ثور الملا وبقرات الكاهن الحلوب
في سرد بريء لبعض تفاصيل الحياة الماضية وأثناء جلسة عمل مع بعض الاصدقاء تكلمت عن حياتي في الجامعة وكيف كنت مرتبطا بعمل شاق أعتمدت عليه عائلتي والى حد بعيد في كسب لقمة العيش وبالتحديد كان محور الحديث هو بقراتي الثلاث التي كنت اعتني بهن وبعدها تجاوز الامر ليشمل الحديث عن بعض قيم الامس ومبادراته الجميلة والتي أختفت اليوم من حياتنا بسبب الصعوبات الاقتصادية التي عرفها العراقيين على مدى عقود من الحروب والحصار وانا كلي امل بان لا يضيق صدر القاريء بما سانقله من كلام ربما بذيء او ساذج أو تافه. سميه ما شئت ولكن الاطلاع عليه ضرورة . هنا تكلمنا عن مربي البقرات في مدينتي الصغيرة وكيف كان بعض رجال الدين المسلمين (( الملالي )) يطلقون مبادرات شعبية بسيطة كانوا يسعون من ورائها الى كسب الثواب واهم تلك المبادرات كانت بتربية عجل حتى مرحلة البلوغ وبعد ان يصبح ثورا كان يطلق مع قطيع الأبقار بشكل مجاني ومن اجل مهمة نبيلة باعتقاد صاحبه ألا وهي التكاثر وتلقيح الأبقار وبعدها وبسبب أرتفاع الاسعار اختفت هذه الظاهرة ليصبح تلقيح الابقار عند بعض البيوتات وبمقابل نقدي يتقاضاه مالك الثور وبالرغم من أنني لم اكمل جملتي بعد قاطعني أحدهم قائلا ليتني كنت حولي (( ثور )) الملا فالحسد قاد صاحبي ليتمنى الحرية كما يراها هو وعدم الالتزام خصوصا وان ذلك الثور كان حرا ولا يلتزم بقاعدة معينة وكل حظائر بقرات القطيع مفتوحة امامه وهو ضيف خفيف ومهم لكل مربي الأبقار في المدينة . بينما صديقي على العكس من ذلك فتارة ينعت بالفاشل واخرى بالفكر (( الفقر )) وربما أقفل بوجهه مائة باب وباب . ولكن ما لم يعلمه صاحبي بان مالك الثور دائما هو الأخر كان يحظى بقطيع من النساء من منطلق مثنى وثلاث ورباع وبالتالي كان هو الأخر كثوره مرحبا به في أكثر من غرفة وبيت . وحزن الجميع عندما علموا بان نهاية الثور كانت على الأغلب مأساوية فهو عادة ما كان يصاب بمرض ويموت لأنه ثور مشاع لا يهتم أحدهم بصحته أو يصبح ضحية حوادث السير والسرقة مع علمنا المسبق بانه كان وراء خصوبة أبقار المدينة وغلة الحليب الذي كان ينتظرها الجميع ولا سيما الرهبان والراهبات فالكاهن (( القس )) في الامس لم يكن مرفها كما هو اليوم وربما جرة حليب صغيرة يتبرع بها احدهم كانت ستدخل البهجة والسرور على قلبه أو ستسكت صرخات الجوع المنطلقة من أفواه أبنائه المساكين عند بعض طوائفنا التي تسمح لرجال الدين بالزواج ولكن رهباننا على الاغلب كانوا يفارقون الحياة وهم بامس الحاجة الى عجوز تحيك لهم جوارب صوفية بدل تلك المهترئة التي يرتديها ابونا متبرعة بذلك العمل كبادرة عرفان بجميل رجل الدين على المجتمع . كان رجال ديننا يرحلون عن هذه الحياة متحسرين على امتلاك أربعة جدران وباب . كانوا يتسابقون في الحصول على رضى المزارع بتلاوة تعويذة أو صلاة على بقرته المريضة عسى وان تتحسن وتنجب أبنها (( سليل ثور الملا )) فالمسيحي مالك البقرة لا يأبه لدين مالك الثور والعكس بالعكس . ولكن الامس لم يعد غائبا فقط بشخوصه ومعانيه بل بكل شيء فبقرات الكاهن اليوم تحلب من النقود ما تعجز عن توفيره تبرعات الاف المؤمنين . وربما البيت الرخامي والمضاء بالمرايا لم يعد كافيا . وأبناء الامس يشربون الذهب واللؤلؤ بدل الحليب . لم يعد الملالي هم اولئك الناس البسطاء المهتمين بتلقيح بقرات الفقراء بعد أن ولجوا في السياسة وأصبحوا قادرين وبكل سهولة في التعبير عن أراء حتى لو كانت سامة وقاتلة . لم يعد رجال ديننا وللأسف مقنعين وحججهم أصبحت باهتة ولو نظرت وفق منظورهم او طلبت مساعدتهم لتبصر شيئا من سماحة دينك ربما ستنسى الاسلام والمسيحية . ولا تحسب أخذ العبر من الحيوانات يحط ويقلل من منزلتك فانا أفضل ثيران وأبقار الامس في أستخلاص العبر على رجال الدين اليوم. واذا توصلت الى حقيقة كون المسيحية هي سبب عجزي عن تقبل أخوتي في الانسانية مهما كانت عناوينهم . وهنا أكرر أذا كان ديني هو سبب قصوري عن استيعاب العالم . عندها ساعلن أمام الجميع بان المسيحية لم تعد تكفيني وسابدأ بالبحث عن دين أخر نكون فيه كبشر أكثر قبولا بعضنا للبعض .عصام سليمان – تلكيف .
Assyrian_publisher@yahoo.com