حذار فالقادم أعظم!
لم تكن جريمة اغتيال الشهيد كامل شياع مفاجئة لكل متتبع للأوضاع العراقية الراهنة، وليست هي الجريمة الأولى بل هي جزء من سلسلة الجرائم التي عصفت وما تزال بالمجتمع العراقي، والتي استهدفت وما تزال تستهدف المثقفين الديمقراطيين على وجه الخصوص.إنها الريح السوداء لقوى الظلام والفاشية الدينية التي تسعى لإبقاء حالة التخلف التي أوصلنا إليها نظام الطغيان الصدامي وحزبه الفاشي خلال خمسة وثلاثين عاما من حكمهم البغيض.
ثم جاءنا الغزو الأمريكي الوحشي باسم [تحرير الشعب العراقي!] ليسلم العراق لقوى ظلامية أشد وحشية وأقسى، والتي وضعت في مقدمة أهدافها شن الحرب على العناصر التنويرية من المثقفين العراقيين الذين كرسوا حياتهم لإنقاذ شعبنا من حالة التخلف التي عادت بنا القهقرى عشرات السنين إلى الوراء، من أجل تكريس هيمنتها على السلطة، ونهب ثروات البلاد، وهي تدرك أن الجدار الصلد الذي يقف أمام تحقيق طموحاتها الشريرة هي الطبقة المثقفة الواعية حاملة راية التحرر والديمقراطية وحقوق الإنسان، الساعية لتأمين حياة كريمة تليق بالإنسان في المجتمع العراقي الذي قاسى لأكثر من أربعة عقود مرارة الفقر والجوع والحرمان والأمراض الفتاكة، وسلب الحريات ، والسجون والتعذيب والقتل بالجملة، والقبور الجماعية خير شاهد على ذلك، وفقدان الخدمات الأساسية الضرورية، والأخطر من ذلك كله فقدان الأمان وشيوع الجريمة المنظمة التي باتت تمارسها الميليشيات بعد سقوط نظام الطاغية صدام والتي تتخذ من الإسلام وسيلة لتنفيذ مآربها الشريرة .
إن استشهاد الباحث والكاتب والمثقف كامل شياع ، وسائر المثقفين الشهداء الآخرين الذين سبقوه على أيدي تلك العصابات المجرمة هو ناقوس خطر يدق بأعلى صوته محذراً من حملة ظلامية أوسع واشمل تجتاح العراق، وتضع في مقدمة أهدافها بكل تأكيد المثقفين التقدميين، الذين تعتبرهم قوى الظلام والفاشية التي تهيمن اليوم على الشارع العراقي اليوم من أجل تكريس الأوضاع الحالية البائسة، وتكريس سلطتها الجائرة، والحيلولة دون انتقال الشعب العراقي نحو الانفتاح على العالم المتقدم، ونفض غبار الرجعية والتخلف، واللحاق بركب الإنسانية الناهضة من خلال السعي لإقامة نظام حكم ديمقراطي حقيقي، وسيادة القانون، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين سائر مكونات الشعب بمختلف قومياتهم وأديانهم وطوائفهم دون تمييز.
إن قوى الظلام لا يروق لها أن تجد شخصية وطنية علمانية لها دور في وزارة الثقافة، ولذلك فقد بذلت جهدها لإزاحة الوزير الأول الأستاذ مفيد الجزائري، لتضع مكانه شرطياً لا يفهم من الثقافة شيئا، ثم اتبعته بعد الانتخابات الثانية وتشكيل حكومة المالكي بالملا اسعد الهاشمي الذي تبين للعدالة أنه ليس فقط أمياً متخلفا لا يفهم معنى الثقافة، بل وقاتلاً من طراز فريد، أدين بقتل ولدي أحد زملائه في البرلمان السيد مثال الآلوسي بدم بارد، ورغم أن المحكمة الجنائية قد أثبتت عليه الجريمة وحكمت عليه بالإعدام، فقد جرى تهريبه خارج العراق لكي تُرضي الحكومة والإدارة الأمريكية السيد طارق الهاشمي حرصاً منهم على عدم انهيار حكومة التحاصص الطائفي المقيت، والحكومة بطبيعة الحال تتحمل كامل المسؤولية عن تهريب هذا المجرم القاتل.
أن قوى الإسلام السياسي المهيمنة على السلطة اليوم لا يروق لها أن ترى أية وجوه ديمقراطية علمانية في وزارة الثقافة، حيث تُعتبر الثقافة عندهم سموم تهدد المجتمع الذي ينشدونه مجتمع التخلف والعبودية ، ولا بد من (تنظيف)! هذه الوزارة على وجه الخصوص، وسائر الوزارات الأخرى بوجه عام من كل عنصر مثقف مخلص لوطنه وشعبه، يستهدف التصدي لحالة التخلف والهمجية التي تعصف بالبلاد اليوم.
إن اشتداد حملة قوى الظلام والرجعية والفاشية الدينية في الآونة الأخيرة يتعلق بقرب إجراء الانتخابات المحلية للمحافظات التي هيمنت على السلطة فيها عبر الانتخابات السابقة، والتي باتت معروفة لسائر أبناء وبنات شعبنا كيف جرت تلك الانتخابات، وتحت أي شعارات، وعن الدعم الذي تلقته من قبل المرجعية الدينية، وكل ذلك جرى تحت وقع سلاح ميليشيات الأحزاب الدينية الطائفية وإرهابها، وقد تكشفت لشعبنا حقيقة هذه القوى والجرائم التي ارتكبتها بحق عشرات الألوف من المواطنين الأبرياء، وهي اليوم وبعد أن انكشفت على حقيقتها، وخيبة الأمل الكبرى التي أصابت لمواطنين الذين انتخبوهم، ورفضهم لإعادة انتخابهم من جديد، لم تجد سبيلا للتشبث بالسلطة إلا بشن الحرب على القوى التقدمية والعلمانية ورموزها، والحيلولة دون عودة عشرات الألوف من المثقفين من بلدان اللجوء إلى الوطن ، فهي تدرك تماماً تأثير هذه العودة على مستقبلهم وتأثيرهم في المجتمع العراقي الذي بدأ يعي الدرك السحيق الذي قادته هذه القوى إليه.
أن القوى الديمقراطية والعلمانية مدعوة اليوم أن تعي حقيقية المخططات الظلامية والفاشية والمخاطر التي تنتظرها وتنتظر الشعب العراقي قبل فوات الأوان، والتصدي بحزم لهذه المخططات، وفضح أهدافها الشريرة ، من خلال تعبئة الجماهير الشعبية، وزجها في النضال من أجل كبح نشاطات هذه القوى الظلامية ، ولاسيما وأن البلاد باتت على أبواب الانتخابات المحلية، والتي ستعقبها في العام القادم الانتخابات البرلمانية، التي ستحدد بكل تأكيد مصير العراق لعقود طويلة إذا ما هيمنت هذه القوى على السلطة من جديد .
الوقت يمر سريعا، والعاقل من يعي أهمية عامل الوقت وضرورة استغلال دل ساعة، بل كل دقيقة من أجل الاستعداد لخوض الانتخابات من أجل تحقيق نتائج ذات تأثير فاعل في الحكومات المحلية، وفي البرلمان القادم، من أجل تحقيق انعطافة تاريخية في بناء العراق الجديد، وتحريره من عبودية الاحتلال، ومن هيمنة القوى الظلامية والفاشية، والنهوض به في كافة المجالات السياسية والاجتماعية ولاقتصادية والثقافية والصحية والخدماتية.
فهل تعي القوى الديمقراطية والعلمانية هذه الحقيقة؟
أتمنى ويتمنى كل المحبين لشعبهم ووطنهم ذلك....
حامد الحمداني
26/8/2008