تذكار الأربعين شهيداً
الأربعون شهيداً: خلال الاضطهاد الأربعيني في 15 أيار 376 تكلل في أرض بابل أربعون شهيداُ، وقد ذبحوا كما تذبح الخراف، وكانوا أسقفان و16 كاهناً و9 شمامسة و6 رهبان و7 راهبات وهذه أسماؤهم:الأسقفان: مار عبدا ومار عبد يشوع.
والكهنة: عبد ألاها وشمعون وأبراهام وأبا وإيهبيل ويوسف وعني وعبد يشوع وعبد ألاها ويوحنان وعبديشوع وماري وبرحذبشبا ورازيقايا وعبد ألاها وعبديشوع.
والشمامسة: إليهاب وعبديشوع وعني ومارياب وماري وعبدا وبرحذبشبا وشمعون وماري.
والرهبان: بابا وأولاش وعبد يشوع وبقيدا وشموئيل وعبديشوع.
والراهبات: مريم وطيطا وإما وأدراني وماما ومريم وماراح. هؤلاء هم الشهداء الأربعين الذين تكرمهم كنيسة المشرق.
أما سبب استشهادهم كانت بوشاية من ابن أخ المطران مار عبديشوع مطران كشكر، الذي ذهب إلى الأهواز ومثل أمام الملك وأبلغه أن المطران المذكور يراسل قيصر الروم ويطلعه على كل ما يجري في المشرق، ويحتقر ويكفر بالشمس والقمر آلهتك. فأمر الملك أخيه أردشير[1] ملك حدياب ليأتي به. فقبض أردشير على المطران وقيده بالسلاسل وأرسله إلى قصر أخيه في مدينة بيث لاباط. وما أن قابله الملك حتى قال له: " لماذا تحتقر آلهتنا وتستقبل جواسيس الروم وتكتب رسائل إلى القيصر وتطلعه على أسرار مملكتنا ".
فقال المطران: " ما هذه الأمور السخيفة التي تذكرها وتنسبها إلينا ظلماً ". فغضب الملك وأمر بقتله مع كاهنه عبد الله.
ثم سأل الملك ابن أخ المطران هل ثمة مسيحيون آخرون في بلاد كشكر. فأجابه الخائن: " هناك الكثيرين. وإن أمرت فسأمضي واجلبهم لك ". فأعطاه الملك عشرة فرسان وعشرين راجلاً للقيام بهذه المهمة. فمضوا إلى منطقة كشكر وقبضوا على الباقين المذكورين أسمائهم أعلاه. وأحضروهم أمام الملك، الذي أمر بتعذيبهم وقتلهم شر قتلة. وقد وزعوا على مجموعات نقلت كل مجموعة إلى منطقة حيث قتلوا أمام الجموع تخويفاً للمسيحيين في تلك المناطق. أما الشهداء فقد احتملوا أشد العذابات وأقساها حتى نالوا إكليل المجد بإيمان وثبات.[2]
وهناك أيضاً أربعين شهيداً آخرين استشهدوا في سبسطية[3] سنة 320. فهولاء كانوا قواداً في الفرقة الرومانية المعروفة بالنارية، وكانوا تحت أمرة الإمبراطور ليكينيوس[4]. وكانوا في حرب في بلاد أرمينيا. وكانت تلك الفرقة مشهورة ببسالتها وشدة بأسها. وقد رفضوا تقدمة الذبائح للأوثان.
فاستدعاهم أغريكولا والي سبسطية وطلب منهم نبذا المسيحية، لكنهم رفضوا جميعاً فزجهم في السجن، وقضوا فيه أسبوعاً كاملاً وهم يقطعون الليل بالنهار بالصلاة. ثم عرض عليهم مرة أخرى أن ينبذوا المسيحية فرفضوا. عندها ألقوا في بحيرة قرب المدينة. وفي اليوم التالي أمر الحاكم أن يخرجوهم من البحيرة، وأن تكسر سيقان من بقي حياً، وأن تحرق أجسامهم جميعاً في النار. وهكذا نالوا إكليل الشهادة بعزيمة وثبات. وإن حادث استشهاد هؤلاء القديسين الأربعين، الذين ضحوا بشبابهم ورتبهم ومستقبلهم وحياتهم لأجل المسيح في مدينة سبسطية، لهو من أروع التي عرفها التاريخ بهولها وشدتها. ويقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص أن عبادتهم كانت قد انتشرت في بلاد الشرق والغرب، وأن الكنائس كانت تتهادى عظامهم كذخائر مقدسة ثمينة. وقد شيد باسيليوس وأميليا والدا القديس باسيليوس كنيسة فخيمة وضعا فيها عظام هؤلاء الشهداء. وأنشأت ابنتهما ماكرينا ديراً للراهبات على اسمهم.[5]
وفي تذكار الأربعين شهيداً تقرأ الكنيسة من إنجيل متى الذي يحدثنا عن الصعاب التي يعاني منها تلاميذ الرب، ليس من الحكومات والمحاكم فحسب، بل أيضاً من الأصدقاء والمقربين. فمتابعة يسوع كثيراً ما تجلب الاضطهاد، ولكن ذلك يتيح الفرصة للمنادة ببشارة الخلاص، ففي وسط الاضطهاد تستطيع أن تطمئن لأن الرب يسوع قد غلب العالم، ولكن من يثبت إلى النهاية هو يخلص.
وقد أوصى يسوع تلاميذه أن لا يهتموا بما يقولون دفاعاً عن أنفسهم متى ألقى القبض عليهم بسبب المنادة بالإنجيل، فروح الله سيتكلم فيهم. وقد تحققت هذه النبوة في جميع الذين اضطهدوا في سبيل الإيمان. ويظن البعض خطأً أن هذا معناه عدم الاستعداد لتقديم الإنجيل لأن الله سيدبر كل شيء. لكن الكتاب المقدس يعلمنا أن نستعد تماماً، وأن يكون كلامنا عن تفكير مصحوباً بالنعمة. فيسوع لم يقل أن نكف عن الاستعداد، بل أن نكف عن القلق والهم.[6]
وتحتفل كنيسة المشرق بتذكار الأربعين شهيداً في الجمعة الثامنة من سابوع الدنح في حال كان سابوع الدنح مؤلفاً من تسعة جمع.
أما إذا كان سابوع الدنح أقل من تسعة جمع فيحتفل بتذكار الأربعين شهيداً في 9 آذار.
--------------------------------------------------------------------------------
1_ أردشير ( 379 _ 383 ): ملك فارسي من السلالة الساسانية. خلف نسيبه شاهبور في الحكم. خلعه أشراف المملكة. المنجد في الأعلام ص 33.
2_ شهداء المشرق الأب ألبير أبونا ج 1 ص 231_ 238.
3_ سبسطية: هي مدينة سيواس الحالية الواقعة في أواسط تركيا الآسيوية. المنجد في الأعلام ص 378.
4_ ليكينيوس ( 307 _ 324 ):إمبراطور روماني في الشرق. اتفق مع قسطنطين على سياسة التسامح مع المسيحيين ثم تراجع عنها. فحاربه قسطنطين وقتله. المنجد في الأعلام ص 621.
5_ السنكسار المشتمل على سير القديسين المطران ميخائيل عساف ج 1 ص 10_ 16.
6_ التفسير التطبيقي للعهد الجديد ص 47.