تركيا ليست العدو
هذا وصف تستحقه طبيعة العلاقة الحقيقية مع الشعب التركي والحكومات المتعاقبة التي تولت شؤون إدارة هذه الدولة الجارة التي يحتاج العراق الى تمتين علاقاته معها بكل الوسائل خاصة وإن المصلحة تقتضي أن لايكون من عداء بين دولتين تحتفظ إحداهما بأكبر إحتياطي من النفط في العالم والثانية بإقتصاد ينمو بإطمئنان في بيئة سياسية مضطربة وصاخبة وإستحقاقات لايمكن في مواجهتها سوى التنسيق الدائم والإستشارة للحد من مشاكل تعترضهما تحمل ذات التوصيف، فمن يحتفظ بالنيران ،ولدى جاره مثلها لايمكن أن يحرق جاره دون أن يحترق هو أيضا ويصاب بقروح قد تنهيه على المستوى البعيد فيما لو إستمر بسياسة العناد والكبر غير المجد ولا المفيد على الإطلاق والباعث لمزيد من الخسارات .
في السنوات الأخيرة ومع التحول السياسي الكبير وصعود نجم الشيعة وسيطرتهم على مركز القرار السياسي في بغداد ، ومع القرب الواضح للحكم الشيعي لإيران ، وعدم رضا السنة على طبيعة العلاقة تلك ، ومع المنافسة التقليدية بين الإمبراطوريتين السابقتين في المنطقة العربية، وتداخل القومي مع الديني ، والمذهبي مع السياسي كان طبيعيا أن تتخذ تركيا سياسة لاتجد فيها الحكومة العراقية مايريح الأعصاب ويطمئن للمستقبل بعد أن تحولت المنطقة برمتها الى ساحة صراع سياسي ومذهبي وإقتصادي ،ومع دخول القوى العظمى كأطراف فاعلة بشكل غير مسبوق أو كالذي كانت تلعبه في السابق لتضمن مصالحها الحيوية التي لايمكن أن ترضى بتهديدها من أي طرف كان .
يمكن للعلاقات الإقتصادية أن تتطور أكثر برغم الحديث عن مليارات من الدولارات قيمة التبادل التجاري المعتاد بين البلدين لكن لابد من نهوض أكبر بتلك العلاقات ، والسماح للشركات التركية أن تعمل بحضور مختلف عن السابق ،وتشكيل لجان مشتركة حتى على صعيد الخلافات، وربما إنشاء خلية إتصال مهمتها محاصرة الأزمات والتواصل من خلال القنوات الدبلوماسية حتى لو تأزمت الأوضاع الى درجة تمثل خطرا على مستقبل العلاقة فلابد من المحافظة على خيوط تواصل من أجل أن لاتذهب الأموربعيدا وتنفلت من عقالها لإعتبارات مرتبطة بالجيرة والمنفعة المتبادلة وطبيعة التحديات ،ولنكن واضحين أكثر فإننا نقول، إن العلاقة المتميزة مع طهران لايمكن بأي حال من الأحوال أن تكون بديلا عن العلاقة مع انقرة فلكل خصوصيته وتأثيره ونوع الفائدة المرجوة من العلاقة معه ، وهذه ليست فكرة أو رؤية عابرة، بل هي حقيقة ثابتة في العلاقات الدولية ، فكيف إذا كان البلدان المعنيان جارين ملاصقين لبعض ، ويكاد برغم كل مايجري من خلاف أن يكون العراقيون من بين أكثر الوافدين على الدولة التركية للعلاج والسياحة والتجارة والعمل والدراسة وحتى الإقامة .
إن السعي الجاد من الدولتين لحل الخلافات وتجاوزها، وتبادل الزيارات ، ومحاولة إيجاد تفاهمات مستمرة من شأنه أن يعيد الى العلاقة بين البلدين زخمها الطبيعي بما يعود بالخير على الشعبين الجارين ،ومن المؤكد إن مصلحة العراق تكمن في علاقة وثيقة مع كل دول الجوار العربي والإقليمي .