تهديدات رعناء لقوى الإرهاب تتعرض لمسيحيي العراق مجددا وإجراءات فورية عاجلة مؤملة للتصدي للحملة الدموية الجديدة
قبيل أيام قليلة جرى استهداف مجموعة قومية دينية من أبناء العراق الأصائل هم الصابئة المندائيين الذين شادوا الأسس الأولى لحضارة سومر، واليوم وصل أحد المطارنة العراقيين رسالة تهديد بتوقيع (الأمانة العامة لكتائب أنصار الإسلام) تهدد بشكل سافر مسيحيي العراق، وتأمر برحيلهم الفوري وإلا تعرضوا لسيوف هذه الفئة (الضالة من الإرهابيين) منذرين بجولة جديدة من التعرض لمن كانوا لآلاف السنين بُناة العراق وما زالوا الشركاء الرئيسيين في مسيرة حاضره إلى جانب كل مكونات شعبنا وأطيافه القومية والدينية..إنَّ ورود هذا التهديد يمثل إشارة خطيرة ينبغي أخذها على محمل الجد كونها تأتي في ظروف محلية تعاود فيها قوى الإرهاب أفعالها الإجرامية بدعم وظهير يتحرك بتخطيط إقليمي منسق ومشترك متزامنا مع تحركات في جبهات وبلدان أخرى في المنطقة...
إنَّ طبيعة هذه الفعاليات الإجرامية تظل واضحة من جهة مركزها والجهة التي تقف وراءها والجهات الداعمة والمستغلة لجرائم الإبادة المرتكبة، إذ تعمل قوى إقليمية على تفعيل ضرباتها كلما ظهرت في الأفق حلول سلمية في المنطقة وجرت محاولات تطمين الأوضاع بخاصة في العراق الملتهب منذ سنوات ست. وتتكشف طبيعة الجريمة في ضوء خطاب التهديد الذي يستهدف الإعلان عن قوة بعينها في صراعها من أجل فرض وصايتها وتحكمها بالمنطقة في محاولات سافرة لتقسيم العالم على وفق أوهام مرضية لأيديولوجيا العنف يخضع طرف منه لما يسمونه العالم (الإسلاموي) الذي تسطو عليه قوى الإرهاب الدموية وهنا لا يقف الأمرعند حد تكفير المسيحيين والمندائيين والأيزديين بل يشمل هذا حتى المذاهب والفرق الإسلامية التي لا تخضع لفلسفة العنف الدموية...
وإذا كانت هذه الارتباطات الإقليمية وطبيعة الصراعات تتجه نحو تقسيم العالم على أسس أيديولوجيا دينية متزمتة متطرفة وتنوي اختلاق ذرائع الاحتراب وخوض المعارك والحروب المدمرة على هذه الأسس الرعناء، فإن ارتباطات محلية تقف وراء تنشيط الجريمة على المستويين الوطني العراقي والمحدد بمحافظات بعينها في ضوء نتائج الانتخابات البلدية ومسيرة الأسابيع التي مرت والأشهر التي ينتظرها العراق حيث الانتخابات البرلمانية، وحيث التهديد والوعيد وحيث إثارة أشكال الترهيب والاحتراب تحت الطاولة في محاولة للضغط على مجريات ما فوقها..
وفي جميع الأحوال يبقى الضحية هو المواطن العراقي وتحديدا وفي وجه مدفع الإرهاب هذا وتحت حد السيف المدمى، يكون الضحية الأولى العراقي الأصيل من المسيحيين (الكلدان الآشوريين السريان) كافة ولا يميز هنا سيف الذباحين المتعطشين لمزيد من الدماء بين مذهب أو آخر منهم ولا بين مجموعة دينية أو أخرى فجميعهم (كفرة) كما يرى مفتي أولئك المعتوهين المتهورين (بحسب رسالة التهديد)...
إنَّ وضع المسيحيين العراقيين ومعهم أبناء المجموعات الدينية الأخرى تحت سيف التهديد والإرهاب واستمرار وقوع جريمة الإبادة الجماعية تلك بلا وقفة مسؤولة من الحكومة ومن دون إجراءات ملموسة دوليا، يعني شراكة في جريمة بحق الإنسانية ولن يجدي وقفة دقيقة صمت أو بيان شجب من الجهات المسؤولة فهذه الأمور هي من نافلة القول وهي مما ينهض بها الأبرياء والبسطاء ومن ليس لهم سلطة الفعل والمسؤولية... ولكن المنتظر من المسؤولين اليوم:
1. أن تعترف الحكومة العراقية بحجم إمكاناتها في التعاطي مع الظرف الأمني وتتعاطى مع متطلباته في ضوء خطة نوعية تستند إلى دعم دولي ملموس بخصوص الحماية الأمنية للمواطن وتحديدا هنا أبناء العراق من المسيحيين المهددين اليوم بجولة جديدة من أعمال التصفية الدموية النكراء...
2. وكيما يجري تفعيل الرد المناسب والارتقاء لمستوى المسؤولية يلزم التوجه الفوري لتكثيف الحماية لدور العبادة والكنائس والمراكز والمباني والأماكن المعنية ومنها تلك التي تحتفظ بكثافة سكانية مهمة لمسيحيي العراق...
3. إصدار قرارات فورية بتشديد عقوبة المجرمين الإرهابيين الذين تطال جرائمهم هذه المجموعات القومية والدينية وهنا في حالة التهديد الواردة التي تطال مسيحيي العراق... وبالمثل كل من المندائيين والأيزيديين.
4. الدعوة لمؤتمر وطني عراقي وآخر دولي يُعنى بالمجموعات القومية والدينية العراقية على أن يكون هذا المؤتمر منعقدا بشكل دوري أو طارئ بحسب تطورات الأوضاع ومتابعة المستجدات أولا بأول بما يسبق المجرمين ويوقف جرائمهم...
5. فورا وبلا مماطلة أو تلكؤ البحث في إنشاء وزارة المجموعات القومية والدينية ودوائرها الرسمية التي تتصدى للمهام بشكل مباشر وبعيدا عن أشكال الإهمال والإغفال والتراخي في التعاطي مع مكونات الوطن وما يتعرضون له.. فقد تمَّ تشريد أكثر من 85% من المندائيين وأكثر من 50% من مسيحيي العراق حتى باتت مدن عراقية كانت تحيا فيها أكثريات من هذه المجموعات الدينية شبه خالية منهم وذلك بين التصفية الجسدية والترحيل القسري وجنون الاستغلال والمطاردة الوحشية.. فماذا تنتظر الحكومة العراقية هل تنتظر التطهير العرقي الديني القومي ليكتمل ومن ثمَّ تبدأ حملة التطهير المذهبي الطائفي ليصير العراق بقية من أرض جرداء ومجموعة طائفية مستغلة مستباحة يجري الانفراد بها!؟
6. هذه دعوة للمنظمات الدولية المعنية للتدخل العاجل لا في استقبال النازحين واللاجئين وهذه قضية واجبة إنسانيا بل في حماية المتبقي من المتشبثين ببيوتهم ويريدون العيش بأمان وسلام في وطنهم الذي لا يستطيعون العيش بعيدا عنه... وأول أشكال التدخل تحمل المسؤولية بتفعيل جهود الحكومة العراقية ودعم خطة رسمية مسؤولة والدفع بالقوى الدولية المعنية للتصدي لمسؤولياتها طالما قواتها موجودة على الأرض في العراق...
7. العودة لممثلي الطيف العراقي المهدد وأخذ مشورته ورأيه في الحلول الممكنة والمتاحة ومنحه فرص التعبير واستقبال معالجاته وتنفيذها ميدانيا..
8. على القوى الوطنية كافة التصدي لمسؤولياتها في إعلان موقف صريح وحازم وحاسم وإعلان برنامج حماية وطني لا يقبل التأويل أو التأجيل تتبناه تلك القوى وتعمل في ضوء مفردات متفق عليها إجرائيا بخاصة في انعقاد المجلس السياسي الوطني وإعلان موقفه بالخصوص...
9. ومن تلك القوى الوطنية المنتظر منها الموقف الحازم، منظمات المجتمع المدني المعنية والمراجع الدينية الإسلامية تحديدا التي إذا كان لها من موقف ديني وإنساني ووطني اليوم فعليها إصدار فتاوى تحريم الدم العراقي وتحديدا تحريم التعرض لأتباع الديانات كافة والدعوة للتعايش... ومن ضمن الموقف أن تكون لديهم إجراءات فورية عاجلة وواضحة في استقبال ممثلي المجموعات الدينية واللقاء المعلن بهم وإصدار بيان مشترك بين أتباع الديانات في ظلال موقف التعايش السلمي والتعاضد والتكاتف بين الجميع..
10. استحداث غرفة برلمانية مخصوصة وأخرى حكومية طارئة لحين استكمال الهياكل الضروروية المقترحة بشأن تركيبة البرلمان العراقي وتمثيل القوى القومية والدينية كافة بطريقة منطقية صائبة...
11. أن تتشكل فورا وفود للقاء السفراء والمسؤولين بأعلى المستويات والهيآت المختصة ويجري هناك تقديم مطالب محددة بشأن المؤمل من كل جهة والأسقف المعتمدة المنتظر تنفيذها...
إنَّ نساءنا حرائرنا وشيوخنا وكهولنا وشيبنا وشبيبتنا وصبايا وبناته من كل هذا الطيف المكوّن لشعبنا العراقي من المسيحيين (ومن المندائيين والأيزديين أيضا) باتوا في مرمى الخطر ونيرانه وأسيافه العمياء فلا تكتفوا بالإدانة ببيان عابر قد لا تتبناه ولا تبثه حتى وسائل الإعلام القريبة بل توجهوا إلى مراجعة المشروعات المقترحة للتصدي للجريمة؛ وإلا فإننا سنكون من بين أدوات تمريرها بضعفنا وفتورنا وسلبيتنا أو بصمتنا بعد أن نترحم على ضحايانا.
جميعا، قولوا كفى بإرادة صلبة وبتبني خطوات عملية وعاجلة للتصدي للجريمة... هذه كلمة هي الفعل متى ما تبناها مسؤول أو منظمة أو حركة محليا أو إقليميا أو دوليا؛ ولقد طفح الكيل وصرنا أمام مباشرة مهامنا في التصدي والدفاع عن حيوات الناس وحقوقهم في الوجود أحياء وبأمان وهو ما نتوجه به للجميع (من العراقيين كافة ومن منظمات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان والجهات الدولية والإقليمية المعنية) كيما يتحملوا المسؤولية الآن وليس بعد فوات الأوان..
أ.د. تيسير الآلوسي
البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
رابطة الكتاب والفناينن الديموقراطيين العراقيين في هولندا
لاهاي 25 نيسان أبريل 2009