جمعة لعازر
القراءات الطقسية:القراءة الأولى: التكوين 19 / 27 _ 30 فبكر إبراهيم إلى المكان الذي وقف . .
القراءة الثانية: رومة 15 / 1 _ 13 فعلينا نحن الأقوياء أن نحمل ضعف . . .
القراءة الثالثة: يوحنا 11 / 1 _ 45 وكان رجل مريض وهو لعازر من بيت . . .
لعازر: اسم عبري وهو مختصر من أليعازر " الله عون ". كان من بيت عنيا، وكان يسكن مع أختيه مرتا ومريم وكان موضوع محبة أختيه. والمسيح شهد عنه شهادة حسنة وكان من نصيبه أن يقيمه من الأموات بأعجوبة ( يوحنا 11: 1 _ 44 ). وقد كان لهذه الأعجوبة تأثير كبير على الذي شاهدوها أو سمعوا بها الأمر الذي دفع الجماهير إلى استقباله ذلك الاستقبال الحافل في أورشليم. كما أنها كانت السبب الذي دفع المجمع السبعيني للاجتماع واتخاذ القرار بقتله لأن الجماهير كانت تناديه بلقب ملك ( يوحنا 11: 45 _ 53 و 12: 9 _ 19 ). وقد حضر لعازر العشاء الذي أقامه سمعان الأبرص[1] في بيت عنيا إكراماً للمسيح قبل ستة أيام من الفصح ( متى 26: 6 و مرقس 14: 3 ويوحنا 12: 1 _ 2 ). ولم يذكر اسم لعازر بعد ذلك في الكتاب المقدس، ولكن يظهر أن محاولة اغتياله لم تتم. فمات مرة أخرى في زمان ومكان وظروف لا تزال إلى الآن مجهولة. وفي لارنكا في جزيرة قبرص تقليد يقول أن لعازر مات ودفن هناك.[2]
تقع قرية بيت عنيا على بعد نحو 3 كم شرقي أورشليم على الطريق المؤدية إلى أريحا. وعندما مرض لعازر كان يسوع يبشر في قرى عبر الأردن. وقد سعت مرتا ومريم إلى الرب يسوع لطلب المعونة عندما مرض أخوهما مرضاً شديداً. وقد آمنتا بقدرته على مساعدتهما لأنهما عاينتا معجزاته. وكان الرب يسوع يحب هذه الأسرة، ويمكث مع أفرادها كثيراً. وقد عرف آلامهم، لكنه لم يستجب فوراً. فقد كان لتأخيره قصد خاص معين. إن التوقيت الذي يختاره الله وخاصة عند تأخيره، قد يجعلنا نظن أنه لا يستجيب لنا أو أنه لا يستجيب لنا بالطريقة التي نريدها. إلا أنه سيسد كل احتياجاتنا حسب توقيته الزمني الكامل، وحسب قصده التام. وعندما طلب من التلاميذ الاستعداد للعودة إلى اليهودية، ذكروه عن محاولة اليهود رجمه منذ وقت قريب. لكن يسوع أعلمهم عن رقاد حبيبه لعازر، وعليه الذهاب لإنهاضه. وبين لهم أن الذي يسير في النهار لا يتعثر، وقصد بالنهار معرفة إرادة الله. أما الذي يسير في الليل فلا بد أن يتعثر، وقصد بالليل عدم معرفة إرادة الله. لقد علم التلاميذ بالأخطار المحيطة بالرب يسوع عند ذهابه إلى أورشليم فحاولوا إيضاحها له. وعندما فشلت اعتراضاتهم على ذهابه، كانوا مستعدين ومرحبين بالذهاب معه، بل والموت معه أيضاً. ولعلهم لم يفهموا سبب موت يسوع لكنهم كانوا أوفياء له. وعُرفت مرتا بانشغالها الشديد الذي يعوقها عن الجلوس عند قدمي الرب يسوع، والحديث معه والتعلم منه ( لوقا 10: 38 _ 42 ). أما هنا فإننا نراها امرأة ذات إيمان عميق قوي. فهي واثقة بأن الله يعطي يسوع كل ما يطلب منه، ولها ملئ الثقة بأن أخاه لعازر سيقوم في اليوم الأخير. إن للرب يسوع سلطاناً على الحياة والموت، كما أن له سلطاناً لمغفرة الخطايا. ذلك لأنه خالق الحياة. وهكذا قال لمرتا: " أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي، وإن مات فسيحيا. ومن كان حياً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد " ( يوحنا 11: 25 ).
ويؤكد الإنجيلي يوحنا على أن لنا إلهاً يهتم بنا. وهذا يناقض مفهوم الإغريق الشائع في ذلك الزمان عن الله. فالإله عندهم بلا مشاعر ولا إندماج بالبشر. أما هنا فإننا نرى الكثير من مشاعر الرب يسوع، الشفقة والحنان، الغضب، الحزن بل والاكتئاب، وكثيراً ما عبر عن مشاعر عميقة، ويجب علينا ألا نخشى أن نكشف له عن مشاعرنا الحقيقية. فهو يفهمها لأنه اختبرها. وما أن حضرت مريم ورأت يسوع حتى ارتمت على قدميه وهي تبكي. عندما رأى الرب يسوع النواح والعويل بكى هو أيضاً علانيةً. ولعله كان متعاطفاً معهم في حزنهم أو ربما اضطرب لعدم إيمانهم. وفي كلتا الحالتين أظهر الرب أنه يهتم كثيراً بنا حتى إنه يبكي معنا.
طلب يسوع أن يمضوا به إلى حيث قبر لعازر. وكانت المقابر عادة في ذلك الزمان، عبارة عن كهوف أو مغارات منحوتة في الحجر الجيري في أحد جوانب الجبل. وكان القبر من الاتساع بحيث يسمح للناس بالسير داخله. وعادة ما كان يوضع داخل القبر الواحد أجساد العديدين من الموتى. وبعد الدفن يدحرج حجر كبير ليوضع على مدخل القبر. وما أن وصل يسوع عند القبر، حتى طلب أن يرفعوا الحجر. لكن مرتا ذكرت يسوع أنه مضى أربعة أيام على دفنه، وأن جسده قد أنتن. مرة أخرى ذكر يسوع مرتا أن تحافظ على إيمانها لترى مجد الله. وقف الرب يسوع أمام القبر بعد أن رفع الحجر، ونادى بصوت عالٍ: لعازر أخرج. فللحال خرج لعازر من القبر والأكفان تشد يديه ورجليه، والمنديل يلف رأسه. فطلب يسوع من الموجودين أن يحلوا أكفانه حتى يمضي إلى بيته.[3]
من خلال حدث إقامة يسوع للعازر، نجد أن يسوع يتكلم عن الرقاد، في حين أن لعازر قد مات. يبدو إذاً أن يسوع يريد أن يسبب سوء فهم عند سامعيه. لكن يسوع يبدل في الواقع معنى الموت، فهو يُعد رقاداً لأنه انتقال يؤدي إلى يقظة القيامة.[4] فلم يعد الموت نهاية، بل مرحلة، وهذا المرض أياً كانت شدته سيؤدي في آخر الأمر إلى القيامة، وبالتالي إلى تجلي مجد الله العظيم، وهو مجد المسيح أيضاً. وهذا المرض هو بوجه أعمق نقطة انطلاق للسير الذي يؤدي إلى موت يسرع وقيامته. فهو يضع في متناول جميع المؤمنين إمكانية المشاركة في هذه القيامة. وعلى هذا النحو يتحقق في آخر الأمر تجلي المجد الأخير.[5]
وتحتفل كنيسة المشرق بتذكار جمعة لعازر في الجمعة السابعة من سابوع الصوم.
--------------------------------------------------------------------------------
1_ سمعان الأبرص: سمعان اسم عبراني معناه " مستمع ". سمعان الأبرص أصله من بيت عنيا، ويظهر أنه كان أبرص وابرأه يسوع. وقد سكبت مريم أخت لعازر الطيب على رأس يسوع في بيته. قاموس الكتاب المقدس ص 484.
2_ قاموس الكتاب المقدس ص 816 _ 817.
3_ التفسير التطبيقي للعهد الجديد ص 351 _ 352.
4_ الكتاب المقدس " العهد الجديد " دار المشرق إنجيل يوحنا هامش 10 ص 325.
5_ الكتاب المقدس " العهد الجديد " دار المشرق إنجيل يوحنا هامش 5 ص 324.