بيرتا
منذ وقت طويل أحاول جمع معلومات عن قريتي الشهيرة باسمها والمجهولة لدى السواد من الناس هذه الايام، إذ أن اسم بيرتا غالبا ما يظهر في علم الاعلاميات السريانية كما يشير العلامة جان فيي[1]. بيرتا اسم سرياني يعني القلعة أو الحصن. ويرد هذا الاسم ليدل على أكثر من ستة مواقع جغرافية وخاصة في المنطقة المحصورة بين منطقة شمال العراق وشمال سوريا وجنوب تركيا. وفيما يخص البلدة التي نحن بصددها يذكر الاب البير أبونا ان هذا الاسم يرد احيانا ليشير الى مقاطعة، واحيانا الى بلدة هي مركز هذه المقاطعة[2]. وتقع هذه المقاطعة في منطقة مركا ويسميها فيي بمركا الغربية وهي على شكل مثلث متساوي الساقين رأسه نحو الأسفل يحدها من الشرق نهر الخازر، ومن الغرب نهر الكومل أما من الشمال فحدها سلسلة جبال عقرة أو التي تسمى جبل الخير "جيا خيري". ويقول عنها سعيد الديوه جي انها من أعمال الموصل منذ العهد الاموي اي منذ القرن الثامن لأن الموصل ضمت في ذلك العهد حتى منطقة العمرانية التي كانت متاخمة للمرج، من الجانب الشرقي.( تاريخ الموصل، ص456).خصص الاب جان فيي فصل كامل سماه مركا الغربية أو مقاطعة بيرتا لدراسة ابرز ما لقيه من معلومات جغرافية وتأريخية، وقد تحدث بشكل مختصر عن بلدة بيرتا ذاتها ذكر فيه:
بيرتا
تدعى اليوم بيريه، وبيرتا ليست سوى قرية تقع على منحدر الجبل، على مسيرة نصف ساعة من تلا. على قمة تلة، هكذا كأنها في وسط المنحدر وثمة ثلاثة "قلاع" صغيرة إلى شرق القرية. تدعى القلعة الثانية منها قصرا ميرا، أي قصر المير.
من حيث الآثار المسيحية، ثمة في الجبل، قريباً جداً من بيري، مغارتان كبيرتان تحتويان كل منهما على ايوان مرفق بغرفتين، مع جدار وسلم في الامام.
ولكن داخل القرية نفسها، نجد صخرة كبيرة، تتألف من ثلاثة أحجار الواحدة فوق الأخرى، مع فتحة في الوسط، بحجم بئر صغير، يدعونها أهل القرية بريه قاشا، أي حجر القس، ويقال أنها كانت قبة ناقوس (؟).
وسيكون من المشوق أن نعتقد انه كان قاعدة برج قديم لعمودي، ففي الحقيقة، أن العمودي الوحيد الذي يرد ذكره في المنطقة كان في بيرتا، إذ إلتقاه مارن عمه وهو في طريقه من شلمث إلى خنس[3].
ولكن هذه تبقى معطيات تاريخية واردة في المصادر.
لا يعرف أحدا متى اعتنقت البلدة المسيحية ولكن على العموم كانت ضمن المنطقة قد دخلت صراعات المونوفيزيين واتباع كنيسة المشرق، اذ يبدو انها تحولت في فترة ما الى المونوفيزية ليظهر فيها عمودي لأن التزهد العمودي لم يكن مستساغا لدى النساطرة كما يؤكد الاب جان فيي. ويصف الاسقف توما المرجي مؤلف كتاب الرؤساء أن مارن عمه لعنه واستدعى البرد والنار من السماء لكي لا يتبقى منه او من برجه شيئا. كما يُذكر انه كان حانقا على قرية حطرا كذلك في منطقة بيرتا ورشقها بسهام لعناته.
كما انه في نهاية القرن الخامس، قاد الراهب مار كيوركيس حملة ضد المونوفيزيين ودحرهم في بيرتا، واسترد مواقع أخرى كذلك، ولعل بر عيتا كان قد تنبأ منذ منتصف القرن الرابع ببقاء كل منطقة مركا نسطورية. ويحدد الاب جان فيي موقع هذه المأساة في جنوب شرق بيري، في قرية قريبة تسمى باسفري، حيث وجد حجرا منحوتا يدعونه بالكردية بري خراتا.
لعل اشهر معلم مسيحي في البلدة هو كنيسة أو دير مار كوركيس والمشيد في موضع يسمى بيث زيتون. والمعلومات عنه شحيحة جدا حيث تحولت كنيسة الدير الى كنيسة خورنية للبلدة، وكانت الكنيسة تحتفظ بنسخة أنجيل[4] يرقى إلى عام 1743 ويذكر الاب ميخا مقدسي في فصل مخطوطات مكتبة مطرانية الكلدان في الموصل تحت التسلسل 15 ان المخطوط كتب في القوش يوم السبت الموافق 2 ت1 عصر الاحد الثالث لايليا سنة 2054 يونانية الموافقة 1743ميلادية في عهد ايليا البطريرك، وذلك لكنيسة مار كوركيس دبيث زيتي في بيرتا.
كما ان هناك مغارتان كبيرتان تحتوي كل منهما على ايوان مرفق بغرفتين مع جدار وسلم. وفي داخل البلدة نفسها هناك صخرة تتألف من ثلاث احجار الواحدة فوق الاخرى مع فتحة في الوسط تدعى بريه قاشا أي حجر القس.
ومن مواضعها المعروفة قرية ميا قريري التي اسس باواي فيها احدى مدارسه. نيرم دراعاواثا وقرية بيث قرداغ وقرية تلا وأحيانا يرد تلا وبلا التي ربما اليها يعود أصل الميطرابوليط ايشوعياو المرجي الذي كان على وشك ان يتم انتخابه بطريركا. كما ان ملي سوكا أو سوق الأحد معروفة كاحد مراكز روستاقا دبيرتا الذي كانت اراضيه خصبة.
ومن المواقع التاريخية الشهيرة هو دير الربان قفريانوس الذي لم يتم تحديد موقعه بالضبط لحد الآن. والربان قفريانوس عاش في القرن السابع اجترح عجائب كثيرة من بينها شفاء ولد من بيرتا كان قد انقلب رأسه الى الوراء بتأثير الشيطان. ومن المشاهير ايضا الانبا جبرائيل رئيس الدير المقدس وقد كتب توما المرجي قصته في ملحق كتاب الرؤساء واورد عجائب واشفية تمت على يده ومنها ان رجلا من بيرتا لم يكن له ولد وتضرع الى الشيخ القديس فولد له ولدان توأمان وأوصى الرجل بالاهتمام بالغرباء والمساكين تعويضا للبركة التي منحه الله اياه.
ولعل بيرتا مثل قرانا وبلداتنا الاخرى تعرضت الى مآس وويلات منها أن شريرا كان يدعى عمران بن محمد استولى على اراضي البلدات والقرى واستولى على مقاطعة بيرتا كذلك.
أحصى الخوري يوسف تفنكجي عام 1913 نفوس بيرتا 60 وبلا كاهن ولا كنيسة ولا كابلة ولا مدرسة فيها (نجم المشرق العدد8 (4) لسنة 1996. ولكن في احصائية عن كاثوليك الطقس الكلداني قام بها الاب روفائيل بيداويد عام 1950 بطلب من المعاون البطريركي المطران اسطيفان كجو ضمن ابرشية العمادية ذكر ان في بيرتا مائة مؤمن وكنيسة واحدة وبدون كاهن (مجلة نجم المشرق 27 العدد107- 108 لسنة 1999 ص 177).
واليوم هذه البلدة يسكنها الاكراد من سكان المنطقة. فيما اهلوها المسيحيون انتشروا في الموصل وضواحيها منتصف القرن الماضي أما اليوم ففي استراليا ونيوزيلند والسويد واميركا واليونان وسوريا والامارات العربية، كما انتشروا في داخل العراق في الموصل وعينكاوة وعقرة ودهوك وباطنايا وقره قوش وكرمليس وهزار جوت وغيرها.
وقد تخرج شبابها من الجامعات العراقية باختصاصات وشهادات مختلفة وغالبية البيرتاويين مارسوا أعمال البناء والنجارة ونقارة الحجر في أوائل هجرتهم لبلدتهم الام. فيما توزع ابناؤهم على أعمال أخرى غيرها.
هذه خلاصة تاريخية موجزة لبلدة بيرتا في منطقة المزوري. لعل ابناؤها يقرؤونها واتمنى ان يزودني بالمعلومات سواء أكانت تاريخية او حديثة وفي شتى مناحي الحياة كجغرافية البلدة نفسها وعوائلها وصور عن البلدة والعوائل وخاصة القديمة منها والحديثة. وكذلك الاعمال في الزراعة وغيرها ثم شجرة عوائلها ومناطق سكنهم واختصاصاتهم واعمالهم وهجراتهم وزواجاتهم وابنائهم وذكرياتهم واية معلومات استقوها من آبائهم. وفي حين توفر المعلومات سيكون لنا عودة الى بيرتا العزيزة مرة أخرى.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الاب جان فيي الدومنيكي، آشور المسيحية ص 284.
[2] كتاب الرؤساء، توما المرجي، ترجمة الاب البير ابونا، ص 11.
[3] كتاب الرؤساء، 2، ص330-334.
[4] المكتبة البطريركية الكلدانية، مصنف 1216 (فهرس المطران بيداويد)، كتب في القوش، بيد القس حنا، ابن القس هومو، بطلب من القس ايشوع.