تصفيقهم لك وأصواتهم عليك
27 تموز 2011حين وصف الشاعر الفرزدق للإمام الحسين حالة أهل الكوفة قائلاً "قلوبهم معك وسيوفهم عليك"، لم يكن يقدم له مجرد تقرير عن الوضع العسكري في البلاد، بل وضع في عبارته المختصرة في اربعة كلمات، وصفاً لنفسية هؤلاء وقيمتهم.
تذكرت قول الفرزدق حين قرأت ما كتبته النائب الدكتورة حنان الفتلاوي ضمن تعليق لها على مقالة الزميل عباس العزاوي فوصفت ما جرى في البرلمان قائلة:"الكتل السياسية التي هي الاخرى كانت متحمسة ومتفاعلة مع الاستجواب فبعد التصفيق الحار وبعد كل كلمات الاعجاب والتشجيع التي سمعتها من رؤوساء الكتل مثل سلمان الجميلي وفؤاد معصوم عادوا بعد ايام وبعد ان اعادوا حساباتهم ليعلنوا انهم لن يصوتوا لاقالة المفوضية نعم رفضت العراقية التوقيع ورفض التحالف الكردستاني كما ورفض الصدريون والمجلس الاعلى وحتى الفضيلة رفضوا؟؟من وقع هو دولة القانون وكتلة التغيير والعراقية البيضاء والمسيحيين وبعض الشخصيات المستقلة فقط" (1)
عند الطبيعيين من الناس ، يسعد المرء بأن يستطيع أن يقنع شخصاً بوجهة نظره، ويسعد أكثر إن كسب تعاطفه، خاصة إن كان ذلك الشخص ذا تأثير وأهمية، وكان كسبه إلى جانبك وتعاطفه معك، قوة تضاف إلى قوتك وتدعم موقفك.
ما قاله الفرزدق في حقيقة الأمر، أن من وصفهم، رجال لا قيمة لمشاعرهم. إن كسبتها لن تفرح، وإن خسرتها لن تحزن، فمشاعرهم لا تقود تصرفاتهم، بل تقودها مصالحهم أو أوامر سادتهم. هؤلاء لا أهمية لـ "قلوبهم"، حالهم حال من يكون مستعداً للتخلي عن أحبته وأهله، وأن يرفع السيف عليهم، إن هو أمر بذلك من سيد له أو مصلحة ما.
أليس هذا هو حال سلمان الجميلي وفؤاد معصوم وبقية الذين صفقوا للدكتورة حنان حين تجاوزت في خطابها ومناقشاتها، الكفاية والإقناع لتصل بهم إلى حد الإعجاب الذي يدفعهم إلى التعبير عن مشاعرهم بـ "التصفيق بحرارة"؟ لكن ما أهمية أن يصفق لك "عبد" لا يملك إرادته؟ عبد لسيد ما، او لمصلحة ما، لا يستطيع له أو لها خلافاً؟ عبد لا تقرر مشاعره وقناعاته، حركة يده وسيفه وصوته؟
تخيل شخصاً يحييك بحرارة ويكيل لك المدائح ويبدي إعجابه بسلامة موضوعك وحسن دفاعك عنه وربما يقول لك أنه لم يسمع في حياته البرلمانية أوضح وأفضل من الطريقة التي عرضت فيها قضيتك العادلة، ثم يكمل قائلاً: "لكني لن أصوت لك للأسف!" تخيل ما قد يكون الإمام الحسين شعر به أمام من يقول له إنك الرجل الصحيح، وإني أرى الحق معك تماماً، لكني سأذهب مع خصمك!
أية مشاعر مرت بالدكتورة حنان الفتلاوي وهي تجد نفسها أمام مثل هذه المخلوقات وأي شعور بالإحباط والخوف من عالم لا تقرر فيه قناعات الناس مواقفهم؟ و الأدهى أن لا يجد هؤلاء ما يثير الخجل في حقيقة أن قناعتهم وتعاطفهم وما يحبون وما يكرهون، ومن يحبون ومن يكرهون، لا قيمة لها عندهم على الإطلاق، ولا تقرر شيئاً من تصرفاتهم! أين الفرزدق من هؤلاء!
هل من غرابة بعد ذلك أن تجد النائبة دموعها تنزل من عينها بالرغم منها، أمام مشاعر صادقة نقية وجدتها في كلمات الصديق عباس، بعد تلك التجربة المثيرة للتقيؤ مع مخلوقات منفصلة العلاقة بين العاطفة والإرادة، مخلوقات كأنها قد خرجت من منطقة تعرضت لإشعاعات نووية شوهت طبيعتها وقتلت اعتزازها، فتعجب وتصفق وتهنئ وتضحك لشيء، ثم تصوّت ضده!
(1) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=6000