Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

حتى يغيروا (16) تلك الحدود

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

قراءة في حلقات
ان العراق الجديد الذي يحتاج الى ثقافة جديدة، لا بد ان تعتمد التغيير الذاتي اولا.
هذا ما اتفقنا عليه في الحلقات الماضية من هذه القراءة.
وقلنا، بان من الثقافات التي يحتاجها العراق الجديد، هي؛
اولا: ثقافة الحياة
ثانيا: ثقافة التعايش
ثالثا: ثقافة المعرفة
رابعا: ثقافة الحوار
خامسا: ثقافة الجرأة
سادسا: ثقافة الحب
سابعا: ثقافة النقد
ثامنا: ثقافة الحقوق
تاسعا: ثقافة الشورى
عاشرا: ثقافة الاعتدال
حادي عشر: ثقافة الوفاء
ثاني عشر: ثقافة المؤسسة
ثالث عشر: ثقافة الحاضر
رابع عشر: ثقافة المسؤولية
خامس عشر: ثقافة الشفافية
سادس عشر: ثقافة الانجاز
سابع عشر: ثقافة القانون

القانون، هو مقياس كل شئ، وهي في اصلها كلمة فارسية معربة، وجمعها قوانين، وهي تعني الاصول، وعلى هذا الاساس فان الدول تنقسم الى قسمين، الاول هو الذي يعتمد الاصول، في تنظيم العلاقات بين الافراد، حاكمين ومحكومين، والثاني، هو الذي لا يعتمد على الاصول، وان الدول التي تعتمد الاصول (القوانين) تعتبر دولا ذا انظمة ديمقراطية، ليس للفوضى فيها مكان، اما الدول التي لا تعتمد الاصول (القوانين) فهي الدول ذات الانظمة الشمولية الاستبدادية، التي يحكمها (قانون) الغاب، الغلبة فيه لمن يمتلك الدبابة ليسرق السلطة من سلفه او يعتلى العرش وراثة من ابيه الذي لا يترك السلطة عادة لابنائه الا بالموت او القتل والاغتيال والتآمر وما اشبه.
ولقد عاش العراقيون عقودا طويلة من الزمن كان الحاكم الاوحد فيها هو القرارات التي يصدرها الحاكم (الضرورة) فلقد ظل العراق، منذ تاسيسه مطلع القرن الماضي على الاقل، من دون قانون، واذا كان يتمتع بقانون ما في بعض الفترات الزمنية، فهو قانون قرقوش الذي يتدخل فيه الحاكم متى شاء، ولمصلحة من يشاء، ولذلك ظلت الحياة العامة في بلاد الرافدين طيلة تلك الفترة قلقة ومترددة وغير مستقرة، حتى اذا سقط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003، تنفس العراقيون الصعداء، متطلعين الى بناء دولة القانون بكل معنى الكلمة، والتي كانت اولى لبناتها انهم صوتوا، ولاول مرة، على دستور دائم للبلاد، تشكلت على اساسه اول حكومة دستورية وطنية تتمتع بشرعية كبيرة.
ان تحول العراق من بلد لا يحكمه القانون، تتسلط عليه حفنة من قطاع الطرق وابناء الشوارع ومن العصابات الحزبية، الى بلد يحكمه القانون الذي يجب ان يكون فوق الجميع، بحاجة الى وقت طويل، من اجل ان يتعلم العراقيون، الحاكم والمحكوم، نسق الحياة الدستورية، فيألفون الالتزام بالقانون، ويتطبعون على التعايش مع القانون في كل مجالات الحياة.
وان تحول البلد من حالة اللاقانون الى حالة القانون، تتطلب ثلاثة عوامل يجب ان تتكامل لنشهد حياة دستورية حقيقية:
العامل الاول: هو الثقافة القانونية، اذ يجب ان يتعلم الناس على احترام القانون والالتزام به، وانه وضع لصالحهم وليس لتقييدهم او لمصادرة حرياتهم، واذا حدث وصادر قانون ما حرية من حريات الناس، فانما للصالح العام، كما لو ان قانونا منع التدخين في الدوائر الرسمية وفي المستشفيات وفي وسائط النقل العامة، كالطائرات والباصات والقطارات، فان مثل هذا القانون الذي سيحد من حرية المواطن في التصرف بصحته وماله، فانه في نفس الوقت، شرع للصالح العام، لتحقيق اعلى درجة من الاجواء الصحية للمواطنين، وهكذا لو حدد القانون معدل سرعة المركبات في الشوارع، فانه اذ يصادر حرية المواطن في سياقة مركبته في الشارع العام بالسرعة التي يحبها، الا انه يحقق درجة عالية من الامان للصالح العام، وهكذا.
اذن، يجب ان يتعلم الناس ثقافة القانون، ويعوا ضرورته ووجوبه واهميته في المجتمع، من اجل ان يبادروا الى طاعته والالتزام به من دون ان تضطر السلطات المعنية لفرض الغرامات مثلا او العقوبات للالتزام به.
اننا بحاجة الى ان نشيع ثقافة القانون في المجتمع وعلى مختلف الاصعدة، من خلال:
اولا: اهتمام الوالدين بتعليم الابناء وجوب احترام القانون، ليس فقط القانون المكتوب، وانما كل ما ينظم العلاقات العامة سواء بين الناس او بين الانسان والطبيعة او بين الانسان والاشياء التي من حوله، ليشب اولادنا وهم يحترمون القانون العام، وهذا ما يحتاج من الابوين الى ان يكونا دقيقين في طريقة التعامل مع القانون، لان الابناء عادة ما يتعلمان احترام او انتهاك القانون ممن هو اكبر منهم، فاذا راى الابن ان اباه، مثلا، لا يحترم اشارة المرور، فان الاب في هذه الحالة لا يمكنه ان يقنع ابنه بضرورة احترام اشارات المرور، لانه سيفكر بطريقة عفوية تهديه الى عدم الاكتراث بمثل هذا الامر، فيقول متسائلا مع نفسه، لو كان صحيحا ما يقوله ابي من وجوب احترام الاشارات الضوئية عند سياقة السيارة، وان ذلك لمصلحته قبل ان تكون لمصلة الاخرين، فلماذا لم يلتزم هو بمثل هذه (النصيحة)؟ الامر اذن لا يتعدى كونه مزحة من قبل ابي، وهكذا.
ثانيا: اضافة دروس في القانون الى كل المراحل الدراسية، ليشب الاطفال وهم يحترمون القانون.
حتى الاطفال في الروضة يجب ان نعلمهم على احترام القانون، من خلال القصة والرسم والطرفة وكل وسائل التربية والتعليم الحديثة.
ثالثا: اقامة الدورات وورش العمل التي تهتم بتدريس وتعليم القانون واهميته في بناء المجتمع السليم.
في هذا المجال، يشخص دور منظمات المجتمع المدني التي يجب ان تنشط في هذا المجال، من اجل اشاعة ثقافة القانون في المجتمع، ما يقلل من الكاهل والعبء على الدولة العراقية التي قد لا تستطيع ان تقنع الناس بمثل ذلك، لان العراقيين تعودوا على ان يرفضوا تعلم او تصديق كل ما تقوله وتسعى اليه الحكومة، اما منظمات المجتمع المدني، فان لها حظوظا كبيرة في انجاز مثل هذه المهمة، لما تتمتع به من ثقة عالية في صفوف الناس.
العامل الثاني: هو القانون نفسه، فلا يكفي ان يتحلى الناس بثقافة القانون اذا لم يوجد في البلد، اساسا، قانون صحيح، ينظم العلاقات العامة بين افراد المجتمع الواحد.
ومن اجل ان يكون القانون صحيحا وسليما وصالحا، يجب ان يتميز بما يلي؛
الف: ان يكون عمليا، فالقانون المثالي لا يلتزم به الناس مهما تمتعوا من ثقافة عالية، فالناس غير مستعدين للالتزام او تطبيق قانون مثالي وغير عملي.
باء: ان يكون قابلا للتطبيق، وذلك بان ياخذ المشرع الظروف الزمانية والمكانية لما يريد ان يشرع من اجله القانون، وهذا يتطلب ان يكون المشرع ملما بكل حيثيات وظروف الامر ليشرع قانونا ينسجم والجو العام.
وان افضل القوانين هي التي تصدر بعد دراسة علمية للواقع الاجتماعي والثقافي، معتمدا على المسح العملي لكل المقومات والحيثيات، وافضل منه هو الذي يصدر بعد الاستماع الى الراي العام، من خلال عمليات الاستبيان مثلا، وهذا ما يجري العمل به في بلاد الغرب عادة، خاصة في الولايات المتحدة الاميركية، الامر الذي يشجع الناس على الالتزام بالقانون لشعورهم بانه منهم واليهم، وانهم قد ساهموا في اصداره بشكل او بآخر.
جيم: ان يكون القانون متوازنا، فلا هو مرن بدرجة كبيرة، ولا هو لين بدرجة غير معقولة، والى هذا المعنى اشار امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام عندما قال لاحد اصحابه يوصيه بالطريقة الفضلى للتعامل مع الناس {لا تكن لينا فتعصر، ولا تكن صلبا فتكسر} في اشارة الى التوازن المطلوب، ليكون القانون قابلا للتطبيق في كل الظروف والحالات، ولذلك نرى ان علماء القانون يبحثون في روح القوانين وليس في النصوص، لان النص شئ ميت لا حراك فيه، اما الذي فيه الروح وتدب فيه الحياة فهو جوهر القانون الذي يسمونه بروح القانون.
ان القانون الذي ليس فيه روح لا يمكن تطبيقه ابدا، مهما كان الناس على درجة عالية جدا من الوعي والثقافة القانونية، اذ كيف يمكن لاحد ان يطبق قانونا ليس فيه روح؟ وان الذي لا زال يحكم في الولايات المتحدة الاميركية، وبعد مرور اكثر من قرنين من الزمن على تشريع الدستور الاميركي الذي لا تتعدى مواده عشر ما تحتويه كل (دساتير) دول العالم العربي والاسلامي، هو روح القانون وليس نصه، ولذلك ظل طوال هذه المدة الطويلة من الزمن حيا في كل مناحي الحياة، وكانه دون، بتشديد الواو وكسرها، للتو، اما في بلداننا فالقانون ميت لا حياة فيه، ولذلك لا احد يتذكره الا عندما يريده الحاكم لحاجة في نفسه يريد قضاها.
داء: واخيرا، ان يسري القانون على الجميع من دون استثناء، فلا احد الا والقانون فوقه، وليس في المجتمع من هو خارج سلطته، ليتسنى للقانون ان يحقق العدالة في المجتمع من خلال سريانه على الجميع، حاكمون ومحكومون، اما ان يصطاد القانون ضعفة الناس ويفلت منه الاقوياء، فهذا ليس بقانون، وانه سيفقد مصداقيته بمرور الزمن.
العامل الثالث: هو القوة التي تنفذ القانون، اذ لا يكفي ان يتمتع بلد ما بقانون رائع وبشعب مثقف وواعي، ليشهد حكومة القانون، ابدا، اذ يجب ان تكون الى جانب كل ذلك، القوة التي تنفذ هذا القانون وتذكر الناس (المثقفين) بوجوب تنفيذه عند الضرورة والحاجة.
ان اعرق الدول الديمقراطية تتمتع بقوة تنفيذية عالية الجودة، تفرض هيبتها على جميع الناس، والا لما احترم احد القانون ابدا، لان من طبيعة الناس انهم يتمردون على كل ما يحد من حرياتهم بشكل او بآخر، فلو كان الامر بيد الناس لقاد الجميع مركباتهم في الشوارع والطرقات باقصى السرعة، فلم يلتزم احد بحدود السرعة المقررة، او بالاشارات الضوئية وعلامات التوقف، ولكل مبرراته في عدم الالتزام بالقانون، الا ان الرقابة السرية المنتشرة في الشوارع والطرقات، كالكاميرات، والانتشار الهائل لشرطة المرور السرية منها والعلنية، في كل مكان، والتي تمتلك حق ايقاف المخالفين مروريا واصدار المخالفات القاسية احيانا بحقهم، ان كل ذلك هو الذي يساهم بدرجة كبيرة في ردع المخالفين، الذين يتعرضون لعقوبات هي بحجم المخالفة، اذ كلما كانت المخالفة اكبر كلما كانت قوة الردع القانونية اكبر، وهكذا.
وكلنا يتذكر كيف ان الناس في الولايات المتحدة الاميركية، خرجوا عن القانون وتمردوا على التزاماتهم وتنكروا لثقافتهم الدستورية والقانونية، بمجرد ان غابت القوة لساعات في مدينة (نيو اورليانس الساحلية في ولاية لويزيانا) التي ضربها الاعصار المدمر قبل سنتين، الامر الذي كشف عن مدى حاجة المجتمع، اي مجتمع، الى القوة لتنفيذ القانون.
لقد ابتلي العراقيون بالفوضى في حياتهم، طوال حكم النظام البائد، عندما غاب القانون عن حياتهم اليومية، وعلى مختلف الاصعدة، ولذلك فانهم بحاجة اليوم الى اعادة تشكيل الحياة القانونية على مختلف الاصعدة، بدءا من العلاقة الثنائية داخل الاسرة الواحدة، وليس انتهاءا بالعلاقة بين مؤسسات الدولة، مرورا بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم، وغير ذلك.
اننا بحاجة الى ان نرسم معالم القانون الذي ينظم كل هذه العلاقات، سواء من خلال ما يدون منه في الدستور وغيره، او ما نتفق عليه نظريا كعقد اجتماعي والتزامات اخلاقية تساعدنا على تحسين حياتنا وتطويرها نحو الافضل.
لقد تحدث القران الكريم في العديد من الايات عن القانون، والذي يطلق عليه في كتاب الله عز وجل بـ (الحدود) منها قوله تعالى:
{تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم}.
{ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين}.
{التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الامرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين}.
{وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه }.
ولان الله تعالى هو الخالق والرازق، فهو اعرف بخلقه وحاجاتهم وما يصلحهم، ولانه العالم بكل شئ والمطلع على كل الامور، ولذلك فان تشريعه سبحانه وتعالى لم يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها وحدد قانونها واشار الى ما يصلحها وما يفسدها، يقول تعالى في محكم كتابه الكريم {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين} ويقول تعالى {وكتبنا له في الالواح من كل شئ موعظة وتفصيلا لكل شئ فخذها بقوة وامر قومك ياخذوا باحسنها ساريكم دار الفاسقين} وان كل ذلك من اجل ان ينعم عباده سبحانه بالنعم التي خلقها لهم وبالعدل والانصاف، بلا ظلم او تعدي، وكذلك من اجل ان ينعم البشر بالسعادة في الدنيا ويفوزوا برضاه ونعمه التي اعدها لعباده الصالحين في الاخرة.
ان القانون الصالح هو الذي يحقق:
اولا: الحرية.
ثانيا: العدالة.
ثالثا: المساواة.
رابعا: تكافؤ الفرص.
خامسا: الرفاهية.
سادسا: الرقابة والمساءلة.
سابعا: المكافاة والعقاب.
ومن خلال التامل بكل واحدة من هذه القيم، سنكتشف بان النظام الذي يقوم على اساس المحاصصة والتوافق والفيتو لا يمكن ان يحقق كل ذلك ابدا، لان هذا الثلاثي يقوم على اساس نظام فاسد وغير صالح، باعتماده على قيم غير سليمة ابدا، فهو لا يعتمد الكفاءة والخبرة والاقدمية في الخدمة مثلا، وانما يعتمد الولاء الحزبي او العائلي او الشخصي، او اي ولاء آخر باستثناء الولاء للوطن وللخدمة العامة.
ومن اجل ان نحقق دولة القانون، يلزم ان تكون قوة الردع كبيرة، اذ كلما اشتدت العقوبة بحق المخالفين كلما ضمنا التزاما به بدرجة اكبر، بل ان قوة الردع هي التي لا تدع نفوس الناس تسول لهم بمخالفة القانون او تحدثهم بالتمرد عليه، ولذلك نرى ان التشريع الاسلامي حقق هذه القاعدة بدرجة كبيرة، فلو تم الالتزام بقوة الردع التشريعية الواردة في النصوص الدينية، لما حدث انسان نفسه بارتكاب ما يخالف القانون، والى هذه القاعدة انتبه المشرعون في بلاد الغرب، في اميركا مثلا، لتتزامن العقوبات الرادعة مع المخالفات القانونية، الصغيرة منها فضلا عن الكبيرة، وبهذه القاعدة تمكن الغرب من فرض هيبة القانون، في ظل نظام ديمقراطي يتمتع فيه الجميع بالمساواة وتكافؤ الفرص.
وفي احيان كثيرة، فان قوة الردع هي التي تحمي القانون، حتى قبل ان تاخذ العقوبة مكانها في المجتمع، ولذلك فعندما اهتم الاسلام بقوة الردع في المخالفات الكبيرة، انما من اجل ارعاب الناس للحيلولة دون ان يحدثوا انفسهم بمخالفة.
ولقد اشار القران الكريم الى هذه القاعدة بقوله {ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب}.
كذلك، فان من شروط القانون السليم والصحيح:
الف: ان يسن بشكل يحقق الصالح العام، فلا يفصل على مقاسات خاصة، شخصية كانت او حزبية او عائلية، او ما اشبه، من اجل ان يتمتع بمنافعه كل المواطنين بلا استثناء لا على اساس الانتماء الديني او الاثني او المذهبي او الاتجاه الفكري والسياسي، او اي انتماء آخر سوى الانتماء للوطن.
ان القانون بهذه المواصفات يساهم بشكل مباشر في بناء البلد، اما الاخر الذي يشرع بمقاسات خاصة فانه لا يبني البلد ابدا، بل يكون في اكثر الاحيان السبب المباشر في تدمير البلد، وهذا ما حصل ابان النظام البائد عندما تحولت (قوانين) الحاكم الى عقبات في طريق بناء البلد انتهت الى تدميره.
باء: ان لا يسيس القانون مطلقا، فان فساد القانون بالسياسة، ولقد انتبهت اوربا الى هذه الحقيقة فمنعت تدخل السياسة بالقانون باي شكل من الاشكال، عندما بادرت الى تشكيل مؤسسات دستورية قانونية تتمتع باستقلالية تامة مهمتها تفسير القانون من دون ان يتدخل في شؤونها اي احد، كائنا من كان، بل ان الاعلام عندها متاهب لملاحقة من يدس انفه من السياسيين في شؤون القانون، لفضحه وتعريته، ولتحويله الى عبرة لكل من تحدثه نفسه للتدخل في القانون والتاثير عليه بالطريقة التي تخدمه..
ان القانون الذي تؤثر عليه السياسة، وتفسره الاحزاب الحاكمة، لا يستقيم في البلد ابدا، ولذلك يجب ان نؤكد على وجوب فصل القانون عن السياسة وابعاده عن تلاعب وتاثيرات السياسيين.
جيم: ان يحقق القانون توازنا دقيقا في الحقوق والواجبات، من جانب، وتوازنا دقيقا بين الحاكم والمحكوم، من جانب آخر.
فالقانون الذي يسهب في الحديث عن واجبات المواطنين من دون ان يشير الى حقوقهم التي يجب ان يتمتعوا بها في ظل دولة القانون، او ان يسترسل في الحديث عن حقوق الحاكم من دون الاشارة الى واجباته التي يجب عليه ان ينجزها ليتمتع بمثل هذه الحقوق، او انه يتحدث عن الحاكم دون المحكوم، او بالعكس، فان مثل هذا القانون يفشل في تحقيق العدل الذي هو الجوهر الذي يتطلع الى اقامته الناس من خلال تشريع القوانين.
بعد كل ما تقدم، يقفز السؤال التالي:
ترى، من هو المؤهل الذي يقدر على ان يقيم دولة القانون؟ بمعنى آخر، ما هي المواصفات المطلوبة في من يسعى الى اقامة دولة القانون؟.
لقد قيل قديما ان (فاقد الشئ لا يعطيه) فاذا اردنا ان نطبق هذا القول في مجال دولة القانون، فسنستنتج الحقيقة التي تقول ان اول المواصفات المطلوبة في من يسعى لبناء دولة القانون، هي ان يكون مستعدا لتطبيق القانون على نفسه قبل ان يدعو الى تطبيقه على الاخرين، ولذلك فان المفسد او من يحمي المفسدين لا يمكن ان يقيم دولة القانون ابدا، وان الراشي والمرتشي لا يمكن ان يقيم دولة القانون، وان الذي يرفع شعار (انصر اخاك ظالما او مظلوما) بمفهومه غير الصحيح، لا يقيم دولة القانون، وان من يمارس الفساد الاداري فيقدم اقاربه لمواقع المسؤولية ويؤخر من هو اكفا منهم، او يعين اهله او رفاق حزبه من الجهلة والاميين والفاسدين، ويؤخر او يبعد الكفوء والمقتدر، ان مثل هذا لا يمكن ان يقيم دولة القانون ابدا، والى كل هذه المعاني، وغيرها، اشار امير المؤمنين عليه السلام بقوله ملخصا صفات من يمكن ان يقيم دولة القانون {لا يقيم امر الله سبحانه الا من لا يصانع، اي لا يداري في الحق، ولا يضارع، المضارعة: المشابهة، والمعنى انه لا يتشبه في عمله بالمبطلين، ولا يتبع المطامع، اتباع المطامع: الميل معها وان ضاع الحق}.
تعالوا، هنا، نتلمس بعض صفات من يمكنه ان يقيم دولة القانون، من خلال التصفح في سيرة امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، فهو امام القانون، وهو امام دولة القانون:
اولا؛ انما يقيم دولة القانون من يساوي نفسه مع خصمه، فقد شكا يهوديا عليا الى الخليفة الثاني، عمر بن الخطاب، فقال لعلي: ساو خصمك يا ابا الحسن، فوقف علي الى جوار اليهودي امام عمر، وعندما قضى عمر وانصرف اليهودي قال عمر: اكرهت يا علي ان تساوي خصمك؟ قال: بل كرهت ان تميزني عنه فتناديني بكنيتي (ابو الحسن).
ثانيا: ومن يعتمد المعايير بغض النظر عن الهوية:
استشهد علي بغلامه وبابنه الحسن في قضية درع سرقه منه يهودي، فقال له القاضي: اما شهادة ابنك فلا، فقال علي: سمعت عمر بن الخطاب يروي عن رسول الله (ص) انه قال: {ان الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة} افلا تجيز شهادة احد سيدي شباب اهل الجنة؟.
اما القاضي فلم ياخذ بالشهادة، وعلي آنذاك امير المؤمنين والخليفة الرسمي، وحكم للخصم، واذ راى الخصم عظمة المساواة، اعترف بان عليا صاحب حق، واسلم، وحسن اسلامه.
وعندما اخذ بيده عبد الرحمن بن عوف، وقال، في قضية اختيار الخليفة بعد عمر من بين الستة اعضاء الشورى: ابايعك على شرط عمر الا تجعل احدا من بني هاشم على رقاب الناس، قال علي:
{مالك ولهذا؟ اذا قطعتها في عنقي فان علي الاجتهاد لامة محمد، وحيث علمت القوة والامانة استعنت بهما، كان في بني هاشم او غيرهم}.
ثالثا: ومن يتحمل اثم عماله، ولا يتنصل من المسؤولية، فيتحجج بعدم علمه او بجهله بالامر:
فلقد جاء مرة الى الخليفة الثالث عثمان بن عفان في ايام الفتنة، وقال له:
{الا تنهى سفهاء بني امية عن اعراض المسلمين وابشارهم واموالهم؟ والله لو ظلم عامل من عمالك حيث تغرب الشمس لكان اثمه مشتركا بينه وبينك، فارجع الى الله، فحتى متى؟ والى متى؟}.
رابعا: من يساوي بين الناس بلا تمييز ولو بقدر قيد انملة:
فلقد جاءه ايام خلافته الرسمية، مال كثير من الخراج، فقال عليه السلام: {اعدلوا فيه بين المسلمين جميعا، ولا تفضلوا احدا على احد لقرابة او لسابقة} وكان قد جعل عمار بن ياسر على بيت المال.
فدفع عمار ومساعدوه الى كل واحد ثلاثة دنانير، لم يفرقوا بين عربي ولا اعجمي، فجاء طلحة والزبير، فسألا عمارا ومساعديه: ليس هكذا كان يعطينا عمر، فهذا منكم ام امر صاحبكم؟ قال عمار: هكذا امرنا امير المؤمنين، فمضيا اليه، الى علي، فوجداه قائما في الشمس، ومعه اجيره، وقد امسك كل منهما بادوات الزراعة، وهو يغرس نخلا، فقالا له: يا امير المؤمنين الا ترى ان ترتفع بنا الى الظل؟ فجاءهما حيث اويا الى الظل، فقالا: انا اتينا الى عمالك على قسمة هذا الفئ، فاعطوا كل واحد منا مثل ما اعطوا سائر الناس، قال: وما تريدان؟ قالا: ليس كذلك كان يعطينا عمر، قال الامام علي: فما كان رسول الله (ص) يعطيكما؟ فسكتا، فقال: اليس كان رسول الله (ص) يقسم بالسوية بين المسلمين من غير زيادة؟ فسكتا، قال: اسنة رسول الله اولى بالاتباع، ام سنة عمر؟ قالا: بل سنة رسول الله، ولكن يا امير المؤمنين لنا سابقة وغناء (نفع) وقرابة، فان رايت الا تسوينا بالناس فافعل، قال: سابقتكما اسبق ام سابقتي؟ وقرابتكما ام قرابتي؟ وغناؤكما اعظم ام غنائي؟ قالا: بل انت يا امير المؤمنين اعظم غناء وقرابتك اقرب وسابقتك اسبق، قال: فوالله ما انا واجيري هذا في هذا المال الا بمنزلة واحدة.
وذات مرة، جاءته امرأتان فقالتا: يا امير المؤمنين، نحن امرأتان مسكينتان، فقال لهما: قد وجب حقكما علينا، وعلى كل ذي سعة من المسلمين، ان كنتما صادقتين، فلما تبين له صدقهما، قال لاحد اصحابه: انطلق بهما الى السوق، فاشتر لكل واحدة منهما طعاما وثلاثة اثواب، واعط كل واحدة منهما من عطائي مئة درهم، فلما ولتا، عادت احداهما فقالت: يا امير المؤمنين بما فضلك الله به وشرفك، فقاطعها وقال: وبماذا فضلني الله وشرفني؟ قالت: برسول الله (ص)، قال: صدقت، وما انت؟ قالت: امراة من العرب وهذه من الموالي، افلا فضلتني عنها؟ فقال: قرات ما بين الدفتين، فلم اجد لولد اسماعيل (العرب) على ولد اسحاق فضلا، ولا جناح بعوضة.
وبعد ايام، جاءه خراج جديد، فقال:
{ايها الناس، ان آدم لم يلد عبدا ولم يلد امة، وان الناس كلهم احرار، فمن كان له بلاء، فصبر في الخير، فلا يمن به على الله عز وجل، الا وقد حضر شئ، ونحن مسوون فيه بين الاسود والاحمر}.
وعاتبه عدد من المهاجرين والانصار لانه يسوي بين الجميع، وقد كان عمر، يفضل المهاجرين واهل بدر واهل السابقة في الاسلام، فقال لهم:
{الا انه من استقبل قبلتنا وشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله (يعني المسلمين) ومن اكل ذبيحتنا (يعني اهل الذمة) اجرينا عليه احكام القران، واقسام الاسلام، ليس لاحد على احد فضل الا بتقوى الله وطاعته، جعلنا الله واياكم من المتقين}.
وكان يقول:
{لو كان المال مالي لسويت بينهم، فكيف والمال مال الله وهؤلاء عباده؟}.
وقد بدا خلافته الرسمية بتحديد وظيفة المال وتنفيذ مبدئه الذي اوجزه في قوله {ان الله فرض في اموال الاغنياء اقوات الفقراء، فما جاع فقير الا بتخمة غني}.
ذات مرة، دخلت عليه اخته ام هانئ بنت ابي طالب، فدفع اليها عشرين درهما، سالت ام هانئ مولاتها الفارسية: كم دفع اليك امير المؤمنين؟ فقالت: عشرين درهما، فطلبت من اخيها ان ينصفها، فيميزها، فقال لها: يا اختاه، انصرفي رحمك الله، ما وجدنا في كتاب الله فضلا لآل اسماعيل على آل اسحاق.
خامسا: من لا يكمم الافواه، ولا يعتدي على حق الناس في حرية التعبير والقول، ومن يحاور رعيته، فلا يمنعهم السؤال، ولا يشيح عنهم وجهه عند حديث او نقاش:
لقد كان اصحابه ممن الفوا السؤال عن كل شئ، وقد عودهم ان يحاوروا، وان لا ياتوا امرا حتى يقتنعوا به، حتى لقد اساموه بالحاحهم في السؤال، وكثرة الجدال، قبل ان يفعلوا ما يؤمرون.
قال له بعضهم، بعد الانتهاء من حرب الجمل: يا امير المؤمنين، كيف حل لنا قتالهم ودمهم، ولم يحل لنا مالهم وسبي نساءهم؟ فقال الامام علي: ليس على الموجودين سبي، ولا يغنم من اموال الا ما قاتلوا به او عليه، فدعوا ما لا تعرفون، والزموا ما تؤمرون، فراجعوه واكثروا عليه، فقال ضيقا بهم: هاتوا اسهمكم واضربوا ايها المؤمنون على امكم عائشة، ايكم ياخذها؟ فنزعوا قائلين: نستغفر الله، فتنفس الصعداء قائلا: وانا استغفر الله.
وبعد ايام اجتمع نفر من اهل قريش فيهم مروان ابن الحكم، وكانوا كلهم اسرى اطلقهم الامام علي، فقال بعضهم لبعض: والله لقد ظلمنا عليا، لقد بايعناه ونكثنا بيعته من غير حدث، ولقد اظهره الله علينا، فما راينا اكرم سيرة منه، ولا احسن عفوا بعد رسول الله (ص) تعالوا حتى ندخل ونعتذر اليه فيما صنعناه.
وشفعوا عنده ابن عمه، عبد الله بن عباس، فلما استقبلهم امير المؤمنين، جعل متكلمهم يتكلم فيتعثر من الحرج، فقال الامام لهم: انصتوا اكفكم، انما انا بشر مثلكم، فان قلت حقا فصدقوني، وان قلت باطلا فردوا علي، ثم اخذ عليه السلام يسرد عليهم مواقفه من كل ما جرى على المسلمين منذ وفاة رسول الله (ص)، وكيف انه في كل موقف كان يقدم المصلحة العليا على المصالح الخاصة، حفاظا على الاسلام ووحدة المسلمين بالرغم من يقينه بحقه بالخلافة من غيره، وانه اولى الناس برسول الله (ص) وبالناس من بعده، على حد قوله.
سادسا: من ينصف الناس من نفسه، فلا يبغي او يعتدى على احد، او يتجاوز على حدود احد، وان كان ذلك في قول، فالدقة في القول والفعل ديدنه، لا يبغي ولا يبغى، بضم الياء، عليه، يرد المتملقين ولا يقبل حديث المداحين الكذابين.
قدم الامام علي من البصرة الى الكوفة، بعد ان اطفأ فتنة حرب الجمل، وذلك في رجب سنة ست وثلاثين للهجرة، ومعه اشراف البصرة، فخرج الناس اليه قبل ان يدخلها يتلقونه فرحين، يهنئونه بالنصر، ويدعون له بالبركة.
وانه ليمسح عرقه عن جبهته، اذ قال له احد اشراف الكوفة: الحمد لله يا امير المؤمنين الذي اعز وليك، واذل عدوك، ونصرك على القوم الباغين الطاغين الظالمين، فشكره الامام.
فوثب رجل آخر، فقال متقربا للامام، متوددا اليه: اي والله يا امير المؤمنين، الحمد لله الذي نصرك على الباغين الظالمين الكافرين المشركين، فقال له الامام غاضبا: ثكلتك امك، ما اقواك بالباطل، واجرأك على ان تقول ما لا تعلم، ليس القوم كما تقول، لو كانوا كافرين مشركين، لسبينا نساءهم، وغنمنا اموالهم، ولما صاهرناهم ولا وارثناهم.
سابعا: من يساوي نفسه باضعف الناس معاشا، فلا يتكبر او يتجبر او يتميز عنهم، وهو القائل عليه السلام {ان الله فرض على ائمة الحق ان يقدروا انفسهم بضعفة الناس لكيلا يتبيغ بالفقير فقره}. عندما قدم الامام الى الكوفة قادما من البصرة، قادوه الى قصر الامارة لينزل فيه، ولكنه قال لهم: لا انزل القصر، ولكني انزل الرحبة، وهي ساحة المسجد الجامع، فنزلها واقبل حتى دخل المسجد فصلى ركعتين، وانشغل بعض اهل الكوفة بان يقيموا في الرحبة منزلا صغيرا لامير المؤمنين، يؤدي بابه الى المسجد، وكان قد اوصاهم ان يكون منزله افقر بيت في الكوفة.
ثامنا: من لا يسرق من المال العام، الامين على مال الناس، الحارس العادل الذي لا يطمع في عدله متعد على حقوق غيره.
ذات مرة، قدم عليه اخوه عقيل بن ابي طالب من المدينة، فقال له: ما اقدمك يا اخي؟ قال: تاخر العطاء عنا، وغلاء السعر ببلدنا، وركبني دين عظيم، فجئت لتصلني، فقال علي: والله مالي مما ترى شيئا الا عطائي، فاذا خرج فهو لك، فقال عقيل: اشخوصي من الحجاز اليك من اجل عطائك؟ وماذا يبلغ مني عطاؤك؟ وما يدفع من حاجتي؟ فقال الامام: هل تعلم لي مالا غيره؟ ام تريد ان يحرقني الله في نار جهنم في صلتك باموال المسلمين؟ وما بقي من نفقتنا في ينبع غير دراهم مضرورة، والله يا اخي اني لاستحي من الله ان يكون ذنب اعظم من عفوي او جهل اعظم من حلمي، او عورة لا يواريها ستري، او خلة لا يسدها جودي.
فلما الح عقيل عليه، قال لرجل: خذ بيد اخي عقيل وانطلق به الى حوانيت اهل السوق، فقل له: دق هذه الاقفال، وخذ ما في هذه الحوانيت، فقال عقيل: اتريد ان تتخذني سارقا؟ قال الامام: وانت تريد ان تتخذني سارقا؟ ان آخذ من اموال المسلمين، فاعطيكها دونهم؟.
ولذلك قال عليه السلام:
{يجب على السلطان ان يلزم العدل في ظاهر افعاله لاقامة امر سلطانه، وفي باطن ضميره لاقامة امر دينه، فاذا فسدت السياسة ذهب السلطان، ومدار السياسة كلها على العدل والانصاف، فلا يقوم سلطان لاهل الايمان والكفر الا بهما، والامام العادل كالقلب بين الجوارح تصلح الجوارح بصلاحه، وتفسد بفساده}.
تاسعا: من يتابع امور مملكته فلا ينشغل عن رعيته، او يتغافل عن حاجاتهم.
فمما كتبه الامام الى بعض عماله الذين اشتكاهم الموالي:
{اتق الله ولا تبغ على اهل القبلة، ولا تظلم اهل الذمة، فان الله لا يحب المتكبرين، واعلم ان من آذى انجيليا، فقد آذاني}.
وكتب لآخر {اما بعد، فان دهاقين بلدك شكو منك غلظة وقسوة، واحتقارا وجفوة، ولهم في ذمتنا عهد، فامزج لهم بين التقريب والادناء، والابعاد والاقصاء، ان شاء الله}.
ولآخر {بلغني انك تعمر دنياك بآخرتك، وتصل عشيرتك بقطيعة دينك، لئن كان الذي بلغني عنك حقا، لجمل اهلك وشعث نعلك خير منك، ومن كان بصفاتك فليس باهل ان يسد به ثغر، او ينفذ به امر، او يعلى له قدر، او يشرك في امانة، او يؤمن على جباية، فاقبل الي حين يصل اليك كتابي هذا ان شاء الله}.
ولآخر {بلغني عنك امر ان كنت فعلته فقد اسخطت الهك، واغضبت امامك، انك تقسم في المسلمين الذي حازته رماحهم وخيولهم، واريقت عليه دماؤهم، فيمن اعتامك (اختارك) من اعراب قومك، لان كان ذلك حقا، لتجدن بك علي هوانا، ولتخفن عندي ميزانا، فلا تستهن بحق ربك، ولا تصلح دنياك بمحق آخرتك، فتكون من الاخسرين اعمالا}.
ولآخر {بلغني انك جردت الارض، فاخذت ما تحت قدميك، واكلت ما تحت يديك، فارفع الي حسابك}.
ولآخر {اترجو ان يعطيك الله اجر المتواضعين وانت من المتكبرين؟ اتطمع وانت متمرغ في النعيم؟ تستاثر فيه على الجار المسكين والضعيف الفقير والارملة واليتيم، ان يجب لك اجر الصالحين المتصدقين؟ فماذا لو اكلت طعامك مرة، واطعمت الفقير الجائع مرة؟ انما المرء يجزي بما سلف، والسلام}.
ولآخر {انظر الى ما اجتمع عندك من مال الله، فاصرفه الى من قبلك (عندك) من ذوي العيال والمجاعة، مصيبا به مواضع الفاقة والخلات (الحاجات) وما فضل عن ذلك فاحمله الينا لنقسمه فيمن قبلنا}.
ولآخر {ان عملك ليس لك بطعمة، ولكنه في عنقك امانة، وانت مسترعي لمن فوقك، ليس لك ان تقتات في رعية، وفي يديك مال من مال الله عز وجل، وانت من خزانه حتى تسلمه الي}.
تعالوا اذن نتعلم من هذا التراث العظيم كيف نؤسس لدولة القانون، وكيف نقيم بها العدل والانصاف، فان ذلك ليس شعارا يرفع او لافتة تعلق او هتافا يصدع، انما هو عمل دؤوب يعتمد الموازين الحق في كل صغيرة وكبيرة، ومن الله تعالى التوفيق والسداد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ملاحظة: اعتمدت في ايراد النصوص على عدة مصادر، اولها (نهج البلاغة) ومنها كتاب (علي امام المتقين) لمؤلفه الكاتب المصري عبد الرحمن الشرقاوي.

4 تشرين الثاني 2009

يتبع
Opinions