ثلاثة أحزمة ... أيهما اخطر؟
"الأحزمة الناسفة"، أداة قذرة، ينفذ الإرهابيون بها جرائمهم، الى جانب باقي أدواتهم الدنيئة، من مفخخات وناسفات ومسدسات ذات كواتم صوت، حصدت أرواح العراقيين، وخلفت الإعاقة والعجز واليتم في صفوفهم، وهددت سلامتهم وأقلقت أمنهم، وجعلت من كل عراقي بريء، في أي محافظة هدفا سهلا للموت الذي تنشره. وساهمت هذه "الأحزمة" الى جانب وسائل أخرى، في عرقلة إعادة البناء والتعمير، لكنها ليست وحدها التي سببت الخراب، فهناك أحزمة أخرى اشد فتكا وإيلاما، مثل "أحزمة الفقر" المكونة من الإحياء الهامشية، مدن الطين والصفيح، التي تفتقد لأبسط أنواع الخدمات. وحيث يعيش المواطنين بؤسا وتهميشا، في حالة لا توصف من الإملاق والمهانة، والافتقار الى أبسط شروط المعيشية اللائقة بالإنسان دون ان يتلفت لهم مسؤول تنفيذي، او يزورهم نائب من نواب الشعب!هذه الأحياء البائسة تعيش كل أشكال الاهمال الاقتصادي والسياسي والثقافي، حيث ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض مستويات المعيشة، وارتفاع حدة الفقر، وانتشار الإمراض والأمية والخرافة والجهل، وانعدام الأمل في تحسن الأوضاع. وهذا كله يولد بالضرورة ردود فعل سلبية كالشعور بالإحباط والتذمر والسخط، ويجعل من تلك المناطق قنابل اجتماعية موقوتة قد يصعب احتوائها، فتفوق مخاطر الأحزمة الناسفة.
وهناك أحزمة أخرى يراد بها الشد على بطون الفقراء و ذوي الدخل المحدود، وما أكثرهم! وتقفز هذه الأحزمة الى الواجهة بعد التسريبات الإعلامية التي تحدثت عن عجز تخميني في موازنة 2011 يصل الى 23 مليار دولار. فاذا صح ذلك فإننا سنشهد تطبيق سياسات تقشف تفرض على الفئات المذكورة شد الأحزمة على البطون،الى جانب تجميد التعيينات، بدلا من مكافحة آفة البطالة المستفحلة!. وهناك في الوقت عينه من يفكر بإلغاء البطاقة التموينية بعد تقليصها من دون اهتمام بمن يعيشون تحت خط مستوى الفقر والذين تقدر نسبتهم 23% من مجموع السكان.
يبدو ان المسؤولين لم يسمعوا بان السلطات القضائية في ديالى كانت قد أصدرت مذكرة إلقاء قبض على شخص من أهالي قضاء الخالص قام برمي اثنين من أطفاله الصغار في نهر ديالى، بعد ان عجز عن توفير لقمة العيش لهما وكاد يكون الموت نصيبهما لولا إنقاذهما من قبل احد المارة!.
هذا هو الواقع الذي لا بد لمواجهته من إقرار خطة تنمية شاملة، تضمن العدالة في توزيع الدخل، وتقليصا للفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتلاحق أمراض الفساد المستشرية، وتعيد الدورة الطبيعية للاقتصاد، وتسهم في مكافحة الفقر والمرض والأمية، وتعمل على إعادة بناء النسيج الاجتماعي الذي نال منه التهميش والمحاصصة والطائفية السياسية.