Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

تجلّي الديمقراطية

 

   *عندهم، الجيل الواحد يعاصر عدة زعماء، اما عندنا، فالزعيم الواحد يعاصر عدة اجيال.

   *عندهم، ينتقل الزعيم من القصر الى مهنته السابقة، وعندنا ينتقل الزعيم من القصر الى القبر.

   *عندهم، يترك الزعيم القصر بكامل الاحترام وبروح رياضية عالية جدا، وعندنا، لا يترك الزعماء القصر الا اذا {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ}.

   *عندهم، لا احد يبحث عن البديل مع كل استحقاق انتخابي، فالديمقراطية، بطبيعتها، تولّد البديل، فهي مصنع للزعماء والقيادات والكفاءات، على العكس من الاستبداد والديكتاتورية التي تئد مشاريع الزعامات وهي بعدُ في المهد او ربما في رحم التجلي والتكوّن، لان الديمقراطية تحقق مبدأ تكافؤ الفرص، اما عندنا، فكلما انتقدتَ او رفضتَ او تحدثت عن التغيير او طالبت بالتجديد او بإصلاح الوضع الفاسد او دعوت الى إسقاط زعيم او مسؤول، هبّ الجميع بوجهك ليمطروك بسؤال واحد لا غير، وهو سؤال تاريخي، ما هو البديل؟ او من هو البديل؟ لذلك ترانا دائماً نواجه مصيرنا نفسه وكأنه امر كُتب علينا أبد العمر.

   معادلتان متناقضتان، فكيف تبلورتا؟ وأيهما الأصح؟.

   ليس عبثا ان حددت قوانين الديمقراطية في الدول المتحضرة عدد دورات الحاكم، ولم تتركها مفتوحة امام شهية الحاكم وجلاوزته والمنتفعين منه، كما انه ليس دليلا على الزهد بالدنيا او بالسلطة التي تعمي العيون، والتي قال عنها احدهم يخاطب ابنه ( والله لو نازعتني فيها، لاخذت الذي فيه عيناك) لان ( الملك عقيم) حسب وصفه، فعندما رفض اول رئيس للولايات المتحدة الأميركية، جورج واشنطن، وهو احد ابرز الآباء المؤسسين، كما يسمونهم الأمريكان، وهو من دوّن الدستور، تقريبا، وآخر من همّش على مسودته النهائية قبل ان تعرض على الشعب للاستفتاء، رفض ان يرشح نفسه لدورة رئاسية ثالثة، كل دورة أربع سنوات، على الرغم من التأييد الشعبي الواسع له وعدم ممانعة الدستور للأمر لانه لم يحدد، وقتها، عدد دورات الرئاسة، لم يكن واشنطن زاهدا بالزعامة، او انه كان يحاول الهرب من الفشل، وهو احد انجح الرؤساء الأميركان على الإطلاق، وإنما رفض ذلك قائلا:

   لا اريد ان اكون عقبة امام التجديد والتغيير، ولست بأفضل ما في اميركا ممن يتمتعون بما أتمتع به من لياقات الزعامة، فالله، الذي خلقني، لم يكسر القالب حتى لا تنجب نساء الولايات المتحدة الأميركية من هو مثلي او افضل مني.

   وأضاف: اريد ان ابني بلدا ديمقراطيا، وان البقاء في السلطة مدة طويلة لا يحقق هذا الامر ابدا.

   لقد اكتشف واشنطن، مبكرا، الحد الفاصل بين الديمقراطية والديكتاتورية، ولولا موقفه هذا وإصراره على رفض الترشح لدورة ثالثة، على الرغم من كل الضغوطات التي مارسها حتى السياسيين عليه لإجباره على التراجع عن قرار الرفض، لما كانت اميركا ما عليه اليوم، فهو مؤسس الديمقراطية بحق وواضع لبنتها الاولى في هذه البلاد.

   لقد اكتشفت الديمقراطيات الغربية حقيقة في غاية الأهمية، ومعادلة مفصلية عند التأرجح بين الديمقراطية والديكتاتورية، الا وهي:

   ان الديمقراطية لا تتجلى في صندوق الاقتراع ابدا، وإنما في تداول السلطة، ولذلك، لا تجد ديمقراطية سليمة في هذا العالم الا وقد اعتمدت على هذا المبدأ، فهو:             

   اولا: يحقق مبدأ تكافؤ الفرص لجميع المواطنين ممن يتمتعون بكاريزما السلطة.

   ثانيا: يفرض على الزعيم حسن التخطيط والأداء، من خلال تحليه بأعلى درجات روح المسؤولية، وكذلك بأعلى درجات النزاهة والحرص على المال العام والالتزام بالدستور والقانون، لانه يعلم جيدا ان وراءه قضاءا واعلاما وسلطة جديدة قد تنبش خلفه، وبعد ان يترك السلطة، كل ملفاته المشبوهة، ولذلك فالمبدا يخلق للزعيم رقابة ذاتية هي اهم وأعظم من أية رقابة اخرى، واليها أشار القرآن الكريم بقوله {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ* وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ}.

   انه يخلق حماية ذاتية للمسؤول.

   ثالثا: انه يمنع الاستبداد منعا باتا، ويضع حدا للديكتاتورية والتفرد بالسلطة، وسطوة الأهل والأقارب والوصوليين من الموالين للزعيم.

   رابعا: انه، كذلك، يمنع من تضخّم نظرية (عبادة الشخصية) في المجتمع، فيكون الولاء للوطن بدلا من الولاء للزعيم الذي سيقترب او يبتعد من الناس بمدى بعده او قربه من خدمة المجتمع، بغض النظر عن دينه ومذهبه واثنيته وحزبه، فمعيار نجاح او فشل الزعيم بإنجازاته ونجاحاته، وليس بالدعاية الرخيصة والاعلام المأجور الذي يسوّقه كطبل أجوف، ضجيجه مرتفع، الا ان حقيقته خاوية.

   خامسا: يفتح الباب دائماً على مصراعيها للتجديد والتحديث والتطوير والتغيير، فالزعيم، اي زعيم، يتميز بمنهج واجندات وعقلية وأدوات وفريق عمل يصلح لأداء دور واحد لا غير، لا يمكنه ان يؤدي غيره، الا ان يكون متقلبا وصوليا متشبثا بالسلطة، ليس له مبادئ وقواعد وثوابت، منافقا، فتراه هو رجل الأزمات وهو رجل الحلول، هو رجل السلم وهو رجل الحرب، هو رجل النجاح وهو رجل الفشل، وبكلمة موجزة، هو رجل (طماطة) يرهم على كل القدور وفي كل الطبخات، كما كان الطاغية الذليل صدام حسين الذي انتهت به بهلوانياته وعنترياته وتقلباته الى بالوعة اختبأ بها كجرذ فر من قط.

   سادسا: انه يطهّر الجو السياسي في البلاد من كل الظواهر السلبية التي تسمم الحياة على المجتمع، كالخلافات القاتلة بين الفرقاء والتنافس غير الشريف على السلطة وسياسات التسقيط واغتيال الشخصية والاحتفاظ بالملفات لوقت الحاجة وغير ذلك.

سابعا: انه يضع حدا، كذلك، لظاهرة الاستقتال للبقاء في السلطة، ولذلك فهو ينتج قادة وزعماء أقوياء، ليسوا بحاجة الى ان يقدموا كما هائلا من التنازلات للبقاء في السلطة أطول مدة زمنية ممكنة، كما انهم ليسوا بحاجة ليثيروا الأزمات ليتخندقوا وراءها، طائفيا تارة وعنصريا اخرى، للبقاء في السلطة، وهم ليسوا بحاجة الى التآمر مع هذا ضد ذاك، او ان يوظفوا الكذب والدجل والتزوير والتضليل والخداع والدعاية الرخيصة ليضمنوا التجديد لهم.

   ان العراق أمامه مدة شهرين فقط لينجز فرصته التاريخية في وضع الحجر الأساس لمبدأ تداول السلطة، والا فليقرأ العراقيون الفاتحة على ديمقراطيتهم الناشئة.

    ٢٨ شباط ٢٠١٤

                للتواصل:

E-mail: nhaidar@hotmail. com

Face Book: Nazar Haidar 

WhatsApp & Viber: + 1 (804) 837-3920

 

Opinions