيادية الطبيعية ، وحينما لا يكون الأنسان ينزع الى تحقيق البقاء على الحياة فحسب . بل عندما تكون لغة القانون هي السائدة بين الناس ، لكن ماذا يستطيع البطريرك والمطارنة والقساوسة القيام به ؟ وما هو سبب تعنيفهم إن كان شعبنا يتعرض الى هذا الأرهاب الهمجي ؟ ماذا بوسعهم القيام به إن كانوا هم أنفسهم مستهدفين ؟
ماذا يستطيع البطريرك ان يفعل أمام عمليات الخطف والنهب والظلم الذي يطال رعيته من رجال الدين والعلمانيين المسيحيين بوجه عام . إن البطريرك هو نفسه ضحية الأرهاب ، فكيف نحاسب الضحية على ما يقترفه الجلاد ؟ انه منطق بعيد عن الواقعية والموضوعية .
إذا أردنا أن نكتب عن شؤون شعبنا علينا التريث قليلاً وأخذ نفس من السيكارة ونتصور ونحن في اجواء بغداد وليس في أوروبا او امريكا ، عندئذٍ سنكون واقعيين في طلباتنا من أبناء شعبنا في الداخل ومن رجال الدين بالذات .
أما العزف على اسطوانة وحدتنا فهي اسطوانة قديمة وأشبه ما تكون بالخرافة التي تعني الخيال فحسب ، فنحن الكلدانيين والآشوريين والسريان ليس بيننا عداوات ، نحن شعب واحد مهما كانت تسمياتنا ، فليس بيننا عمليات اغتيال او خطف او سلب أو ثأر . نحن وحدة صلدة ، وإن من يطلب وحدة لشعبنا فهي (( كائنة وصائرة وموجودة )) ، وبذلك يعتبر التشبث بطلب الوحدة من مخترعات السياسة ليس إلا . وفي الوقت ذاته هو اسلوب للتهرب من المسؤولية التي ينبغي ان يتحملها السياسي .
إن التسميات لاتقدم ولا تؤخر في الواقع المرير شعبنا . إن الأضطهاد الذي يطال شعبنا كان بنفس المستوى لوكنّا بتسمية واحدة او بعشرين تسمية ، إن الأرهاب لا فرق عنده إن حذفنا الواوات او أبقيناها ، إنها أمور سطحية إذا ما قيست بالقضايا الجوهرية التي تخص شعبنا .
علينا ان نتخلص من هذه القشور ونتمسك بالجوهر عندئذٍ سنتخلص من الكلام المكرر والخالي من الفائدة والذي لا يقدم ولا يؤخر .
حبيب تومي / اوسلو
tomihabib@hotmail.com