حرب الاذكياء في حروب واطئة الكلفة
احمد جويد/
يبدو أن حجم التكلفة الباهظة التي تكبدها الاقتصاد الغربي بوجه عام والأمريكي على وجه الخصوص الأثر الكبير في تغيير إستراتيجية التفكير الغربي بالحروب ذات العديد الضخم من الجيش والسلاح واستبدالها بحروب "واطئة الكلفة"، فقد تحدث التقرير الذي أعده معهد واطسون للدراسات الدولية التابع لجامعة براون عن تكلفة الحرب الأمريكية على أفغانستان -تقرير (تكاليف الحروب)- والذي يقول إن إجمالي التكلفة ستكون 7 ,3 تريليون دولار على الأقل ومن الممكن أن تصل حتى إلى 4.4 تريليون دولار، إضافة إلى الخسائر البشرية الكبيرة التي تحدث عنها هذا التقرير، حيث كانت تعتقد تلك الدول بان إتباع تطوير تكنولوجيا متقدمة قادرة على إحداث اكبر النتائج بأقل الخسائر، وتم تقسيم تلك التكنولوجيا على النحو الآتي:
أ/ قوات جوية؛ تطوير طائرات مستطلعة ومقاتلة بدون طيار.
ب/ قوات برية؛ استخدام صواريخ ذكية لها قدرة تدميرية كبيرة التأثير تصيب أهدافها بدقة متناهية.
ج/ قوات بحرية؛ تطوير عمل السفن والغواصات الأكثر مناورة والأقل استهدافاً.
د/ معلومة استخباراتية؛ أجهزة كشف دقيقة وبعيدة عن استهداف العدو.
غير أن تلك التكنولوجيا لم تقلل من التكاليف الحربية التي تنشدها الدول العظمى، فالملاحظ لبعض الأرقام التي أوردتها عدد من التقارير تفيد بأن تكلفة الحروب والأسلحة سوف تكلف الاقتصاد الأمريكي أو الأوربي في منظومة "الناتو" -حلف شمال الأطلسي- موارد كبيرة قد ترهق منطقة اليورو التي تعاني أساساً من مشاكل اقتصادية كبيرة في السنوات الأخيرة، فعلى سبيل المثال- قام الحلف بتمويل الحرب في ليبيا أملاً في عمل علاقات تجارية والحصول على تعاقدات تجارية كبيرة في مرحلة البناء وأيضاً مقابل حصول دوله على حصص من البترول الليبي، غير أن تكلفة هذه الحرب أضحت باهظة جداً على دول الحلف، فساعة الطيران وحدها تبلغ 40 ألف دولار فضلاً عن الأسلحة والمعدات التي تحملها الطائرات ذاتها، ولو تم احتساب عدد ساعات الطيران منذ بدء الحرب على ليبيا سنجد أننا أمام رقم قد يصل إلى 12 مليار دولار إلى قبيل وقف العمليات العسكرية من قبل الحلف.
تقارير أخرى تقول إن بريطانيا أنفقت خلال الأسبوع الأول من الحرب في ليبيا نحو 25 مليون جنيه إسترليني، دون حساب قيمة الصواريخ التي استخدمتها، وأن فرنسا أنفقت تقريباً نفس المبلغ، ولم يتم ذكر المبلغ الإجمالي المنفق خوفاً من نقمة الرأي العام في البلدين، كما إن سعر الصواريخ التي أطلقت على ليبيا – على سبيل المثال - في الأيام الأولى للتدخل بلغت للصاروخ الواحد (توماهوك) ما يقارب المليون والمليون ونصف دولار، وأطلقت السفن الأمريكية أكثر من 200 صاروخ، وقامت القاذفات الأمريكية بنحو 1000 طلعة عملياتية خلال أيام قليلة، وتكلف الطلعة الواحدة للطائرة المقاتلة إف 15 أو إف 16 نحو 13 ألف دولار تقريباً بطيران سيستغرق وسطياً ساعة ونصف بحسب الخبراء في مجال التكنولوجيا العسكرية.
وبالتالي لابد لهذه الدول مجتمعة أن تبحث عن بدائل أخرى غير تطوير التكنولوجيا باهظة الثمن لاستخدامها كأسلحة (غبية) بأيادي وعقول ذكية لتكون هي البديل في الحروب واطئة الكلفة والخروج من المأزق الاقتصادي الذي يواجهه الاقتصاد الغربي بصورة عامة ومنطقة اليورو بصورة خاصة كما يحفظ لإسرائيل أمنها ويضعف أعدائها في المنطقة ويسهل عليها التلاعب بالاحتياطي النفطي الكبير في المنطقة العربية.
بذلك أصبح التوجه - وهو ليس بالجديد لأن الانكليز سبق وأن استخدموه- يأخذ منحى آخر للحصول على أسلحة بخسة الثمن وذات قدرة وفاعلية كبيرة من خلال:
1- خلق جماعات متطرفة مسلحة تحت مسميات دينية (إسلامية) من شأنها أن تجند أكبر عدد من الشباب للاستخدام في حروب النيابة ودعمهم بأسلحة خفيفة ومتوسطة غير مكلفة الثمن إضافة إلى مواد متفجرة تدخل في صناعة الأحزمة والعبوات الناسفة، وربما لا تساوي قيمة الذي يتم تزويده لهذه الجماعات من أسلحة ثمن طائرة أمريكية واحدة من الطراز الحديث.
2- العمل على خلق بؤر توتر طائفية ومذهبية داخل البلدان المستهدفة وتقوية منابع الكراهية بين أبناء الشعب الواحد وحتى الديانة الواحدة.
3- خلق أعداء وهميين لأنظمة الدول في منطقة الصراع (الحرب) تقوم على أساسه هذه الدول بتمويل تلك الجماعات للتخلص من الخطر الذي تم تصويره لها، وبالتالي تتخلص الدول الراعية للحرب حتى من التكاليف البسيطة التي قد يتم دفعها للجماعات المسلحة، وهذا ما يحدث الآن في الحالة السورية بحيث يتم التمويل من بعض دول الخليج.
4- صناعة مجموعة من رجال الدين يوظفون كأبواق فتنة تعمل على تأجيج الصراع الذي ينشب في الدولة المستهدفة أو منطقة النزاع، يتم إعدادهم وإبرازهم بصورة جيدة.
5- الابتزاز عن طريق التحكم بالمنظمات الدولية بإصدار قرارات ترهق اقتصاد أنظمة الدول التي يتم استهدافها وبالتالي إضعافها إلى حد كبير ومن ثم تأجيج الرأي العام الشعبي عليها وإشاعة حالة من الفوضى يشعر معها الإنسان في تلك الدولة بأن حياته في خطر ببقاء النظام الحاكم فلابد من عمل ما لتغير ذلك النظام أو الإطاحة به من الداخل فتكون الأرضية مناسبة لأي عمل عسكري يتم بعد ذلك.
6- الاتفاق مع بعض القيادات العسكرية التي لا تقل دكتاتورية واستبداداً عن حكامها وإعطائهم الوعود بأن يكونوا على رأس السلطة القادمة وهم وحدهم الذين يتم التعامل معهم مستقبلاً.
الفوز للأذكى دائما
ولمواجهة هذه المخططات وابطال مفعول الحروب والويلات التي قد تجرها الصراعات الأهلية المفتعلة بين أبناء الشعب الواحد والتي من شأنها أن تستنزف تلك الدول وتضعفها يمكن العمل على:
أولاً: تجفيف منابع الكراهية والعمل تحت سقف الوطن الواحد ولكل فرد أن يمارس عقائده وطقوسه الدينية كيف يشاء ولا ولاية لأحد على الآخر في تكفيره أو تفسيقه بشرط أن لا تمس تلك الممارسات حريات الآخرين أو معتقداتهم الدينية.
ثانياً: العمل على زيادة الوعي والاهتمام بالتعليم وتحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية للمواطنين، وهذا من شأنه أن يجعل الشباب فطنين واعين لما يمرر عليهم باسم الدين والعقائد المنحرفة ويكفيهم اقتصادياً عن عدم الحاجة المادية من يحاول استغلال حاجته وربطه بأفكاره.
ثالثاً: التخلي عن العنف ومعالجة أسبابه والعوامل المساعدة له، وفي هذا السياق يوضح المرجع آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي جملة من هذه المعالجات وهي:
1- تعميم ثقافة اللاعنف، وتوضيحه أن العنف نار تحرق الكل ولا تستثني أحداً، وتبيان مضار العنف: النفسية والاجتماعية والدينية.
2- توفير الحرية للمجتمع، فإنه في أجواء الكبت والإرهاب والاستبداد والديكتاتورية تنمو الاتجاهات المتطرفة والحركات التدميرية، قال تعالى في سياق بيان صفات الرسول الأعظم (ص):(يضع عنهم أصرهم والأغلال التي كانت عليهم).
3- إرساء دعائم العدالة الاجتماعية، وتوفير الفرص للجميع، وإعطاء حقوق الفقراء والمحرومين، وقد جعل الإسلام (بيت المال) لعامة المسلمين: يسد عوزهم ويؤدي ديونهم… إلى غير ذلك من مهام بيت المال.
4- تفعيل الرقابة الاجتماعية، والأنظمة العامة التي تحمي المجتمع من حاملي راية العنف.
5- فتح قنوات الحوار البناء بين الأفراد والتجمعات.
إن تهذيب مناهج التعليم من كل ما يحظ على الكراهية والعنف ويؤدي إلى زرع الفرقة، والابتعاد عن الخطاب المتشدد وترك الاستبداد والتفرد بالسلطة والابتعاد عن نظام الحزب الواحد والقائد الأوحد وترسيخ مفهوم التعددية والعمل على تقوية مؤسسات الدولة بدلاً من تقوية سلطة الحاكم، من شأنها أن تعطي المجتمع تماسكاً وتمنح مؤسسات الدولة هيبةً واستقلالاً وتجعل الدولة أكثر قوةً وسيادةً، الأمر الذي يصعب المهمة على أكبر قوة في العالم من السيطرة عليها أو التلاعب بمقدراتها أو تنتهك سيادتها.
* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث