ثورة 14 تموز في نهوضها وانتكاستها واغتيالها/ الحلقة العاشرة
2/11/2009سادساً:البيانات والمراسيم الصادرة في اليوم الأول للثورة
بيان رقم ـ2ـ يقضي بتعيين مجلس السيادة من السادة:
محمد نجيب الربيعي ـ رئيساً
محمد مهدي كبه ـ عضواً
خالد النقشبندي ـ عضواً
وقد روعي في تشكيل مجلس السيادة أن يمثل الطوائف الإسلامية، الشيعية والسنية، والقوميتان العربية والكردية، هذا وقد صدرت عن قيادة الثورة المراسيم التالية :
1 ـ مرسوم جمهوري رقم (1 ) يقضي بتعين كل من:
الزعيم الركن عبد الكريم قاسم قائداً عاماً للقوات المسلحة.
العقيد الركن عبد السلام عارف نائباً للقائد العام للقوات المسلحة.
2ـ مرسوم جمهوري رقم (2) يقضي بتشكيل أول وزارة للجمهورية العراقية، تم اختيار أعضائها من أعضاء اللجنة العليا لحركة الضباط الأحرار، واللجنة العليا لجبهة الاتحاد الوطني، وجاءت الوزارة على الوجه التالي :
1ـ عبد الكريم قاسم ـ رئيساً للوزراء، ووزيراً للدفاع.
2ـ عبد السلام عارف ـ نائباً لرئيس الوزراء، ووزيراً للداخلية.
3ـ ناجي طالب ـ وزيراً للشؤون الاجتماعية.
4 ـ عبد الجبار الجومرد ـ وزيراً للخارجية.
5 ـ جابر عمر ـ وزيراً للمعارف.
6 ـ محمد حديد ـ وزيرا للمالية.
7 ـ هديب الحاج جمود ـ وزيرا ًللزراعة.
8 ـ إبراهيم كبه ـ وزيراً للاقتصاد.
9 ـ مصطفى علي ـ وزيراً للعدلية.
10 ـ محمد صالح محمود ـ وزيراً للصحة.
11 ـ فوآد الركابي ـ وزيراً للأعمار.
12 ـ صديق شنشل ـ وزيراً للإرشاد.
13 ـ بابا علي الشيخ محمود ـ وزيراً للمواصلات. (19)
وبنظرة متبصرة في التشكيلة الوزارية نجد أن تشكيلها قد روعي فيه إشراك كل القوى السياسية من القوميتين العربية والكردية، باستثناء الحزب الشيوعي، حيث أكتفي بإسناد وزارة الاقتصاد للشخصية الماركسية [الدكتور إبراهيم كبه]، وكان تعليل ذلك بسبب الظروف المحيطة بالثورة، وعدم رغبة قيادة الثورة باستفزاز الإمبرياليين، من وجود ممثلين عن الحزب الشيوعي في الحكومة.
غير أن الحقيقة التي لا جدال فيها أن مجرد قيام الثورة قد شكل أكبر استفزاز للإمبرياليين، ومع ذلك فقد أعلن الحزب الشيوعي عن وضع كافة إمكاناته في خدمة الثورة.
ضمت الوزارة بالإضافة للعسكريين الثلاثة من اللجنة العليا للضباط الأحرار [عبد الكريم قاسم] و[عبد السلام عارف ] و[ وناجي طالب]، ممثلاً لحزب البعث بشخص أمينه العام [ فوآد الركابي]، وممثل الحزب الاستقلال بشخص نائب الرئيس[صديق شنشل]،بالإضافة إلى عضو مجلس السيادة،رئيس الحزب [محمد مهدي كبه].
أما الحزب الوطني الديمقراطي فقد مثله كل من [ محمد حديد ]، نائب رئيس الحزب و[هديب الحاج حمود ]، عضو قيادة الحزب.
ومن الناحية القومية فقد مثل الأكراد كل من [بابا علي الشيخ محمود] و[مصطفى علي]، فيما مثل القوميين المستقلين كل من الدكتور[عبد الجبار الجومرد] والدكتور[ جابر عمر] والدكتور[محمد صالح محمود].
3 ـ مرسوم جمهوري رقم ( 3): يقضي بتعيين قادة القوات المسلحة وكما يلي :
الزعيم الركن احمد صالح العبدي ـ رئيساً لأركان الجيش.
الزعيم الركن الطيار جلال الأوقاتي ـ قائداً للقوة الجوية
الزعيم الركن عبد العزيز العقيلي ـ قائداً للفرقة الأولى.
الزعيم الركن ناظم الطبقجلي ـ قائداً للفرقة الثانية.
الزعيم الركن خليل سعيد ـ قائداً للفرقة الثالثة.
الزعيم الركن محي الدين عبد الحميد ـ قائداً للفرقة الرابعة المدرعة.
العقيد طاهر يحي ـ مديراً عاما للشرطة.
العقيد عبد المجيد جليل ـ مديراً للأمن العام.
4 ـ مرسوم جمهوري رقم (4 ): تغير أسماء ألوية الجيش التي كانت تعود لأسماءٍ ملكية.
5 ـ مرسوم جمهوري رقم (5): يقضي بتعيين عدد من كبار الضباط بوظائف مدنية ، حيث يقضي القانون العسكري بعدم جواز وجود من هو أعلى رتبة من القائد العام في الجيش والمتمثل بالزعيم عبد الكريم قاسم.
6 ـ صدور بيان رقم (3 ) : صادر من القيادة العامة للقوات المسلحة معلناً سريان الأحكام العرفية في كافة أنحاء البلاد، وتنصيب الزعيم الركن [احمد صالح العبدي] حاكماً عسكرياً عاما، و ذكر البيان أن الأحكام العرفية لها صفة مؤقتة، من أجل حماية الثورة، وتثبيت أركانها، لكن ما يؤسف له كثيراً أن الأحكام العرفية بقيت سارية المفعول حتى النهاية.
لقد استند بيان الأحكام العرفية إلى مرسوم الإدارة العرفية رقم 18 لسنة 1935، الذي صدر على عهد وزارة المدفعي، وكان رشيد عالي الكيلاني وزيرا ًللداخلية آنذاك، وكان بالإمكان أن يكون البديل عن هذا المرسوم غير الدستوري، محكمة الشعب ـ المحكمة العسكرية العليا الخاصة - التي صدر قرار بتشكيلها، وتوسيع صلاحياتها لضمان حماية الثورة، وانتهى اليوم الأول للثورة بتدعيمها وتعزيزها وشل قدرة النظام السابق، ومنعه من القيام بأي عمل ضدها لإجهاضها والقضاء عليها.
لقد حمت الثورة نفسها وثبت أقدامها بمساندة ودعم جماهير الشعب التي نزلت في شوارع بغداد، وبقية المدن الأخرى بمئات الألوف، مما أرعب القوى المضادة للثورة وشل حركتها، كما كان للموقف الذي وقفه الاتحاد السوفيتي المساند الحازم للثورة أثره الكبير في إفشال خطط الإمبرياليين في إجهاضها.
سابعاً: صدور الدستور المؤقت
كان من الطبيعي بعد نجاح الثورة، وسقوط النظام الملكي، أن يسقط الدستور تلقائياً، وهذه القاعدة لها سوابق كثيرة، ولذلك فقد ارتأت حكومة الثورة إصدار دستور مؤقت للبلاد، لحين انتخاب مجلس تأسيسي يأخذ على عاتقه وضع دستور دائم للبلاد.
وهكذا فقد عهدت حكومة الثورة إلى لجنة برئاسة المحامي [حسين جميل] العضو القيادي في الحزب الوطني الديمقراطي، وعضوية السيدين [حسين محي الدين] و[عبد الأمير العكيلي] وهم جميعاً من رجالات القانون المعروفين، مهمة وضع مسودة دستور مؤقت للبلاد في 20 تموز 1958 بعد أن أعطيت لهم الخطوط العريضة في توجه حكومة الثورة، ليسيروا على هديها.
وقد أتمت اللجنة عملها ورفعته إلى مجلس الوزراء، الذي صادق عليه، بعد أن أجرى عليه بعض التعديلات، وأحاله إلى مجلس السيادة الذي صادق عليه بدوره، وصدر في بغداد في 27 تموز 1958، وتضمن مقدمة وأربعة أبواب. (20)
نص الدستور المؤقت
المقدمة :
لما كانت الحركة الوطنية التي قام بها الجيش العراقي، بمؤازرة الشعب وتأييده، في 14تموز 1958 تهدف إلى تحقيق سيادة الشعب، والعمل على منع اغتصابها، وضمان حقوق المواطنين وصيانتها، ولما كان الحكم السياسي السابق في البلاد الذي تمّ التخلص منه قائما على أساس الفساد السياسي حيث أغتصب السلطة أفراداً حكموا البلاد على خلاف إرادة الأكثرية، وضد مصالح الشعب، وإذ كان هدف الحكم تحقيق منافعهم، وحماية مصالح الاستعمار، وتنفيذ مآربه كما جاء في البيان الأول، الذي أُعلن للشعب في 14 تموز 1958، في بدء الحركة الوطنية، فأننا باسم الشعب نعلن سقوط القانون الأساسي العراقي، وتعديلاته كافة، منذُ 14تموز 1958، ورغبة في تثبيت قواعد الحكم، وتنظيم الحقوق والواجبات لجميع المواطنين نعلن الدستور المؤقت هذا، للعمل بأحكامه في فترة الانتقال، أن يتمّ تشريع الدستور الدائم .
الباب الأول
الجمهورية العراقية
المادة 1: الجمهورية العراقية، جمهورية مستقلة ذات سيادة.
المادة 2 : العراق جزء من الأمة العربية.
المادة 3 : يقوم الكيان العراقي على أساس من التعاون بين المواطنين كافة باحترام حقوقهم وصيانة حرياتهم، ويعتبر العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن، ويقرّ هذا الدستور حقوقهم القومية، ضمن الوحدة العراقية.
المادة 4 : الإسلام دين الدولة.
المادة 5: عاصمة الجمهورية العراقية بغداد.
المادة 6: تعيين العلم العراقي، وشعار الجمهورية والأحكام الخاصة بها بقانون.
الباب الثاني
مصدر السلطات ،والحقوق،والواجبات العامة
المادة 7 : الشعب مصدر السلطات.
المادة 8 : الجنسية العراقية يحددها القانون.
المادة 9:المواطنون سواسية أمام القانون، في الحقوق والواجبات العامة.
المادة 10: حرية الاعتقاد، والتعبير مضمونة، وتنظم بقانون.
المادة 11: الحرية الشخصية، وحرمة المنازل مصونتان، ولا يجوز التجاوز عليهما إلا حسبما تقتضيه السلامة العامة، وينظم ذلك بقانون.
المادة 12: حرية الأديان مصونة، ويجب احترام الشعائر الدينية،على أن لا تكون مخلة بالنظام العام، ولا متنافية مع الآداب العامة.
المادة 13: الملكية الخاصة مصونة، وينظم القانون وظيفتها الاجتماعية، ولا تنتزع إلا للمنفعة العامة مقابل تعويض عادل وفق القوانين.
المادة 14 : الملكية الزراعية تحدد وتنظم بقانون.
المادة 15: لا يجوز فرض ضريبة، أو رسم أو تعديلهما، أو الغائهما إلا بقانون.
المادة 16: الدفاع عن الوطن واجب مقدس، وأداء الخدمة العسكرية شرف للمواطنين وتنظم أحكامها بقانون.
المادة 17: القوات المسلحة في الجمهورية العراقية ملك للشعب، ومهمتها حماية سيادة البلاد وسلامة أراضيها.
المادة 18: الدولة هي وحدها التي تنشئ القوات المسلحة، ولا يجوز لأية هيئة، أو جماعة إنشاء تشكيلات عسكرية، أو شبه عسكرية.
المادة 19: تسليم اللاجئين السياسيين محظور .
الباب الثالث
نظام الحكم
المادة 20: يتولى رئاسة الجمهورية مجلس السيادة، ويتألف من رئيس وعضوين.
المادة 21: يتولى مجلس الوزراء السلطة التشريعية، بتصديق مجلس السيادة.
المادة 22: يتولى مجلس الوزراء، والوزراء، كلٌ فيما يخصه من أعمال السلطة التنفيذية.
المادة 23: القضاة مستقلون، ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأي سلطة التدخل في استقلال القضاء، أو في شؤون العدالة، وينظم القانون الجهاز القضائي.
المادة 24: جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة جعلها سرية، مراعاةً للنظام والآداب العامة.
المادة25: الأحكام تصدر، وتنفذ باسم الشعب. . المادة 26: تنشر القوانين في الجريدة الرسمية، ويعمل بها من تاريخ نشرها إلا إذا نص فيها على خلاف ذلك وإذا لم يذكر تاريخ تنفيذها، تنفذ بعد عشرة أيام من اليوم التالي ليوم النشر.
الباب الرابع
أحكام انتقالية
المادة 27: يكون للقرارات والأوامر والبيانات، والمراسيم الصادرة من القائد العام للقوات المسلحة، أو رئيس الوزراء، أو مجلس السيادة في الفترة من 14 تموز 1958، إلى تاريخ تنفيذ هذا الدستور المؤقت، قوة القانون، وهي تعدّل ما يتعارض مع أحكامها من نصوص القوانين النافذة قبل صدورها .
المادة 28: كل ما قررته التشريعات النافذة قبل 14 تموز 1958، تبقى سارية المفعول، ويجوز إلغاء هذه التشريعات، أو تعديلها بالطريقة المبينة بهذا الدستور المؤقت.
المادة 29: ينفذ هذا الدستور من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
المادة 30: على وزراء الدولة تنفيذ هذا الدستور.
المادة 31: كتب في بغداد في اليوم التاسع من محرم الحرام، سنة 1378 هجرية، الموافق لليوم السابع والعشرين من شهر تموز سنة 1958 ميلادية .
مجلس السيادة
الرئيس محمد نجيب الربيعي
العضو ،خالد النقشبندي العضو ،محمد مهدي كبه
عبد الكريم قاسم ـ رئيس الوزراء، ووزير الدفاع.
عبد السلام عارف ـ نائب رئيس الوزراء، ووزير الداخلية.
محمد حديد ـ وزير المالية.
جابر عمر ـ وزير المعارف.
مصطفى علي ـ وزير العدل.
بابا علي الشيخ محمود ـ وزير الأشغال.
فوآد الركابي ـ وزير الأعمار.
محمد صالح محمود ـ وزير الصحة.
صديق شنشل ـ وزير الإرشاد.
هديب الحاج حمود ـ وزير الزراعة.
إبراهيم كبه ـ وزير الاقتصاد.
ناجي طالب ـ وزير الشؤون الاجتماعية.
نظرة في الدستور المؤقت:
بقراءةٍ متأنية لمواد الدستور المؤقت يستطيع المتتبع إدراك أفكار قادة الثورة وآفاقها المستقبلية، فالدستور المؤقت بشكل عام يحمل طابعاً تقدمياً، ويؤكد على تغيير البنية الاجتماعية، وتحرير الفلاح العراقي الذي يشكل 75 % من مجموع الشعب، من ربقة الإقطاع والعبودية والاستغلال هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فأن تحرير الفلاح من سيطرة الإقطاع تعني بالتأكيد هدم القاعدة التي استندت عليها الإمبريالية، وحليفها النظام السابق، حيث كان أغلب أعضاء البرلمان من الإقطاعيين الذين لعبوا دوراً رئيسياً في الحياة السياسية للبلاد، وحيثُ كانوا يفوزون بالتزكية في كل الانتخابات الصورية التي أجرتها الحكومات المتعاقبة، ولم يكن أحد يجرأ على منافستهم في تلك الانتخابات.
كما أن الدستور المؤقت أكد في مادته الثالثة على أن العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن، ويقر الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية غير أن هذه المادة كان يعوزها تثبيت تلك الحقوق بإضافة [وحقهم في الحكم الذاتي] .
ويشير الدستور في مادتيه الأولى والثانية إلى أن العراق جمهورية مستقلة ذات سيادة كاملة ومن هاتين المادتين نستشف أن الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة لم تكن مطروحة في فكر الثورة وقيادتها، وإنما كانت قيادة الثورة تستهدف إقامة أوثق العلاقات معها مع الاحتفاظ بالاستقلال الوطني، إلا في حالة تعرض العراق لغزو خارجي من قبل القوى الإمبريالية، ومن هنا يتبين أن سلوك وتصرفات عبد السلام عارف وبعض الأحزاب القومية، برفع شعارات الوحدة، ومحاولة فرضها بالقوة كان مخالفاً لنص الدستور.
إن ما كان يعوز الدستور المؤقت في الحقيقة هو أن يحدد الفترة الانتقالية بمدة محددة لا تتجاوز السنتين من أجل الانتقال نحو المؤسسات الديمقراطية، حيث يجري انتخاب المجلس التأسيس الذي يأخذ على عاتقه تشريع الدستور الدائم للبلاد، ويرسي النظام الجديد على قاعدة ديمقراطية صلبة، ويمكّن الشعب، وقواه السياسية على اختلافها من ممارسة النشاط السياسي في جو ديمقراطي، بعيداً عن العنف والعنف المضاد، وضمان جميع الحريات السياسية للأحزاب والصحافة، وتأسيس النقابات، والمنظمات الديمقراطية.
إن إطالة فترة الانتقال كانت أحد الأسباب الرئيسية في لجوء بعض القوى السياسية إلى أساليب العنف، والتآمر المسلح لإسقاط السلطة، كما أن استمرارها كان له تأثير سلبي على الشعب العراقي الذي كان يتطلع للحكم الديمقراطي الحقيقي، حيث بدأ اليأس يتصاعد، ويأخذ حيزاً لدى الكثيرين من أبناء الشعب، نتيجة للأوضاع الاستثنائية التي استمرت حتى النهاية.
ومن ما يؤخذ على الدستور المؤقت إبقائه على التشريعات التي صدرت
في العهد الملكي، كما نصت المادة 28 ، واعتماد الثورة على تلك القوانين، والمراسيم المخالفة للدستورين الملكي والجمهوري المؤقت، كمرسوم الإدارة العرفية الصادر عام 1935، وبقية المراسيم الأخرى التي أصدرها نوري السعيد، والتي سلبت من الدستور كل حقوق وحريات الشعب، وجرى استخدام تلك المراسيم، بعد انتكاسة الثورة ضد القوى السياسية، وأبناء الشعب.
لقد كانت هذه المادة مخالفة لتطلعات الشعب إلى الحياة الديمقراطية، فهي والحقيقة تقال مناقضة للمادة الثالثة والمادة العاشرة، والمادة الحادية عشر من الدستور المؤقت، ومع ذلك فقد جرت موافقة القوى السياسية في البلاد على الدستور المؤقت بتوقيع الوزراء جميعاً والذين يمثلون الأحزاب السياسية في البلاد، وحتى الحزب الشيوعي، الذي لم يكن ممثلاً في الوزارة على أمل أن تكون فترة الانتقال مؤقتة من جهة، ولمنع أي تحرك معادٍ للثورة الوليدة في أيامها الأولى من جهة أخرى، ولكن الذي يؤسف له أن فترة الانتقال استمرت، واستمرت السلطة باستخدام الأحكام العرفية والمحاكم العسكرية، وظلت تطحن حتى النهاية بخيرة الوطنيين المدافعين بإخلاص عن الجمهورية وقيادتها!!.
وكلمة أخيرة، أقول أن العبرة ليست في ما يرد في الدستور من مواد تنص على حقوق الشعب وحرياته، وإنما العبرة في تطبيق الدستور، ومراقبة سير هذا التطبيق، ومحاسبة كل من يحاول الاعتداء عليه.
وهذا الأمر لا يتم إلا في ظل الأوضاع الطبيعية، وقيام المؤسسات الديمقراطية، ومن ضمنها المحكمة الدستورية العليا، التي تكون المرجع الوحيد لمراقبة تطبيق الدستور، ومحاسبة من يحاول التلاعب به وتفسيره بشكل مغاير للحقيقة، وإن استمرار فترة الانتقال، واستمرار السلطة بممارسة السلطتين، التشريعية والتنفيذية، بالإضافة إلى تدخلها في أمور السلطة القضائية جعلت الدستور حبراً على ورق، تماماً كما فعل النظام السابق، الذي هيمن على السلطة التنفيذية، وزوّر الانتخابات البرلمانية باستمرار، وهيمن على البرلمان، وأستخدم المراسيم التشريعية التي أفرغت الدستور من محتواه، وانتهك كافة الحقوق والحريات التي نص عليها الدستور، فلو طُبّق ذلك الدستور بأمانة وصدق، واحترمت إرادة الشعب، لما حدثت ثورة 14تموز 1958، ولما حلّ بالعراق وشعبه ما حلّ من الويلات، منذُ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا.
التوثيق
(19) صحيفة البلاد ـ العدد 5268 ـ بتاريخ 18 تموز 1958
(20)إذاعة وتلفزيون بغداد ـ 30 أيلول 1958 ، ونشرت نصه الصحف