Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

ثورة يسوع

قد نجد من يعارضنا ونحن نضع هذه الكلمة (ثورة) أما أسم يسوع له المجد، أو نربط اسمه بتعبير من تعبيرات هذا الزمان، لكن يسوع قال: لم آتي لكي ألقي سلاما بل نارا!!!، وهو الذي صنع سوطا وطرد به باعة الهيكل، وكان حينها في حالة من الغضب لما رآه من انتهاك لحرمة بيت أبيه وتحويله من بيت صلاة إلى بيت تجارة!!!، كما انه غضب على التينة ولعنها ويبست للحال، هذه وغيرها تصرفات لا يمكن وصفها في زمننا الحاضر سوى ثورة على الواقع.
وليس هذا بل أن ما جاء به يسوع من تعاليم وأفكار كلها تعتبر ثورة حقيقية على المعاني والكلمات المتعارف عليها وممكن ان ندون هنا بعض من المفاهيم التي جاء بها يسوع وهي على النقيض مما نقوم ونتصرف به في يومنا، وسنتناول موضوع العدو وكيفية التصرف معه:
فالعدو جميعنا نكرهه، ونعمل جاهدين للتخلص منه أو أقله للاحتياط من شره اتقاءا لنا مما يضمره لنا، لكن يسوع أوصانا ببساطة أن نحبه!!! نعم أن نحب أعدائنا، وكيف لطبيعتنا البشرية أن تستجيب بسهولة وتحب من يُلحق الأذى بنا؛ من يخطف أهلنا ويقتل ويسرق ويضطهد ... لا نوجه له أي شيء دفاعا عن أنفسنا بل نقدم له عوضا عن كل هذه الأعمال: الحب ... الذي يجعله يعود لذاته خائبا وهو المتربص لالحاق المزيد من الأذى، نصلي من أجله لكي ينوّر الله عقله وبصيرته ويعود عن غيه ويتوقف عن إلحاق الأذى بنفسه أولا وبالآخرين، إنها بحق ثورة على فكرنا الإنساني البسيط.
وما يصلنا من هذا العدو من ضربات، يعلمنا يسوع أن نغفر له بلا شروط مسبقة!!! أي ليس فقط أن نتحمل ونصبرعليها وإنما نغفر لمن وجهها إلينا لكي لا يحاسبه الله عليها، وبهذا يعلمنا أيضا أن نعطي الخدّ الآخر لمن ضربنا على الخدّ الأول!!! إنه تواضع غير مسبوق أن نغفر ولا نواجه الإساءة بمثلها ولكن ليس هذا أن نكون خنوعين ذليلين إلى درجة الضعف، ففي المغفرة .. القوة والشموخ، وربنا يسوع سأل من لطمه وهو في لحظاته الأخيرة قبل الصلب: لماذا؟ وقال أيضا: بالكيل الذي تكيلون يُكال لكم ويُزاد، وأيضا قال: الويل لمن تأتي على يده العثرات، فخير له لو عُلق في عنقه حجر الرحى وألقي في البحر من أن يكون سببا لعثرة أحدهم، وأيضا قال: خير لك الدخول إلى ملكوت السماوات بعين واحدة من ان تشكك عينك وتهلك أو تُلقى في النار...
أي أن ثورة يسوع ليست هكذا فقط بالخضوع والاستكانة بل معها التفاعل مع الواقع بوعي ومعرفة فحتى عندما نتعرض إلى الظلم علينا أن نعرف السبب ولكن لا نرد بنفس الطريقة التي يريدها العدو لأن من قتل بالسيف فبالسيف يُقتل، ولا يمكن لمن يزرع الحنطة أن يجني غيرها لأن ما يزرعه المرء أياه يحصد.
وما جاء به يسوع قد أثار العجب فبدل ان نستخدم العنف للدفاع عن أنفسنا علينا أن نتحمل العذاب ونستعد لتقبله وبدل أن ننادي بالبغض والانتقام يجب أن ننادي بالسلام والرحمة وأعمال الرحمة لأن يسوع قال طوبى للرحماء فإنهم يرحمون.
هذه كانت ببساطة ملامح الثورة التي أعلنها يسوع ليس كثورات هذا العالم التي منها ما يُحسب لليسار أو لليمين لكن ثورة يسوع ليس فيها التراجع أو النظر إلى الوراء والمجال لإعادة الحسابات لأن من يضع يده على المحراث لا ينظر إلى الوراء، هكذا يريدنا يسوع أن ننطلق بهمة ونشاط وأن نصلي ونكون مصدرا للرحمة وأن نبيع كل ما نملكه ونوزعه على الفقراء، فيسوع حتى أمه سلمها للتلميذ الذي كان يحبه وهو في ذروة الألم ، وبهذا تجرد من كل شيء حتى من الحضن الذي تربى فيه وهو صغير وكلمة الحنان التي كانت تقولها له وهو يافع وبقي هو وخشبة عارية مسمرا عليها علامة للعالمين.
إنه الجزاء الظالم الذي جازاه العالم، وهكذا نحن أيضا مقبلون، فيجب علينا عدم وضع علامات التعجب لما نلاقيه من اضطهاد أو عنف ونقتدي به وبالقديسين، أليس يوحنا بولس الثاني أقرب مثال لنا عندما زار من أراد قتله وهو في سجنه ليغفر له فعلته وهو بهذا لم يفعل سوى ما فعله يسوع عندما نطق بذات المعنى لمن علقوه على الصليب وأشبعوه الإهانة وألهبوا جسده العاري بالسياط؛ وقال رغم كل ذلك: أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون، ولو علمنا ما نفعل لكنا راجعنا حساباتنا مرات كثيرة قبل أن نلحق الإساءة بالآخرين ولعل الحب هو الذي سيقودنا إلى العلم والحكمة ونعود لعمل أفعال الرحمة والرأفة وتشع كل أفعالنا خيرا وصلاح، لتكون ثورة يسوع خير مثال لنا نحذو حذوه حتى إن اقتضى الأمر أن نتسلق جبل جلجلتنا ونموت مثله على خشبة العار لأن فعل كهذا سيقود بكثيرين إلى جادة الحق ويمجدون الله. Opinions