Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

ثلاثة تلميحات

قديم تهاوى ...جديد لم يتشكل

لم أرَ في إصرار الحركة الاجتماعية المصرية على رحيل حسني مبارك، إلا كونه يمثل رمزا لنظام ٍ حكم عليه شباب مصر بالزوال، لأنه لم يقدم إلى الشعب يوما غير القمع والتجويع والإفقار والتهميش والتزوير. ويؤكد هذا الإصرار على الرحيل عدم الثقة بأي وعد جديد يقطعه رأس النظام، الذي راح يترنح إمام الأصوات الهادرة: " ارحل.. ارحل".

لم تخفت هذه الأصوات ولم تهن لحظة واحدة، ولم يخدعها التظاهر بالاستكانة من طرف النظام المتهاوي، ولم تتصدق على رأسه ببضعة الأشهر التي اخذ يستجديها للبقاء في السلطة، متذرعا بما لم يعد ينطلي على شعب ذاق الأمرين، واكتوى بالضيم والظلم، وصبر حتى نفد الصبر.

ستنجح مصر، كما نجحت تونس في إزاحة الوزراء الستة الذين ضمتهم اول تشكيلة وزارية بعد فرار بن علي، غداة المحاولة البائسة التي أقدم عليها الحزب الدستوري بهدف الالتفاف على نتائج الانتفاضة والاستحواذ على مكتسباتها.

ما من قلق بشأن رحيل النظام، فتلك مسألة وقت، وهو وقت لن يكون طويلا. لكن هناك قلقا مصدره ضبابية ظهور البديل. ففي الوقت الذي تتفاوض فيه أطراف عديدة من المعارضة مع ممثلي النظام، يستمر الاعتصام في ميدان التحرير. في المكان نفسه الذي قرر ساعة الصفر، فيما لم يقرر لغاية الآن شكل البديل ومحتواه! يبقى الخوف من إعادة إنتاج النظام على ايدي من يرتدون القفازات الحريرية!

"الفيسبوك على الظالم"

يمتاز المصريون بخفة الدم وروح الدعابة، وكثيرة هي النكات التي أطلقت بحق النظام وسخرت منه إبان حركة الاحتجاج. وكان من بينها الدعاء الذي يبدأ بجملة (الفيسبوك على الظالم) في إشارة الى قدرة الفيسبوك ودوره كوسيلة للاتصال بين الشباب المصري المتعلم، واستفادتهم منه كفضاء للنقاش والاتفاق وبلورة الرأي والتحشيد للعمل المنظم ضد النظام والانقضاض عليه، دون ان تتمكن الأجهزة الأمنية من ملاحقة الشباب ورصدهم واعتقالهم، في سابقة رائعة بينت ان شبابنا استفاد من ثورة الاتصالات والمعلومات في العمل لنصرة قضايا شعبه.

تمكن الشباب عبر هذه الوسيلة من تحديد ساعة خروجهم من العالم الافتراضي الى ميدان التحرير، والى ساحات وشوارع مصر الأخرى. وقد أنجزوا انتصارا في مقابل تراجع النظام وإخفاق أجهزته في الانقضاض على الثورة، أمام أنظار العالم المذهول. لكن الالتفاف على انجازهم والاستحواذ عليه، سواء من طرف رجالات النظام السابقين أم من جانب الذين ركبوا الموجة، يبقى أمرا واردا، لا سيما في ظل غياب التنظيم والقيادة المتمكنة من إدارة التحولات. فالتغيير المنشود لا ينحصر فى دائرة تبديل الوجوه وحسب.

موديل العدالة الاجتماعية!

الخطوة التي قدم عليها رئيس الوزراء السيد نوري المالكي بخفض راتبه الى النصف، والتي أعقبها في اليوم الثاني قرار رئيس الجمهورية في السياق ذاته، ثم حديث رئيس البرلمان عن الحقوق والعدالة، وتصريحات بعض النواب حول حفنة المتخمين مقابل الغالبية الفقيرة، ومثلها الدعوات المتصاعدة لتحقيق العدالة الاجتماعية، هذه كلها خطوات مرحب بها. لكنها تبقى مجرد خطوات لا أكثر، اعتبرها البعض استجابة لرياح التغيير، فيما عدّها البعض الآخر انحناءة أمام عاصفة الاحتجاجات على الفقر والعوز والحرمان، التي انطلقت في اغلب محافظات العراق.

من السذاجة بمكان تصور ان تلك الخطوات ستسهم في تخفيف النقمة. فهي لا تعالج الأزمة، لانها لم تأتِ في سياق مشروع تنموي واقعي، وإنما جاءت كرد فعل عاطفي في أحسن الأحوال.

وخطوات الرؤساء لا تبعث الكثير من الاطمئنان، فقد رافق تصريح السيد رئيس الوزراء بتخفيض راتبه، إصدار قرار يتيح لكل وزير تعيين 4 من الوزراء المتقاعدين وأعضاء مجلس النواب السابقين في كل وزارة كمستشارين، برواتب اقرانهم الحاليين، وذلك طبعا بالإضافة الى الامتيازات، فيصح هنا المثل ( يا ام حسين، جنا بوحدة صرنا بثنين!). وفي الوقت ذاته وبينما أعلن السيد رئيس الجمهورية عن خفض راتبه، قدم مشروع قانون الى مجلس النواب بخصوص ترشيح نائب رابع له! ولنا ان نتصور أين ستذهب نسبة تخفيض راتب السيد الرئيس؟!

Opinions