Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

تحقيق المواطنة وسبل الارتقاء

احمد جويد/
الوطن ضرورة كباقي الضرورات التي يحتاجها الإنسان من أجل العيش والحياة فهو كالماء والهواء والغذاء بالنسبة للإنسان، إذ لا يمكن لأحد أن يتصور العيش بدون أن يكون له وطن يعيش فيه.

وليس من الضروري أن يكون الوطن مسقط رأس الإنسان أو إنه كان موطن الآباء والأجداد - وإن كان هذا الرابط أقوى وأمتن لتعزيز العلاقة بين المواطن والوطن - بل هناك أمور أخرى تزيد من انجذاب المواطن إلى الوطن غير مسقط الرأس والارتباط بالتراب وباقي الأمور التي تداعب المشاعر والوجدان، وتلك الأمور عبارة عن مجموعة من السبل يتقدم بها الوطن تجاه المواطن وتجد لها وقعاً ايجابياً داخل نفسه تترجم بعد ذلك إلى سلوك ايجابي للمواطنة الصالحة التي يتحلى بها أي مواطن يحب وطنه.

فما هي تلك السبل التي تجعل من المواطن أن يكون ايجابياً في تعاطيه مع قضايا الوطن الداخلية والخارجية؟ وما الذي يريده المواطن من الوطن للالتزام بروح المواطنة؟

قبل الإجابة على تلك الأسئلة لابد من الإشارة إلى مسألة هامة تثير العديد من علامات الاستفهام في أذهان أغلب الناس، وهي مسألة التغيير الايجابي الذي يحصل مع المواطن بعد أن ينتقل مهاجرا او مهجرا من بلاده إلى بلاد أخرى وبخاصة البلدان التي يكون همها الأول هو المواطن، ومن خلال تلك الإشارة يمكننا الإجابة على الأسئلة أعلاه.

فالدول التي تنتهج النهج الديمقراطي في قوانينها وأنظمتها السياسية والتي تتمتع بقدر كبير من المحاسبة والمراقبة من قبل الشعب على مؤسسات الدولة، والتي تحترم حقوق الإنسان وتصون كرامته وتكون مسألة الارتقاء بمستوى المواطن العلمي والثقافي والصحي هي الغاية المنشودة فيها، تصبح مسألة مصلحة الوطن خط أحمر لا يمكن للمواطن مهما يكن مركزه أن يضر بها.

ولكي تقوى تلك الروابط بين الوطن والمواطن فانه لابد من وجود سبل معينة تجمع الطرفين لتعزيز أواصر الارتباط والرقي بها للوصول إلى الأهداف السامية التي يتمناها أي شخص في وطنه، ولا نعتقد بصعوبة أو عدم وجود تلك السبل التي من شأنها ان تصل بالمواطن كمواطن وبالوطن كوطن.

فالمواطن لا يريد من وطنه أكثر مما هو متيسر وسهل ومقدور على تلبيته من قبل الوطن، فطلباته لا تتعدى أكثر من العيش بكرامة من خلال حصوله على السكن الملائمة الذي يليق به كانسان أولاً وكمواطن ثانياً، الحصول على العمل الذي يحفظ له تلك الكرامة.

الحرية في التعبير عن الرأي دونما خوف من الحاكم أو السلطان، التمتع بالأمن دونما تسلط على جلده سياط الجلادين وعلى رقبته سيوف الطغاة والجزارين، وأن يكون له رأي مسموع فيما يخص مصير ومستقبل الوطن.

وهذا الشعور أحس به من جرب البلاد الأخرى التي وفرت له تلك الضمانات الأمر الذي وصل بالبعض الى عدم التفكير في العودة إلى مواطنهم الأصلية بعد أن أحسوا بدفء الأوطان التي احترمتهم وعاملتهم كجزء منها تعطيهم ما يحتاجون إليه ويعطونها ما يستطيعون عليه.

فالسبل التي يسلكها الوطن تجاه المواطن يمكن فهمها من خلال الأنظمة والقوانين المتبعة في تلك الدول والمتمثلة في:

أولاً: وجود قوانين التزمت بها مؤسسات الدولة بجميع أنواعها تضمن الحقوق والحريات العامة لجميع المواطنين في تلك الدول مهما تكن خلفياتهم العرقية.

ثانياً: صون كرامة المواطن، فإذا توفرت أسباب ومدارك الكرامة، وشعر الإنسان بأن كرامته محظية بالاحترام، يكون ذلك سبباً في انشداده إلى تراب وطنه ويعمق إحساسه بالانتماء إليه والولاء للجماعة فيه إذ يقر لهم بالاحترام مقابل احترامهم له فالإنسان يجب أن لا يرضى لنفسه الإذلال والاستضعاف، وأن تصادر كرامته، إنما ينشد إلى وطنه، حينما تتوفر له الكرامة فيه، واحترام الآخرين له.

ثالثاً: توفير التسهيلات الادارية برفع التعقيدات الروتينية من أغلب مؤسسات الدولة والتي في حالة وجودها قد تكون سبب لإذلال المواطن أو ابتزازه عن طريق ضعاف النفوس أو قد تكون عامل مساعد للفساد المالي والإداري في دوائر الدولة، وبالتالي تساهم وبشكل كبير في تعطيل وتأخير العديد من المشاريع التي تخص المواطن.

رابعاً: توفير التسهيلات المالية والقانونية لأصحاب المشاريع ودفعهم معنوياً لتنمية قدراتهم المالية ومستوياتهم المعيشية، ويدخل ذلك الأمر بالكفاية الاقتصادية للإنسان لسد حاجاته ومتطلباته المالية، فالمفروض أن تتوفر له كفاية المعاش في بلاده لينعم بالعيش فيها وليصرف جهده وطاقته في عمرانها وتقدمها، لكنه حينما يفتقد ذلك في بلاده لأسباب مختلفة فهو إما أن يعيش الفقر والحاجة، وإما أن يغادر وطنه بحثاً عن لقمة العيش ومتطلبات الحياة.

خامساً: وجود مجموعة من الضمانات الأخرى تؤمن للمواطن مستقبله ومستقبل عائلته، الأمر الذي يزرع الثقة في نفس المواطن ويجعله أكثر تعلقاً بوطنه، كتوفير الضمان الصحي والتعليمي والخدمي... الخ.

سادساً: توفير الأمن، فكلما شعر الإنسان بالأمن على نفسه وماله وعرضه، كلما زاد ذلك في حبه وانشداده وتعلقه بوطنه، وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا خير.. في الوطن إلا مع الأمن والسرور).

وفي مقابل ذلك فللوطن حق يجب على المواطن أن يؤديه، فما يحدث في بلادنا وللأسف الشديد بعيد كل البعد عن روح المواطنة ورح الشريعة السمحاء التي ندين ونعتقد بها، فكما ورد في الحديث (حب الوطن من الإيمان)، نلاحظ إن العمل يجري على خلاف ذلك والشواهد كثيرة نستطيع أن نوجز بعض منها في:

1- الرضا بحالة الذل التي يتعرض لها المواطن أثناء مراجعته لبعض دوائر الدولة ومحاولته التقرب والتملق إلى المسؤول في دوائر الدولة والنظر له باعتباره فوق القانون.

2- المساهمة في تلويث بيئة الوطن الصحية من خلال عدم الاهتمام بعنصر النظافة برغم تأكيد ديننا الحنيف بالنص على إن (النظافة من الإيمان) و(تنظفوا فإن الإسلام نظيف) وهذه المسألة تؤكد على عدم حب الوطن فحينما يرضى المواطن أن يكون بيته نظيف فكيف يقبل أن يكون وطنه غير نظيف.

3- السكوت عن المفسدين في دوائر الدولة وسرّاق المال العام والمساهمة في تشجيعهم بدفع الرشاوى لهم في الكثير من الأحيان.

4- عدم الإخلاص بالعمل وعدم الإتقان والتسيب وبخاصة في مؤسسات القطاع العام.

ان حالة فقدان المواطنة التي يشعر بها أغلب المواطنين لم تكن وليدة الساعة، بل هي ثمرة لعقود من سياسة نظام قمعي مقيت وحصار جائر مورس على المواطن بالدرجة الأولى وليس على النظام الحاكم جعلت من المواطن يعتبر الوطن جزء من النظام وحبه وبغضه له وهو ما يشعر به تجاه نظام الحكم، ويمكن لهذه الحالة أن تزول بإتباع السبل التي تم الإشارة إليها في أعلاه كي تعود المحبة بين المواطن والوطن.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

Opinions