جندي باسل
لا تزال حرارة نقاشنا حول الاوضاع في الفلوجة تثير لدينا أسئلة تبحث عن اجابات واضحة، منها: متى تحط المعارك هناك رحالها؟ وهل من نهاية ايجابية تحسم الامر وتثبت ركائز ألاستقرار كما استحضرنا، نحن زملاء واصدقاء الشهيد خريج كلية العلوم السياسية فرع النظم، النقيب علي خميس، حرارة دفاعه عن عسكريته وانحيازه في هذه المعركة الى العراق المسالم الامن المستقر، وذلك قبل ثلاثة اسابيع من يوم 23 اذار، يوم استشهاده في احدى جبهات القتال في الفلوجة، عندما شرفنا بزيارته لنا. كان يدافع عن العراق من عبث قوى الإرهاب وقد قال: لم يعد مشروعها يستهدف المدنيين في الاسواق والشوارع والمؤسسات الرسمية بهدف التخريب وإشاعة الذعر والخوف الى جانب اعاقة البناء، وخلق الفوضى. فإستراتيجية قوى الارهاب الجديدة تعدت ذلك الى هدف اكثر خطورة، حيث تذهب الى اسقاط النظام برمته، وإقامة حكم على وفق نموذج طالبان!
كان نقاشنا مكثفا ومحزنا ومؤلما في ذلك اليوم، وقد تبادلنا ما تيسر لدينا من معطيات استقيناها من متابعات لما يتم تداوله في وسائل الاعلام حول الاوضاع السياسية والعسكرية والمعيشية في الانبار، والمعارك التي اريد لها ان تحسم في ايام قلائل وها هي تتعدى الثلاثة أشهر وتستمر بحيث لا يمكن التكهن بنهايتها، هذه الحرب التي لم تنحصر ساحاتها في بعض مدن الانبار ، بل امتدت الى مساحات واسعة من محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك والموصل، ما ينذر بمخاطر غير قليلة. سيما وان فصائل الارهاب اعلنت قبل ايام عن تشكيل مجلس سياسي لها، بعد ان استكملت تشكيل مجلسها العسكري، في مقابل تفكك اواصر العلاقات بين القوى الماسكة بالسلطة، بل وصل الامر حد القطيعة ان لم اقل الاحتراب في ما بينها. كذا الامر داخل الكتلة السياسية الواحدة.
لم يشعر المتنفذون بمسؤولياتهم تجاه امن وسلامة ومستقبل البلاد، ويبدو ان صراع المصالح الفئوية والشخصية اهم عندهم من كل المخاطر التي تخيم على العراق وحوله، فلا يصل الاحساس بالمسؤولية الى مستوى ما عند صديقنا الجندي الباسل علي خميس. حيث قال لا يعنيني زيد او عبيد من القادة المتنفذين، كونهم جميعا غير معنيين بمستقبل العراق الأمن فالعراق هو العنوان الاساسي لي في مكافحة الارهاب الذي يتطاول على هذا الوطن العزيز.
هكذا، في الوقت الذي يخوض فيه المتنفذون صراعهم غير المبرر مع بعضهم، غير عابئين بالنتائج الكارثية على سلامة العراق، في هذا الوقت يخوض الجندي العراقي وزملاؤه المعركة من اجل درء المخاطر المحدقة بامن العراق.
كان صديقنا الباسل يدرك ان عودته هذه المرة الى الفلوجة، لن تكون رحلة نزهة، بل انها مواجهة مع الموت. قال ساذهب رغم معرفتي اني ذاهب الى حتفي، لكن لا بديل لي عن هذه الرحلة ما دامت تحمل قدراً معيناً في الوقوف مع العراق، هذا العراق المثخن بالجراح على ايدي قوى الارهاب التي استزفت قواه البشرية، والقوى السياسية الحاكمة التي استنزفت وحدته الوطنية وهددت تماسك نسيجه الاجتماعي، وقوى الفساد التي استنزفت موارده المالية.