بعد الاتفاق مع اميركا....تحليل وتوقعات
قبل دعوة مجلس النواب العراقي للتصويت بنعم او لا على الاتفاقية الأمنية مع اميركا والتي تغير اسمها الى اتفاقية انسحاب القوات , دار حولها الشكوك والظنون بين رافض لها ومؤيد , وليس مهما ان نتعمق الأن في لماذا الاتفاقية وما هي اهدافها , ولكن ولقول الحقيقة فان اي شكل من الصداقة والتعاون مع اميركا هو من صالح تقدم ورفاهية الشعب العراقي , ولكن الذي يخيف العراقيين هو ما بعد هذه الاتفاقية مع اميركا , ان تقسيم العراق هو المصلحة الامريكية الاولى وهو الهدف الذي سبق وان صرح به العديد من المسؤولين الأمريكان , ولذلك وفي كل الاحوال على العراقيين البحث والتحليل فيما سيحدث من احتمالات بعد موافقة مجلس النواب على بنود الاتفاقية, لقد تابعت الكثير من التحليلات والتصريحات المتعلقة بالاتفاقية , وشاهدت مع الملايين وعبر الفضائيات مشهد الفوضى والهرج والمرج داخل مجلس النواب المشكل على اساس طائفي وفئوي , مشهد اعادني الى تشكيلة مجلس الحكم الذي عزز التقسيم الطائفي والفئوي بين الشعب فاغرق الوطن في الدم ..لقد اجاد الأثنين عملهم واتقن المخرج توزيعه الادوار , ان مشروع تقسيم العراق قائم منذ تشكيلة مجلس الحكم , ولكن البدء بتنفيذه جاء على لسان رئيسه السيد محمود المشهداني ..نعم ..بالاغلبية وافق المجلس على { اتفاقية انسحاب القوات } .اما السيناريو المحتمل والاحداث المتوقعة على الارض فقد تتسسلسل كالاتي .
فخلال الأيام او الأشهر القادمة وقبل شهر تموز وهو موعد الاستفتاء النهائي للشعب على الاتفاقية كما اعلن , ولا ادري لماذا وما الداعي لهذا الاستفتاء والجميع يعلم بان مجلس النواب هو الممثل المنتخب والشرعي للشعب ..هكذا هم يدعون !!!! .
المهم خلال هذه الفترة ستتصاعد اصوات الرافضين للاتفاقية وستتشكل قوى معارضة جديدة وباسماء وطنية متنوعة تطالب باطلاق سراح السجناء وتأمين الخدمات وتفعيل المصالحة الوطنية , وتعتبر الموافقة على الاتفاقية هو تحصيل حاصل لأن الحكومة جاءت مع الاحتلال , مقابل ذلك سنشهد توتر خطابي عنيف بين حكومة بغداد وحكومة كردستان , بالرغم من ان الأثنين اكدوا على اهمية ودعم هذه الاتفاقية , كل ذلك يتزامن مع قرب مغادرة السيد بوش والذي سيعلن تأسفه جدا في حربه على العراق , ونتيجة لكل ذلك سيشهد العراق فوضى عارمة وارباك امني واقتصادي ونقص في الخدمات واضطرابات وانفجارات ودماء لم يسبق لها مثيل في عموم محافظاته , مما سيتوجب تحرك الحكومة المركزية بالطلب من القوات الأمريكية المتواجدة في الأماكن القريبة من المدن والتي انسحبت منها شكليا للتدخل والمساعدة لايقاف هذه الفوضى , مستندة لتنفيذ ذلك الى بند يشير على ضرورة موافقة اللجنة المشتركة والمشكلة بين الحكومة العراقية والقيادة الأمريكية على جميع العمليات العسكرية والتحرك كقوة مشتركة متعاونة لقمع اي فوضى او لتقديم المساعدات .
ففي المحافظات الشمالية والوسطى والجنوبية ستعم فيها الفوضى والتي ستسبب في نقص الخدمات والانفلات الأمني مما يستوجب تدخل الحكومة وبعلم القيادة الأمريكية عن هذه الفوضى وكيفية السيطرة والقضاء عليها , فتطلب من القيادة الكردية بنشر قواتها في محافظات الشمال للسيطرة على تلك الفوضى والارباك الأمني المفتعل وخاصة في مدينة الموصل وما يحيط بها من اقضية ونواحي , وفي المحافظات الجنوبية ستقوم الحكومة بواجبها بالتعاون مع القيادة الأمريكية ايضا بالطلب من القوات المحلية المتواجدة والمسيطرة في الجنوب والتابعة لبعض الكتل والأحزاب بالانتشار ايضا للسيطرة على الأحداث والتي هي الأخرى قد افتعلت وخاصة في مدينة البصرة وما حولها من مدن وقصبات ونواحي بحجة ضبط الأمن وحماية ارواح العراقيين .
اما في بغداد فان الأمر سيختلف قليلا , واذا ما اعتبرنا بغداد والمحافظات الوسطى والغربية منطقة مستقلة لوحدها , نعتبر بان المنطقة الخضراء هي الأخرى منطقة قائمة بذاتها .
فالفوضى التي ستحدث في بغداد وعلى ما اعتقد ستكون اقل ضراوة من الفوضى التي ستحصل حول محيط المنطقة الخضراء بالتحديد , وذلك لكي تكون حجة شرعية تسمح للقيادة الأمريكية بسحب قواتها وحصرها لحماية الحكومة والأمريكان المتواجدين في المنطقة الخضراء .
اما الضبط الأمني في بقية مناطق بغداد والمحافظات الوسطى والغربية والتي ستنسحب منها القوات الأمريكية بحجة حماية المنطقة الخضراء كما اسلفت فانها ستوكل الى تشكيلات الصحوة او الاسناد وبعض التشكيلات العشائرية الأخرى .
لقد دقة ساعة تقسيم العراق , ان مشاركة اعضاء البرلمان في هذه المسرحية والأدوار التي انيطت لبعض منهم للموافقة وللبعض الأخر بالرفض هي الحيلة الشرعية للقول بان هذه هي الديمقراطية الجديدة في العراق .
كما ان السيطرة وضبط الأمن وحماية ارواح العراقيين في جميع محافظات العراق , هي "الحجة" الوحيدة لشرعنة تقسيم العراق الى ثلاث مناطق للسيطرة على الأمن والفوضى , وهذا يعني ان حكومة المركز غير قادرة على حماية المواطنين في جميع مدن العراق .
اما نحن فنقول بان شعب العراق عاش منذ تأسيس دولة العراق في العصر الحديث موحدا لا يعرف شيئا عن التقسيم الطائفي والمذهبي والقومي , ومن لم يقرأ شيئا عن دولة وشعب العراق فاني اقول له ان كافة منتسبي الجيش والشرطة والجامعات والوزارات جميعها والمؤسسات التابعة والمنتشرة في عموم المحافظات ومدن العراق وفي اعلى المناصب كانوا من المسلمين والمسيحيين والصائبة واليزيدية والشبك والأرمن واليهود بكل مكوناتهم المذهبية والطائفية والقومية , ولم يكن في حسبان احد ان فلان من المذهب الفلاني او من القومية الفلانية , ولذلك فان المساس بوحدة اطياف هذا الشعب جريمة تأريخية وغير انسانية وسيعرض وجودهم الى استمرار نشوب صراعات دينية وقومية وكراهية لن تزول ابدا , اؤكد ان الحفاظ على وحدة العراق وشعبه هو الضمانة الأكيدة لاستمرار الحياة الطبيعية لكل الأطياف , وهي الضمانة الانسانية للحفاظ على المتبقي من المكونات التأريخية , ومنهم الأشوريون بكل مكوناتهم والصابئة واليزيديون والشبك والأرمن واليهود .
ان مشروع تقسيم العراق مهما كانت الأسباب مشروع غير حضاري ولا انساني ولن يجلب لشعب العراق غير الفوضى وعدم الاستقرار , ولابعاد هذا الشبح ولكي يستقر العراق ويبقى موحدا وينعم شعبه المتنوع بالخير والأمان والرفاه , يجب ان تقود العراق حكومة مستقلة وذات سيادة وبرلمان غير تابع لأحد , حكومة منتخبة بعيدة عن المصالح الطائفية والعنصرية والدكتاتورية , حكومة تحظى باحترام كل مكونات الشعب العراقي وشعوب دول العالم ......اتمنى ان يكون تحليلي وتوقعي بخصوص مخطط تقسيم العراق ...غير صائب .