تذكار مار زيعا
مار زيعا: في بداية القرن الرابع كان في فلسطين رجل فاضل يدعى شمعون، وزوجته تدعى هيلانة. وكان يحملان الكثير من المناقب والفضائل المسيحية. وقد رزقهما الرب ابنين ربياهما في خوف الله، ولما كبرا دخلا في سلك الجندية.ثم سأل شمعون الرب ليرزقه ولداً ثالثاً، فاستجاب الله طلبه. ووضعت امرأته ابناً فسماه زيعا وتعني " الخوف " ويعرف بين العامية بـ " زيا ". وقد تفرغ شمعون لتربيته على البر والصلاح.
ولما شب وضعه في المدرسة، فاقبل على مَعين الكتب المقدسة ليستقي العلوم الإلهية. وقد تعشق الفضيلة المسيحية، فشرع يميت جسده بالأصوام الشاقة والسهر الطويل. وأثر فيه قول الرب يسوع: " من أحب أباً أو أماً أكثر مني فلا يستحقني ". فانطلق إلى أورشليم وهناك ارتسم كاهناً.
ثم رغب أن يرتقي في سلم الكمال الرهباني، فترك أرض فلسطين وجاء إلى بلاد المشرق مع تلميذ له يدعى تابور. وسكنا في مغارة في جبل جورزان ويعرف بـ جهران، ويعرف اليوم بجبل كارا، وموقعه غرب شمال مدينة عقرة في شمال العراق. وكان قوتهما الجسدي حشائش الجبل، وأما الروحي فكان الكتاب المقدس. وكانا يصليان الليل بالنهار غارقين في بحر التأمل والمناجاة. ومكثا في تلك المغارة نحو أربعين سنة، فهزل جسماهما.
وبوحي إلهي ترك مار زيعا وتلميذه مغارته، وذهب إلى بلد صبنا شمال الموصل، إلى قرية تدعى موردني وصنع فيها عجائب كثيرة. وكان الأسقف في تلك القرية يدعى مار شملي، كان قد التقى بمار زيعا وتلميذه المذكور خلال زيارته للأراضي المقدسة، فرحب بهما وأحسن مثواهما.
ولما رأى ما هما عليه من الهزل الشديد، أشار عليهما أن يعدلا عن تلك السيرة الشاقة، فيتناولا قليلاً من الطعام لسد رمقهما. فأبى مار زيعا وقال له: " لا يليق أن نسمن جسمنا للدود والعث ".
ومن ثم انطلقا إلى قرية أقديش. وكان فيها امرأة فقيرة لها ابنة وحيدة، وكان الروح النجس يعذبها منذ خمس سنين. ولما علمت بقدومه أتت بابنتها إليه، فصلى عليها وأبرأها من مرضها. فشاع خبره في المنطقة، فأخذ الأهالي يقدمون إليه كل السقماء والمصابين بأمراض مختلفة فشفاهم قاطبة.
وانتقل من هناك إلى قرية كوماني جانب مدينة العمادية. وكان قد ظهر فيها وباء فتك بالكثير من أهلها الوثنين، فقال لهم مار زيعا: " إذا اعتقدتم بالإله الواحد، وبابنه يسوع المسيح، الذي صار إنساناً مثلنا، فخلصنا من عبودية الشيطان، أنقذكم من أنياب هذا الوباء ". فقالوا جميعاً: " آمنا بإلهك ".
فصلى مار زيعا قائلاً: " يا ربنا يسوع المسيح الذي لا يخزي المتكلون عليه، اطلب إليك أن تترحم على هؤلاء المساكين البائسين، فتزيل عنهم هذه الضربة، لكي يؤمنوا بك فيرجعوا إليك تائبين ". فسمع الله صلاته. ومنذ ذلك اليوم لم يفتك الوباء بأحد البتة.
ومن هناك صعد إلى قرية أريوش، وكان قد ظهر فيها ذاك الوباء. فلما رأى مار زيعا ما هم عليه سكان القرية من البؤس والجزع تحنن عليهم، وتضرع إلى الله طالباً منه أن يزيل عنهم تلك الضربة القاسية. فاستمع الله لصلاته فأنذهل الجميع.
ومن هناك ذهب إلى بلد باز ليسكن فيه. ولكنه لم يقم فيه لأن سكانه كانوا غليظي الجانب وسيء الأخلاق.
فمضى من هناك مع تلميذه إلى جيلو، وأقاما في لحف جبل دوراخ عائشين بقداسة عجيبة، دائبين الليل والنهار في الصلاة وممارسة الاماتات. وصنعا معجزات كثيرة. وهناك بنيا هيكلاً فاخراً. وكان الملك على تلك البلاد يدعى ارباق بن زوراق، فهو اعانهما كثيراً في بنيان ذلك الهيكل.
وبعد أن أقاما فيه سنتين وتسعة أشهر مرض تابور مرضاً عضالاً، وقضى نحبه في غرة أيلول، وكان عمره تسعين سنة وثلاثة أشهر.
وتوفي مار زيعا في يوم الأربعاء الأولى من شهر كانون الثاني، وعمره مائة واثنان وعشرون سنة، وقبر في الهيكل الذي بناه. وهو موجود في جيلو إلى اليوم.[1]
وفي هذا اليوم نقرأ من رسالة بولس الرسول الثانية إلى قورنتس ( 10: 4 _ 18 ) ومن خلالها يسأل الرسول بولس المؤمنين أن يختاروا أي أسلوب يستخدمون، هل يستخدمون أساليب الله أم أساليب الناس. ويؤكد أن أسلحة الله القوية هي: الصلاة، الإيمان، الرجاء، المحبة، كلمة الله، الروح القدس، وجميعها قادرة وفعالة. ووصايا بولس تحث على النهوض بالمسئولية والأمانة في العمل. فنحن نصارع في حياتنا المسيحية ضد قوات الشر الروحية التي يرأسها الشيطان، وهو محارب لئيم. ولكي نرد هجماته، يجب أن نعتمد على قوة الله ونستخدم كل قطعة سلاح، وأن نصمد راسخين في الله في وسط هذه الهجمات. وعندما نؤمن بالمسيح وننضم لكنيسته، تصبح الكائنات الشيطانية عدواً لنا، تحاول بكل وسيلة أن تبعدنا عن المسيح لتعود بنا للخطيئة. وتلزمنا قوة خارقة للطبيعة لنهزم الشيطان. وقد أعد الله هذه القوة بروحه القدوس الساكن فينا.[2]
وتحتفل كنيسة المشرق بتذكار مار زيعا في يوم الأثنين الأول من السنة الجديدة.
--------------------------------------------------------------------------------
1_ سيرة أشهر شهداء المشرق المطران أدي شير ج 2 ص 129 _ 132.
2_ التفسير التطبيقي للعهد الجديد ص 674.