Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

بقاء من اجل الفناء ام ماذا ؟

ابتداء نقول ليست الغاية من هذا المقال الدعوة او التحريض على التخلي عن ارض الاجداد والرحيل الى المهاجر البعيدة حيث التغرب وضياع الهوية بل ان الغاية هي الوقوف على حالة عدم الاكتراث والتسويف التي يتم التعامل بها ومن خلالها مع مطالب شعبنا من بعض الاطراف السياسية العراقية والتي تمثل الحد الادنى من الحقوق التي كفلها الدستورلمكونات الشعب العراقي كافة ومنها شعبنا الكلداني الاشوري السرياني والتي ينبغي الاستجابة لها اذا ماتوفر لدى هذه الاطراف حسن النية والعزم الحقيقي واذا ماكانوا حريصين على احترام وتطبيق الدستور الذي صاغوا مواده ونصوصه باناملهم ووفق مقاساتهم وطبقا لمصالحهم وتوجهاتهم ليكونوا على الاقل منسجمين مع انفسهم وخطاباتهم التي اصمّت اذاننا حديثا طنانا عن عراق ديمقراطي جديد هم بصدد بناؤه على انقاض الدكتاتورية وذلك لدفع ابناء المكون المسيحي للبقاء في وطنهم والتشبث بارضهم .
لقد اصبح واضحا لكل ذي بصيرة حجم ودناءة المؤامرة التي تستهدف الوجود المسيحي في العراق والرامية الى قلع هذا المكون من جذوره مثلما هو واضح عجز اولي الامر في هذا البلد عن حماية هذا المكون او تلبية ابسط حقوقه ، فماحظي المسيحيين من اغلب قادة البلد واصحاب القرار فيه منذ العام 2003 وحتى اليوم الا بمعسول الكلام والوعود التي تذروها الرياح، وسرعان ما يتضح زيف وعودهم وعهودهم كلما تطور الامر الى المطالبة بخطوات حقيقية وجدية تنقذ هذا المكون من خطر الزوال والاندثار فيبدأ مسلسل طويل وكريه من المماطلة والمناورة والافتراء وتزييف الحقائق بذرائع شتى بل يصل الامر بهم الى حد تحشيد الجهود وشحذ الهمم لاستثارة العقول المتعصبة بالاتجاه المضاد لطموحات وامال شعبنا لغرض التصدي وقطع الطريق على اي خطوة او مشروع يمكنه ان ينقذ هذا المكون من الكارثة المحدقة به وبهذا الموقف يكون هؤلاء قد تناغموا ضمنا مع الجهات والاجندات التي تستهدف حياته ووجوده بشكل يومي من حيث يدرون او لايدرون ماداموا على هذه المواقف السلبية من امانيه وتطلعاته ومن تلك الاماني مشروع المحافظة المقترحة لشعبنا في سهل نينوى مع بقية المكونات القومية والدينية المتعايشة معه منذ القدم والذي يشكل امله الاخير وجزء من الحل لمأساته المتواصلة منذ ثمان سنوات على مرأى ومسمع قادتنا وسياسيينا الامر الذي وضع ابناء هذا المكون الاصيل مكرهين امام منعطف خطير ومصيري بالبقاء وتقديم المزيد من التضحيات الغالية كضريبة ازلية لديمومة وجودهم واستمرارهم على هذا الثرى او ركوب الصعب والمجهول والرحيل الى المنافي البعيدة بحثا عن امن وكرامة انسانية عزت وشح بها عليهم اخوتهم في الوطن . لقد بات واضحا ان الفكر الاحادي والعقلية الشوفينية الاقصائية والنظرة الاستعلائية لايمكنها التعاطي مع حقوق الاخرين المختلفين معها ارثا ونهجا وهوية بايجابية لان بنيتها النفسية والعقلية وموروثها الفكري لايتحمل الاعتراف بوجود وحقوق الاخر وهذا ليس بالامر الجديد على عقول بعض نخبنا السياسية التي تتبوأ اليوم مواقع المسؤولية في الدولة العراقية فهو ارث متراكم و متوارث ليس بامكانهم التخلص منه او تجاوزه ، فاهل الذمة في عقلية هؤلاء كانوا ولا زالوا وسيظلون مواطنون من الدرجات الدنيا ليس لهم من الحقوق الا بقدر ماتمن به عليهم هذه العقلية المريضة التي لاتستطيع الخروج من قوقعتها ومغادرة ارثها الذي عفا عليه الدهر.
اجل فعندما يتعلق الامر بحقوق المسيحيين (الكلدان السريان الاشوريين) وضرورة انصافهم فالامر يغدو من المحرمات والكبائر التي لاينبغي السماح بها لذلك تستنهض الهمم وتساق التهم وتوضع الخطوط الحمراءوالاسوار العالية وحتى الاسلاك الشائكة لافشال الخطوة ولتشويه صورة المطلب والتشكيك بنوايا اصحابه ويتم تناسي وتجاوزكل شعاراتهم وخطاباتهم في المواطنة الواحدة والعدالة والديمقراطية ، فالحقوق وفق تصوراتهم تمنح بحسب الحجم والعراق ينبغي ان يبقى حكرا عليهم ماداموا الاكثرية فيه حتى لو ثبت بالتجربة ومنذ العام 2003 وحتى اليوم ان قادة هذه الاكثريات هي التي قادت و تقود البلاد الى الهاوية والخراب وانهم من بددوا ثروات الوطن ووضعوا الشعب في مهب الريح فاكثريتهم تمنحهم الحق في كل شئ واقلية الاخرين تسلبهم كل شئ حتى حقوق المواطنة البسيطة هذا كله يحدث في وطن اسمه العراق يحلو لهم القول بانهم جاؤوا لانقاذه من براثن الاستبداد ليسيروا به الى جنائن الحرية غير متذكرين ان العلامة الفارقة للحرية والديمقراطية التي يبشرون بها هي حفظ كرامة الانسان في وطنه بغض النظر عن عدده وانتمائه.
بعد كل هذا ورغم الحيف والغبن والقنوط الذي يلازم المسيحيين في وطنهم (العراق) في الحل والترحال بسبب السلبية وعدم الجدية في التعاطي مع مطالبهم المشروعة يحلو للبعض من هؤلاء مناشدة المسيحيين بين حين واخر بضرورة البقاء في وطن لم يحفظ لهم امنهم وارواحهم وكرامتهم باعتبار انهم الاصلاء فيه والاكثر عطاءا وتفانيا وفي هذه الحال لايمكن تفسير هذه المناشدات في ظل غياب الاستجابة لابسط حقوقهم سوى انه محض مفردات عقيمة تندرج في اطار النفاق السياسي الذي داب عليه البعض بلا مواربة او خجل وان هدفها هو افناء المسيحيين عن اخرهم فهي مطالبة بالبقاء لاجل الفناء طالما كانوا مستميتين في التصدي لاي مشروع يهدف الى رفع الحيف عن المسيحيين في وطنهم لان الحدود الوهمية والشكلية بين محافظات العراق اكثر قدسية في نظرهم من الارواح العراقية البريئة التي تزهق كل يوم لعموم العراقيين ومنهم المسيحيين ليس لشيء الا لانهم ولدوا عراقيين واحبوا وطنهم الى حد الشهادة على ارضه وبذلك يلتقي هؤلاء السياسيين مع قتلة المسيحيين والساعين الى افراغ العراق منهم من حيث يقصدون او لايقصدون مثلما اشرنا. فمبروك على هؤلاء واولئك عراقهم الجديد ذي اللون الواحد والفكر الواحد ولنا الله نحن المسيحيين فقدرنا ان نكون على الدوام شياة تساق الى الذبح على وفق مشيئة الذباح ، اما ادعائهم الخشية على وحدة العراق من المحافظة المزمع تشكيلها فنرد بالقول ان وحدة العراق لاتتهدد الا عندما يتم الحديث عن حقوق المسيحيين ووحدة نينوى لم تثلم ولم تتهدد عندما الحقت الشرقاط بتكريت وحدودها لم تكن مقدسة عندما استحدثت دهوك محافظة جديدة بعد فك ارتباطها بالموصل كاستحقاق طبيعي نظرا للتوسع السكاني والعمراني ومايقتضيه ذلك من الحاجة الى الارتقاء بالجانب الاداري والخدمي على نحو افضل ،ان المعترضين على مشروع محافظة سهل نينوى يناقضون انفسهم بانفسهم فهم يبيحون لانفسهم المطالبة بتشكيل اقاليم على اسس طائفية ومناطقية بذريعة التهميش والاقصاء الذي تعاني منه بعض الاطياف او المناطق وينكرون ذلك على غيرهم مع ان هامش الاحساس بالاهمال والتهميش لدى الاخرين في الواقع اوسع بكثير من هذا الذي يتحدثون عنه .اما حديثهم عن قدسية الحدود وحرماتها فمن حقنا ان نسالهم عن معيارماهو مقدس في نظرهم وهل ان حدود اي محافظة او تشكيل اداري مهما كبر او صغر هي اقدس لديهم من حياة الانسان خاصة وان تجربة السنوات المنصرمة اثبتت فشل اصحاب نظرية الحدود المقدسة والخطوط الحمراء في حماية ارواح المسيحيين في الموصل كما ثبت عجزهم عن حماية طلبتهم وموظفيهم من الاستهداف في وضح النهار. ومع كل هذا فاننا نطمئن المتباكين وذارفي دموع التماسيح على وحدة نينوى واهلها بان المحافظة المنتظرة لن تلحق ببلد او كوكب اخر بل ستظل في اطار العراق الواحد الموحد وانموذجا للوحدة الوطنية والتعايش السلمي بين كل مكوناتها وكفى نعيقا على وحدة العراق في الوقت الذي مزق الكثير من هؤلاء واقرانهم وحدته واوغلوا فيه طعنا بخناجر الحزبية وهدما بمعاول الطائفية والنزعة التي لاحدود لها للاستئثار بالسلطة وبمقدرات البلاد والعباد تحت عناوين وشعارات سقطت في اختبار الميدان واصبح اصحابها ومطلقيها اضحوكة هذا الشعب البائس الذي كانت كل خطيئته انه أئتمن على مصيره من لم يكن اهلا للامانة.

حازم زوري


Opinions