Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

تذكار سلطان ماهدوخت وأخويها أدورفروا وميهرنرسا

سلطان ماهدوخت وأخويها أدورفروا وميهرنرسا: في عهد الملك شابور كان في أرض درساس أمير اسمه فولار. وكان لهذا الأمير ولدان هما أدورفروا وميهرنرسا وابنة اسمها سلطان ماهدوخت. واهتم الوالد بتربيتهم، فتثقفوا في علوم زمانهم ثقافة عالية. وكان الثلاثة على حظ وافر من الحسن والجمال ومبعث فخر لوالدهم.

وفي أحد الأيام وبينما كان الأخوة الثلاثة عائدون من كرخ سلوخ[1] " كركوك " إلى مدينتهم بعد أن قابلوا أمين الملك شابور، بلغوا قرية صغيرة تدعى أحوان سقط الأخ الصغير ميهرنرسا من حصانه، وتكسر فخذه حتى كادت ساقه تنفصل عن جسمه. فانتاب الهلع أدورفروا وسلطانة ماهدوخت ومزقا ثيابهما حزناً وأسى، وأخذا ميهرنرسا الذي أوشك أن يفارق الحياة ودخلا القرية باكيين. وشاء الله أن يصل الأسقف مار عبدا في تلك الساعة إلى القرية بزيارة راعوية. وما أن سمع البكاء والعويل سأل عن السبب، فذهب حالاً ليزور ذلك الجريح المتألم.

وبينما كان مار عبدا في طريقه إليهم، غاب الصبي عن وعيه، حتى ظن الحاضرون أنه فارق الحياة. وعاين ميهرنرسا رؤيا سماوية شاهد فيها المسيح ملم الملوك جالساً على عرش رفيع يتألق نوراً وبهاء، وتحيط القوات السماوية بعرشه بإجلال عظيم، وتقف زمر الشهداء القديسين أمام المسيح المجيد وهم متوشحون ثياباً نورانية، وعلى رؤوسهم أكاليل الظفر التي نالوها بالعذابات والآلام التي قاسوها. ورأى كاهن المسيح مار عبدا داخلاً بثقة بين صفوف النورانيين، حتى جاء وجثا على قدمي المسيح ملك السماء والأرض، وأخذ يبتهل إليه أن يهبه نفس الفتى ميهرنرسا. فدنا ملاكان وأقاماه وأتيا به عند الصبي، وسلماه إلى الأسقف وقالا له: " لقد استجيب طلبك. فبشر وعمد وقرب إلى سيدك ".

وبينما كان الفتى غارقاً في تلك الرؤيا، وصل مار عبدا عنده وجثا على ركبتيه وصلى ثم وضع الساق في موضعها ورسم عليها إشارة الصليب، وقال لتلك الجثة الهامدة: " باسم ربنا يسوع المسيح ابن الله الحي، ذاك الذي يجدف الأثمة عليه ويضطهدون أتباعه، قم أيها الصبي ". فللحال قام الصبي وعادت إليه الحياة. فتذكر الصبي ما شاهده في الرؤيا، وعرف أن كاهن المسيح الذي رآه في الرؤيا هو الآن واقف عنده، فجثا على قدميه وأخذ يناشده ويقول: " يا سيدي كاهن المسيح ملك الدهور، تلمذ وعمد وقرب إلى سيدك حسب ما أمرك. فإني أكفر بالشيطان وبتعاليمه الدنسة المؤدبة إلى جهنم. ". وشرع يروي للأسقف والحاضرين كل ما شاهده في الرؤيا، وانطرح على الأرض باكياً عند قدمي مار عبدا وهو يقول: " أشرقْ يا رب نور معرفتك في قلوب إخوتي لكي يعرفوك أنت إله الحق مع أبيك وروحك القدوس. أهلني يا رب للعماد المقدس، فلا أحرم من شركة الخيرات مع قديسيك في السماء. ".

فدنا منه أخوه أدور فروا وأقامه وقال له: " من يقدر أن يحيي الميت إلا ذاك الذي نفخ فيه الروح من البدء في أحشاء أمه؟ فلِمَ نتشاغل بالكلام الطويل عن اقتبال رسم المسيح المقدس، لكي نحصى في عداد الساجدين له بواسطة عبده القديس هذا، الذي اختاره لهذه المهمة. ".

ولما رأت سلطان ماهدوخت ما نطق به أخواها، صرخت هي أيضاً وقالت: " تبارك المسيح الذي أعاد الرجاء إلى اليائسين، تبارك المسيح الذي في انكسار فخذ أخي حطم قيود الشيطان وصادنا لعمل مشيئته. ". ثم قالت لمار عبدا: " قم وأحي نفوسنا المائتة بالخطيئة والإثم، فهي خير من أجسادنا بطبيعتها. ".

ولما سمع مار عبدا هذا الكلام غمر الفرح قلبه وقال لهم: " افرحوا بالرب يا أحبائي، لأن أسمائكم كتبت في سفر الحياة، وأصبحتم ورثة أورشليم السماوية، وأحصيتم بين الأبكار المكتوبة أسماؤهم في سماء كنيسة الله الحي. فالآب يسر بكم، والابن يحبكم، والروح القدس يقدسكم. ها إن الخدر السماوي مفتوح أمامكم، فادخلوه فرحين. هلموا يا أولادي وتوشحوا حلة النور الجديدة اللائقة بالموضع الذي دعيتم إليه. فقد أعدت لكم أكاليل النصر بموتكم في سبيل سيدكم. فلا تنخذلوا في الجهاد الرائع الذي منه تأتيكم كل الخيرات. ".

وللحال نالوا العماد المقدس، واشتركوا في الوليمة الروحية بتناول جسد المسيح ودمه. ثم باركهم ومضى. أم هم فقد اختطفهم روح الرب ونقلهم إلى وادٍ يقع فوق القرية، فيه حوض ماء قليل وكهف صغير وضيع، ومكثوا في ذلك الكهف ثلاث سنين متحملين حر الصيف وبرد الشتاء، مواظبين على الصلاة وأداء الحمد والثناء للثالوث المجيد.

أما ذويهم فكانوا يذوبون شوقاً إلى مشاهدتهم. فأرسل والدهم الأمير أناساً ليبحثوا عنهم في كل مكان، في القرى والمدن، في الجبال والسهول. وامضوا ستة أشهر في البحث عنهم دون أن يجدوهم، فكفوا عن التفتيش، وعادوا إلى الأمير خائبين باكين. وعم الحزن جميع سكان البلدة.

ولما حان الزمان الذي فيه كانوا مزمعين أن يغادروا هذه الأرض وينالوا إكليل الشهادة، قال أدورفروا: " إني أرى أبانا الأسقف مار عبدا وقد أعد كل شيء وخرج ليأتي إلينا، وقد أطلعه الملاك على موضعنا، لكي يمنحنا جسد الرب يسوع المسيح ودمه. ". فقاموا حالاً وشرعوا يصلون، إلى أن وصل عندهم كاهن المسيح مع شماس اسمه أدي، فهرعوا لاستقباله فرحين كما يفرح الأولاد بأبيهم الحقيقي. فناولهم القربان وشجعهم وقال لهم: " تشجعوا وارفعوا رؤوسكم، فقد حان زمن خلاصكم، وتضرعوا إلى الرب لكي يتحنن برحمته على أبيكم الشيخ. ". فقال له ميهرنرسا: " كلا يا أبانا، بل أنت صلي لأجلنا، لأنك ستغادر العالم ثلاثة أيام قبلنا. ". وقالت سلطان ماهدوخت: " صلي لأجلنا يا أبانا القديس، فإن مضطهدينا سيدركوننا بعد سبعة أيام، وفي الخامس عشر سننال إكليل الشهادة. ". فدهش مار عبدا لمعرفة الخفايا التي أولاها الله لهؤلاء الفتيان، وعانقهم وقبلهم ثم استودعهم نعمة الله، وانصرف من عندهم.

وفي اليوم السابع بعد مغادرة مار عبدا لهم، أفلت حصان أبيهم وأقبل راكضاً إلى الموضوع الذي يسكنه الفتيان الثلاثة. ولما عرفوا أنه حصان والدهم. فاشرأبوا من الكهف ليروا هل هناك من يأتي في أثره. فإذا بغلامين من أهل دارهم راكبين حصانين يطاردانه. ولما رأوهما تواروا في الكهف وانطرحوا على وجوههم عاكفين على الصلاة. وحينما وصل الغلامان إلى الكهف أخذ منهما الدهش كل مأخذ وظلا منذهلين لا يستطيعان الكلام.

فخاطبوهما الفتيان الثلاثة قائلين: " ما بالكما واقفين متعجبين ؟ ". وما أن عرفا أنهم أولاد الأمير حتى انطرحا أمامهم. فقال لهما الفتيان: " أذهبا وقولا للأمير أنكما وجدتما أولئك الذين كان يبحث عنهم مدة طويلة دون أن يعثر عليهم، إلى أن شاء الله أن يكشفهم ". فاقتادا حصان الأمير وعادا مسرعين ليخبراه بالعثور على أولاده.

وما أن أخبر أحدهما الأمير حتى أرسل معه ثلاثين فارساً لكي يأتوه بهم على جناح السرعة. وكتب فوراً إلى شابور الملك يخبره بالعثور على أولاده. وكان شابور قد سمع عن جمال سلطان ماهدوخت، فكتب إلى الأمير بواسطة أحد أمنائه لكي يرسل له ابنته ليتزوجها.

ولما وصل الفرسان إلى المكان أرادوا اجتياز باب الكهف، رشقت عيونهم بشرارات وضربت بالغشاوة لكي لا يبصروا مدخل الكهف. فكانوا يسمعون أصوات القديسين وهم يتلون الصلاة، ولكنهم لا يستطيعون الدخول إليهم. ومكثوا حتى الصباح واقفين على الباب وقد استولى العجب والانذهال عليهم.

وما أن أشرقت الشمس أمر الأمير بإعداد حصانه ليذهب هو ذاته إليهم، وأخذ معه عدداً من الجنود. وفي الطريق التقى بفرسانه عائدين خائبين. فسألهم عن الفتيان، فأجابوه: " أننا وجدنا الموضع الذي هم فيه وسمعنا صوتهم، ولكن عيوننا عجزت عن رؤيتهم ". فأمرهم بالذهاب معه. ولما اقتربوا من الكهف، سمع الفتيان ضجيج الخيل والسلاح الكثير، فعكفوا على الصلاة. وحينما رأى الأمير الكهف من بعيد قال للذين معه: " أليس هذا هو الكهف الذي تتحدثون عنه ؟ ". فأجابوه: " نعم هذا هو الكهف، ولكننا لا ندري هل الفتيان ما يزالون فيه ". وإذا بالحصُن جميعها تقف مكانها دون أن تستطيع التقدم. فضربوها وحثوها على السير ولكن دون جدوى. فأنذهل الأمير ومرافقوه. وإذا بهم يسمعون صوت القديسين وهم يسبحون الله بنغمات عذبة. فأوعز الأمير إلى الفرسان للسير على الأقدام، ولما اقتربوا منهم صدت أقدامهم تلك القوة التي منعت خيلهم من السير، فتولاهم خوف شديد. وأومأ الأمير إلى الرماة بأن يرموا ثلاثة سهام نحو المغارة. فشد ثلاثة منهم قسيهم ورمى كل منهم سهماً، وإذا بكف كل منهم تنخلع وتنفصل مع سهامهم، وإذا بالسهام ترتد إلى الوراء وترشق رفاقهم الذين أخذوا يبكون ويولولون. وشرع الذين انخلعت أكفهم والذين ضربوا بالسهام يبتهلون إلى القديسين لكي يترحموا عليهم ويشفوا جراحهم.

وأخرج القديسون رؤوسهم من الكهف، فبدأ جمالهم أسطع نوراً من الكواكب. فرفع والدهم صوته باكياً وقال لهم:" ألا تأتون إلى أبيكم يا أولادي؟ أوما أحسنت تربيتكم وتثقيفكم في العلم وأفضل الآداب؟ ولماذا عرضتم أباكم للهزء والسخرية في مملكة فارس كلها؟ ". فأجابوه بلطف: " إن لنا أباً آخر أفضل منك، وهو قال لنا: من لا يترك أباه وأمه ويتبعني فلا يستحقني. فأذهب الآن إلى بيتك مع جندك وأمكث هناك ستة أيام ريثما يأتيك أمين الملك شابور ومرافقوه. وإذ ذاك هلموا سوية إلينا، إذ لم يحن اليوم الذي فيه نستشهد ". ثم تقدم منهم أولئك الذين انخلعت أكفهم وجرحت أجسامهم بسهام والتمسوا منهم أن يترحموا عليهم ويشفوهم. فقال لهم الفتيان: " أتومنون بالمسيح ابن الله الحي الذي يستطيع أن يمنحكم الشفاء دون دواء؟ ". فأجابهم الجرحى: " أن كل من يستطيع شفانا نؤمن بأنه إله ولا إله سواه ". فصلى عليهم الفتيان وشفوا حالاً وأخذوا يصرخون بملء صوتهم ويقولون: " إننا نعترف بك أيها المسيح، وبأنك ابن الله الحي. وليخز جميع الذين يكفرون بك ".

ولما سمع الأمير والذين معه ما قيل وعاينوا ما جرى، خافوا خوفاً شديداً. ومكث الأمير عند الكهف حتى المساء دون أن يستطيع الدخول إليه، وأخذ يناشد الفتيان بأن يأذنوا له بالدنو منهم، ولكنهم رفضوا. فعاد إلى بيته يجر أذيال الخيبة والأسى. وانتشر خبر القديسين في المناطق القريبة، وأخذ الناس يتقاطرون إلى المكان زرفات ووحدانا. وشرعوا يأتونهم بالمصابين بشتى الأمراض وينالون الشفاء على يد هؤلاء الفتيان، ومع الشفاء يشرق نور الإيمان في نفوسهم فينبذون ضلالهم ويجحدون الوثنية وينضمون إلى المسيح.

ولما كان اليوم السادس وصل الأمين الذي أرسله شابور الملك مع سبعة ضباط حاملين رسالة الملك إلى الأمير فولار. وما أن قرأ الأمير الرسالة حتى شرع يبكي وينوح. فسأله الموفدون عن سبب بكائه، ولكنه لم يجاوبهم. فقالوا له: " إننا أتينا من عند شابور بشأن ابنتك ". فأجابهم: " ومن أين لي ابنة أعطيه؟ ". وقص عليهم ما جرى، فأخذهم الدهش مما سمعوا. فانطلقوا على الفور إلى الموضع الذي فيه القديسين. ولما وصلوا إلى الكهف شاهدوا جمعاً غفيراً، فاخترقوا الصفوف حتى وصلوا عند مدخل الكهف. فبلغهم الأمين سلام الملك، لكنهم لم يردوا عليه جواباً. فاستاء الأمين وتناول حجراً ورماه بهم، وإذ بالحجر يرتد إلى الوراء ويضرب جبينه ويشدخه.

وعندما ذاق الأمين ويدعى كوشتازاد طعم قوة القديسين ضمد رأسه، وأخلد إلى الصمت. فالتفت القديسين إلى الجمع وقالوا لهم: " السلام عليكم والشفاء لأمراضكم ". وعلى الفور نال كل المرضى الحاضرين شفاءهم، وشرع الجميع يؤدون المجد لله. وكان كوشتازاد نفسه مصاباً بداء النقرس في يديه ورجليه، وقد أصاب الشلل ثلاثاً من أصابع يده اليسرى منذ ثلاث عشرة سنة. وإذا بها تعود إلى حالتها الطبيعية، وأخذ يمجد الله رغماً عنه. فدعاه القديسون باسمه وقالوا له: " يا كوشتازاد نسألك أن تقول لنا الحق: من الأعظم الله أم الإنسان؟ ". فأجاب: " لا ريب أن الله هو الأعظم ".

ثم خاطبهم كوشتازاد طالباً منهم أن يطيعوا أمر الملك الذي أراد أن يكرمهم باتخاذ سلطان ماهدوخت زوجة له، وأنه جاء ليأخذها للملك بحفاوة مثل ملكة. وعليكم أن تنبذوا هذا الضلال الذي انجرفتم إليه.

فقال ادورفروا: " إن ملكي وسيدي وإلهي هو يسوع المسيح ".

ثم قال ميهرنرسا: " أنا مسيحي وعبد للمسيح وساجد له إلى الأبد ".

ثم قالت سلطان ماهدوخت: " إنكم من أجلي أتيتم إلى ههنا. وأنتم تشتاقون إلى سماع رأيي. أنم تقولون لي أن أذهب من النور إلى الظلام، ومن رائحة المسيح الهنيئة إلى رائحة شابور الكريهة، ومن العريس السماوي المجيد إلى عريس أرضي يدب الدود في حياته، ويؤول إلى الدبيب في موته. وتقولون لي أن أنحدر من السماء إلى الأرض. فمعاذ الله أن أتخلى عن صحبة المسيح ربي وإلهي. وأعلم ياكوشتازاد أن رأسك أيضاً سيقطع بأمر شابور في سبيل الإيمان بالمسيح. فطوبى لك إذ تكون أهلاً للنعيم السماوي ".

فلما عرفوا أنهم لا يستطيعون القبض عليهم قسراً، كتبوا إلى شابور وأطلعوه على كل ما قيل. وما أن قرأ شابور رسالتهم حتى ثار ثائره وزأر كالأسد المفترس. فكتب رسالة إلى أمينه مع رئيس السحرة مع ساحرين آخرين لكي يسيطروا عليهم. ولما تليت الرسالة وعرف مضمونها، أصدر رئيس الفرسان أمره بالقبض على مار عبدا وبصلبه حسب أمر الملك. ولكن المرسلين ألفوه ميتاً يوارى الثرى باحتفال مهيب. فعادوا خائبين واخبروا بما عاينوا.

فأخذ السحرة دماً وشعراً وشحماً وأصباغاً، حسب أسرارهم النجسة الذميمة، وشرعوا يمارسون سحرهم طوال يومين وليلتين. أما القديسون فكانوا عاكفين على الصلاة والتضرع إلى الله. ولما رأى السحرة أنهم تعبوا دون جدوى، قال لهم القديسون: " أتريدون أن تعرفوا قوتنا؟ ". فبسطوا أكفهم إلى السماء وصلوا قائلين: " يا أيتها القوة التي لا تقهر، يا أيها الرب أخزِ الشيطان بهلاك عبيده، وعظم شأن كنيستك بانتصار عبيدك ". وفي الحال شب لهيب نار من الأرض والتهم السحرة وأبادهم على بكرة أبيه. وإذ شاهد كوشتازاد هذه الآيات البينات، انضم في فكره إلى الإيمان بالمسيح. فجاء إليهم سراً عشية استشهادهم وقال لهم: " أنا عبد للمسيح الملك الحقيقي. صلوا لأجلي لكي يتجنن الرب عليّ ويقبلني بين ذويه ". فغمر الفرح قلوب الفتيان وشرعوا يعانقونه مثل أخ حقيقي. ثم قالوا له: " انطلق إلى مار شمعون برصباعي لكي يوشحك بثوب المعمودية المقدسة، وستنال إكليل الشهادة قبله بيوم. واطلب من أبينا فولار أن ينجز الأمر الذي أصدره إليه شابور الملك ". فعانقهم وقبلهم، ثم انضم إلى رفاقه النائمين في مواضعهم.

وفي الصباح قال كوشتازاد لفولار: " أنجز أمر الملك لكي نقوم ونعود، فقد تأخرنا كثيراً ولم نفد شيئاً ". وإذ كان كل واحد يخشى التقدم لقتل القديسين خوفاً على حياته، وقف القديسون ثلاثتهم على باب المغارة وقالوا لهم: " هلموا حرورنا من حياة الجسد هذه، فنمضي إلى الحياة الحقة، إذ آن أوان رحيلنا إلى المسيح ملكنا ". ولما سمع فولار صوتهم مزق ثيابه حزناً وذرى التراب على رأسه وشرع يبكي بمرارة هو والجنود الذين معه. ثم أمر أحد الفرسان بأن يذهب ويقتلهم. فاستل سيفه وتقدم منهم مرتعداً. أما القديسون فكانوا يضحكون فرحاً ويمجدون الله وقالوا لقاتليهم: " أمهلونا قليلاً ريثما نصلي إلى الرب ". وبعد أن صلوا التفتوا إلى الحاضرين وهتفوا قائلين: " ليكن معنا السلام الذي تركه المسيح لكنيسته إلى أبد الدهور آمين ".

ثم دنا ادورفروا الأخ الأكبر، وأحنى رأسه أمام السياف فضرب عنقه. فركض أخوه ميهرنرسا وأخذ من دمه وغسل به وجهه. ثم أحنى هو أيضاً رأسه أمام السياف فقطع رأسه. وفي الحال أصاب القاتل برص شديد، وارتجفت يده وسقط منها السيف ولم يشأ أن يقتل أختهم. فقالت له سلطان ماهدوخت: " أنجز عملك كله ولا تؤخرني عن اللحاق بأخويَّ ". فقال لها السياف: " ليتني ما قتلت هذين أيضاً ". وأسرع إلى الغدير وغسل سيفه. فدعته سلطان ماهدوخت ثانية وقالت له: " حي هو المسيح الذي اسجد له، إن أقسمت أنك ستقتلني أبرأتك من برصك ". فأقسم لها. فقالت له: " أذهب واغتسل في المياه التي بها غسلت سيفك، فتنل الشفاء ". فذهب واغتسل وعاد معافى. ثم أنجز قسمه، فضرب عنقها وقطع رأسها. وأراد الوثنيون إحراق أجسادهم حسب أمر الملك، إلا أنها اختفت عن الأنظار. ولما انحسر الاضطهاد عن المسيحيين، أقاموا في هذا الموضع كنيسة على اسم هؤلاء الشهداء، تخليداً لذكراهم العطرة، وكانت تجري فيها عجائب بشفاعة هؤلاء القديسين. وكان استشهادهم في الثاني عشر من كانون الثاني سنة 319.[2]

ويقول المطران أدي شير: " يوجد الآن في قرية أرادن[3] من أعمال صبنا بقرب العمادية كنيسة مبنية على اسم القديسة سلطان ماهدوخت وأخويها، ويوجد فيها قبر يقول عنه أهل القرية أنه حاوي ذخائر هؤلاء القديسين. وأنهم كل سنة يعيدون لهم عيداً ويزورون كنيستهم ".[4]

وتحتفل كنيسة المشرق بتذكار سلطان ماهدوخت وأخويها في 13 كانون الثاني.



--------------------------------------------------------------------------------

1_ كرخ سلوخ: هي مدينة كركوك الحالية، وكركوك تعني قلعة أو مدينة السلوقيين، إشارة إلى تجديد المدينة من قبل سلوقس اليوناني. وكانت مركز مقاطعة بيث كرماي أو باجرمي ومقر الكرسي المطرابوليطي التابع لكنيسة المشرق. وقد أطلق الساسانيون على مقاطعة بيث كرماي " كرمكان ". واشتهرت هذه المنطقة منذ العهدين البابلي والآشوري. ثم احتلها الفرس حتى ضمها العباسيون إلى ممتلكاتهم سنة 1232. واحتلها المغول ثم الصفويون في القرن السادس عشر، ثم العثمانيون بعد معاهدة آماسيا سنة 1555. تشتهر كركوك بنيرانها الدائمة في باب كركر التي تحدث عنها هيرودوتس والتي لا تزال ملتهبة حتى اليوم. المنجد في الأعلام ص 586.

2_ شهداء المشرق الأب ألبير أبونا ج 1 ص 86 _ 100.

3_ أرادن: اسم من الجملة الكلدانية " اوقا قدصغ " " أرعا عدين " وتعني " أرض عدن ". وقد دعيت بهذا الاسم لموقعها الطبيعي الخلاب. والقرية تبعد عن العمادية بضع كيلو مترات إلى الجنوب الشرقي منها. وكانت مركز كرسي العمادية الأسقفي الكلداني حتى بدايات القرن العشرين.

4_ سيرة أشهر شهداء المشرق المطران أدي شير ج 1 ص 161.
Opinions
الأرشيف اقرأ المزيد
مقتل خمسة شرطيين في حوادث متفرقة بمدينة الموصل شبكة أخبار نركال/NNN/الموصل/ قال مصدر امني ان خمسة من عناصر الشرطة قتلوا وأصيب 15 شخصا بينهم 11 مدنيا بحوادث الاسبوع الثقافي العراقي رسالة محبة الى دولة الامارات بمشاركة البيت الثقافي في كركوك شبكة اخبار نركال/NNN/كركوك/احلام راضي/ ضمن سلسلة الابداعات الثقافية العراقية التي تقدمها وزارة الثقافة في الاسبوع الثقافي العراقي بمشاركة السيد عمار الحكيم : متفاؤلون بانفراج الازمة, واجتماعات منتظمة موسعه يُفترض ان تعقد بين العراقية والائتلاف الوطني شبكة أخبار نركال/NNN/ استقبل سماحة السيد عمار الحكيم رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي في مكتبه ببغداد مساء يوم منظمة بنت الرافدين تقيم دورتها الخامسة في محافظة كربلاء لدعم حركة مناصرة المرأة في المجتمع شبكة أخبار نركال/NNN/بنت الرافدين/ * اقامة هذه الدورات على مستوى العراق وليس فقط في محافظة بابل وكربلاء. * اصدار مجلة خاصة
Side Adv2 Side Adv1