ترانيم لن تموت / نص قصصي
كانت طفلة لا تتعدى البضع سنوات من عمرها, كانت تحب أن تقف خلف باب غرفة جدتها لتسترق السمع للصلوات والترانيم التي كانت الجدة ترتلها بصوتها الحنين والحزين. كانت تصلي بخشوع ويصاحب صلاتها شجون وبكاء مكبوت كي لا يسمعها أحد من أهل الدار.كانت سهى تحب تلك اللحظة التي تبدأ بها جدتها تلملم نفسها لتختفي في تلك الغرفة الصغيرة التي جمعت فيها كل ماأحب قلبها, وتنتظرها بشغف وكانت تحس بمرارتها ولكنها لم تكن تفهم لماذا.
كانت سهى تتذكركيف أن الجدة كانت تحتفظ بحقائب السفرتلك المملوءة بملابس ابنتها التي تركتها عند سفرها الى اميركا . كانت الجدة تجلس على الأرض لتسحب الحقيبة تلو الأخرى وتفتحها وتفرغ محتوياتها لتعود وترتبها من جديد مع أنها لم تكن تحتاج لتلك اللمسات الجديدة فهي قد فعلتها عدة مرات. وكأنها بعملها هذا تعيش عالماً خاصا يحمل احساسا له مذاق خاص لتتذكر كل قطعة من الملابس, اين ومتى اخاطتها وفي اي مناسبة ارتدتها. وقبل ان تطوي كل قطعة وتثنيها كانت تشمها لتتذكر صاحبتها ... كانت الجدة متعلقة بجنون بأبنتها...عمة سهى .
كانت سهى تستمع لصلوات وترنيمات كانت جدتها ترددها. صلوات وترنيمات يخرج معها ذلك النفس الطويل والعميق من القلب , وصوت مملوء بالحزن والألم وكانت تذكر لها ترنيمة جميلة تقول فيها:ـ
لمن اكون تعبان اروح لمن غيرك انت الي تريحني ياربي
اركع واصليلك...اركع واصليلك
كانت سهى تحب تلك الترنيمة لانها تشعرها بالراحة متى ماكانت تعبانه , متى ماكانت حزينه, متى ماكانت في ضيق متى ماكانت مريضه.
ويوما ما ادركت جدتها إن هناك من يقف خلف الباب يسترق السمع , صرخت... من هناك ؟ فتراجعت سهى بضع خطوات للخلف وإذا بصوتها يقول ادخل ماذا تريد؟ في البدء ترددت سهى وبعد لحظات معدودة وجدت نفسها امام جدتها واقفة برأس منحنٍ وكأنها اجرمت وستعاقب لجريمتها هذه.
وقفت امامها لتقول, انا كنت استمع لترانيمك, ضحكت الجدة ومدت يدها لتؤشر الى جانبها ألأيمن, تعالي إجلسي هنا وسأعلمك.
سعدت سهى كثيرا وقفزت وجلست بجانبها وبداءت الجدة تردد الترنيمة كلمة كلمة وسهى تردد بعدها وحدث أنه كلما ارادت الجدة أن تختفي في غرفتها تبحث عن سهى او تناديها وعندما كانت سهى تسمع صوت جدتها يناديها تعلم إن عليها أن تلحق بها ليبدءا الصلاة والترانيم معا.
ومرت الأيام والسنون ورحلت الجدة وترانيمها وصلواتها باقية لم ترحل بل مازال ذلك الصوت الحزين يرن في أذني سهى.