جمهورية محايدة ..
منذ تأسيس الدوله العراقيه الحديثه عام 1921 ولا تزال ازمة تشكيل نظام وطني قائم على اسس محدده وواضحه هي البارزه في كل مرحله من مراحل التطور السياسي الذي مر به البلد في حقبات متتاليه ,ورغم ان الجمهوريه التي شكلها الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم لم يسمح لها ان تعيش اكثر من خمس سنوات الا انها اعطت للعراق وجها اخرا مختلفا تماما عن سابقه ولاحقه فيما بعد ولو قدر لهذه الجمهوريه وقائدها الاستمرار لفترة اطول لتغير وجه العراق اليوم جذريا عما نعيشه من بؤس ودمار..ومما لا شك فيه ان سيماء هذا الوجه الذي رسمته الثورة عام 1958 كان سيكون اكثر تقدما واشراقا وكان من الممكن ان يتحول العراق الى دوله لها وزنها ليس على صعيد المنطقه فحسب بل على صعيد العالم,وحالة العراق اليوم تدفع الكثيرين من ابناءه لصياغة رؤيا معينه تنطلق من الاخذ بنظر الاعتبار الحالة المزريه التي وصل اليها المواطن في بلد يعد من البلدان الغنيه في العالم وكذلك تجنب الوقوع في صراعات مستقبليه على أسس كالتي يتناحر عليها البعض اليوم في المجتمع وهي الطائفيه والمذهبيه,ورغم ان الاساس الذي نادى به الزعيم عبد الكريم قاسم كي يمثل الوجه الخارجي لسياسة الجمهوريه الجديده هو لا يزال واحدا من افضل الاسس والمبادئ التي تنطبق على كل الظرف والمراحل الا ان احدا لم يكن يرغب الالتزام به وهو(نصادق من يصادقنا ونسعى لمصادقة من يعادينا) ولا بد من التذكير ان الكثير من الخطوات التي اتخذت في ذلك الوقت واذا ما قورنت بالتطور الذي وصل اليه المجتمع البشري الا انها مثلت خطوة جبارة في مجال تحقيق الاستقرار والتقدم للمجتمع العراقي , حتى حكومة اليوم لم تتمكن من امتلاك تلك الجرأه التي تجعلها قادرة على تخطي العقليه الطائفيه وتنطلق لبناء مجتمع تسوده مبادئ الهويه الوطنيه الحقه..
ما الذي يمنع من قيام جمهوريه محايده في العراق لا دخل لها في الشؤون الاقليميه والدوليه الا بما يناسبها في تحقيق السلام العالمي والايجابيه في التعامل مع العلاقات الدوليه؟؟
ربما تحمل الاجابه على هذا التساؤل الكثير من الغموض في بعض الاحيان من قبل الساسه والمسؤولين على العمليه السياسيه لان تعاطيهم مع الشأن السياسي للبلد ينطلق من اساس عملهم وفق اجنده لدول اجنبيه والا لما كان لهم وجود بعد سقوط الدكتاتوريه!!
كما ان وجود شخصيات مستقله تنطلق في عملها من اساس المصلحه الوطنيه يكاد يكون ضيقا للغايه وغير مؤثر لان القائمين على العمليه منذ البدايه ارادوا ابعادها والتقليل من تأثيرها,البرلمان العراقي والحكومه الحاليه تستطيعان السير باتجاه تنظيم دستور وطني قائم على هذا الاساس ويسد الطريق على تلك الدول التي تتدخل في الشأن العراقي وتجعل البلاد عرضه مستمرة لتغلغل نفوذ هذه الدوله او تلك اما ان يكون العراق محايدا ويعترف بنظامه على هذا الاساس من قبل المنظمه الدوليه للامم المتحده وتحميه القوانين الدوليه فلن يكون بوسع احد التدخل فيه والاساءه اليه .
ولكن سؤالا اكثر خطورة يفرض نفسه على الواقع في العراق وهو هل تسمح الولايات المتحده للعراق ان يكون محايدا بعد ان خسرت كل هذه الاعداد من جنودها ومواردها كي تؤسس لشرق اوسط جديد يصب في الاطار العام لمصالحها في المنطقه؟؟
المطلع على خطوط السياسه الامريكيه يجيب بالوهله الاولى كلا وهي حقيقه لان الاستراتيجيه الاساسيه للولايات المتحده وسياستها في المنطقه تعتمد على النجاح في العراق كمبرر للانطلاق واخضاع الدول الاخرى كسوريا وايران ولا يمكن لعاقل ان يصدق ان السياسه الامريكيه قادرة على التحلي بالمرونه التي تفقدها شيئا من مكتسباتها في الحاله العراقيه لان مصالحها العليا فوق اي اعتبار يحبذه الشعب العراقي لمصيره..
وقبل احداث اي تغيير منتظر من الامريكان على العراقيين ان يفكروا بأنفسهم لوضع حل جذري ينقذ الدوله من براثن التفكك الذي يخطط لها ويستبيحها اذا ما اقتضت المصلحه الامريكيه ذلك,فعمليه الاعتماد عليهم اشبه ما تكون بانتظار صحوة الضمير عند اللص لكي يعيد ما سرقه من الدار من ممتلكات وهي بعيدة الاحتمال,وسياسه اي دوله محايده في العالم بلا ادنى شك تكون موزونه وتراعي الاوضاع الداخليه للبلاد اكثر من الخارجيه وهذا ما يصب في النهايه في مصلحة المواطن العراقي الذي تضرر مباشرة من كل الحروب والسياسات التي مورست منذ الانقلاب الاسود على عبدالكريم قاسم وحتى يومنا هذا..
كما ان دراسة التجارب التي عاشتها بلدان اتخذت من الحياد الايجابي نظاما في سياستها الخارجيه هو الاخر يثري التجربه العراقيه اذا ما اريد لها ان تحيا لفترة طويله خاليه من النزاعات والحروب,ان تحرك المؤسسات القافيه والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني بهذا الاتجاه سيكون وعيا شعبيا عريضا بأهميه بناء دوله قائمه على الحياد في العلاقات الدوليه لا سيما وان العراق واقع في منطقه غارقه بالصراعات التي قد تمتد لمئة عام قادم..
والتركيبه الاقتصاديه ـ الاجتماعيه للعراق تساعد على ان يكون في البلد نظام حكم محايد لا يتدخل في الشؤون الداخليه لاحد ووجود الاقليات وامتداداتها في بلدان الجوار تشكل نقطة ضعف لا يمكن تجاوزها دون القيام بخطوات في هذا الاتجاه كما قلت تسد الطريق على العاملين لاجنده خارجيه في افتعال الازمات مع بلدان الجوار والبلدان الاخرى..
لقد قدم الكثير من الباحثين والسياسيين العراقيين دراسات عديده في هذا الصدد واغلبها تشدد على اراء تصب في خانه بناء نظام دستوري في العراق على هذا الاساس وتجعل من موضوع العلاقات الدوليه الاساس في بناء الداخل بدلا من ان يستخدم لتدميره..
لقد شكلت القوانين التي تسير المجتمع العقبه الاساسيه في تقدم العراق منذ فترة ليست بالقليله لا سيما اثناء العهد الدكتاتوري الذي دمر علاقات العراق بجيرانه والاسرة الدوليه بطريقه قادت العراق الى مستنقع الدم اليومي الذي يعيشه في كل لحظه وكل بقعة من ارضه وينبغي اعادة النظر في تلك القوانين كي تصب في مصلحة العراق وشعبه قبل ان تراعي قضايا اخرى وهي برأيي مسؤوليه تقع على عاتق الفئات المثقفه كي تنطلق به الى الامام وتجعل منه موضوعا ساخنا اذا ما اردنا ان يستقر العراق ويعيش شعبه حياة حرة كريمه حاله حال باقي بلدان المنطقه الخاليه من الصراعات والتي لم تدخل اي معركه على حساب شعوبها..
ان قيام جمهوريه على اساس الحياد الايجابي يصب في خانة الشعب اولا واخيرا ويسحب البساط من تحت اقدام تلك الاصوات التي لا تريد الاستقرار والامان لهذا البلد لان المجتمعات المدنيه التي تحكمها دساتير متوازنه هي التي تمتلك مقومات البقاء والتقدم الى الامام وتحقيق وجودها فعليا على ارض الواقع , لا ان تكون دوله تخلص من نزاع وتقع في اخر وتكون عرضه باستمرار لتدخل الخارج فيها , والشعب العراقي منهك من الحروب ويتوق فعلا للعيش تحت نظام مدني ديمقراطي يحقق للمواطن العيش الكريم ويحفظ له كرامته..
والعودة لدستور الجمهوريه الاول الذي تم تشريعه في عهد عبدالكريم قاسم واجراء بعض التغييرات التي تلائم التطور لن يكون معيبا بقدر ما يجعلنا نعترف ان هناك من فكر بالمصلحه الوطنيه العليا قبل خمسين عاما افضل بكثير من هذه الاجيال التي راحت تتخبط في اقتناء نظام دستوري يسير الحياة في الدوله والمجتمع ونعيد لتلك الشخصيات مكانتها الطبيعيه بين الذين خدموا اوطانهم بصدق ونكران ذات..