ثورة الرابع عشر من تموز الهوية الثقافية والخلفية الشعبية
المعادلة التموزية تقول: بالثقافة ينتصر الشعب وبالظلام يضل وينزوي منكسراعبرت حركة الثقافة عن الواقع العراقي ما طبع الأجواء بنتائج حيوية مهمة انعكست في مستوى وعي الحركة الوطنية وجوهر الإجابات المؤملة عن أسئلة الأوضاع بتفاصيلها ومنها تحديدا السؤال الجوهري الذي تمثلت إجابته في ثورة الرابع عشر من تموز يوليو 1958... ومع بدء الثورة انطلقت حركة شعبية عارمة لم تخلُ من الثغرات وبصرف النظر عن نواقص وأخطاء في العامل الذاتي وعن التدخلات الدولية والأصابع الإقليمية، مما أوقع الثورة في نهايتها المأساوية؛ نركز هنا على الإشارة إلى المعالم والسمات الثقافية لها الأمر الذي قد يعطي العبرة المناسبة للإفادة والاستفادة من تلك الدروس والتجاريب.
فثقافة أشاعتها الثورة عن تلاؤم بين طبيعتها وأهدافها ومنتجها الفكري الفلسفي كانت تتمثل في إشاعة الديموقراطية الاجتماعية كطابع رئيس أبعد جماهير الثورة عن الرؤية الليبرالية وطابع التداول النخبوي الفوقي السابق وعن السذاجة وأوهام الخرافة والتسطيح...
وهكذا كانت ثقافة الديموقراطية الشعبية منجزا وطنيا يتناسب والخيارات التي صبَّت الجموع الجماهيرية مواقفها فيها. مؤكدين هنا أن الثقافة لا تعني في مفهومها الأداء المعرفي الفردي حصرا بل هي جملة جمعية تجسّدُ السلوكيات والتقاليد والأعراف التي يتبناها الناس عبر وجودهم المشترك، وهو ما تحقق في ضوء الانتفاض على الاقطاعية والشروع بحركة التصنيع وبناء الركائز الرئيسة للبنية التحتية الجديدة...
وبرز هذا على الصعيد الثقافي في تغير أشكال التعبير انعكاسا لتغير الجوهر الدلالي وهذا هو ما ورد في قصدية الشعر الحر وفي ظهور البنية المسرحية في النص الأدبي الجديد، تمثيلا لحال الصراع والانقسام بين الوجود الشعبي الواعي لاستقلاليته وحاجاته النوعية المختلفة وبين السلطة ونهجها والبنية التي تساندها وتمثل وجودها الاجتماعي المغاير مثلما تمثل التعبيرات الجمالية (الأدبية، المسرحية، الشعرية) أيضا وعيا أنضج بالمستوى المدني الجديد للمجتمع وبطبيعة توزيع العمل وتقسيمه وما يعبر عنه من أدوات جمالية أحدث، مثلا تجاوز رتابة الحكاية وأفقية جريان وقائعها لصالح بنية التوتر والانقلاب في نقطة تحول المسرحية وذروتها..
وبُعيد ثورة تموز صعد نجم ثقافة راديكالية ولكن سرعان ما اكتنفتها بعض من الثغرات تحت ضغط حجم التغيير العام وكثافته في مستويات البنيتين التحتية والفوقية.. ومع ذلك تعزز التعبير الإيجابي عن طابع التعددية والتنوع في المجتمع ومكوناته وأطيافه.. وفي الحقيقة فإن المجتمع العراقي منذ مراحل نشأته التاريخية الأولى، كان يتأسس على التنوع والتعددية في إطار من التكافل والوحدة الحضارية إيجابية الأساس والجوهر.. ومن هذا الأساس وجدنا استمرار المجتمع العراقي بكل أطيافه (بقومياته، أثنياته، مجموعاته الدينية، المذهبية، وغالبية فئاته وطبقاته) محبا شغوفا متمسكا بتعليم أبنائه وبثقافة العقل المتفتح وهو يعاود الإعلان عن هذه القيم الثقافية السامية مع كل تغيير يتضح به الصوت الشعبي العريض لهذه المكونات والأطياف...
وفي ضوء هذي الحقيقة، نجد طابع التعليم والثقافة في عراق الرابع عشر من تموز قد انتعش بقيم إيجابية وصار لهما الدور الأوضح في مسابقة الزمن ومتطلباته من أجل إعداد كوادر البناء وتعزيز سلوكياته الإيجابية البناءة... فتنظيميا كان جهاز التربية والتعليم يضم الفئة الأكثر اهتماما بفلسفة التنوير ونقل الخبرات المعرفية للأجيال الجديدة وبنائها وتحصينها بالنهج الوطني.. ومن هنا جاء التوجه لإشاعة ديموقراطية التعليم وإنهاء الفلسفة الاقطاعية وفكرها الذي عفا عليه الزمن... ومن هنا أيضا أشرق شعاع الجامعة العراقية وتنامى تأثيرها وتحولت إلى مركز أبحاث علمية تتبنى معالجة مشكلات البلاد والمواطنين.. في مقابل خطط القوى المعادية للحياة والثقافة والإنسان وحقوقه في المعارف والثقافة تلك المخططات التي حاولت إشاعة الرعب عبر الاغتيالات التي طاولت الطلبة والعلماء والأساتذة وسلسلة هجمات مخصوصة حاولت النيل من رجال التعليم العالي؛ وهذا كله في إطار اللعب على حبال تمزيق الوحدة الوطنية ومحاولات اختلاق الصراعات والاحتراب وصب الزيت في نار التعددية والتنوع لإحالتها من قوة بوحدتها إلى ضعف في تمزقها وتقاطعها..
وفي الإطار لابد من توكيد أن الاتجاهات الأوسع كانت قد التزمت قضايا الناس على خلفية ديموقراطية يسارية بمقابل اتجاهات أخرى بحثت عن طريق السلطة والمآرب الفئوية الضيقة. ولكن الصحيفة الأولى توزيعا(اتحاد الشعب) كانت دلالة مهمة على خيار الحركة الشعبية وعلى مدى تغلغل الفكر اليساري الديموقراطي المتمظهر بحركات السلم والتضامن والطلبة والنساء بل كان إقبال الحشود على تبني برنامج شيوعي في الثقافة وفي الفكر السياسي مؤشرا على عمق العلاقة بين هذه القيادة الشعبية وجمهورها ومؤشرا على صواب مفردات ذياك البرنامج واستجابته لتطلعات الفقراء والجماهير العريضة والتحامه بوعيهم وبآليات أنشطتهم وتوجهاتهم لبناء تجربتهم الوطنية المخصوصة...
وفي ضوء ها الاختزال يمكن القول: إن التجربة الأغنى فائدة بعطاء ثورة الرابع عشر من تموز تؤكد أنَّ الإبداع بكل أشكاله لا ينطلق إلا في ظل الحريات العامة. وهو لا يتقدم ولا يعطي ثماره إلا في مناخ ديموقراطي.. كما أن تمسك الجمهور بمثقفيه وإعلاء مكانهم ومكانتهم في الوسط العام ومنحهم أدوات العمل وتلبية شروطه ومحددات استكمال المنجز يبقى الشرط الحقيقي لانتصار الثقافة ومنطقها العقلي التنويري..
ومازال الشعبَ ينظر بعين الاحترام والإجلال لتاريخ ثقافته الوطنية ولأعلام هذه الثقافة غير أنه وسط عمليات التشويش والتضليل بحاجة لتوكيد الصلات بينه وبين طلائعه الإبداعية من مبدعات ومبدعين وكذلك تقويم الصلات بين السياسي والثقافي ممثلا بتنظيمات الإبداع وحركاته واتجاهاته الفكرية الفلسفية.. كيما تعود انطلاقة الثقافة الصحية الصحيحة وعلى وفق المعادلة التموزية التي تؤكد أنه: بالثقافة ينتصر الشعب وبالظلام يضل وينزوي منكسرا..
* باحث أكاديمي في العلوم السياسية \ tayseer54@hotmail.com
**********************************
المادة للاطلاع و \أو النشر مع تقديري واعتباري
http://www.iraqcp.org/tarikalshab/74/225/9.pdf
Prof.Dr. Tayseer A. Al-Alousi
Chancellor of Averroes university in Hollamd
LORSWEG 4, 3771 GH
BARNEVELD
THE NETHERLANDS
Tel. : 0031 (0) 342 840208
Mob.tel. : 0617880910
http://www.averroesuniversity.org
http://www.somerian-slates.com
http://www.babil-nl.org