تكتيكات فدائيي مبارك لضرب الانتفاضة
كان عندنا في العراق، في عهد المقبور صدام حسين، منظمة إجرامية تُدعىَ (فدائيو صدام)، وقد تم أعضائها، ومعظمهم من المراهقين، بعد تعرضيهم إلى عمليات غسل الدماغ، وتدريبهم على السلاح، وارتكاب الأعمال الوحشية، وتجريدهم من كل رحمة ومن جميع الصفات الإنسانية، كأن يصطادوا ثعالب وحيوانات برية أخرى ويمزقونها، ويأكلون لحومها نية، وهم في حالة هياج جنوني، كما شاهدنا بعض تلك المشاهد المقززة من خلال لقطات الفيديو على الانترنت. وقد استخدمهم البعث، إلى جانب قوات أخرى، لإرهاب أبناء الشعب تحسباً لأية انتفاضة ضد حكمه الغاشم. وتبنى الرئيس السوداني، عمر حسن البشير هذا الاختراع الإجرامي ضد الشعب في دارفور، ويبدو أن أجهزة الأمن المصرية هي الأخرى استفادت من اختراعات البعث مع بعض التعديلات عليها، وها هم يطبقونها في مواجهة انتفاضة الشعب المصري التي بدأت قبل أسبوع، أي يوم 25 كانون الثاني(يناير) تحديداً، وهي مستمرة وتزداد اتساعاً وإصراراً يوماً بعد يوم، وحتى النصر المؤزر.ومن هذه التكتيكات الإجرامية، فقد لاحظنا اختفاء الشرطة ورجال الأمن من الساحات والشوارع لعدة أيام في الأسبوع الماضي، وخلال تلك الأيام حصلت أعمال النهب والسلب، وما نسميه بالعراقي (فرهود)، وحرق محلات تجارية، بل وحتى دوائر حكومية، ومنها دائرة السجلات لوزارة الداخلية، وغيرها من الأعمال التخريبية، ولم يسلم منهم حتى المتحف الوطني، تماماً كما فعلت فلول البعث بعد سقوط نظامهم الغاشم مع الاختلاف بحجم التخريب. وتبين فيما، كما أفاد معلقون ومراقبون غربيون، أن القائمين بهذه الأعمال الإجرامية هم من رجال الشرطة والأمن أنفسهم بغية إلقاء تهمة هذه الأعمال على الشباب المنتفضين، وتشويه سمعة الانتفاضة، وإظهار الثوار بأنهم مجموعة من المجرمين واللصوص يريدون تدمير مصر، وحرق ممتلكات الشعب والدولة. وكالعادة في مثل هذه الحالات، لم يتورع أتباع الحاكم المستبد، عن ربط الانتفاضة بالاستخبارات الأجنبية والصليبية والصهيونية!!، وكذلك بتكتيكهم هذا يريدون إشعار الشعب بالحاجة إلى رجال الأمن والشرطة للحفاظ على أمن وسلامة المواطنين وممتلكاتهم. ولكن هذه اللعبة لم تعبر على أحد، إذ تم اكتشاف حقيقتها، وهي أن مرتزقة حسني مبارك، والقلة المنتفعة من "مكرمة الرئيس" وأعضاء حزبه، هم كانوا ومازالوا وراء هذه الأعمال الإجرامية.
وصعَّدت أخيراً هذه الشراذم (فدايو مبارك) أو مؤيدوه، أعمالها ضد الانتفاضة درجة خطيرة بعد خطاب مبارك مساء الثلاثاء، الأول من فبراير/شباط الجاري، والذي أعلن فيه أنه لم يكن ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة (أيلول/سبتمبر القادم)، غير أنه لم يتنحى، وأعلن بقاءه في السلطة إلى حين تنظيم الانتخابات، كما لم يعلن عن عدم إمكانية ترشح ابنه جمال وفقما أفادت تسريبات سابقة، ودعا البرلمان بمجلسيه (الشعب والشورى) لمناقشة تعديل المادتين 76 و77 من الدستور" وهما البندان المتعلقان بتحديد فترة الرئاسة"...الخ. وكان يتصور أن هذه التنازلات ستقنع المعارضة والجماهير الشعبية الغاضبة بوقف الانتفاضة، ولما أصرت المعارضة على عدم استجابتها، قام فدائيو مبارك بتكتيكهم الجديد.
فقد ظهرت جماعة بالملابس المدنية، ومنهم على ظهور خيول وجمال، في تظاهرة عرض العضلات لابتزاز الجماهير وتخويفهم، أدعوا أنهم مؤيدون لمبارك، وقاموا بتظاهرة هزيلة لا يزيد عددها على بضع مئات، والتي وصفها التليفزيون الرسمي المصري "بأن مئات الآلاف من أنصار مبارك يتدفقون على ميدان التحرير"!!. ثم كشفوا عن حقيقتهم، إذ لجؤوا إلى البلطجة، فقاموا بالاعتداء الوحشي على الجماهير، بإلقاء القنابل الحارقة على الناس وضربهم بالسكاكين، والحجارة، وحولوا الانتفاضة المسالمة إلى أعمال عنف.
فقد نقلت وكالة رويترز عن شاهد عيان قوله إن أربع قنابل حارقة على الأقل ألقيت على ميدان التحرير، وان الجيش تحرك لإطفاء النيران. وفي الإسكندرية، أفاد مراسل بي بي سي بأن مجموعة من البلطجية حاولوا تفريق المتظاهرين ضد النظام الحاكم، بإطلاق النار عليهم، فتدخل الجيش لصدهم بإطلاق النار في الهواء، مما أدى لحدوث هلع بين المتظاهرين ولم ترد أنباء حول إصابات أو ضحايا.
من الواضح أن هذه الأعمال لن تقوم بها جماعة مدنية بشكل عفوي ضد مئات الألوف من المتظاهرين، ما لم تكن تابعة لأجهزة الحكومة. والدليل على ذلك، أنه لما تدخل الجنود لوقف البلطجية، وتم البحث عن هوياتهم، تبين أنهم يحملون هويات الأمن. وإزاء هذه الفضيحة، سارع المسؤولون بالتصريح أن هذه الهويات قد سرقت من رجال الأمن!!! يعني العذر أقبح من الفعل!
ويذكر أن أعمال العنف هذه استهدفت الصحفيين والمتظاهرين المسالمين. وقد سقط من جرائها في منطقة ميدان التحرير اليوم أكثر من 500 جريح، حسبما أوردت وكالة الأنباء الفرنسية نقلا عن مصادر طبية. كما وقالت نافي بيلاي، مفوضة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة: إن عدد الذين قتلوا في مصر منذ بدء الاحتجاجات يناهز الـ 300 شخص. (تقرير بي بي سي يوم 2/2/2011)
خلاصة القول، يبدو أن عقلية المستبدين هي نفسها مع الاختلاف بالدرجة، فحسني مبارك، كنظيره صدام، لا يريد الرحيل بسلام إلا بعد أن يلحق أكبر ما يمكن من الأذى بالشعب المصري. كان عليه، لو عنده ذرة من العقل والحرص على الشعب، أن يتنحى عن السلطة ويحتفظ بأقل ما يمكن من ماء الوجه، ولكنه يبدو أنه مصر على عدم التخلي عن الكرسي إلا بالطرد وتمريغه بالوحل كما حصل لصدام حسين وبن علي.
ولحد كتابة هذه السطور، فإن الجيش واقف إلى جانب الشعب، وعليه أن يواصل موقفه المشرف هذا إلى النهاية، ويضغط على مبارك بالرحيل كما عمل الجيش التونسي مع بن علي، والتمهيد لتشكيل حكومة انتقالية تهيئ للانتخابات المقبلة، وبناء نظام ديمقراطي سليم بأقل ما يمكن من سفك الدماء الزكية وزهق للأرواح البريئة.
ــــــــــــــــــــــــــ
العنوان الإلكتروني للكاتب: Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
الموقع الشخصي للكاتب: http://www.abdulkhaliqhussein.com/