بيان من التنظيم الديمقراطي الارامي :ميليشيا حزب الله أو "أخوية" حزب الله؟
20/01/2006من حضر مقابلة جورج صليبي مع السيد حسن نصرالله في تلفزيون نيوتيفي (الجديد) أمس الأربعاء 18 ك2 2006 صدمه التغيّر الهائل عند سماحة الإمام، لا من ناحية المبادئ، فهذا أمر مستحيل عند الراديكاليين أمثاله، ولكن من ناحية الشكل. إن السيد حسن نصرالله لبس الأمس ثياب الحمل حتى بات لا يعرفه أحد، فكنت تخاله "تلميذ البيزنسون" لا يطالب المعتدين عليه ولو بالإعتذار، لا بل يذهب أبعد من ذلك بكثير ليعرض عليهم أن يقدّم لهم (مجانا؟) حمايتهم الشخصية (من المتفجرّات؟ بدون تعليق)... والعجيب هنا أنّ هذا التغيّر لم يمسّ سماحته فحسب، بل تعدّاه الى "الشباب" في الحركة وأتباعها، وأتباعهم. ومن عاش في لبنان طوال حكم طغمة الطائف وتعاظم حزب الله، بغض النظر عن تطبيق الطائف أو عدمه، يرى العجب العجاب في تظاهرة الأمس الطويلة العريضة وقد غابت عنها السواطير والفؤؤس وغيرها من أدوات الإرهاب المفضوحة المرافقة للرهط نفسه، بل والأهم من ذلك، غياب الأعلام التي كانت في العادة تضم كل أطياف الميليشيات بأشكالها وألوانها والتي كانت تظهر هوية أصحابها وتكاد تخفي ألوان القلة الضئيلة من احتمالات الأعلام اللبنانية. أما الأمس وعلى العكس، فالأعلام اللبنانية غطّت كل ما تحتها، حتى لتخال حملتها كلهم لبنانيين، فكأن البراثن كلها أخفتها ثياب الحمل (بفتح الميم). وبما أن التغيّر مستحيل في مبادئ حزب راديكالي كحزب الله، فلن نتطرق إلى موضوع وهمي كهذا يرفضه أصحابه، ولنذهب دغري إلى التغيّر في الشكل، وهو الواقعي والحرزان. ففي الشكل، قدم سماحة السيد نصرالله طروحات حزب الله غير منقوصة ولا أنملة، بأمبالاج ولا أحلى. فكلامه كان شبه دعوة لجميع اللبنانين للإنضمام في صفوف حزب الله، ولكن بما أنه يعرف أن ما كل الأشياء تسمّى بأسمائها، فقد بدأ بالأشياء التي تسمّى لينتقل بعدها الى ما لا يسمّى.
فكيف يمكن لسماحته أن يحزبل لبنان كلّه؟ المسألة بسيطة. يبدأ بما يعتبره مسلّمة المسلّمات والباقي هيّن. فبما أن سماحته من الذين يعتقدون أن أساس الأسس لبناء الدولة اللبنانية (أو أي دولة أخرى) يبدأ من النظرة الى إسرائيل، فيطرح هذه المسلّمة في البداية فتسقط أسوار الأعداء بعدها بأسهل ما يكون، على طريقة الدومينو. وهكذا بدأ سماحته بتوجيه السؤال الى جورج: هل إسرائيل عدو أم لا؟ ومن يتوقّع من جورج (أو من غيره) إجابة على هذا السؤال دون أن ينخطف صوته؟ وهل هذا سؤال يُطرح؟ هذا موضوع خارج عن إطار المناقشة وعواقب المخالفات معروفة الوخامة. طبعا، إسرائيل عدو "خلقة". ومن يناقش الموضوع فهو عميل. والعميل مصيره العقاب، والعقاب على درجات، والدرجات يحددها صاحب الحق المكتسب بالمقاومة، والمقاومة ماركة مسجلة، نكاد نقول: مسجلة تسجيلا: ليس فقط في سجلات البشر القابلة للتحريف، بل في سجلات الله. إسألوا حزب الله!
إذن، بعد أن حسم سماحة السيد موضوع المقبولين و غير المقبولين في الحوار "الوطني" تحت طائلة العقاب الأرضي والأبدي، بقي أن يردّد على مسامعنا، مبادئ حزب الله، الذي جلس بلا منازع على طاولة المفاوضات إنطلاقا من النيوتيفي. فتصبح بذلك مبادئ حزب الله مبادئ الجميع، بلا استثناء.
ولكن "أين التغيير؟" تقولون. إن كان سماحته ذكّر جورج بأنه غير مستعد لمفاوضة الذين لا يعتبرون إسرائيل عدوة، أين التغيير إذن؟ هنا بيت القصيد. برأينا أن التغيّر الكبير يكمن في الشكل، أو الأمبالاج (أو التعليب)، ولهذا فلقد أضاف سماحته قائلا لجورج ولملايين المتفرّجين، أنه مستعد للجلوس معهم وشرب القهوة معهم، ولكن ليس للتفاوض معهم بشأن لبنان. تصوّروا التغيّر: تناول القهوة مع الجاحدين الملحدين، وأمس كان قد حكمهم بالإعدام! هذا الموقف من شأنه تبرير الجلوس مع "الكفــّار" من عيار سمير جعجع وميشال عون وغيرهم، خاصة وأن منهم من خالط الإسرائيليين... دعك من أنه لا يعرف من منهم قد يحالف إسرائيل في المستقبل، كما قال لجورج وللملايين أمس. نعم، عند السؤال إن كان يظن أن أحدا بعد لا يعتبر اسرائيل عدوا، أجاب سماحته، "لا أعرف".
الجدير بالذكر أن سماحته أكّد لجورج ان أجهزة الأمن التابعة لحزب الله لا تغطي كل بقاع الأرض اللبنانية، إلاّ إذا... "وصلها معلومات عن وجود عملاء لإسرائيل". ولكن لم يوضح سماحته شيئا عن الإجراء الحزباللهي في حال ذلك الوجود. لأنه من الصعب المعرفة إن كانوا ممن يشرب القهوة معهم أو ممن يمشى في جنازتهم. إذن، الرسالة المبعوثة الى الذين لا يعتبرون اسرائيل عدوا هي التالية: سماحة الإمام يمكنه أن يقرر ما إذا كنتم ممن يدعون الى القهوة أو يرسلون الى المقابر. وعلى أهل الذمة أن يتذكروا هذه المنــــّة بأنه قد فتح مجال لشرب القهوة معهم، في بعض الحالات، مع التحفظ. وسنرى لاحقا بفضل من جاءت هذه المنـــّة. إذن، في المبدأ لا تغيير. هكذا كان الإمام في عصر الفتوحات، يقرر من من الذمّيين يُقتل ومن منهم يترك على قيد الحياة ليكون مصدر ثروة للمسلمين.
يبقى سؤال هامّ لم نجب عليه: ما الذي جعل السيد نصرالله قائد حزب الله يتحوّل، ولو في الشكل، من ذاك الصارخ المهدّد المتوعّد الذي نعرفه الى هذا "تلميذ البيزنسون" الذي لا نكاد نعرفه، وما الذي جعل حملة السواطير والفؤوس يتحولون الى حركات "شبابية"، فقط أمس؟ الجواب ليس في ضرب المندل.
هاكم بعض التفسيرات السياسية:
أولا: القرارت الدولية وعلى رأسها القرار 1559، نالت وبصورة نادرة جدا إجماعا دوليا، حشد حتى المتكاذبين المتناقضين المتنافسين في سياساتهم الخارجية (مثلا الأمريكان والروس وفرنسا والصين) ضد "محور الشر" والحركات الإرهابية. فحزب الله مدعو أكثر من أي وقت مضى لارتداء ملابس أخرى.
ثانيا: الجدية التي يتعامل فيها المجتمع الدولي تظهر أنيابا سياسية وأمنية وعسكرية واقتصادية تنذر بتشليح حزب الله، ليس فقط سلاحه، بل مواقع سلطة حقيقية ولو أن السلبطة قد مكّنته من السطو عليها.
ثالثا: يتأكد لحزب الله أكثر فأكثر أن الحليف الوحيد الذي يمكنه أن يحميه من القوة الخارجية الداهمة هو الرهينة المحلية، أي الذميين في الداخل. فالحل يجب أن يطبخ في الداخل.
لهذه الأسباب كلها نرى أن حزب الله، يستعمل الذكاء الطبيعي الذي تمنحه الطبيعة وغريزة حب البقاء عند خطر الزوال، فيتوسّل الفريق اللبناني، على "علاّته" لتقطيع الخطر الداهم.
أما السؤال إذا كانت خطة حزب الله ستنجح، رغم كونها مفضوحة للغاية، فالجواب عليه انموذجي. حسب الخبرة التاريخية، إذا قدّر للفريق الذي يفاوضه حزب الله أن يرأسه ذميّون فالنتيجة محسومة لصالح حزب الله، مهما كانت الظروف والوسائل والشروط، مثال على ذلك تمسّك حزب الله بأميل لحود. والجواب على هذا السؤال (الحزورة) من شأنه ايضاح مصير حزب الله إن يبقى ميليشيا فاتحة على حسابها أو يتحول الى "أخوية". وبهذا لا نعني أن تحوّل حزب الله الى أخوية يمنعه من إدارة الكانتون الشيعي، بل على العكس. أن صحّ الصحيح، فتصبح ميليشيا حزب الله، جيش الدفاع الشيعي وجزءا من الجيش اللبناني، بينما يتحوّل جناحه السياسي الى برلمان الكانتون، في انتظار أن يقتنع كل اللبنانيين بالحزبلة. والى ذلك الحين فإن الفدرلة لا تتعارض مع الحزبلة، وحزب الله بالهم طويل، حسب أدبياتهم.