تاريخنا وتاريخهم
الكثيرين كتبوا في تعريف التاريخ والأكثر منهم هم أولئك الذين تلاعبوا بحقائقه وشكلوه كما أرادوا , وباللغة التي يفهموها فقط . فمثلا التاريخ في بلداننا العربية له اوجه عديدة كلها أيجابية سواء تلك التي هي في دور قوة او حتى في فترات الضعف . ففي الأولى كنا دائما المنصفين العادلين الفاتحين المحررين , الصابرين الصامدين وفي الثانية كان غيرنا يظلم ويجور , يأكل ويثور , يضع المكائد والدسائس ويحرق المكتبات والجوامع والكنائس , يقتل الأسرى ويلدغ كالأفعى . من منا لا يتذكر كل القداسة التي قرأناها عن دخول العرب والمسلمين إلى سوريا والعراق وغيرها , وهل منا من يتذكر ولو سلبية واحدة عن ذلك الدخول . بالطبع لا . فالجزية نظام جديد في قمة العدالة والحرب لم يقتل فيها شيخا ولا طفلا ولم تحرق فيها شجرة او تسحق فيها ثمرة . كانت دولا عادلة تحكم بقوانين السماء على الأرض ولم تلمس شيئا بسوء , وأن حدث ذلك فلم يكن سوى مكيدة من فارسي أو خيانة يهودي أو جشع أعجمي لعنهم الله على تلويثهم تاريخنا ببعض النقاط السوداء التي لا تشكل رقما مهما في العيوب التاريخية لو قورنت بما أقترفته الأمبراطورية الرومانية أو ما خلفه الأبيض الأوربي في أمريكا الشمالية والجنوبية , أما التتر والمغول فلسنا نحن الوحيدين المكتوين بنار بربريتهم فالصين تشرح عنهم أكثر وأوربا أكثر وأكثر . ولكن مقارنة بسيطة بين الطريقة التي يتناول بها الأخرون تاريخهم وبين طريقنا تكفي لتشرح لنا بأن الصادقون في رواية التاريخ قليلون , وربما كلما تقاربت المدة الزمنية لما تسمعه او تقرأ عنه تكون مصداقيته أعلى بكثير من ذلك الأقدم وعلى هذا الأساس مصداقية تاريخ الحروب العالمية في القرن العشرين هي أعلى من مصداقية الحروب الصليبية بحكم المتوفر من دلائل وشواخص وتسجيلات لا زالت الكثير من الدول تحتفظ بها . وبصراحة أكثر كلما سمعت الأخرين يتحدثون عن تاريخهم فستجدهم أكثر صدقا واحتراما منا للحقائق المهمة التي وقعت سابقا وأكثر أمانة في نقل كل ذلك كما كان وليس كما نريد له أن يكون . وما أجمل أن تجد معلمة أسترالية تشرح لطلابها الغرباء عن البلد أول نقطة في تاريخ أسلافها ألا وهي نشوء بلادها على وتيرة خطة منظمة لتنظيف السجون المكتظة في بريطانيا وهي متأكدة في داخلها بأنها قد تكون نقطة سخرية وليس فخر . وكم سيكون قبيحا مني أو من أحد أبناء جلدتي أن يقول أن الأشوريين حكموا الشرق الأوسط وكان عصرهم ذهبيا في أطواره الحضارية دون أن يتكلم عن قبضتهم الحديدية التي قطعت أمعاء الشعوب وبعض ملوكهم المشهورين بالقسوة والعنف . والمهم من الأمر كله أن تذكر وتأرخ الوقائع والأحداث بمختلف أوجهها وصورها دون خجل أو مغالاة أو تزويق وتحريف وإذا حصل ونقلت كمؤرخ الصورة التي تراها فقط وليس كل تلك التي حدثت فبالتأكيد ستأتي أجيال لاحقة وتنبش في القبور التي أسدلت عليها الستار لتخرج كل رائحة كذبك العفنة وعظام تحريفك المقززة كما كشفنا نحن كذب ودجل أسلافنا من قبل وهم يكتبون التاريخ .عصام سليمان – تلكيف
Assyrian_publisher@yahoo.com
Sydney-Aus
الموضوع اللاحق سأبدا فيه الكتابة عن بعض الملاحظات التي أجدها مهمة من أجل النهوض بالأقتصاد العراقي . أرجو من كل من يقتنع بما يقرأه منها أن يحاول أعادة صياغته أو التكلم عنه في أي مجال أخر عسى ولعل أن يطير إلى مستوى تاخذ به الجيال القادمة في العراق حتى لو بعد 100 عام .