جميل روفائيل هكذا عرفته
لم التقه كل السنوات التي عرفته خلالها البته،لا مواجهة ولا عبر اية وسيلة اتصال اخرى،عرفته بعد صدور قانون الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية في العام 1972،تحدثنا عنه صديق قديم وانا من خلال الكتيب الذي كان قد نشره شراكة مع السيد بنيامين حداد كما لا زلت اذكر(اتمنى اني لا اخلط بين الاسماء)بمناسبة صدور القرار،وبعد مرور سنوات معدودات عرفت ان احدهم كان قد نقل اليه ملاحظاتي الشديدة تلك على الكتيب ذاك،وقيل لي ان الرجل كان سعيدا جدا بتلك الملاحظات ولم يزعجه انتقادي القاسي جدا يومها قط،لا بل قيل لي:انه قال نصا:سوف اعرف كيف اصالحه يوم التقيه حتى لو زعلان هواية،وها رحل الرجل دون ان تتقابل عيوننا.لو تابعنا كل سجالات جميل روفائيل مع الذين اختلفوا معه بالرأي لهذا السبب او ذاك،سنجد ان الرجل لا يتشنج ولا يكيل التهم جزافا خدمة للقضية التي يدافع عنها،وان ظهرت عنده بعض السقطات والهفوات هنا او هناك،فالسبب كان غالبا مصداقية المصدر الذي كان الرجل قد نقل عنه المعلومة،ونحن جميعا يمكن ان نقع في هكذا مطبات من حيث نريد ان ننقل الحقيقة للاخرين بصدق بالغ.
لا انكر مطلقا اني كنت احسب جميل روفائيل على النظام السابق الى وقت قريب جدا،وهذا كان ربما سبب ابتعادي عن الاطلاع على ما كان يكتب الرجل،الا ان الصدفة المحضة لعبت دورا اساسيا في تقربي اكثر من طروحات الرجل خلال السنوات الاخيرة،واعني بها سنوات ما بعد سقوط النظام اضافة الى ما كنت اسمع عنه من هنا وهناك.
ان اوجه الخلاف الفكري والسياسي بيني وبين جميل روفائيل كانت اكثر بكثير من اوجه الاتفاق،ولكني لا اقدر مطلقا الا ان احترم ذكرى الرجل واثني على شجاعته وجرأته في قول ما كان يعتمل في صدره بكل صدق واخلاص ووضوح،سواء اتفقت معه او اختلفت،فجميل روفائيل لم يضع امثالي ممن نختلف معه في خانة الخصوم او الاعداء،انما كان يؤمن بتباين الاراء الى حد التناقض،على عكس الكثيرين،وهذه اعدها حسنة كبيرة جدا للرجل.
كان جميل روفائيل انسانا وحدويا الى حد النخاع بلا مقابل،دافع عن انتمائه القومي الاشوري بنفس النفس الصادق الذي دافع فيه عن انتمائه الى الطائفة الكلدانية الكاثوليكية مذهبيا،وهذا موقف مشرف يسجل لجميل روفائيل.
لا اظنني اكيل المديح لجميل روفائيل اذا قلت:انه كان رجلا وانسانا بوجه واحد،وواحد فقط،لم ينافق ولم يتملق ولم يتزلف،كان ينقل قناعاته ويعلنها الى الملأ دون خشية لوم او عتاب او عقاب،اذ ليس من السهل في هذا الزمان الرديء،ان يفتخر كاتب او صحفي بكونه كان محررا في جريدة الثورة الناطقة يومذاك بأسم حزب البعث الحاكم او مراسلا لاذاعة النظام،وكما قلت:ان رجلا مثل هذا لا يمكننا سوى ان نحني رؤوسنا احتراما لذكرى صدقه وشجاعته،سواء اتفقنا او اختلفنا معه،كما لا اظن ان بمقدور اي منصف تجاوز مشوار جميل روفائيل الطويل دون ان تدمع عيناه حين يتيقن ان الموت قد فرق بيننا وبينه.
الذكر الطيب للراحل الاستاذ جميل روفائيل،ولاهله واصدقائه ومحبيه ومريديه الصبر والسلوان.
ياقو بلو