تحديات انتخابات النازحين في العراق: آمال مكسورة وتأثير الضغوط السياسية
المصدر: العربي الجديد
يتأهب العراق لانتخاباته المحلية، يوم الاثنين المقبل، وسط مشاركة متوقعة لنحو 50 ألفاً من النازحين من أصل مليون، إلا أنّ تحديات كثيرة تعترض طريق هؤلاء. فمنذ تسع سنوات لم تتمكن الحكومة من إعادة النازحين إلى ديارهم التي نزحوا منها خلال الحرب على تنظيم "داعش" 2014، والآن يتعرّضون لضغوطات سياسية تهدف لتوجيه تصويتهم لصالح جهات معينة.
وتتسابق الأحزاب العراقية على نيل أصوات النازحين، من خلال إغداق الوعود والتعهدات الخاصة بإرجاعهم إلى مناطقهم، في حين لم تتوفر الفرص والمساحات السياسية الكافية من قبل الحكومة العراقية للسماح للنازحين بالترشيح وليس التصويت فقط، لذلك فإنّ التوقعات تشير إلى احتمال مقاطعة النازحين هذه الانتخابات.
وتواصل "العربي الجديد" مع عدد من النازحين في مخيمات متفرقة، وقد أكدوا أنّ الإحباط والاستياء من الأحزاب الحالية والحكومات المتعاقبة هو شعور جماعي لديهم، مشيرين إلى عدم الرغبة في المشاركة بالانتخابات، خصوصاً أنهم لا يزالون يسكنون الخيام في أطراف مدن عدة، منذ أكثر من تسعة أعوام.
ما رأي النازحين بالانتخابات؟
وقال أحد النازحين مفضلاً عدم كشف اسمه، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أحزاباً وجماعات مسلحة تمارس الضغط عبر وسائل عدة، في سبيل توجيه أصواتهم نحو أحزاب وكيانات سياسية محددة، ما يعني أننا نعاني من تضييق وكبت للحريات، على الرغم من أننا سجناء المخيمات"، واصفاً المزاج العام للنازحين بأنه "سيئ، ولا يدفع باتجاه المشاركة في الانتخابات المحلية".
ولا يزال نحو مليون نازح داخل العراق، بينهم نحو 400 ألف عراقي، ممنوعون من العودة إلى مدنهم بقرار من مليشيات مسلحة تستولي عليها، وأبرزها منطقة جرف الصخر (شمالي بابل). وتسيطر على المنطقة مليشيات "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"عصائب أهل الحق" و"جند الإمام" منذ نهاية عام 2014، بينما تتلخص أسباب عدم عودة الآخرين بالدمار الهائل الذي لحق بالعديد من المدن وتعثر الحكومة بعمليات إعادة الإعمار.
كما منعت تلك المليشيات سكان بلدات أخرى، أبرزها العوجة ويثرب وعزيز بلد وقرى الطوز وقرى مكحول في محافظة صلاح الدين، والعويسات وذراع دجلة وجزء من منطقة الثرثار ومجمع الفوسفات في محافظة الأنبار، وقرى المقدادية وحوض العظيم، شمال شرقي محافظة ديالى، من العودة إليها.
ويقطن النازحون في العراق من جرّاء الحرب على تنظيم "داعش" (2017-2014)، في مناطق متفرقة، من بينها إقليم كردستان، وجنوب غرب محافظة الأنبار، بالإضافة إلى مجمّعات ومخيمات عشوائية.
في السياق، أكدت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق أنّ "48 ألفاً و260 نازحاً يحق لهم المشاركة في الانتخابات التي ستجرى يوم الاثنين المقبل". وبموجب قانون الانتخابات، يستند سجل الناخبين النازحين إلى آخر إحصائية رسمية لوزارة الهجرة والمهجرين العراقية، ويحق للنازح المقيم داخل المخيمات الإدلاء بصوته في مخيمه بالدائرة الانتخابية التابعة لمنطقته الأصلية، باستخدام بطاقة الناخب البايومترية في يوم التصويت الخاص بهم وهو قبل 48 ساعة من التصويت.
عملية التصويت داخل مخيمات النازحين
وقال رئيس الفريق الإعلامي في مفوضية الانتخابات عماد جميل إنّ "مراكز الاقتراع المخصصة للنازحين بلغت 34 مركزاً؛ منها 23 مركزاً في محافظة دهوك و6 في أربيل، و5 مراكز في السليمانية".
وأضاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "هذه المراكز موزعة على 120 محطة انتخابية، وعملية التصويت سوف تتم داخل مخيمات النازحين، وبخصوص موظفي مراكز الاقتراع فإنهم من النازحين، أي أنّ المفوضية لم تُعيّن موظفين من خارج المخيمات".
من جهته، أشار عضو البرلمان العراقي عن محافظة نينوى شيروان دوبرداني إلى "وجود مئات الآلاف من النازحين خارج المخيمات، بالتالي فإنّ النازحين المشاركين في هذه الانتخابات هم نسبة قليلة من أصل الأعداد الكاملة لمن نزحوا من المدن بسبب الحرب"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، "حرمان أعداد كبيرة من النازحين من المشاركة بالانتخابات، مثل نازحي جرف الصخر التي تعرضت للتغيير الديمغرافي".
وتوقع دوبرداني "مشاركة واسعة من قبل النازحين في الانتخابات المحلية، على أمل أن تنفذ الحكومة الاتحادية التزاماتها تجاه عودة النازحين وإخراج الفصائل والمليشيات والأحزاب غير العراقية من المدن منزوعة السكان، مثل قضاء سنجار التابع لنينوى".
ضغوط من رافضي عودة النازحين إلى مدنهم
بدوره، رأى أستاذ الإعلام السياسي في جامعة بغداد علاء مصطفى أنّ "النازح العراقي يتعرّض لضغوط مباشرة وغير مباشرة من قوى سياسية تسيطر على مساحات جغرافية ترفض حتى الآن عودة النازحين إلى مناطقهم وتعمل وفق أسلوب غير مباشر لعرقلة عودتهم، لأنها تريد أن تحولهم إلى جيوش من الناخبين لصالحهم".
وأكمل مصطفى حديثه مع "العربي الجديد"، قائلا إنّ "من يريد أن يدقق في نتائج الانتخابات سيجد دائماً أنها تتسق سياسياً مع الجهة التي تسيطر على تلك المخيمات"، موضحاً أنّ "بعض الأحزاب تساوم النازح على توفير العمل لهم مقابل التصويت لصالح تلك الأحزاب، كما أنّ عودتهم تحتاج إلى قرار حكومي قوي يُفرض على الأحزاب والكتل، وهذا الأمر غير متوفر حالياً".
وسبق أن كشف تقرير نشرته منظمة الهجرة الدولية عن وجود قرابة 1.17 مليون شخص نازح في العراق، منذ ما يقرب من 10 أعوام، موضحة أنّ "النزوح طويل الأمد بات سمة الوضع بعد انتهاء الحرب على داعش".
وتمنع الفصائل المسلحة والمليشيات في مناطق متفرقة عودة النازحين، الذين يطالبون بالعودة بعد تحرير مدنهم من تنظيم "داعش"، وعلى الرغم من ذلك، الحكومات العراقية لم تستجب لمطالبهم منذ عام 2017، بل إنّ معظم الذين طالبوا بإنهاء ملف النزوح من سياسيين ونواب تعرضوا لضغوطات وتهديدات من جهات مسلحة لدفعهم للتراجع عن مواقفهم.