توزيع المقاعد التعويضية الوطنية
د.ضياء عبدالله عبود الجابر الاسدي/نظرة قانونية
بعد أن ظهرت النتائج الأولية للانتخابات، ومن ضمنها المقاعد التعويضية الوطنية، والبالغ عددها(سبعة) مقاعد، في عموم العراق، استناداً إلى الفقرة(3/أولاً) من القسم الثاني من نظام توزيع المقاعد لانتخابات مجلس النواب رقم (21) لسنة 2010، والتي توزعت بين القوائم الأربع الفائزة، فكانت حصة القائمة العراقية، وائتلاف دولة القانون، والائتلاف الوطني العراقي مقعدين لكل منهم، ومقعد واحد هو حصة التحالف الكردستاني، إلا أن المفوضية لم تحدد أسماء المرشحين الفائزين بهذه المقاعد لحد الآن، بل أجلت الأمر طالبة الرأي من المحكمة الاتحادية العليا، والتي أجابت باختصاص المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في تقرير الآلية التي يتم من خلالها توزيع المقاعد التعويضية.
وقد صدر مؤخراً عن مجلس المفوضين قراراً يقضي بشغل المقاعد التعويضية بحسب رغبة القوائم الفائزة بهذه المقاعد، على أن يتم تسمية المرشحين في موعد أقصاه (15/4/2010)، - فحدد التحالف الكردستاني مرشحه لشغل هذا المقعد التعويضي على لسان رئيس الإقليم الأستاذ مسعود البارزاني، في حين لم تسم القوائم الثلاث مرشحيها لشغل هذه المقاعد - مستندة في ذلك إلى نص المادة(18) من قانون الانتخابات رقم(16) لسنة 2005 المعدل، كونه النص الواجب التطبيق، دون النصوص الواردة في نظام توزيع مقاعد لانتخابات مجلس النواب رقم (21) لسنة 2010، مما يعني تعديلاً لنظام توزيع المقاعد المشار إليه.
الأمر الذي يعني أن تلك القوائم حرة في تسمية مرشحيها لشغل هذه المقاعد التعويضية، سواء كان هذا المرشح قد حصل على أعلى الأصوات في دائرته الانتخابية، وهي الأكبر على مستوى العراق، إذا ما قورنت مع منافسيه الآخرين من القائمة ذاتها، أو بغض النظر عن عدد الأصوات التي حصل عليها المرشح، مما يعني أمكانية شغل هذه المقاعد من قبل المرشحين الحاصلين على أقل الأصوات مادام رئيس القائمة، أو القائمة المعنية قد رشحتهم، الأمر الذي يدعونا إلى طرح التساؤل الأتي، ألا يعد هذا القرار مخالفاً لنصوص نظام توزيع المقاعد لانتخابات مجلس النواب رقم (21) لسنة 2010، كونه قد صدر بعد ظهور النتائج الانتخابية، وقبل ذلك ألا يعد مخالفة لنصوص الدستور، ونصوص قانون الانتخابات رقم (16) لسنة 2005 المعدل بالقانون رقم(26) لسنة 2009.
أن الإجابة على هذه التساؤلات تقتضي منا الرجوع إلى النصوص القانونية وعلى المستويات الثلاثة(دستور، تشريع، نظام) :-
أولاً/ نصوص دستور جمهورية العراق لعام 2005، والذي أكد في أكثر من مادة منه على مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون، ومن هذه المواد، المادة(14)، والتي تنص على ما يأتي((العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي))، والمادة (16)، والتي نصت على ما يأتي((تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك))، والمادة(20)، والتي نصت على مايأتي(( للمواطنين رجالاً ونساءً حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح)).
ثانيا/ عند العودة إلى قانون الانتخابات رقم (16) لسنة 2005، والمعدل بالقانون رقم(26) لسنة 2009، والذي أشار في الفقرة(ثالثا) من المادة الثالثة من قانون التعديل الأول لقانون الانتخابات رقم(26) لسنة 2009، إلى ما يأتي(( توزيع المقاعد بإعادة ترتيب تسلسل المرشحين استنادا إلى عدد الأصوات التي حصل عليها كل منهم....وهكذا بالنسبة لبقية المرشحين....)).
ولكن المفوضية استندت في إعطاء الصلاحية للقوائم الفائزة إلى نص المادة(18)، والتي تنص على ما يأتي((تقدم الكيانات السياسية قوائم بمرشحيها لشغل المقاعد التعويضية)).
ونرى بأن المفوضية لم تخالف نص القانون في هذا المجال، بل على العكس كانت مراعية لحكمه بكل دقة، ولكنها وقعت في تناقض عندما أصدرت نظام توزيع المقاعد رقم(21) لسنة 2010، ولم تراعي ابتداء نص المادة القانونية أعلاه، الأمر الذي جعلها تطلب الاستفسار من المحكمة الاتحادية العليا، التي بدورها لم تحسم الأمر، بل ألقت الأمر على عاتق المفوضية كونها صاحبة الاختصاص في تنظيم العملية الانتخابية، مما دعى المفوضية الى تبني نص المادة(18)، وبالتالي ضرورة تعديل (القسم الرابع) من نظام توزيع المقاعد، وخاصة ما يتعلق بالمقاعد التعويضية.
ثالثاً/ يذهب نظام توزيع المقاعد لانتخابات مجلس النواب سالف الذكر، إلى أن توزيع المقاعد التعويضية يكون على المرشحين وفقاً لعدد الأصوات الحاصل عليها كل مرشح في الدائرة الانتخابية، وبالتنافس مع بقية المرشحين في عموم العراق، باعتبار العراق دوائر انتخابية متعددة.على المستوى الوطني، فنص في (القسم الرابع ) على ما يأتي((.... الخطوة الثانية- توزيع المقاعد التعويضية الوطنية على المرشحين
1- يقسم مجموع الأصوات التي حصل عليها المرشح غير الفائز بمقعد على مجموع الأصوات التي حصلت عليها القائمة الفائزة في الدائرة الانتخابية( الفائزة بمقعد تعويضي أو أكثر).
2- يمنح المقعد التعويضي الوطني للمرشح الحاصل على اكبر نسبة من بين المرشحين وفق الفقرة(1) أعلاه في جميع الدوائر الانتخابية.
3- إذا تساوى مرشحان أو أكثر في عدد الأصوات يتم اللجوء للقرعة لتحديد الفائز من بينهم.)).
أن النصوص الدستورية، والتشريعية، والأنظمة الصادرة عن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، بموجب الفقرة(ثامناً) من المادة(4) من قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم (11) لسنة 2007، تهدف وتؤكد على المساواة بين الأفراد، وبالتحديد المساواة في تولي الوظائف، والمشاركة في العملية انتخابية، كناخبين أو مرشحين، ومن أوضح صور المساواة والعدالة، ضرورة حصول المرشح صاحب الأصوات الأكبر على المستوى الوطني على المقعد التعويضي، دون غيره من المرشحين الأدنى منه أصواتاً، وهذا ما أكدته نصوص نظام توزيع المقاعد لانتخابات مجلس النواب، فكيف يمكن منح المقعد التعويضي لمرشح حصل على عدد من الأصوات يقل بكثير عن مرشح أخرى في الدائرة الانتخابية ذاتها، أو في دائرة أخرى، أو لأي شخص ترشحه القائمة لهذا المقعد أن هذا الأمر نراه يشكل خرقاً خطيراً للقواعد القانونية- النصوص الدستورية، النصوص التشريعية، الأنظمة الانتخابية- المنظمة للعملية الانتخابية.
الأمر الذي يدعونا إلى بيان وتوضيح الأمور الآتية:-
1- أن المفوضية المستقلة للانتخابات قد وقعت في تناقض عندما أصدرت نظام توزيع المقاعد رقم(21) لسنة 2010، ورسمت آلية تختلف عما نص عليه قانون الانتخابات رقم(16) لسنة 2005 المعدل في مادته (18)، على الرغم من أننا نرى عدالة ومنطقية ما جاء به نظام توزيع المقاعد.
2- قامت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بتدارك التناقض الذي وقعت فيه، من خلال تعديل نظام توزيع المقاعد، وتفعيل تطبيق المادة(18) من قانون الانتخابات.
3- ضرورة تدخل المحكمة الاتحادية العليا لحسم الخلاف الحاصل، كون النص القانوني الوارد في قانون الانتخابات رقم(16) لسنة 2005 المعدل، يتعارض مع العديد من النصوص الدستورية، وخاصة(14، 16، 20).
4- أعطاء الحق للمرشحين الذين حصلوا على أكثر الأصوات الانتخابية على المستوى الوطني، الطعن بطريقة توزيع المقاعد التعويضية، كونها طريقة تتعارض مع النصوص الدستورية والتشريعية، والأنظمة الصادرة عن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، ويعد مصادرة لحقهم المشروع في الحصول على المقعد النيابي الذي أهلتهم الأصوات التي حصلوا عليها من الوصول إليه.ونرى أن هذا الطعن يكون أمام، محكمة القضاء الإداري، والتي يطعن بأحكامها أمام المحكمة الاتحادية العليا، والتي تكون قراراتها باتة وملزمة لجميع المؤسسات في الدولة، بما فيها، مجلس النواب، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وذلك استنادا لنص المادة(93) من الدستور بفقرتيها(أولاً، وثالثاً).ويمكن أن يتم الطعن فيه أمام مجلس المفوضين، ويميز امام الهيئة التمييزية الانتخابية.
5- يكون الطعن بعدم دستورية المادة(18) من قانون الانتخابات أمام المحكمة الاتحادية العليا التي لها الصلاحية في تقرير دستورية أو عدم دستورية المادة أعلاه، ومن ثم يتوجب عدم العمل بها من قبل المفوضية، والعودة الى القسم الرابع من نظام توزيع المقاعد رقم(21) لسنة 2010، اذا ما حكمت المحكمة الاتحادية العليا بعدم الدستورية.
6- أن أعطاء الحق للكيانات السياسية الفائزة في توزيع المقاعد التعويضية على من ترغب من مرشحيها، إذا كان يتناسب نوعاً ما مع القائمة المغلقة ونظام الدائرة الانتخابية الواحدة، لا نراه يتناسب مع نظام القائمة المفتوحة بالشكل الذي تبناه قانون الانتخابات المعدل بالقانون رقم(26) لسنة 2009، كما أنه لا يتناسب مع نظام الدوائر المتعددة في الوقت ذاته، الأمر الذي يدعونا إلى توجيه الدعوة إلى مجلس النواب الوقر(المجلس الجديد)، لتعديل القانون، بما يجعله منسجماً مع النصوص الدستورية، والتعديلات التي أدخلت عليه.
* مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
http://adamrights.org