Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

ثورات المنطقة جاءت بعد إنهيار النظام الطائفي في العراق

مع المساعي التي تبذلها بعض وسائل الإعلام والسياسيين المرتبطين بالحكومات المستبدة لتشويه صورة الثورات القائمة ولايجاد تبرير من أجل قمعها أعلنت بعض وسائل الإعلام أن الأميركيين والغربيين هم الذين حركوا هذه الثورات وحول هذا الموضوع حاورت وكالة أنباء التقريب الإيرانية (TNA) الكاتب والباحث والمحلل السياسي العراقي الدكتور نضير الخزرجي، وسألته.
ما رأيكم بما يقال أن الربيع العربي جذوره أميركية وهي التي أججت الثورات العربية الحالية؟
- لا يخفى على أحد أن عدداً غير قليل من الحكومات العربية هو نتاج إنقلابات عسكرية أو سليل إنقلابات عسكرية سابقة، وبعض هذه الإنقلابات أخذ طابع الثورة، وفي معظمها كان للعسكر يد في التحولات السياسية من قبيل إسقاط النظام الملكي في مصر والنظام الملكي في العراق والنظام الملكي في ليبيا وحكم الإمامة في اليمن، وفي غيرها من البلدان، ولم تستطع هذه الحكومات تلبية متطلبات الشارع العربي في التحرر الحقيقي من ربقة الدوائر الكبرى الغربية والشرقية وتحقيق الرفاه الداخلي.
وما جرى مؤخراً في بعض البلدان العربية من تغييرات على مستوى رأس النظام بفعل ضغط الشارع هو في واقعه جاء بتأثير التحول الكبير الذي حصل في العراق عام 2003م وانهيار النظام الطائفي، والذي يعد التحول الأكبر في منطقة الشرق الأوسط بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م، فقيام الشعب العراقي بحكم نفسه بنفسه عبر صناديق الإقتراع رغم الحرب الطائفية التي فرضتها بعض الحكومات العربية والإسلامية الممعنة في تكفير الآخر، خلق لدى الشعوب العربية نوعاً من الإحساس بالثقة وبالقدرة على التغيير، ومن المفارقات أن التغيير حصل ويحصل في البلدان التي وقفت حكوماتها بالضد من إرادة الشعب العراقي وحذّرت الشعوب المسلمة من خطر "الهلال الشعي!" وحاولت إعادة عقارب الساعة إلى الوراء مدفوعة بمليارات من الدولارات، أي أن النتائج جاءت لا تشتهي السَفنُ.
ألا تعتقدون أن الدافع الرئيس وراء هذه المقولة تشويه الثورات في المنطقة؟
- إذا أجرينا مسحاً بسيطا للوجوه الحاكمة في البلدان لتي حصل فيها التغيير سنجد أن الوجوه التي كانت تقف في الصف الثاني في الحكومات السابقة هي التي تقدمت إلى الواجهة، أي أن الولادة البديلة جاءت من رحم النظام السياسي السابق، وقد زرت مصر في حزيران عام 2011م أي بعد ذهاب حسني مبارك عن سدة الحكم بفترة قصيرة، كما شاهد التظاهرات المنددة بالنظام السابق وإلى جانبها تظاهرات مؤيدة للرئيس السابق حسني مبارك، وقد لمست الإحساس بالمرارة لدى بعضهم من محاولة الإدارة الأميركية وبعض الدول العربية المتنفذة ماليا تغيير بوصلة التغيير بما يتعارض مع رغبة الشباب المصري في التغيير الحقيقي، مع ملاحظة مهمة أن النظام السياسي في مصر نظام حزبي تعددي وقد لمست هذه التعددية خلال زيارتي الأولى لمصر في نيسان 2010م، لكن موجة التغيير دفعت بالشعب المصري إلى كسر هيمنة الحزب الوطني على الحياة السياسية، ولهذا فإن من أول المؤسسات التي تعرضت للنهب والحرق والتدمير هي مقر الحزب الوطني الحاكم المطل على ساحة التحرير بالقاهرة والمجاور للمتحف المصري مباشرة، وهذا العمل رغم عدم حضاريته هو تعبير عن غضب قطاعات من الشعب المصري لهيمنة الحزب الذي ظل يحكم لعقود طويلة دون منافس، وتعبير عن الحاجة إلى المشاركة السياسية وكسر التفرد بالحكم وإن كان هذا التفرد هو الآخر قد جاء عبر صناديق الإقتراع بغض النظر عن الملابسات التي تشوب مثل هذه الانتخابات.
أليس من يروج لهذه المقولة يريد تبرير قمع هذه الثورات؟
- ليست هناك ثورات بالمعنى الإصطلاحي للمفردة، فلا توجد ثورة شعبية من سلسلة "ثورات الربيع العربي" حكمت بنفسها حتى اليوم، فالحكومات هي نفسها مع تغيير بعض الوجوه، والمفارقة أن الحكومات المعنية على علاقة طيبة مع الولايات المتحدة الأميركية، وقد تلقَّت معظم الفعاليات السياسية المناهضة للحكومات القائمة دعوات أميركية للتغيير بقبول حسن وتماهت بعض الاحتجاجات الشعبية مع هذه الدعوات وتشاكلت، بل شكلت لها دافعا للنزول إلى الشوارع معتبرة أن التصريحات الإميركية إشارة على تخلي الإدارة الأميركية عن بعض الرؤساء العرب، والحقيقة أن الإدارة الأميركية حاولت أن تقبض على دفة التغيير بما لا ينتهى إلى تغيير النظام السياسي نفسه وهذا ما حصل بالفعل، وباتت العملية مكشوفة على الآخر.
ألا تعتقدون أن ازدواجية الموقف الأميركي الذي يدعم بعض الثورات ويتجاهل أخرى هو الذي تسبب بهذه المقولة؟
- تعيش دول العالم ضمن منظومة واحدة لا يمكن الفكاك عنها ليس أقل في القريب المنظور، ويزداد ثقل السلسلة في العالمين العربي والإسلامي لاعتبارات تاريخية وعقيدية وسياسية واقتصادية، ولا يمكن لأميركا أو اوروبا أن تجد نفسها خارج المنظومة العربية والإسلامية، بل أن العالم الغربي من دون ثروات العالمين العربي والإسلامي ونفطه وغازه سينهار في أول أزمة اقتصادية عاصفة.
ومعظمنا يدرك أن الحروب والإحتلالات كانت في القرون الماضية الوسيلة الأولى لدعم اقتصاديات الدول الغربية، ولم تعد للغرب حاجة في احتلال البلدان لأن معظم عائدات صادرات النفط والغاز القادم من الدول العربية والإسلامية يتم تدويره في البنوك الغربية، أي أن اقتصاديات البلدان التي تشهد التغيير هي تحت رحمة الغرب، وبالتالي فإن الغرب يتعامل مع الشعوب والحكومات من منظار العائد الإقتصادي له، والأخير لا تنفصم عراه عن الجانب السياسي والعسكري والعقيدي، ولهذا ينبغي البحث عن العائد الإقتصادي من بين جملة التصريحات الغربية المؤيدة لهذا التغيير أو المتجاهلة له، لأن الغرب وبخاصة أميركا تدير سياساته الخارجية مصلحة الشركات الكبرى وجلّ الساسة الأميركان هم ملاّك هذه الشركات أو مدراؤها العامون.
ما هي توقعاتكم لمستقبل ثورات المنطقة؟
- نحن نعيش زمن الفورات الشعبية ولم نصل إلى مرحلة الثورة الشعبية كالذي حصل في إيران والتغير الشعبي كالذي حصل في العراق، ومآلات الأوضاع حاكية عن نفسها بنفسها، وما تحتاجه الثورات الشعبية (تجوّزاً) للخروج بنتائج طيبة هو أن ينتظم الشباب في أحزاب سياسية فاعلة ودخول معترك النضال السياسي للمشاركة في الإنتخابات القادمة ومنافسة الأحزاب الحاكمة، وهو المسار الطبيعي للتغيير الشعبي المبرمج والممنهج، لأن التغيير الحقيقي يحصل تحت قبَّة مجلس الأمة (البرلمان) والإحتكام إلى صناديق الإقتراع المرتكزة على طاولة المواطنة التي تستوعب الأمة من كل الأصناف والمذاهب والطوائف والمشارب، وهي الطريقة الفضلى للمشاركة السياسية وإدارة العملية السياسية والعيش ضمن المنظومة الدولية بكرامة ومجارات الدول التي ترفع شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان في وجه الآخر، لإبعاد خطر التصدعات الداخلية والتدخلات الخارجية.


Opinions