تذكار مار يعقوب المقطع
مار يعقوب المقطع: هو من بيث لاباط ومن أرفع الطبقات الشريفة. وكان الملك يزدجرد قد قربه منه، وأكرمه وأولاه أشرف المراتب واجلَّها، حتى أغواه وجعله ينبذ الديانة المسيحية التي ولد فيها، ويسجد للشمس. وما أن وصل خبره لوالدي حتى أخذتهما الكآبة والحزن.وبعد أن توفي يزدجرد خلفه ابنه ورهاران الخامس. وكان يعقوب قد رافقه إلى أرض بابل، وهناك استلم رسالة من والديه كانا قد كتبها له جاء فيها: " بلغنا إنك مرضاة للملك وابتغاء أن تحصل على عطاياه وهداياه الفانية، قد نبذت الله السرمدي. فأين الملك الذي انقدت له، فقد مات مثل سائر الناس، وتعفن ورجع إلى التراب في القبر. وإن الملك الجديد مع كل ما له من القدرة والأموال الجزيلة، غير قادر أن يساعدك، فينقذك من العذاب الأبدي المعد لك. فأعلم يقيناً أنه إذا بقيت مصراً على ما أنت عليه من الرأي في البقاء على ديانة المجوس، يعاقبك الله عقاباً شديداً نظير صديقك الملك. ونحن لسنا نعرفك وليس لنا معك حصة أبداً ".
ما أن قرأ يعقوب الرسالة حتى استحوذ عليه خوف الله، فارعوى عن غيه وتاب إلى الله، وأخذ يقول في نفسه: " ويلي إذا كانت أمي وقرينتي قد تبرأ مني في هذا العالم، ترى كم يكون شديداً غضب الله عليَّ في العالم العتيد، إذ أني استبدلته بالمخلوقات. وكم يكون صارماً قصاصه لي في هذا العالم ".
ثم ذهب إلى خيمته وأخذ يقرأ بالكتاب المقدس متأملاً في معانيه، فامتلأت نفسه مرارة وندامة، وخاطب نفسه قائلاً: " يا نفسي أين أنت، وأين أنت يا جسدي. إذا كانت الأم التي ولدتني حزينة كئيبة بهذا المقدار على هلاك نفسي، وقرينتي قد تفتت كبدها حزناً على ما أصابني من العار في هذا العالم، وأحبائي وأصدقائي قد انقبضت أفئدتهم خجلاً مما اعتراني من الجنون في سجودي للشمس. ترى كم يكون مصرعي شديداً، أنا الذي استبدلت الحق بالباطل في يوم الدينونة، لما يجازي الله الأشرار على مكرهم، ويكافئ الصالحين على صدقهم ".
ولما كان يخاطب نفسه سمع بعض المجوس أقواله، ورأوه يقرأ الكتاب المقدس. فأعلموا الملك بالأمر فطلب إحضاره حالاً. وعندما دخل عليه قال له غاضباً: " أأنت مسيحي؟ ".
فرد عليه يعقوب: " نعم أنا مسيحي ".
فأشتد غضب الملك فقال له: " أوليس من أجل سجودك للشمس أكرمك أبي الكرامة كلها، وأجزل لك العطايا والهدايا ".
فرد عليه يعقوب: " وأين هو الذي نلت منه الكرامة؟ ".
فقال له الملك: " ألا تظن يا منكود الحظ أنك مثل سائر العصاة تقتل قتلاً كيفما كان، بل لأذيقك من العذابات أمرها، ومن القتلات أشرها ".
فأجابه يعقوب بشجاعة: " لا تتعبن نفسك يا سيدي الملك بكثرة التهديدات والتخويفات، التي لا أكثرت لها البتة، فإني كالصخرة الثابتة التي لا تقدر الرياح الشديدة أن تنزعها ".
فقال له الملك: " إن من خالفوا أوامر الملوك تجرعوا غصص المرائر والعذابات والقتل ".
فرد يعقوب قائلاً: " إن ما اطلبه دائماً من الله هو أن أموت أيضاً مثلهم، وتكون عاقبتي مثل عاقبتهم. إن الذي يموت هذه الميتة كالرجل الذي ينعس فيستيقظ ".
فقال له الملك: " شأنكم عجيب أيها المسيحيون الأبطال، إنكم تظنونا كفرة أنتم الذين لا تقرون بالآلهة، ولا تسجدون للشمس والقمر والنار والماء الذين هم أولاد الله ".
فرد عليه يعقوب: " لا ألومك أيها الملك، لأنه مسطور في كتبنا عن الذين يسوقوننا إلى الموت: وتأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقرب قرباناً لله ".
فغضب الملك غضباً شديداً، وكانت نار الغيظ تحرق أحشاءه. فأمر فقهاء المجوس أن يحكموا عليه بأشنع قتلة، فاجتمعوا وتشاوروا فيما بينهم في أمره.
فقام أحدهم وكان شرس الأخلاق وقال: " رأيي أن لا يموت هذا الكافر ميتة واحدة، بل أن تقطع أصابع يديه ورجليه واحدة بعد أخرى. ثم يداه ورجلاه، ثم ساقاه وذراعاه، ثم يحز رأسه ".
فاستحسنوا جميعاً رأيه هذا، وأسرعوا به إلى مكان العذاب. فتقاطرت كل المدينة، وكثير من المسيحيين صلوا وبكوا من أجله، طالبين من الرب القدير أن يسرع إلى إغاثة عبده يعقوب، ويقويه ويشجعه وينصره على أعدائه، حتى يخرج من هذا الجهاد المخيف غانماً راضياً.
وعندما وصلوا إلى المكان طلب يعقوب من قاتليه أن يمهلوه قليلاً ريثما يصلي، فالتفت نحو المشرق وجثا على ركبتيه، ورفع عينيه إلى السماء وصلى قائلاً: " اسمع يا رب صلاة عبدك الضعيف، وأعطني من قوتك في هذه الساعة المخيفة، وخلص ابن أمتك الذي يدعوك من كل قلبه، وانظر إليَّ وارحمني، واصنع معي علامةً صالحة، لأكون رفيقاً لجميع الذين من أجل اسمك اضطهدوا، لأنك أنت يا رب أعنتني وعزيتني ".
وما أن فرغ من صلاته حتى دنا منه الجلادون ومددوه على الأرض وقالوا له: " انظر ماذا تعمل. فإنه لا بد من تقطيع أعضاء جسدك واحداً واحداً، فانظر وفكر في أمرك. أي من هذين الأمرين أوفق لك، أن تقول كلمة فتخلص، أم أن تعمل بإرادتك فتموت تسعاً وعشرين ميتة ".
وكان في مكان العذاب أصدقاء له يبكون بكاءً مراً، نائحين على حسن منظره ورشاقته. فقالوا له: " لا تترك نفسك تذهب تلفاً، بل أذعن للملك فتخلص، ثم ارجع أيضاً إلى ديانتك ".
فقال لهم يعقوب: " لا تبكوا عليَّ بل ابكوا أنفسكم، لأنه من أجل أنكم مرتاحون في هذا العالم سترثون العذاب الأبدي. أما أنا فهذا القتل يصير لي أجنحة أطير بها إلى السماء، وتقطيع أعضائي يزيد أجري، لأن كل إنسان بموجب أعماله ينال أجره من الله العادل ".
وهنا تقدم أمين الملك إلى الجلادين، وأوعز إليهم أن يبتدئوا بتقطيع أصابع يديه. فأخذ الجلادون يقصون أصابع يده اليمنى، فقطعوا الإبهام. فقال يعقوب: " يا مخلص العالم أقبل برحمتك غصنة الشجرة، لأنها وإن قطعت بأيدي الحاقدين، فيأتي شهر نيسان وفيه تنبت فتتكلل ".
أما أمين الملك فكان يبكي ويقول ليعقوب: " حسبك وكفاك قطع واحدة من أصابعك. إن أردت شفيت بالأدوية، فإياك أن تكون سبباً لتمزيق جسدك هذا المدلل المُنعم. فإن لك أموال كثيرة وفيرة، فأحبب الحياة وأكره الموت ".
فرد عليه يعقوب بالقول: " تعلم المثل من الكرمة كيف تُعضد أوراقها فتبقى عارية شتاءً، فإذا أتى شهر نيسان تلين أغصانها وتخرج أوراقها، فتنضر أكثر مما كانت عليه سابقاً. فإذا كان للكرمة هذه التقلبات، ترى كم يكون أولى الإنسان المؤمن المغروس في كرم الحق، أن ينبت على يد الله الغارس الحق ".
ثم قطعوا السبابة، فصرخ قائلاً: " ابتهج قلبي بالرب، وتهللت روحي بخلاصه. اقبل يا رب الغصنة الثانية من الشجرة التي غرست بأمرك ".
ثم قطعوا إصبعه الوسطى، فهتف قائلاً: " مع الثلاثة الذين في أتون النار اعترف لك يا رب من كل قلبي، وفي زمرة جميع الشهداء أرتل لأسمك القدوس ".
ثم قطعوا البنصِر فقال: " إن الله رزق يعقوب اثني عشر ولداً، وعلى الرابع منهم حلت بركة المسيح الملك. فأنا أيضاً بالغصنة الرابعة اعترف للذي ببركته صار الخلاص لجميع الأمم ".
ثم قطعوا الخنصِر فقال: " أقدم هذه الخمس ثمرات يدي اليمنى، التي هي غصنة من غصنات شجرتي قرباناً لغارس الشجرة ".
ثم استعد الجلادون لتقطيع أصابع يده اليسرى، فقيل له إن شئت خلصت وحييت، فإن كثيراً من الناس مقطوعة يدهم، وهم يعيشون على الأرض متنعمين. فأشفق على نفسك، ولا تحملنا أن نقطع سائر أعضاء جسدك.
فقال لهم يعقوب: " لما يجز الجزاز صوف الخروف. أيجز الجنب الأيسر ويترك الأيمن، أم يقص الجزة كلها. ألعلكم تحسبون أني أرضى أن أتغافل عن تسبيح الله الذي جعلني خروفاً له، ووضعني في قطيعه، وأهلني أن أدنو من جزازين شبيهين بالذين صلبوا حمل الله، الذي من أجله تعالى أذاق أنا هذه الميتات المرة ".
فأخذ الجلادون يقطعون أصابع يده اليسرى، فقطعوا أولاً الخنصِر. فقال بفرح: " إني صغير أمامك أيها الإله العظيم، الذي صغر ذاته فعظم ألوفاً من الصغار أمثالي، بتقديم ذاته ذبيحة عن كل العالم. لأجل هذا بفرح أسلم بيدك نفسي وجسدي الذي تحييه بزمانه ".
ثم قطعوا البنصِر، فتضرم بنار المحبة الإلهية وقال: " سبع مرات أسبحك بالإصبع السابعة يا الله الآب والابن والروح القدس ".
ثم قطعوا إصبعه الثامنة فقال: " في اليوم الثامن يختن العبراني ليتميز من الغُرل، وأنا عبدك أيضاً ينفصل قلبي وفكري من هؤلاء الغُرل الأدناس، وإليك فقط تتوق نفسي يا الله، متى أتي وأرى وجهك ".
ثم قطعوا إصبعه التاسعة ففتح فاه وقال: " أنت يا رب في الساعة التاسعة كنت ممدوداً على خشبة الصليب من جراء الخطايا، والآن أنا أيضاً بالإصبع التاسعة لك يا يسوع، لأنك أهلتني أن أمد وتعضد غصنات جسدي من أجل اسمك ".
ثم قطعوا إصبعه العاشرة فقال: " بحرف يحسب كل حساب، وبه تحسب الألوف والربوات. وبواسطة يسوع صار الخلاص للعالم بأسره. لأجل هذا أنا الصغير بمزمار ذي عشرة أوتار، أرتل ترتيلاً للذي أهلني أن أذبح من أجله. وعوض أوتار أمعاء الغنم بأوتار عودي المقطعة، أسبحه وأعزف حسناً بتهليل ".
فقال له الجلادون: " إذا شئت حييت وإن كانت أصابعك العشرة قد قطعت، لأنه يوجد أطباء ماهرون يشفونك بكل سهولة، فأمثل لأمر الملك فلا تموت. وحيث أنك غني جداً يمكنك أن تقتات بسهولة كل أيام حياتك، وتفرح بقرينتك التي هي الآن في أرض الأهواز، وأنت في أرض بابل. فقل كلمة واحدة ونجِ نفسك فتتهلل قلوب أصحابك بالحبور ".
فرد عليهم يعقوب بالقول: " ما من أحد يضع يده على المحراث، وينظر إلى ورائه يكون صالحاً لملكوت الله. ألعل الأم والامرأة أحسن لي من الله الذي قال: من أهلك نفسه من أجلي وجدها. وكل من يترك أباه وأمه وأخوته أهب له الحياة الأبدية. فافعلوا بي ما أمرتم به ولا تشفقوا ".
فدنوا حينئذ من رجله اليمنى، وقطعوا أولاً الإبهام ففتح فاه وقال: " المجد لك يا الله الذي لبس جسدنا، وطعن بحربة فخرج دم وماء من جنبه، فاصطبغت بهما رجليه. وأنا عبدك أيضاً بطيبة خاطر أقبل أن أتألم، ويجري الدم من جسمي بتقطيع أصابع يديّ ورجليّ ".
ثم قطعوا إصبعه الثانية فقال: " هذا النهار هو اسعد لي من جميع أيام حياتي، لأني قبل دخولي في هذا الجهاد كنت أسبح الله، وأنا منهمك في أفكار العالم والأموال المضلة. فكم من مرة تغافلت عن الصلاة من جراء تعلقي بمحبة العالم. ولما كنت أصلي كنت كمن لا يصلي، لأن جسدي كان بالبيعة وأفكاري تصعد إلى الجبال وتنزل إلى البقاع. أما اليوم فأنا قاصداً العالم العتيد. وبتقطيع كل عضو من أعضائي أرتل المجد للذي أهلني أن أتألم من أجله ".
ثم قطعوا إصبعه الثالثة وألقوها أمامه فضحك وقال: " اتبعي أنتِ أيضاً رفيقاتك ولا تحزني، فإنه كما أن الحنطة تقع في الأرض فتأتي بحنطة كثيرة. كذلك أنتِ تنظمين بلحظة عين إلى رفيقاتك في يوم القيامة ".
ثم قطعوا إصبعه الرابعة فقال لنفسه: " لماذا تحزنين يا نفسي ولماذا تقلقين، ارتجي الله، فإني أعود وأشكره. خلاص وجهي وإلهي ".
ثم قطعوا إصبعه الخامسة فأخذ يقول: " الآن طفقت أناجي الله الذي سُرَّ بي، فأهلني لهذا الجهاد الذي لم أرى نظيره، وقواني أن أقوم عليه ".
ثم اقبلوا على رجله اليسرى وقطعوا الخنصِر فقال: " أيتها الإصبع الصغرى لست أنتِ بصغرى، فإن الصغرى والكبرى عديلتان. إذا كان شعرة واحدة من شعر الرأس لا تضيع، فكم أنت أحرى ألا تضيعي ".
ثم قطعوا البنصِر ففاض لبه فرحاً وقال: " اهدموا بيتاً خرباً لأنه سوف يقام على طراز أحسن وأجمل ".
ثم قطعوا الوسطى فقال لهم: " إن السندان لما يضرب يؤدب تأديباً وهو لا يتألم ".
ثم قطعوا الإصبع الرابعة فقال: " إلهي صخرتي بك احتمي فقويني ".
ثم قطعوا الإصبع الخامسة فهتف قائلاً: " احكم لي يا الله وخاصم لدعواي مع أمة غير رحيمة. مع أنني مقتول عشرين قتلة لا تشفق الذئاب الضارية على جبلتك ". ثم ازداد شجاعة وقال للجلادين: " ما بالكم قياماً بطالين، اقطعوا الشجرة وأغصانها ولا ترقّ قلوبكم. فإن قلبي تهلل بالرب، ونفسي ارتفعت إلى السماء عند الذي يحب المتواضعين ".
فدنا منه الجلادون وهم يتلظون غيظاً وحنقاً، وقطعوا رجله اليمنى فقال يعقوب: " كل عضو تقطعونه من جسدي يقرب قرباناً لله تعالى ".
ثم قطعوا رجله اليسرى فقال: " استجب يا رب فإنك طيب صالح وكثير الرحمة لجميع المستغيثين بك ".
ثم قطعوا يده اليمنى فصرخ: " إن نعمتك عظيمة عليَّ، وقد نجيت نفسي من الجحيم السفلى ".
ثم قطعوا يده اليسرى فقال: " هوذا للأموات تصنع العجائب ".
ثم قطعوا ذراعه اليمنى فقال: " أغني للرب في حياتي، وأرتل لإلهي ما دمت موجوداً فليذ له إنشادي، وأنا أفرح بالرب ".
ثم قطعوا ذراعه اليسرى فقال: " من الآن يرتفع رأسي على أعدائي الذين احتاطوا بي، قوتي وأغنيتي الرب، وهو صار لي خلاصاً ".
ثم قطعوا ساقه اليمنى، فأحس بألم شديد فدعا الرب وقال: " أيها الرب يسوع المسيح هلم إلى معونتي وخلصني، لأن أوجاع الموت أحدقت بي ".
فقال له الجلادون: " أما سبقنا وقلنا لك أن الضيقة التي تكتنفك شديدة مرة ".
فقال لهم يعقوب: " كلما ازددت ألماً أزداد أجري عند الله ".
وفيما كان الجلادون قد عيوا من تقطيع أعضائه ومن إلقائها على الأرض، كان يعقوب يزداد اضطراماً واشتداداً بمحبة الله. واضطروا أخيراً إلى قطع ساقه اليسرى أيضاً.
وكان يعقوب ملقى على القاع، وكانت جميع أعضائه مقطعة، ولم يبق منها سوى الرأس والصدر والبطن. فكان الجسد المقدس مطروحاً على الأرض مصبوغاً بالدم، وكان ميتاً ونصفه حياً.
ثم لزم يعقوب السكوت برهة من الزمان، ثم فتح فاه وقال: " أيها الرب الرحوم الشفوق، اسمع صلاتي وأقبل طلبتي. ها إني مطروح وأعضائي مقطعة ومنزوعة عني، ونصفي ملقى لا حركة فيه البتة. ليس لي يا رب أصابع بها أصلي إليك، ولم يترك مضطهدي يداً أمدها إليك. رجلاي مقطعتان، وركبتاي مجثوثتان، وذراعاي مخربقتان، وفخداي مكسرتان. والآن أنا مطروح أمامك كبيت مهدوم، لم يترك فيه سوى جدار قليل. اطلب إليك يا رب أن تخرج نفسي من السجن، لكي اعترف لاسمك. وأحِل الأمن على شعبك المضطهد، واجمع بالسلام شملهم، لأنهم قد تبددوا في كل قطر ومصر. وأنا عبدك الصغير اعترف وأرتل لك مع جميع شهداء الغرب والشرق والشمال والجنوب. لك يا رب ولمسيحك ولروحك القدوس يليق المجد والشكر إلى أبد الآبدين آمين ".
فحالما قال آمين أسرع إليه أحد الجلادين وقطع رأسه بالسكين، فانتقلت روحه الطاهرة إلى ربه.
وكان جهاد مار يعقوب سنة 422 في يوم الجمعة المصادف في السابع والعشرين من تشرين الثاني، وفيه تحتفل كنيسة المشرق بتذكاره.
وكان بعض المسيحيين قد جمعوا فضة غير يسيرة، وأعطوها للجلادين حتى يعطوهم الجثة فلم يقبلوا. ولم حل الليل أتوا إلى مكان استشهاده وسرقوا جميع الأعضاء المقطعة، وكانت تسعة وعشرين قطعة مع الرأس، ووضعوها في وعاء. وكان الدم يجري منها ويسقط على الأرض.
ويقول كاتب القصة: " ونحن معشر المؤمنين أخذنا نقول بهدوء المزمور الحادي والخمسين الذي يبدأ بـ ارحمني يا الله كعظيم رحمتك. وإذا بنار نزلت وأحاطت بالوعاء، فلفحت الدم وما كان من الحشيش والتراب، حتى احمرت الأعضاء وصارت كالورد اليانع. فخررنا كلنا على وجوهنا خائفين راجفين، فصلينا جميعنا شاكرين المسيح الذي نصره على أعدائه، وأهلنا نحن لهذه الرؤية السماوية. ثم أخذنا جثته وقبرناه بإكرام وتبجيل ".[1]
وتحتفل كنيسة المشرق بتذكار مار يعقوب المقطع في 27 تشرين الثاني.
--------------------------------------------------------------------------------
1_ سيرة أشهر شهداء المشرق القديسين المطران أدي شير ج 2 ص 302 _ 315 .