بيان الاساقفة..و المياه العكرة
قرأت كالكثير منا ما جاء في بيان اساقفة الشمال، وتعددت الاراء حوله، فكثرت المقالات، اشارة الى سخونة الموضوع لدى اوساط مختلفة، منها اكليروسية، ومنها علمانية، ومنها حزبية سياسية.فقد سنحت لي الفرصة ان اقرأ بعض تلك المقالات، وان اطلع على اراء بعض (كتابنا) (ان صح التعبير)، فقرأت عمن يلوم الاساقفة على ما قالوه، لان الوقت غير مناسب، واخر يصفهم بمن يريدون الانقسام، وثالث (يشبههم) وبلوم خالص، و (جرم) مسبق، بالدعوة الاصلاحية التي دعا اليها الاسقف مار باواي سورو. اما اخرون فلم يستخلصوا من البيان سوى اثار مثل عربي يقول " مصائب قوم عن قوم فوائد"..فاعتمدوا عليه في تحليلهم للقضية، وعلقوا على ذاك البيان احلام لم يستطيعوا لا تحقيقها ولا اليقظة منها.
كثيرا ما يكون الانسان الضعيف منا ضحية للدخول في متاهات ودهاليز يخلقها لنفسه هربا من واقع لا يستسيغه، ولا يريد العيش فيه او مواجهته. وكانت الكثير من تلك المقالات (دهليزية) تتهرب من حقائق موجودة، وقيل وكتب عنها الكثير. ولكن العاطفة تفعل فعلها وتسيطر على تفكيرنا وقراراتنا نحن الانسان الشرقي في كثير من الاحيان.
فموضوع اصلاح الكنيسة، موضوع قديم، برز على السطح مؤخرا لاسباب عديدة، وهو ليس جريمة يرتكبها من يدعو اليها، فالمجمع الفاتيكاني الثاني، والذي يعتبر من المجامع الاصلاحية الكبيرة، لم يكن جرما، بل على العكس فانه انقذ ما يمكن انقاذه واعطى دافعا قويا للكنيسة للانطلاق من جديد ودفع عجلة المسيحية لمواكبة العصر. ولم يكن المجمع مبنيا على اتفاق تام، فهو كالثورة، لا بد ان يكون له راس مفكر، وبذرة لتلك الفكرة. ولا بد من وجود تأييد كبير لدعم الفكرة وتحويلها الى حقيقة، تعقد على اساسها سينهادوسات ومجامع ومؤتمرات للخروج بتوصيات وقرارات تخدم الشعب.
وايضا، ومع كل هذا فلا بد ان يكون هناك من يرفض تلك المقررات ويصفها بالغير عقلانية او المنطقية او انها لاتتناسب مع التراث الكنسي، لكن تأييد الاغلبية، و(المواجهة) الحقيقية مع الواقع، ترجح لها كفة الميزان دائما..
فبالامس ولا يزال الى اليوم، مار باواي سورو، الذي له مؤيدين، يدعو الى الاصلاح في الكنيسة، والتجديد في نظرتها. ومواكبتها لمتطلبات ابناءها، ولكن ولاسباب لن نتطرق اليها، فانه عورض معارضة تامة، واقيم (سينودس) خاص لاجل ايقافه !!. واليوم اساقفة في الكنيسة الكلدانية يدعون الى التجديد، فهل سيوقفون!! بالتأكيد لا فالكنيسة الكلدانية ليس لها ان تضحي بخمسة اساقفة دفعة واحدة. ومن معهم من القساوسة والشمامسة.
الدعوة الى التجديد صحيحة، وكنيسة المشرق بحاجة اليها، لمواجهة التحديات التي تواجهها وهي كثيرة جدا في عراق اليوم، وحتى في المهجر. لكن كما اسلفنا في مقالات سابقة، فنحن لنا ان نرحم الكنيسة قليلا، باراءنا وتحليلاتنا، ولا نجعلها سوقا لافكارنا الحزبية والسياسية. ففي بعض المقالات وبعد ان دعى الاساقفة الى وجود علمانيين في السينودس المقترح، اطلق البعض لمخيلته العنان، وترجم الدعوة على انها دعوة لاقامة (مؤتمر) كنسي سياسي، بين الكنيسة والاحزاب والمؤسسات السياسية الكلدانية لتفعيل دور تلك الاحزاب الضئيل وللخروج بوثيقة ( تؤكد) تسميتنا، وكأننا نجهلها، او لدعم حزب سياسي على حساب اخر، كما فعل مطارنة الكنيسة الكلدانية في اميركا اثناء الانتخابات..
كيف لنا ان ندعو الى مثل هذا ونحن لا نزال نرشق مار باواي سورو (بتهمة) تاييده للحركة الديمقراطية الاشورية؟؟!! أ لسنا ندعو لمثل الشئ؟؟ ولكننا نحلله لأنفسنا بناءا على نظرتنا السياسية؟؟
الكنيسة بحاجة الى مجمع، نعم..وقد كتبنا عن هذا منذ في اغسطس 2005 وديسمبر من ذات العام في مقالات موجودة على مواقع متعددة، ولكننا تحدثنا عن مجمع يصلح ما تصدا في ادرايات الكنيسة اولا، وما هي بحاجة ماسة اليه، من تقارب ومنهاج وخطة عمل تخص المؤمنين، في الوطن والمهجر. واداريات اخرى تخص الكهنة انفسهم، اذ اصبح الفرد العلماني منا يتعرف على ما يجري في (بعض) اروقة الكنيسة من (تباعد) بين الكهنة ببساطة، لكثرة تلك الحوادث. وعلانيتها..
الكنيسة بحاجة الى تجديد ومصافحة واعتذار.. وبدعوات من الكهنة والاساقفة، لاقامة سينودسات ومجامع متعددة لمواكبه التحديات، وبدعم (محدود) من العلمانيين، بمقالات متزنة، وليس بترجمة احلامنا السياسية وتصيدنا في ماء عكر..عكر صفوه فشلنا كسياسيين مؤسسات وافراد.
فكنيستنا اليوم بحاجة الى رحمة..وصلاة.. وكلنا مدعوون للمشاركة فيها قبل المشاركة في السينودس المزمع. ولتكن دعوتنا واراءنا نابعة من عقلانية ومواجهة للمواقف الحرجة التي وضعت الكنيسة نفسها فيها..وليكن لنا ادراكا بفمهومنا اذ نتحدث عن الكنيسة، فان قلنا مواقف حرجة للكنيسة، لا يعني هذا اننا نتحدث لاهوتيا، وعقائديا، لكننا نشير الى ادراياتها كمؤسسة.. ومواجهة الاخطاء الادارية ليس معيبا، او تعديا، وهذا بالضبط ما دعا اليه الاساقفة..
وكلمة حق تقال..فان كنيسة المشرق العزيزة على قلوبنا جميعا، كلدانية كانت او اثورية بحاجة الى عقد مجامع وليس مجمع، لازالة الغبار عن صورتها الجميلة، الناصعة..والمشعة.. ولعقد ( وثيقة تفاهم ) مع مؤمنيها.. تريهم من خلالها ملامحها، فكرها المتزن، وشموخ مواقفها.. ولنكن نحن العلمانيين ماءا نسقي بإتزاننا، وتحكيمنا للعقل، بذرة الاصلاح التي يدعو اليها اساقفة كنيسة المشرق. ماءا يجري في جدول التقارب والاصلاح والتضحية، بعيدا عن مستنقعات الفرقة والانقسام..
وبارك الرب بكل جهد جمع ولم يفرق
سيزار هوزايا
ملبورن – استراليا
تاموز 2007