بلا ميليشيات ولا اوليغاريات !
لا يمكن للعراق أن يبقى رهين الفوضى والتدمير على يد ميليشيات مسلحة، وعصابات إجرامية، ومرتزقة اوليغارية كلها تابعة لقوى سياسية قديمة أو جديدة. قوى تعمل في العلن أو تحت الأرض! ولا يمكن التنديد بأي خطط تستأصل هذا الوباء الذي استشرى طويلا، ومنذ سقوط النظام السابق. إن الثمن الذي دفعه الشعب العراقي كان باهظا جدا، وكم نادى العديد من العراقيين كل الحكومات المتعاقبة أن تفعل شيئا إزاء تفاقم خطورة تلك الاوليغاريات المسلحة التي تنتشر في كل مكان. بل ولها القدرة على التحرك في أي مكان، وقد شكلت نفسها كميونات حاكمة في مناطق معينة، وهي مضادة للمجتمع والحياة. إن العراقيين في حاجة ماسة الى الوعي بمخاطر العصابات المرتزقة والتشكيلات الاوليغارية التي لا تخلو من ارتباطات بجماعات وأطراف سياسية وإقليمية بالذات.إن وعي العراقيين هو أهم ما يمكن الاعتماد عليه في زرع الثقة بين المجتمع والمؤسسات. إذ لا يمكن أن يبقى الاضطراب سائدا مهما كانت المصالح المكتسبة من ورائه، سواء كانت مصالح شخصية أم حزبية أم محلية أم خارجية. إن تطبيق القانون وترسيخ هيبة الدولة لا يأتيان من فراغ، إذ ينبغي على كل العراقيين أن يميزوا بين تطبيق القانون وأمن العراقيين من جانب وأساليب مقاومتهم للمحتل. ذلك أن المقاومة لا يمكنها إقرار الاضطرابات والعبث ليس بالمؤسسات وحسب، بل بالمجتمع وأبنائه وخدماته. وعليه، فان أي تنظيف للعراق من الأسلحة سيشكّل علامة فارقة ومتقدمة من تأسيس مشروع وطني في ظروف هادئة.
لا بد من اجتثاث هذا الوباء الخطير، ولا بد أن تتطور علاقات اجتماعية جديدة تتعزّز من خلالها الثقة بين العناصر السكانية، وينفتح الناس على بعضهم الآخر من دون أي حساسيات أو حزازات أو كراهية متبادلة. على المجتمع أن يتكاتف ويتعايش لحماية نفسه بدل الاعتماد على شلل من الشلاتية والساقطين والمارقين والحرامية واللوتية، وعذرا لاستخدامي مثل هذه الألفاظ ! ولقد توضّحت الصورة المأساوية منذ سنوات عن تفسخ فاضح في المؤسسة العسكرية التي تتفرق فيها الأهواء، وتتباين فيها الانتماءات بعيدا عن أي عقيدة عسكرية عراقية وطنية. إن الحكومة العراقية قد وعدت بتنفيذ خططها في إنهاء الميليشيات، لكنها لم تستطع تنفيذ أي خطوات في أصقاع مختلفة من العراق حتى يومنا هذا. ان تثبيت أسس الدولة لا يمكنه أن يتم من فراغ، فالدولة في حاجة إلى قوة عسكرية نافذة، ودعم اجتماعي وشعبي منقطع النظير، ولم يزل مجتمعنا يعيش تشظيا طائفيا وسياسيا واجتماعيا مريرا بعيدا عن سيادة القانون، فالمؤسسات هشة ويسودها الفساد الإداري والأخلاقي بشكل لا يصدق! وآخر ما يمكنني قوله: إن كل ما يجري بمعزل عن أي مشروع وطني حضاري سيكون مصيره الفشل الذريع!
ثمة أسئلة تقول: هل باستطاعة الحكومة المقبلة أن تحقق الأمل، وتقضي على ميليشيات ومرتزقة؟ هل ستتمكن من استئصال كل الفساد والأوبئة؟ هل سيكون القادمون الجدد أفضل حظا من الذين سيرحلون بحيث يسود الأمن وتؤمن الخدمات. ويتم التجرد من المحاصصات الطائفية والتوافقيات العنصرية؟ هل ستتبدل الاوضاع نحو الأفضل من خلال جملة إصلاحات جذرية؟ هذا ما نتمنى جميعا حدوثه. دعونا ننتظر من سيختاره الشعب لسدة الحكم؟
نشرت في مجلة الاسبوعية ، 10 يناير / كانون الثاني 2010 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com