Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

حتى يغيروا (18) لولا دعاؤكم

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM
قراءة في حلقات
ان العراق الجديد الذي يحتاج الى ثقافة جديدة، لا بد ان تعتمد التغيير الذاتي اولا.
هذا ما اتفقنا عليه في الحلقات الماضية من هذه القراءة.
وقلنا، بان من الثقافات التي يحتاجها العراق الجديد، هي؛
اولا: ثقافة الحياة
ثانيا: ثقافة التعايش
ثالثا: ثقافة المعرفة
رابعا: ثقافة الحوار
خامسا: ثقافة الجرأة
سادسا: ثقافة الحب
سابعا: ثقافة النقد
ثامنا: ثقافة الحقوق
تاسعا: ثقافة الشورى
عاشرا: ثقافة الاعتدال
حادي عشر: ثقافة الوفاء
ثاني عشر: ثقافة المؤسسة
ثالث عشر: ثقافة الحاضر
رابع عشر: ثقافة المسؤولية
خامس عشر: ثقافة الشفافية
سادس عشر: ثقافة الانجاز
سابع عشر: ثقافة القانون
ثامن عشر: ثقافة الانفاق
تاسع عشر: ثقافة الدعاء

الدعاء لغة، يعني الاستغاثة والعبادة والرغبة والصلاة والطلب، وهي كلها ليست عملا، وانما مقدمة لعمل، بمعنى آخر فان الدعاء وسيلة لاكمال عمل ما وطلب انجاحه واتمامه على احسن وجه.
ولذلك، يخطئ من يتصور بان الدعاء بديل عن العمل، او انه يكفي بلا عمل، ابدا، وانما يحتاج المرء للدعاء اذا نوى عملا او هم به، او اذا خاف من فشل او وقع في مصيبة او تكالبت عليه الدنيا او اعدائه، او اذا خاف الفتنة من نصر او نجاح، اما اذا جلس في داره مؤثرا الدعة على النشاط والسكون على الحركة، فانه لا فائدة من دعائه، ولذلك قال الله العظيم في الحديث القدسي {عبدي، منك الحركة ومني البركة}.
ان المرء يكون باشد الحاجة الى الدعاء والتوسل والتضرع الى الله تعالى عندما يكون قريبا من العمل والجهد والنشاط، من اجل ان يوفقه الله تعالى في انجاز ما هم به من عمل او مشروع، فالدعاء آلة النجاح او طلبه والتمكن منه.
كما ان المرء يكون اكثر حاجة الى الدعاء عندما يمر بظروف صعبة وقاهرة، كالتي يمر بها اليوم العراقيون، فبينما تتكالب عليهم كل قوى الشر والظلام والارهاب من اجل اجهاض تجربتهم الجديدة التي عبدوا طريقها بالدم، يشخص امامهم الدعاء كافضل واقدس آلة يلجاون اليها من اجل استدرار رحمة الله تعالى وفضله وتوفيقه، ليسدد خطاهم ويهديهم الى سبيل الرشاد ويقطع عنهم دابر الاعداء المتربصين بهم الدوائر.
انهم بحاجة اليوم الى الدعاء والتضرع ليهديهم الله تعالى سبل السلام والمحبة والفرج، وينقذهم من مخالب الفساد المالي والاداري، ومن سطوة اللصوص والمنافقين والنفعيين والانانيين الذي وصلوا الى بعض مواقع المسؤولية بغير حق.
ولقد ظل الامام الحسين السبط عليه السلام يدعو ويتوسل ويتضرع الى الله تعالى حتى آخر رمق من حياته الشريفة، ليظل قريبا من ربه عز وجل لا يبتعد عنه بالرغم من عظم المصيبة وشدة البلاء، فكان يدعو في آخر لحظات عمره الشريف ويقول مخاطبا ربه عز وجل {اللهم انت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وانت لي في كل امر ثقة وعدة، فكم من هم يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت به العدو فانزلته بك وشكوته اليك، رغبة فيه اليك عما سواك، ففرجته وكشفته وكفيتنيه، فانت يا رب ولي كل ضائقة، وصاحب كل حاجة، ومنتهى كل غاية} فالمصيبة لم تنسه الدعاء والبلاء لم ينسه التضرع، وهو الامام المعصوم الذي كان يقف في تلك اللحظة على مرمى حجر من الجنة، كما يقال.
ان الدعاء يجب ان يتحول عندنا الى ثقافة، نعجنه بالعمل ونخلطه بالامل ونصبغه بالثقة ونلونه بالحب ونقدم عليه بالتوكل على الله الواحد الاحد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد.
وللدعاء مجموعة من الاداب التي ينبغي للمرء ان ينتبه لها من قبل ان يتوجه الى الله تعالى طالبا حاجته، لقضائها او لتسديد او تنبيه او اصلاح.
وقبل ان نتحدث عن هذه الاخلاقيات، تعالوا نعيش اولا اجواء المفاهيم الربانية التي تفيض منها معنى كلمة الدعاء، ثم نتعرف على اهمية الدعاء وفلسفته، ثم نعرج على اخلاقياته.
فاما اهمية الدعاء، ففي الاية الكريمة {قل ما يعبوا بكم ربي لولا دعاؤكم} قال في المفردات، ما عبات به، اي لم ابال به، واصله من العبء، اي الثقل، كانه قال، ما ارى له وزنا وقدرا، او كانه قيل، ما يبقيكم لولا دعاؤكم.
اما في قوله تعالى {وقال ربكم ادعوني استجب لكم، ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} ففيها دعوة منه تعالى لعباده الى دعائه ووعد بالاستجابة، وقد اطلق الدعوة والدعاء والاستجابة اطلاقا، وفيها كذلك اشارة الى ان الدعاء دليل التذلل لله تعالى والتواضع له، بدليل ان الاية وصفت من لا يدع الله تعالى، اي لا يعبده، بالمستكبر، الذي سيدخله رب العالمين جهنم داخرا، اي ذليلا، بمعنى آخر فان الداعي يتذلل في الدنيا، اما الذي لا يدع فسيذل في الاخرة، بعد ان استكبر في الدنيا بالامتناع عن عبادة الله تعالى.
ومن الواضح جدا، فان الدعاء الذي يصوغ من الانسان شخصية متواضعة، سيتعامل بتواضع مع عباد الله كذلك، والعكس هو الصحيح، فمن لا يلجا الى الله تعالى، لا في سراء ولا في ضراء، فانه سيقسو قلبه، فيكون متكبرا في شخصيته، ولذلك سيتكبر على عباد الله، ويعمل فيهم بالاثم والعدوان، وكل هذه المعاني تشكل منظومة متكاملة ومترابطة بعضها مع البعض الاخر.
لنتمعن في الاية التالية لنكتشف العلاقة الدقيقة بين الدعاء والتواضع، الذي ينتجه القلب المنكسر اللين غير القاسي، يقول تعالى {ولقد ارسلنا الى امم من قبلك فاخذناهم بالباساء والضراء لعلهم يتضرعون* فلولا اذ جاءهم باسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون}.
ولاهمية الدعاء واثره في حياة الانسان، وردت بهذا الصدد، الكثير من الاحاديث والاقوال الشريفة عن رسول الله (ص) وائمة اهل البيت عليهم السلام، منها على سبيل المثال لا الحصر:
عن رسول الله (ص) انه قال {الدعاء مخ العبادة، ولا يهلك مع الدعاء احد}.
وعنه (ص) {الدعاء سلاح المؤمن، وعمود الدين، ونور السماوات والارضين}.
وعنه (ص) {ان اعجز الناس من عجز عن الدعاء}.
وعن الامام امير المؤمنين عليه السلام انه قال {الدعاء مفاتيح النجاح، ومقاليد الفلاح}.
وعنه عليه السلام كذلك {الدعاء مفتاح الرحمة، ومصباح الظلمة}.
وعن الامام محمد الباقر عليه السلام {ما من شئ احب الى الله من ان يسال}.
وعن الامام جعفر الصادق عليه السلام {لا تقل ان الامر قد فرغ منه، ان عند الله منزلة لا تنال الا بمسالة}.
وعنه عليه السلام يصف امير المؤمنين عليه السلام بقوله {كان امير المؤمنين رجل دعاء}.
وعن الامام علي الرضا عليه السلام {عليكم بسلاح الانبياء، قيل: وما سلاح الانبياء؟ قال: الدعاء}.
من مجموع هذه الروايات، نستنتج الحقائق التالية:
الف: ان الدعاء يقربنا الى رحمة الله تعالى اكثر فاكثر، ولذلك يجب علينا ان نتضرع الى الله تعالى دائما خاصة في اوقات الشدة، لنتقرب الى العلي الاعلى، فنستنزل شآبيب رحمته.
باء: اننا بحاجة الى الدعاء في كل الحالات، بمعنى آخر، فاننا بحاجة الى ان ينظر الينا الله تعالى بعين الرحمة في كل الحالات، ويخطئ من يتصور بانه لا يحتاج الى ذلك عند الغنى مثلا او عند النصر، ابدا، فالمرء بحاجة الى ذلك عندما يكون مهزوما ليحفظه الله تعالى من الانزلاق في تيه الكفر بسبب الهزيمة، وانه بحاجة الى ذلك في زمن النصر ليحفظه الله تعالى من خطر النصر الذي قد يغريه فيستكبر ويطغى ويتجبر، وهكذا بالنسبة الى بقية الحالات.
جيم: بالدعاء يفتح الله تعالى لنا ابواب العلم والمعرفة والسداد والنجاح، وبه يضئ الله تعالى الطريق امامنا فنسير على هدى ويقين.
دال: من الخطا ان يتصور المرء بان ما نزل به انما هو مكتوب عليه، لا يمكن تغييره او تبديله، ابدا، فبالدعاء يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب، ولقد جاء في الحديث الشريف عن رسول الله (ص) {لا يرد القضاء الا بالدعاء} ولذلك، فان علينا ان ندعو الله تعالى الى آخر لحظة من الامر، ونترك البقية على رب العزة والجلال، فلا ياس ولا قنوط ابدا.
وفي الحديث عن زرارة، قال: قال لي ابو جعفر عليه السلام: الا ادلك على شئ لم يستثن فيه رسول الله (ص)؟ قلت: بلا، قال: الدعاء يرد القضاء وقد ابرم ابراما.
هاء: ولنتيقن بان الله تعالى قريب يسمع دعاءنا ويجيب استغاثتنا، ويلبي حاجتنا، وهو على كل شئ قدير، فلا تذهبن بنا السبل يمينا وشمالا ونحن نعاني من المشاكل والازمات، بل يجب علينا ان نتوجه الى الله تعالى وحده دون سواء.
يقول العظيم في محكم كتابة الكريم، متحدثا عن قربه من عبده {واذا سالك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي ويؤمنوا بي لعلهم يرشدون}.
وفي الاية الكريمة الاخرى، يقول عز من قائل {ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن اقرب اليه من حبل الوريد}.
وفي آية اخرى {هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة انك سميع الدعاء}.
واو: ليكن سلاحنا على الملمات، الدعاء، كما انه سلاحنا على عدونا، وترسنا في ساحات المواجهة، فلا نياس او نقنط ابدا، ففي الاية الكريمة {يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه ولا تياسوا من روح الله انه لا يياس من روح الله الا القوم الكافرون}.
وعن امير المؤمنين عليه السلام {ادفعوا امواج البلاء بالدعاء، ما المبتلى الذي استدر به البلاء باحوج من الدعاء من المعافى الذي لا يامن البلاء}.
وعنه عليه السلام {نعم السلاح الدعاء} و {الدعاء ترس المؤمن}.
زاء: بالدعاء يعرف المرء ربه، ويستحضر به ثوابه وعقابه، فيتذكر آخرته، فاذا فعل به الدعاء كل ذلك، اعاد النظر في عمله وحاسب نفسه، فتوقف عند الشبهات، وتراجع عن الخطا، واستغفر عن الظلم، فاعاد للمظلوم حقه الذي اغتصبه، وتاب عن تكرار مثل ذلك، وبكلمة، فان الدعاء يصقل شخصية الانسان صقلا، ويعيد صياغتها بضوابط السماء، بعيدا عن امراض الارض، لان الدعاء يقرب المرء الى الله ويبعده عن الشيطان، ومن الواضح فان من يقترب الى ربه يستعد للقائه على افضل صورة، ماديا ومعنويا.
حاء: كلما تحمل المرء مسؤوليات اكبر في المجتمع، كلما احتاج الى الدعاء اكثر، فالمسؤول احوج للدعاء من غيره، طلبا للسداد والتوفيق والنجاح، وان التهرب من الدعاء بحجة عدم وجود الوقت وكثرة الانشغالات، دليل نقصان حظ، فالدعاء هو الذي يبارك في وقت المرء وهو الذي يبارك في خططه ويسدد في العمل، فهذا امير المؤمنين عليه السلام الذي كان حاكما على دولة كبيرة مترامية الاطراف، كان لا يفارق الدعاء شفتيه، لا في ليل ولا في نهار، وكان يقول {ان انا نمت الليل ضيعت نفسي، وان انا نمت النهار ضيعت رعيتي} ولقد وصفه ضرار بقوله:
كان والله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستانس بالليل وظلمته، كان والله غزير الدمعة كثير الفكرة يقلب كفه ويخاطب نفسه يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما جشب، كان والله كاحدنا يجيبنا اذا سالناه ويبتدئنا اذا اتيناه وياتينا اذا دعوناه ونحن والله مع قربه منا ودنوه الينا لا نكلمه هيبة له ولا نبتديه لعظمته فان تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم يعظم اهل الدين ويحب المساكين لا يطمع القوي في باطله ولا يياس الضعيف من عدله، فاشهد بالله لقد رايته في بعض مواقفه وقد ارخى الليل سدوله وغارت نجومه وقد مثل قائما في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين وكاني اسمعه وهو يقول: يا دنيا غري غيري ابي تعرضت؟ ام الي تشوقت؟ هيهات هيهات قد ابنتك ثلاثا لا رجعة لي فيك فعمرك قصير وعيشك حقير وخطرك كبير آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.
فاذا كان امير المؤمنين عليه السلام يتأوه، فما بالنا لا نخاف ونخشى، فنتضرع؟.
لقد جاهد امير المؤمنين الاعداء بالدعاء وتمكن من نائبات الدهر به، فبالدعاء يفتح الله تعالى لعبده، علما ومعرفة وبصيرة وقوة ونصرا مؤزرا، ولذلك ورد عن رسول الله (ص) انه لما كان يعزم على حرب او غزوة كان يجمع النساء والشيوخ والصبية تحت السماء، فيدعو ويطلب منهم ان يؤمنوا وراءه لينزل نصرالله تعالى على المسلمين.
طاء: يجب ان نتيقن بان الله تعالى يذكرنا عندما نذكره، وبطريقته الخاصة، فذكر الله تعالى لعبده لا تنحصر بالاستجابة ولا بالرفض، وانما بطرق شتى، ولذلك يلزمنا ان نكون على اتم الاستعداد وافضل الحال، عندما ندعو الله تعالى، فلنتصور ان الله تعالى ذاكرنا في تلك اللحظة، فكيف سيرانا؟.
في الحديث القدسي، ان الله تعالى اوحى الى داوود عليه السلام: قل للظالمين لا يذكرونني فان حقا علي ان اذكر من ذكرني، وان ذكري اياهم ان العنهم.
ياء: كذلك، يجب ان نتيقن بان الله تعالى يحب صوت عبده، خاصة عند الدعاء والتضرع، فعن رسول الله (ص) انه قال {ان الله اذا احب عبدا ابتلاه ليسمع تضرعه} فالعلاقة بين العبد وربه، هي علاقة العاشق والمعشوق، والحبيب وحبيبه، والقادر الكريم والمحتاج الضعيف.
وليس الا في تراث اهل البيت عليهم السلام، نجد كل هذه المعاني السامية والقيم الراقية، فان ما تركوه لنا من ادعية، نجد فيه الاخلاق والمناقبيات والبلاغة والمنطق والعلوم الحياتية، وكل ما يحتاجه المرء من اجل البناء الحضاري.
ولذلك، فانا ادعو، بهذه المناسبة، الى الاهتمام اكثر فاكثر بالادعية التي وردت عن اهل البيت عليهم السلام، كدعاء الصباح لامير المؤمنين عليه السلام المملوء بالمعارف الالهية والحقائق العلمية والربانية، او كدعائه الذي املاه على الصحابي الجليل كميل بن زياد النخعي، الذي يؤثر في صياغة شخصية الانسان بشكل مباشر، ففيه من اخلاقيات التذلل والتواضع والسماحة والتقرب الى الله تعالى، ما لا تجده في اي دعاء آخر.
اما الادعية المعروفة بـ (السجادية) نسبة الى الامام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليه السلام، والتي جمعت في كتاب (الصحيفة السجادية) والتي سماها اهل البيت عليهم السلام (زبور آل محمد) فان فيها مختلف الادعية التي يحتاجها المرء في كل حالاته، ويقف على راس هذه الادعية دعاء (مكارم الاخلاق) الذي يساعد المرء على بناء شخصيته الربانية بشكل مباشر، عندما يدعو المرء ربه عز وجل بان يرزقه العلم والمعرفة والتواضع والسماحة والايمان واليقين والاخلاص والهداية والمحبة والمودة والاصلاح والمبرة والنصرة والامن والتوفيق والسداد والنصح والبر والبذل والصلة والاحسان والتقوى والستر وقول الحق والعزة والكرامة وعمل الخير والنشاط والهمة والتوكل والصدق والعدل والهدى والحكمة والتزكية والرضا والتسليم والقناعة، وغيرها من المناقبيات التي بعث رسول الله (ص) لاكمالها واتمامها كما في الحديث الشريف عنه (ص) {انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق}.
ان ما يؤسف له حقا هو ان جلنا لم يسمع بهذه الصحيفة السجادية العظيمة، واذا سمعها لم يقرا ادعيتها، واذا قرا منها فقد اكتفى بدعاء او دعائين يكررهما، فلا يحمل نفسه قليلا من العناء للاطلاع على بقية الادعية، ولكم اتمنى ان يقرا كل واحد منا ادعية هذه الصحيفة المقدسة بالكامل ليطلع على ما بها من علوم عظيمة، صاغها الامام السجاد عليه السلام على شكل دعاء او تضرع او مناجاة.
لينظم كل واحد منا جدولا زمنيا لقراءة الصحيفة السجادية بالكامل، كل دعاء او مناجاة او تضرع في يومه ومناسبته وحاجة المرء اليه.
ولقد اشتملت الصحيفة السجادية على كل ما يحتاجه المرء عند التضرع الى الله عز وجل، ففيها من الادعية عند المهمات والشدائد والاستعاذة من سئ الاخلاق والاشتياق للتسديد والصلاح واللجأ الى الله تعالى لطلب عفوه وبخواتيم الخير وحسن العاقبة وفي الاعتراف بالذنب وطلب التوبة وطلب الحوائج وفي الظلامات او عند المظلومية وعند المرض وفي الاستقالة من الذنوب وطلب العفو والدعاء على الشيطان والاستعاذة منه وفي المحذورات وفي الاستسقاء واذا حزن المرء امرا وعند الشدة والجهد والبلاء وبالعافية ولابويه ولولده ولجيرانه واوليائه ولاهل الثغور وفي التفزع الى الله عند الحاجة واذا قتر عليه الرزق وفي المعونة على قضاء الدين وبالتوبة وفي صلاة الليل وفي الاستخارة واذا ابتلي او راى مبتلى بفضيحة بذنب وفي الرضا بالقضاء وعند سماع الرعد وفي الشكر وفي الاعتذار عن تبعات العباد وفي طلب العفو وعند ذكر الموت وفي طلب الستر والوقاية وعند ختم القرآن وعند النظر للهلال وعند دخول شهر رمضان ولوداعه وفي العيدين والجمعة وفي يوم عرفة وفي دفع كيد الاعداء وفي الرهبة من الله وفي التضرع والاستكانة لطلب المغفرة وفي الالحاح بالرحمة والكرامة وفي التذلل والتخشع لله وفي استكشاف الهموم وصلاح الاعمال، بالاضافة الى مجموعة التحميدات والصلوات والتسبيحات والتهليلات.
انها منظومة متكاملة من الدعاء والمناجاة والتضرع، التي تجعل المرء قريبا من ربه في كل الاوقات والحالات.
والان، نعود للحديث عن آداب الدعاء، كما وردت في القران الكريم والماثور عن اهل البيت عليهم السلام.
اولا: المبادرة بالدعاء
ففي القران الكريم {امن يجب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء} وعن الرضا (ع) {تعرف الى الله في الرخاء يعرفك في الشدة} وعن الصادق (ع) {من تقدم في الدعاء استجيبت له اذا نزل به البلاء، وقالت الملائكة: صوت معروف ولم يحجب عن السماء، ومن لم يتقدم في الدعاء لم يستجب له اذا نزل به البلاء وقالت الملائكة، ان هذا الصوت لا نعرفه} وعن الكاظم(ع) {ينبغي للمؤمن ان يكون دعاءه في الرخاء نحوا من دعائه في الشدة} وليس كالبعض الذي يصفه القران الكريم بقوله {واذا مس الانسان ضر دعا ربه منيبا اليه} او {واذا مس الانسان الضر دعانا لجنبه او قاعدا او قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كان لم يدعنا}.
ثانيا: الدعاء في كل حاجة
عن الرضا(ع) {ليسال احدكم ربه حاجته كلها حتى يساله شسع نعله اذا انقطع} وفي الحديث القدسي {يا موسى سلني كل ما تحتاج اليه، حتى علف شاتك، وملح عجينك} وعن الباقر(ع) {لا تحقروا صغيرا من حوائجكم، فان احب المؤمنين الى الله، اسالهم}.
ثالثا: استجابة الدعاء
ففي كتاب الله تعالى {واذا سالك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان، فليستجيبوا لي} وفي آية اخرى {وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} وعن علي(ع) {من استاذن على الله سبحانه اذن له} وعنه (ع) {من قرع باب الله سبحانه فتح له} وعن الرضا(ع) {ما كان الله ليفتح لعبد الدعاء فيغلق عنه باب الاجابة، الله اكرم من ذلك}.
رابعا: شرائط الاجابة
عن الصادق(ع) {احفظ آداب الدعاء، فان لم تات بشرط الدعاء فلا تنتظر الاجابة، واعلم انه لو لم يكن الله امرنا بالدعاء لكنا اذا اخلصنا الدعاء تفضل علينا بالاجابة، فكيف وقد ضمن ذلك لمن اتى بشرائط الدعاء}.
اولا: المعرفة
قال قوم للصادق(ع) ندعو فلا يستجاب لنا؟ قال {لانكم تدعون من لا تعرفونه} وعن ابي عبد الله في قوله {فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي} يعلمون اني اقدر على ان اعطيهم ما يسالوني.
ثانيا: العمل بمقتضى المعرفة
في الاية المباركة {اوفوا بعهدي اوف بعهدكم} وفي الحديث الشريف {الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر}
وسئل علي (ع) عن قوله {ادعوني استجب لكم} فما بالنا ندعوا فلا نجاب؟ قال، ان قلوبكم خانت بثمان خصال، اولها انكم عرفتم الله فلم تؤدوا حقه كما اوجب عليكم، فما اغنت عنكم معرفتكم شيئا، فاي دعاء يستجاب لكم مع هذا وقد سددتم ابوابه وطرقه؟.
ثالثا: طيب المكسب
عن الرسول(ع) {من احب ان يستجاب دعاؤه فليطيب مطعمه ومكسبه} وقال لمن قال له احب ان يستجاب دعائي {طهر ماكلك ولا تدخل في بطنك الحرام} وروي ان موسى (ع) راى رجلا يتضرع تضرعا عظيما، ويدعو رافعا يديه ويبتهل، فاوحى الله تعالى الى موسى (ع) لو فعل كذا وكذا لما استجبت دعاءه، لان في بطنه حراما وعلى ظهره حراما وفي بيته حراما.
رابعا: حضور القلب ورقته عند الدعاء
عن الرسول (ص) {لا يقبل الله عز وجل دعاء قلب ساه} وعن الصادق (ع) {اذا اقشعر جلدك ودمعت عيناك ووجل قلبك، فدونك دونك فقد قصد قصدك} وعنه (ع) {اذا رق احدكم فليدع فان القلب لا يرق حتى يخلص}.
خامسا: موانع الاجابة
اولا: الذنب
عن الباقر (ع) {ان العبد يسال الحاجة فيكون من شانه قضاؤها الى اجل قريب او الى وقت بطئ، فيذنب العبد ذنبا فيقول الله تبارك وتعالى للملك، لا تقض حاجته واحرمه اياها، فانه تعرض لسخطي واستوجب الحرمان مني}.
ثانيا: الظلم
عن الصادق (ع) {ان الله يقول، وعزتي وجلالي لا اجيب دعوة مظلوم دعاني في مظلمة ظلمها ولاحد عنده مثل تلك المظلمة} وعن علي (ع) {ان الله اوحى الى عيسى، قل للملأ من بني اسرائي اني غير مستجيب لاحد منكم دعوة ولاحد من خلقي قبله مظلمة}.
ثالثا: مناقضته للحكمة
عن علي (ع) {ان كرم الله لا ينقض حكمته فلذلك لا تقع الاجابة في كل دعوة}.
سادسا: آداب الدعاء
اولا: البسملة
عن الرضا (ع) {لا يرد دعاء اوله بسم الله الرحمن الرحيم}.
ثانيا: التمجيد
عن الصادق (ع) {كل دعاء لا يكون قبله تمجيد فهو ابتر}.
ان في كتاب امير المؤمنين {ان المدحة قبل المسالة فاذا دعوت الله فمجده، قال: قلت: كيف امجده؟ قال: تقول: يا من اقرب الي من حبل الوريد، يا من يحول بين المرء وقلبه، يا من هو بالمنظر الاعلى، يا من ليس كمثله شئ}.
ثالثا: الصلاة على محمد وآل محمد
عن الرسول (ص) {صلاتكم علي اجابة لدعائكم وزكاة لاعمالكم} وعن الصادق(ع) {لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلى على محمد وآل محمد} وعنه (ع) {من كانت له الى الله عز وجل حاجة فليبدا بالصلاة على محمد وآله ، ثم يسال حاجته، ثم يختم بالصلاة على محمد وآله، فان الله اكرم من ان يقبل الطرفين ويدع الوسط}.
رابعا: الاستشفاع بالصالحين
عن سماعة بن مهران، قال، قال ابو الحسن (ع) {اذا كانت لك حاجة الى الله فقل: اللهم اني اسالك بحق محمد وعلي فان لهما عندك شانا من الشان} وفي دعائهم عليهم السلام {اللهم ان كانت ذنوبي قد اخلقت وجهي عندك وحجبت دعائي عنك، فصل على محمد وآل محمد واستجب لي يا رب بهم دعائي}.
خامسا: الاقرار بالذنب
عن الصادق (ع) {انما هي المدحة ثم الاقرار بالذنب ثم المسالة}.
سادسا: التضرع والابتهال
مما اوحى الله تعالى الى موسى (ع) {يا موسى كن اذا دعوتني خائفا مشفقا وجلا وعفر وجهك في التراب واسجد بمكارم بدنك، واقنت بين يدي في القيام وناجني حيث تناجيني بخشية من قلب وجل} وعن الحسين السبط (ع) {كان الرسول يرفع يديه اذا ابتهل ودعا، كما يستطعم المسكين}.
سابعا: ان يصلي ركعتين
عن الصادق (ع) {ان رجلا دخل المسجد فصلى ركعتين ثم سال الله فقال الرسول (ص) اعجل العبد ربه، وجاء الاخر فصلى ركعتين ثم اثنى على الله وصلى على النبي وآله، فقال الرسول: سل تعط}.
اما اذا حضر الجماعة ثم دعا الله تعالى، فهو عند ذلك قاب قوسين او ادنى من الاستجابة، فعن الرسول الكريم (ص) انه قال {ان الله عز وجل يستحي من عبده اذا صلى في جماعة ثم ساله حاجة ان ينصرف حتى يقضيها}.
ثامنا: ان لا يستصغر شيئا من الدعاء
فعن رسول الله (ص) {ان الله تبارك وتعالى اخفى اجابته في دعوته فلا تستصغرن شيئا من دعائه فربما وافق اجابته وانت لا تعلم}.
تاسعا: ان لا يستكثر مطلوبه
عن الرسول الاكرم (ص) {قال الله تعالى لو ان اولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا فتمنى كل واحد ما بلغت امنيته فاعطيته لم يتبين ذلك في ملكي}.
عاشرا: ان يكون عالي الهمة في الطلب
فيما اوصى علي امير المؤمنين (ع) ابنه الحسن المجتبى (ع) {ولتكن مسالتك فيما يعنيك مما يبقى لك جماله وينفي عنك وباله، والمال لا يبقى لك ولا تبقى له}.
حادي عشر: تعميم الدعاء
عن الرسول الاكرم (ص) {اذا دعا احد فليعمم فانه اوجب للدعاء ومن قدم اربعين رجلا من اخوته قبل ان يدعو لنفسه استجيب له فيهم وفي نفسه}.
ثاني عشر: الاسرار بالدعاء
ففي القران الكريم {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والاصال ولا تكن من الغافلين} وعن الرسول الاكرم (ص) {دعوة السر تعدل سبعين دعوة في العلانية}.
ثالث عشر: الاجتماع في الدعاء
عن الصادق (ع) {ما اجتمع اربعة رهط قط على امر واحد فدعوا الله الا تفرقوا عن اجابة} وعنه (ع) {كان اذا حزنه امر جمع النساء والصبيان ثم دعا وامنوا}.
رابع عشر: حسن الظن بالاجابة
عن الرسول الكريم (ص) {ادعوا الله وانتم موقنون بالاجابة}.
خامس عشر: اختيار الاوقات المناسبة
عن الرسول الاكرم (ص) {خير وقت دعوتم الله عز وجل فيه الاسحار، وتلا هذه الاية في قول يعقوب {سوف استغفر لكم ربي} قال: اخرهم الى السحر}.
سادس عشر: الالحاح
عن الرسول الكريم (ص) {ان الله يحب السائل اللحوح} وعن محمد الباقر(ع) {ان الله كره الحاح الناس بعضهم على بعض في المسالة واحب ذلك لنفسه}، وعن رسول الله (ص) {ان الرجل ليدعو ربه وهو عنه معرض، ثم يدعو ربه وهو عنه معرض، ثم يدعو ربه وهو عنه معرض، فاذا كانت الرابعة، يقول الله تبارك وتعالى: يدعوني عبدي وانا عنه معرض، عرف عبدي انه لا يغفر الذنب الا انا، اشهدكم اني قد غفرت له}.
سابع عشر: معرفة الله حق معرفته
عن الرسول الكريم (ص) {لو عرفتم الله حق معرفته لزالت لدعائكم الجبال}.
سابعا: امور يلزم للداعي تركها
اولا: الدعاء لما لا يكون ولا يحل
عن علي امير المؤمنين (ع) {قلت اللهم لا تحوجني الى احد من خلقك، فقال الرسول الكريم (ص) يا علي لا تقولن هكذا فليس من احد الا وهو محتاج الى الناس، قال، فقلت، كيف يا رسول الله؟ قال، قل، اللهم لا تحوجني الى شرار خلقك} وقد سمع علي (ع) رجلا يقول، اللهم اني اعوذ بك من الفتنة، فقال له {اراك تتعوذ من مالك وولدك، يقول الله تعالى {انما اموالكم واولادكم فتنة} ولكن قل، اللهم اني اعوذ بك من مضلات الفتن}.
ثانيا: الاستعجال
عن رسول الله (ص) {لا يزال الناس بخير ما لم يستعجلوا، قيل يا رسول الله وكيف يستعجلون؟ قال: يقولون: دعونا فلم يستجب لنا} وعن الصادق(ع) {لا يزال المؤمن بخير ورخاء ورحمة من الله ما لم يستعجل فيقنط فيترك الدعاء، قلت له كيف يستعجل؟ قال، يقول، قد دعوت منذ كذا وكذا ولا ارى الاجابة}.
ثالثا: ان لا يعلم الله ما يصلحه
عن علي(ع) {قال الله عز وجل من فوق عرشه، يا عبادي اعبدوني فيما امرتكم به ولا تعلموني ما يصلحكم فاني اعلم به، ولا ابخل عليكم بمصالحكم}.
ثامنا: من يستجاب دعوته
اولا:
عن الصادق(ع) {اذا اراد احدكم ان لا يسال الله شيئا الا اعطاه فليياس من الناس كلهم، ولا يكون رجاء الا من عند الله عز وجل، فاذا علم الله عز وجل ذلك من قلبه، لم يسال الله شيئا الا اعطاه}.
ثانيا:
عن الرسول الكريم (ص) {اربعة لا ترد لهم دعوة، امام عادل ووالد لولده والرجل يدعو لاخيه بظهر الغيب والمظلوم، يقول الله جل جلاله، وعزتي وجلالي لانتصرن لك ولو بعد حين}.
تاسعا: من لا تستجاب دعوته
عن الرسول الاكرم (ص) {لتامرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، او ليسلطن الله شراركم على خياركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم} وعن الصادق(ع) {من عذر ظالما بظلمه سلط الله عليه من يظلمه وان دعا لم يستجب له ولم ياجره الله على ظلامته}.
عاشرا: علل تاخر الاستجابة
ففي الدعاء {ولعل الذي ابطا عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الامور} وعن الكاظم (ع) {كان بين قول الله عز وجل {قد اجيبت دعوتكما} وبين اخذ فرعون اربعين عاما} وعن اسحاق بن عمار، قلت لابي عبد الله (ع) يستجاب للرجل الدعاء ثم يؤخر؟ قال {نعم، عشرون سنة} وعن علي امير المؤمنين (ع) {لا يقنطك تاخير اجابة الدعاء، فان العطية على قدر النية}.
حادي عشر: علل عدم الاستجابة
في الاية الكريمة {عسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وانتم لا تعلمون}.
ثاني عشر: لا يخلو دعاء عن تاثير
عن الرسول الاكرم (ص) {ما من مسلم دعا الله تعالى بدعوة ليست فيها قطع رحم ولا استجلاب اثم، الا اعطاه الله تعالى بها احدى خصال ثلاث: اما ان يعجل له الدعوة واما ان يدخرها في الاخرة، واما ان يرفع عنه مثلها من السوء}.
ثالث عشر، واخيرا:
فبالدعاء يصيب الانسان الحق ويهتدي اليه، فقد روي عن ابي عبد الله الصادق (ع) انه قال في تفسير قوله عز وجل {واذا سالك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} {يعلمون اني اقدر ان اعطيهم ما يسالوني وليتحققوا اني قادر على اعطائهم ما سالوه لعلهم يرشدون، اي لعلهم يصيبون الحق، اي يهتدون اليه}.

27 كانون الثاني 2010




Opinions