Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

تكلم البعثيون مع القذافي عن الشرف، وبعضُهم فَقَدَهُ لِصدّام!!

أحاول دائما أن أبتعد قدر الإمكان عن تناول المسائل الشخصية عند تناولي الأمور السياسية. غير أن المرء أحيانا يجد نفسه مضطرا لولوج هذا المسلك، الذي لا يبعث على الإرتياح. وما يَحْمِلُكَ على ذلك إستفزازُ المقابل وعدوانُه على الحقيقة والواقع. مع هذا ما كنت أرغب في تناول هكذا موضوعا لولا أنَّ تبعات السكوت قد تكون هلاك الملايين من أبناء شعبنا فيما لو غَفلنا خطرَ عَبَدَةِ السلطة وعشّاق المصالح المادية الشخصية دون كشفهم وفضحهم أمام الجماهير.

ففي اللقاء الذي جمع بين وفد من حزب البعث العراقي المنحل بالعقيد القذافي يوم 21/3/2010 نَسَبَ العقيدُ "الشرفَ" الى ذلك الرهط الطغموي (1) الخائب ووصف ضحايا إجرامهم الذي فاق التصوّر ب "المتخاذلين أو العملاء" إذ قال بالحرف الواحد (2):

"واعتبر القائد الليبي أن منجزات المقاومة العراقية فخر للعراقيين بقدر ماهي فخر لليبيا."

وقال "هذا فخر لكم ولنا، وهو مجد.. كل الناس تموت ولكن أنتم تموتون بشرف، فالمتخاذلون أو العملاء سيموتون ولكنهم يموتون بخزي وبعار.."

أريدُ هنا أن أتناول نموذجا واحدا من بين الرهط الذي إلتقى العقيد والذي فاتته فرصة الموت بشرف يوم طالبته الحياة بذلك لكنه آثر العيش بذلٍٍّ. وأقول مع هذا، ثانية، لا يطاوعني ضميري على ذكر إسم هذا الشخص الصريح فسأرمز له بالحرف (س) رغم علمي أن الكثيرين سيعرفونه مباشرة أو دون عناء.

في كتابه "قبل أن يغادرنا التأريخ"، يقول الفريق الركن رعد مجيد الحمداني، قائد فيلق الحرس الجمهوري العراقي الثاني (الفتح المبين)، ما يلي: "قبل أسبوعين من الحرب ألح مدير جهاز المخابرات العراقي (س) على لقاء الرئيس لأمر خاص ومهم جدا. فالتقى به في قصره القريب من المطار الدولي، وكان جالسا على حافة بحيرة القصر الصغيرة يصطاد السمك، فأخبره برسالة شفوية من الرئيس الفرنسي جاك شيراك وصلت إليه من السفارة الفرنسية مفادها: "كن على يقين أيها الرئيس أن الأمريكيين سيهاجمون وهدفهم الأول أنت فاحذر". ودون إكتراث، إستمع الرئيس صدام لمضمون الرسالة فأومأ برأسه قائلا لمدير المخابرات الذي لم يأذن له بالجلوس : "ألهذا جئت ؟ إذهب؟""

أسأل: أليست هذه المعاملة لأي إنسانٍ ناهيك عن أن تُوَجَّهَ لشخصية عسكرية رفيعة ذات منصب كبير وحساس في الدولة العراقية، تعتبرُ مُهينةً ومرفوضةً تماما؟ أما كان حريّا بالعميد (س) أن يقول لصدام بالأقل "هل ترى أن هذه المعلومة ليست بذات أهمية كي لا أزعجك بنقل ما يردنا بوزنها؟" لم ينبس العميد (س) ببنت شفة، بل إبتلع الإهانة ومضى كي يظهر لنا في ليبيا يبيع المرجلة والبطولة أمام حاكم يريد أن يستخدم متخاذلين أمثاله، العميد (س)، لتضليل شعبه حول الديمقراطية الناشئة في العراق.

لم يبخل العراق بإنجاب شرفاء شجعان في السجون وخارج السجون البعثية ليقتدي بهم العميد (س). يذكر السيد سعد البزاز في كتابه عن الحرب العراقية – الإيرانية (ربما إسمه "حرب تلد أخرى") كيف تحدى القائد العسكري (اللواء الياسري)، على الجبهة الإيرانية، صدام الذي وصفه بالجبان. فما كان من الياسري إلا أن أجابه : " الجبان هو من يكون بين ضباط جيشه ومحاط بحمايته ". فقتله صدام. لكن الشهيد الياسري قدّمَ حياته ثمنا لصون كرامته.

لماذا لم يحرك العميد (س) ساكنا لرد إهانة صدام؟ هناك وراء هذا الموضوع قصة:

إبتدع صدام وسائل دنيئة متنوعة أصبحت جزء من أخلاقية البعث وأسلوبه في إدارة أمور الدولة وإنتزاع الولاء والطاعة العمياء لزعيمهم وولديه.

لقد بلغ الأمر منحدرا خطيرا إذ كلف صدام جهازا خاصا في المخابرات العامة، يدعى "الجهاز الفني"، كان يتولى مهمة إستدراج وتوريط وإبتزاز بنات وزوجات الشخصيات المهمة في الدولة كالمسئوليين الأمنيين والعسكريين وبعض الوزراء وبعض رؤساء العشائر، وذلك لتسجيل أفعال شائنة لهن دون علمهن. يقوم صدام نفسه بعدئذ بعرض الشريط المصوَّر على رب العائلة لإبتزازه بحجة ستر شرفه وحماية سمعته مقابل ولائه الأعمى. كان في آرشيف ذلك الجهاز ما يقرب من (150) شريطا مسجلا. لقد أدلى بشرح وافٍ حول هذه المعلومة الرائد خالد ساجد عزيز الجنابي من راديو "العراق الحر" قبيل سنة 2000. لقد كان الرائد خالد يعمل في ذلك الجهاز الفني، وفي أحد الأيام أخذ معه بعض هذه الأفلام وأطلع أخاه الفريق كامل الجنابي عليها لتحذيره، بعد أن رفض الفريق تصديق الوصف الكلامي. جنَّ جنونُ الفريق، بعد مشاهدة جزءٍ من التسجيل ولم يستطع إكماله، على تلك "المكافئة" التي قدمها صدام للعسكريين الذين خدموا الحزب والدولة ( كان الفريق كامل الجنابي على رأس القوات العراقية التي إحتلت الكويت؛ وقبل عام 2000 قتله قصي بدم بارد في نادي اليرموك الترفيهي دون سابق إنذار أو مسوّغ كما أفاد الرائد خالد الذي بدءوا بمضايقته حتى أضطر إلى الهرب خارج العراق. بتقديري، إن صدام قتل جميع الضباط الذين شهدوا خيبته في مغامرة إحتلال الكويت ومنهم العميد بارق الشيخ حنطة والعميد فاتح الراوي وقد ذكر الحادث السيد سعد البزاز في كتابه "الجنرالات آخر من يعلم").

بعد أسابيع أو ربما أشهر (والعتب على الذاكرة) من إذاعة هذا الحديث للرائد خالد، ذكر راديو "العراق الحر" بأن العميد (س) مدير جهاز المخابرات العراقي ، كان أحد ضحايا ذلك العمل الإبتزازي المشين.

ذكرت الأخبار بعد سقوط النظام البعثي الطغموي أن الرئيس الهارب صدام حسين أرسل مواد تجميل نسائية (مكياج) إلى أحد رؤساء عشائر الدليم الذي كان مؤيدا للتغيير وإقامة نظام ديمقراطي. واضح، أن صدام أراد إستفزاز ذلك الشيخ وأمثاله بأنهم ليسوا رجالا، أي أراد اللعب على وتر القيم العشائرية بشأن الرجولة والشجاعة والشهامة وغير ذلك. أعتقد أن هناك رسالة أخرى قد تكون أكثر أهمية من هذه وهي تذكير بعض الشيوخ والشخصيات العسكرية والسياسية من الذين يعلمون أن لدى صدام أشرطة خاصة بهم وبعوائلهم، بإستعداده لكشفها إذا توانوا في محاربة النظام الجديد.

هذه قصة أحد الشرفاء الذين إلتقاهم القذافي لشتم العراقيين وتدشين تمثال لتخليد مَنْ سلبَ ضيوفَه شرفَهم، أي صدام.

فليلا من الحياء أيها العقيد وأيها "المقاومون الشرفاء"!!!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1): الطغمويون والنظم الطغموية: هم أتباع الطغم التي حكمت العراق وبدأت مفروضة من قبل الإحتلال البريطاني في عشرينات القرن الماضي، ومرت النظم الطغموية بمراحل ثلاث هي: الملكية والقومية والبعثية. والطغمويون لا يمثلون أيا من مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والمذهبية بل هم لملوم من الجميع ، رغم إدعائهم بغير ذلك لتشريف أنفسهم بالطائفة السنية وللإيحاء بوسع قاعدتهم الشعبية. مارستْ النظمُ الطغمويةُ الطائفيةَ والعنصريةَ والدكتاتوريةَ والديماغوجيةَ كوسائل لسلب السلطة من الشعب وإحكام القبضة عليها وعليه. والطغمويون هم الذين أثاروا الطائفية العلنية، بعد أن كانت مُبَرْقعَةً، ومار سوا الإرهاب بعد سقوط النظام البعثي الطغموي في 2003 وإستفاد الإحتلال من كلا الأمرين. كان ومازال الطغمويون يتناحرون فيما بينهم غير أنهم موحدون قي مواجهة الشعب والمسألة الديمقراطية؛ كما إنهم تحالفوا مع التكفيريين من أتباع القاعدة والوهابيين لقتل الشعب العراقي بهدف إستعادة السلطة المفقودة.

(2): نُشرَ التقرير في صحيفة "صوت العراق" الإلكترونية بتأريخ 22/3/2010.

Opinions