Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

تضامناً مع المفكر أحمد القبانجي

 

 تناقلت الأنباء خبراً صادماً، وما أكثر الأخبار الصادمة في هذا الزمن الرديء، أن السلطات الإيرانية اعتقلت المفكر الإسلامي التنويري السيد أحمد القبانجي"...ولم تثمر كل محاولات عائلته الاتصال به او معرفة مصيره ..." (من رسالة ابنه الأوسط، محمد إلى أحد أصدقائه). ولأول مرة أعرف أن السيد القبانجي يقيم في مدينة قم الإيرانية. والمتابع لمحاضرات وكتابات السيد القبانجي، يعرف أنه في قمة الشجاعة والثقافة، والقدرة على الخطابة الارتجالية. وتأكدتْ شجاعته أكثر عندما علمنا أنه كان ينشر كل هذه الأفكار التنويرية الجريئة وهو مقيم في إيران، البلاد التي يحكمها نظام إسلامي صارم، يعتمد النقل بدلاً من العقل.

ومن يتابع محاضرات وكتابات السيد القبانجي أيضاً، يعرف أنه مثقف موسوعي من طراز فريد، فهو رجل دين وفيلسوف بكل معنى الكلمة. فالرجل ذو إطلاع واسع، ليس على العلوم الدينية والتراث الإسلامي فحسب، بل وعلى الفلسفات القديمة والحديثة، والعلوم الاجتماعية والنفسية وغيرها. وهذا واضح من تنوع المواضيع التي تطرق إليها في محاضراته المنشورة على اليوتيوب، وبحوثه على الانترنت، إضافة إلى كتبه المطبوعة.

وإذا كان المسلمون السنة يعتبرون الإمام أبو حامد الغزالي أثقف رجل دين في زمانه، حيث لقبوه بـ(حجة الإسلام)، فإني اعتقد أن السيد القبانجي هو أثقف رجل دين وباحث إسلامي في هذا العصر، ولكنه على النقيض من الإمام الغزالي في موقفه من العقل. فالغزالي رغم تبحره في معارف زمانه بما فيه الفلسفة، ولكنه، ويا للكارثة، وظف إمكانياته المعرفية الواسعة لإلغاء العقل، والاعتماد الكلي على النقل من السلف، ومحاربة الفلسفة والعقلانية في تفسير االنصوص الدينية، فألف في ذلك كتاباً بعنوان (تهافت الفلاسفة)، شن فيه حرباً شعواء على العقل والعقلانية، والفلسفة والفلاسفة، وبذلك فقد ساهم الغزالي بدور رئيسي في تدمير العقل العربي- الإسلامي منذ القرن الحادي عشر الميلادي وإلى الآن. وهو يتحمل مسؤولية كبرى في إلغاء عقل المسلم وما آل إليه المسلمون في عصرنا الحاضر من تخلف ودمار وتفشي الإرهاب. (سأعود إلى هذا الموضوع في مقال مستقل، تعليقاً على كتاب: إغلاق عقل المسلم، للباحث روبرت رايلي، قريباً).

بينما كرس العلامة السيد أحمد القبانجي معارفه وإمكانياته الخطابية والكتابية لإعادة مكانة العقل والعقلانية والدفاع عنهما بلا هوادة وبمنتهى الشجاعة والبلاغة. وبذلك، فهو يعتبر بحق من المعتزلة الجدد. ومن لم يسمع بالمعتزلة، أقول أنها حركة فكرية نهضوية رائعة وصلت القمة في عهد الخليفة العباسي المأمون في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي). وهي تشبه حركة النهضة الأوربية في القرنين السادس عشر والسابع عشر. ولو قدر لحركة المعتزلة بالاستمرار لكانت النهضة الحضارية التي نشهدها اليوم في الغرب حصلت في العالم الإسلامي قبل أوربا بقرون. وفلسفة هذه الجماعة الفكرية تعتمد على تفسير الكتاب والسنة وفق ما يتفق مع العقل، وكل ما لا يتفق مع العقل يحاولون تفسيره تأويلاً. وهذا ما حاول السيد القبانجي العمل بموجبه في جميع محاضراته وأعماله الكتابية.

والجدير بالذكر أن القبانجي، كمصلح إسلامي، هو ليس الأول، ولا الأخير في إحياء حركة المعتزلة لإعادة مكانة العقل ومنحه الأولوية على النقل في العالم الإسلامي، إذ سبقه كثيرون في هذا المجال وفي مختلف مراحل التاريخ، وكانوا جميعاً ضحايا تعسف الحكام الطغاة والحركات الرجعية، وتعرضت مؤلفاتهم للحرق. فمأساة الفيلسوف القرطبي ابن رشد معروفة، الذي حاول رد الاعتبار إلى العقل والفلسفة في رده على الغزالي بكتابه المعروف: (تهافت التهافت). والنتيجة أن وُضِع ابن رشد في السجن، وجمعت كتبه نحو 108 كتاباً، في ساحة مدينة قرطبة، وأشعلت فيها النيران. وهكذا انتصر الغزالي على ابن رشد، أي انتصر النقل على العقل، والسلفية على التجديد.

ونفس المأساة حصلت في عصرنا الراهن، للمفيلسوف اللبناني المعروف، الشهيد حسين مروة، والذي كان رجل دين في مقتبل حياته، تلقى دروسه الدينية في النجف الأشرف، وبعد ذلك تبنى الفلسفة المادية وانخرط في حركة اليسار حتى صار قيادياً بارزاً في الحزب الشيوعي اللبناني، وألف أروع كتاب بعنوان (النزعات المادية في الفلسفة العربية-الإسلامية)الذي أثار جدلا كبيراً في وقته.نشر منه جزئين. واغتيل على أيدي الإسلاميين في 17 شباط 1987، وأحرقوا مكتبته بما فيها مخطوطة الجزء الثالث من كتابه النزعات المادية.... وكذلك تعرض الراحل حامد نصر أبو زيد، الذي كان أستاذاً في علوم القرآن في جامعة القاهرة، حاول تفسير القرآن تفسيراً عقلانيا، فحكموا عليه بالردة، وتدرجوا باضطهاده على مراحل، المرحلة الأولى، فصلوه من الجامعة، والثانية، أمروا بفصله عن زوجته لأن الكافر لا يجوز الزواج من مسلمة، وفي الثالثة، حكموا عليه بفصل رأسه عن جسمه، لأن حكم المرتد القتل. فاضطر الرجل وزوجته بالهروب والإقامة في هولندا إلى أن توفى في العام الماضي.

وهناك المئات من المفكرين الليبراليين المسلمين اضطروا على الهجرة القسرية ليسلموا بجلودهم، وليواصلوا نضالهم الفكري لإصلاح الإسلام وتحريره من التطرف والإرهاب.

وللأسف الشديد لم تتوفر الفرصة للسيد القبانجي بالهجرة إلى الغرب، وربما توفرت له ولكنه فضل البقاء في إيران لنشر أفكاره التنويرية في المكان الأشد حاجة إليها حيث قلعة الرجعية كتحد منه، والذي يحكمه نظام الملالي، إلى أن ألقي عليه القبض وتم اعتقاله.

لا شك أن توجهات القبانجي الفكرية هي في صالح الإسلام نفسه لأنه يريد مصالحة الإسلام مع الحداثة والحضارة والديمقراطية وحقوق الإنسان. لذلك فإقدام السلطات الإيرانية على اعتقال السيد القبانجي جريمة لا تغتفر، ودليل على وحشية النظام وعدم احترامه لحرية التعبير والتفكير وحقوق الإنسان.

لذلك نهيب بكل أحرار العالم من أنصار حرية التفكير والتعبير والضمير، ومنظمات حقوق الإنسان، شن حملة واسعة ومتواصلة على الحكومة الإيرانية، لإطلاق سراح المفكر الفيلسوف الإصلاحي السيد أحمد القبانجي فوراً، ومنحه وعائلته حق اللجوء إلى إحدى الدول الغربية لمواصلة نضاله في نشر الفكر التنويري.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com

 

 

http://www.abdulkhaliqhussein.nl/

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1- للمشاركة في توقيع حملة إطلاق سراح المفكر أحمد القبانجي، يرجى فتح هذا الرابط

http://www.ahewar.org/camp/i.asp?id=387

 

2- أرشيف مقالات السيد أحمد القبانجي في الحوار المتمدن

 

http://www.ahewar.org/m.asp?i=5933

 


 

Opinions