Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

جدولة الزمن بين كيري وأنشتاين!

 

لم أكن أتوقع أن لدى وزير الخارجية الأميركية جون كيري فائضًا من الوقت هذه الأيام ليستمتع برياضة ركوب دراجة هوائية ثم يقع وتكسر ساقه، وتصدر عن الأطباء الذين تولوا علاجه نشرات لتوصيف حالته بديلًا عن الملخصات الخبرية بشأن جولاته … أقول لم أكن أتوقع ذلك الفائض في وقت الوزير الأميركي، بل كنت أتصور أن ملف البرنامج النووي الإيراني يأكل كل وقته، وإذا كان هناك بعض القليل من الوقت يرصده إلى الملف الأوكراني أو ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي جمدتها عنصرية رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وقد يعطي جزءًا من هذا الوقت المزدحم بالملفات إلى اتصالاته الهاتفية مع مكتبه بواشنطن.
بمعنى مضاف أن للوزير كيري صولاته الرياضية اليومية التي لا يمكن أن يتخلى عنها مهما بلغت (ارتطامات) السياسة الخارجية الأميركية، ومثل ذلك لم يدر في خلدي أن بغداد الملغومة بالمزيد من المطبات الأمنية وما يترتب عليها من (جدولة) للسيارات المفخخة والعبوات الناسفة والأسلحة الكاتمة للصوت، ومشاهد مجالس التأبين والعزاء لضحايا القتل والتنكيل والتشفي الطائفي والمناطقي والسياسي … أقول لم يدر في خلدي مع كل هذه المشاهد المؤلمة أن تستطيع بغداد استقطاع بعض الوقت من فجيعتها لتعيش هامشًا زمنيًّا مع تراثها الجميل.
لقد تلقيت دعوة دار الأزياء العراقية لحضور عرض للأزياء الآشورية وغيرها من أزياء الحقب التاريخية التي مرت على العراق، والواقع كانت مفاجأة كبيرة بالنسبة لي وربما لغيري ومع اندهاشي لكل الذي شاهدته كان الحضور كثيفًا وسط الموسيقى العراقية الشجية التي واصلت دك قلاع الحزن في النفوس بكل إصرار، ولكن ليس على غرار (إملاءات) القوة الناعمة سياسيًّا.
والشيء بالشيء يذكر، لا أكتمكم أن همومي على بلدي تجعلني أسأل بين الحين والآخر أسئلة صعبة في الحساب الإعلامي ومنها كيف يمضي البرلمانيون العراقيون أوقاتهم بين الجلسات، لقد تبين من معلومات موثقة أنهم يمضون تلك الفترات بتبادل (الخبرة) عن: العطور الفرنسية، وربطات العنق، وأشهى المأكولات في المطبخى الياباني، وجودة الأحذية الإيطالية!! ولا ينسون التعريج قطعًا إلى آخر معلومات مدير حسابات البرلمان عن المنح والمكافآت ونفقات الإيفاد وأسعار الدولار واليورو، والحال أيضًا بالنسبة لمسؤولين حكوميين آخرين لكنني لا أقصد التعميم.
هي إذًا (جدولة) للوقت الفائض وغير الفائض، ولكن هناك عدة فوارق في هذه الجدولة، فمن حق الوزير كيري أن يزيح عن كاهله ضغط البرنامج النووي الإيراني بركوب دراجة هوائية والانطلاق في ربوع أحد المنتجعات السويسرية لتحسين مفرادت تفاوضه، ومن حق بغداد، بل دار الأزياء العراقية أن تشغلها بعض عناوين الفرح اليومي، والسفر التراثي في مواجهة بشاعة الانقطاع والخوف والهلع.
إن في هذه الاستقطاعات الزمنية بعض المشروعية التي أشار إليها أنشتاين في يوم من الأيام عندما كان يصر على مقابلة بعض زائريه أثناء هرولته الصباحية اليومية للحفاظ على لياقته البدنية، وإذا كان أنشتاين يفعل هذا بالكثير من الحرص والمثابرة فإن شخصيات عديدة تجد في الخدمة الإنسانية أعلى درجات الاستمتاع بالوقت، وهناك مواقف جديرة بالامتنان شهدتها سوريا والعراق خلال السنوات القليلة الأخيرة، حيث كان يصلها الكثير من رواد الخدمة المدنية التطوعية من أجل إيصال العون الإغاثي لمن يستحقه، بل إن شخصية أكاديمية وباحثًا هو الدكتور (جون ابنر) المفكر الأميركي المعروف الذي يتخذ من سويسرا مقرًّا له يحرص على استقطاع المزيد من وقته ليمضي (إجازاته) في مخيمات النازحين العراقيين مساهمًا نشطًا في تقديم العون لهم ويختار دائمًا النازحين الأشد مظلومية، وفي مقدمتهم النازحون الأيزيديون والمسيحيون، بل يذهب إلى مناطق تعد خطرة في الأسبقيات الأمنية.

الخلاصة من بعض ذلك، لا يعني هذا التصرف بالوقت مناكدة للمثل العربي القائل (الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك)، بل يعني مقاربة نحو أسبقية الأهمية في التصرف بالزمن بعيدًا عن الهدر والبطر والاستخفاف، وبعيدًا عن الشواغل الهامشية. 

Opinions