Skip to main content
تَرَقُّب وخوف وهجرة... إيزيديّو العراق على خطى مسيحيّيه؟ Facebook Twitter YouTube Telegram

تَرَقُّب وخوف وهجرة... إيزيديّو العراق على خطى مسيحيّيه؟

المصدر: النهار العربي

رستم محمود

 

أثارت الأرقام التي وزعتها حكومة إقليم كردستان العراق بشأن "توزع أبناء الديانة الإيزيدية" قلقاً بين مختلف الأوساط السياسية والدينية والحقوقية المهتمة بخلق بيئة آمنة ومستقرة لهم، بعد المأساة الرهيبة التي تعرضوا لها أثناء غزو تنظيم "داعش" لمناطقهم في شمال غربي العراق في صيف العام 2014، والتي أودت بحياة آلاف منهم، فيما بقي آلاف من المختطفين، خصوصاً من النساء والأطفال، في عداد المفقودين حتى الآن.
 
ذكرت حكومة الإقليم في آخر إحصاء لها أن أعداد الإيزيديين الموجودين راهناً في مناطقهم التاريخية تُقدر بحوالى 150 ألف شخص، من أصل 550 ألفاً قبل العام 2014. فيما يعيش 360 ألفاً منهم راهناً كلاجئين في المخيمات ومدن الإقليم، ويجدون صعوبة في العودة إلى بيئاتهم المحلية في مناطق سنجار التابعة لمحافظة نينوى العراقية. وأضافت أن قرابة 100 ألف منهم صاروا خارج العراق تماماً، غالبيتهم في الدول الأوروبية.
 
منظمة "ألند" المدنية المتخصصة بشؤون هجرة الإيزيديين، والتي تُصدر تقارير دورية تفصيلية عن أعداد المهجرين، تذكر أرقاماً متفاوتة بين شهر وآخر، لكنها تراوح عموماً بين 3000 و 5000 إيزيدي يغادرون العراق وضمنه إقليم كردستان شهرياً. وتشير إلى أن الطريق التقليدية لتلك الهجرة تبدأ بالانطلاق إلى تركيا، ومنها براً أو بحراً نحو الدول الأوروبية.
 
 
أسباب الهجرة
الباحث والكاتب المتخصص بالشؤون الإيزيدية بابو مظهر لخص في حديث إلى "النهار العربي" مجموعة الأسباب التي تدفع الإيزيديين للهجرة وترك العراق، وقال إن أبرزها "الشعور العميق باستحالة إعادة المناطق الإيزيدية إلى بيئة آمنة لعيشهم في أي وقت، وبحسب مختلف السياقات المتوقعة، سياسياً وإدارياً واجتماعياً واقتصادياً".
 
يضيف مظهر: "كان الإيزيديون يعتقدون أن حرب الإبادة التي طاولتهم ستحدث زلزالاً في الضمير العام المجتمعي وتعزز التزام الدولة حيالهم. لكن، وبعد سبع سنوات من تحرير المناطق الإيزيدية من التنظيم الإرهابي، لا تزال بيئة العنف والتطرف والكراهية التي أفرزت تنظيمات متطرفة كـ"داعش" موجودة في البنى المجتمعية العراقية. ولم تتخذ مختلف الحكومات العراقية منذ ذلك الوقت أي إجراءات جذرية تردع إمكان تكرار ما حدث. فوق الأمرين، فإن المناطق الإيزيدية هي أوسع منطقة للصراع السياسي والأمني في العراق، فاتفاقية سنجار بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية لم تُطبق، ولا يعرف الإيزيديون من هي السلطة الشرعية الحاكمة والمستمرة لمناطقهم. وبين مختلف تلك العوامل، ليس من تنمية ودورة حياة اقتصادية واستثمارات مستدامة في تلك المنطقة المهملة، وتُخاض في جوانبها صراعات بين أمم الأرض كلها".
 
تُعتبر الإيزيدية واحدة من أقدم الديانات التي ازدهرت تاريخياً في السهول الشمالية لبلاد ما بين النهرين، وانتشرت بكثافة في المجتمعات الكردية. لكن نسبتهم الأكبر كانت في العراق (منطقة إقليم كردستان)، بحيث كانوا يُقدرون بـ 4 في المئة من سكان العراق على الدوام.
 
مأساة تاريخية
المأساة الإيزيدية تعود إلى عهود سابقة كثيرة، فالدولة العثمانية لم تعترف بالديانة الإيزيدية كواحدة من "الملل الدينية"، والأمر نفسه انسحب على السلطات العراقية في ما بعد، والتي بقيت تنكر فعلياً وجود ديانة إيزيدية في العراق، وتجهد في سبيل التعريب و"الأسلمة" تباعاً. حتى أن النظام العراقي السابق افتتح في أواخر الستينات من القرن المنصرم مكتباً متخصصاً تحت مسمى "المكتب الأموي"، ظل يعمل لعقود، ويمارس مختلف أشكال الضغط على الإيزيديين، ليعتبروا أنفسهم عرباً ومسلمين. كما أن مختلف الأنظمة العراقية المتعاقبة رفضت استملاك الإيزيديين لأراضيهم بشكل قانوني، واستقدمت عشائر عربية وأسكنتها وملّكتها تلك الأراضي، وتم جمع أصحابها الأصليين في قرابة 60 مجمعاً قسرياً، تم بناؤها خارج المناطق الإيزيدية.
 
فواز صالحو متعهد عقارات إيزيدي في أواخر الستينات من عمره، يسكن راهناً في مدينة دهوك، إقليم كردستان، لديه سبعة أبناء، هاجر منهم خمسة إلى الدول الأوروبية. يشرح في حديث إلى "النهار العربي" المعاناة التي يواجهها مع باقي أقرانه ومجايليه، من حيث فشلهم في إقناع أبنائهم بالبقاء في العراق، ويقول: "على الأقل تم تهجيري مع عائلتي أربع مرات خلال الثلاثين سنة الماضية، وكل مرة كنا نفقد كل شيء راكمناه خلال تلك السنوات. وهو أمر يواجهني به أبنائي على الدوام، حينما أحضهم على البقاء في أرض الأجداد. فرغبتهم ببناء حياة عائلية واقتصادية مستقرة، تفوق أي رغبة أو إرادة مني. وهو أمر يتكرر مع كل الناس. فالأجيال الأصغر من أبنائنا صاروا أكثر رغبة وتطلعاً للقطع مع هذه الأوضاع التي استمرت لعقود كثيرة، وصاروا متيقنين أن مشكلتهم ليست مع حكومة أو نظام سياسي، بل مع ما هو أبعد وأعمق من ذلك".
 
إيجابيات ولكن...
أصدرت الحكومات العراقية طوال السنوات الماضية مجموعة من القرارات الإيجابية لصالح الإيزيديين، مثل بناء صندوق خاص بتعويضهم، وإصدار تعليمات بتملك الإيزيديين في مناطقهم، والتعهد بالسعي لمحاسبة مرتكبي الجرائم ضدهم والبحث عن آلاف المفقودين منهم. لكل الجهات الدينية والسياسية الإيزيدية، وإن كانت تثمن كل ذلك، إلا أنها تربط عودة واستقرار الإيزيديين في مناطقهم التاريخية بحل الجانب السياسي من مسألتهم.
 
ذلك الجانب يختصره الناشط الإيزيدي حسام زيرك في حديث إلى "النهار العربي" بأربعة قرارات يمكن لأي سلطة عراقية مسؤولة أن تتخذها ببساطة: "أولاً، يجب البت بجدية في المادة 140 من الدستور العراقي، وتحديد التبعية النهائية لمنطقة سنجار وباقي المناطق الإيزيدية في العراق بشكل يخرجها من بؤر الصراع. إلى جانب ذلك يجب اتخاذ مجموعة من القرارات والإجراءات المعاكسة لكل برامج التعريب والعسكرة التي طاولت الإيزيديين، ليشعروا بالأمان وعدالة الدولة. فوق الأمرين لا بد من إحداث تغيير جذري في المناهج التربوية والخطاب الرسمي تجاه الإيزيديين، والاعتراف بهم كديانة وطنية مثل المسيحية. وأخيراً تأسيس قوة حماية مسلحة محلية، تُشعر بيئتهم الاجتماعية المحلية بأمان مديد".
Opinions