حرية الشعب والرأي في العراق في خطر!
لم تتوقف محاولات دفع العراق إلى نفق مظلم حيث تغيب عنه شمس الحرية والديمقراطية وتستعيد الدكتاتورية أنفاسها وتصادر الحرية الفردية وحقوق الإنسان وتستكلب فيه قوى الإرهاب وتنهش وحوش الغابة في لحم الشعب وتشرب من دمائه. فما أن بدأت تلك المحاولات الجادة والوقحة والمتعارضة مع الدستور العراقي في بابل حتى انتقلت إلى البصرة فبغداد وأضحت نها تشكل تهديداً خطيراً للاستقرار النسبي في العراق وفتحت بدورها أبواب البلاد على مصراعيها أمام صراع متصاعد في المجتمع بين قوى مشاركة في العملية السياسية, مما فسح في المجال إلى تفاقم نشاط قوى الإرهاب والميليشيات الطائفية المسلحة وإنزال المزيد من الضربات الموجعة بالشعب العراقي, وبشكل خاص ببنات وأبناء شعبنا من أتباع الديانة المسيحية وضد دور العبادة. كما لم يتوقف التجاوز على حرية وحياة الصابئة المندائيين. فالإرهابيون لا يكفون عن ملاحقتهم بشتى الطرق لقتلهم, كما حصل لأتباع الديانتين أخيراً.إن القوى الظلامية وتلك التي لم تترك فرصة إلا واستثمرتها لوأد العملية السياسية في العراق وإثارة النعرات الطائفية والدينية والقومية وضد الديمقراطية, بدأت معركة جديدة ضد الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان وضد بناء المجتمع المدني الديمقراطي والدولة الوطنية الديمقراطية الاتحادية ومن أجل بعثرة الجهود وتفتيت قوى المجتمع لمنعها من إعادة بناء الاقتصاد العراقي ومكافحة البطالة والفقر السائدين في البلاد. ولكن الغريب في الأمر ان الحكومة الاتحادية وكل القوى المشاركة فيها لم تتصد لهذه الحملة الهمجية الظالمة, بل انبرى رئيس الوزراء, الذي طرح نفسه كممثل لدولة القانون والمدافع عنها وخاض الانتخابات العامة على اساس ذلك, عاد إلى مواقعه كرجل دين في حزب الدعوة ليؤيد بطرف خفي مرة وبوضوح مرة أخرى تلك الإجراءات التعسفية التي تجاوزت بشكل فظ على الحرية الفردية والحريات الديمقراطية الشحيحة أصلاً في البلاد ورفض حتى نداءات من يؤيده وراح يدعو له وممن يحسب على قوى المجتمع المدني.
وبدلاً من الاهتمام بمصالح الناس وتوفير الخدمات للشعب الذي يعاني من شحتها وخاصة الكهرباء والعناية الصحية ونظافة المدن العراقية وخاصة بغداد العاصمة والأحياء الشعبية فيها, وبدلاً من الاهتمام بالاقتصاد والتنمية الاقتصادية والبشرية ومكافحة البطالة والفقر والفساد السائد في البلاد, راح المسؤولون من أمثال رئيس مجلس محافظة بغداد ومن لف لفله يطاردون المواطنات والمواطنين في حريتهم الفردية وفي حقوقهم المشروعة ويزيدون من نقمة المجتمع على الحكم القائم الغارق في الصراع على المناصب منذ ما يقرب من عشرة شهور والعاجز عن تنشيط العملية الاقتصادية بمشاريع إنتاجية وخدمية بدلاً من إغراق الأسواق بالسلع المستوردة. مرة أخرى نقول إن حكام العراق لا يريدون أن يتعظوا بعواقب الحكام الذين سبقوهم في بلادنا وفي البلدان الأخرى, ومنها تونس في هذه الأيام العاصفة التي أكد الشعب من جديد مضمون قصيدة الشابي
إذا الشعب أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
إن التجاوز على الحرية الفردية والحريات الديمقراطية بأي شكل كان يعتبر بداية خطيرة لعد تنازلي صوب الاستبداد والظلام وقهر قوى المجتمع السليمة. وهي تذكرنا بما فعله خير الله طلفاح من إجراءات تعسفية في منتصف السبعينيات من القرن الماضي, أو حملة الدكتاتور الإيمانية في التسعينيات منه. وعلينا أن نتذكر إلى أين انتهى هؤلاء الأوباش!
إن مؤسسة المدى الملتزمة بالكلمة الحرة وبالثقافة والحياة والحريات الديمقراطية تمارس دوراً طليعياً في الدفاع عن الحريات الديمقراطية وفي مواجهة قوى الشر التي تريد إنزال الأذى بالناس الشرفاء. ولكن هذه الحملة التي تقودها بوعي ومسؤولية يفترض أن تشارك فيها كل قوى المجتمع الشريفة والواعية لما يراد لها إن استمر هؤلاء الناس من المتطرفين من أمثال رئيس مجلس محافظة بغداد الذي يمارس تنفيذ عقوبات شرسة ضد المسيحيين وغيرهم كما حصل في جمعية أشور بانيبال الثقافية ببغداد يوم 13/1/2011. إن البعض من هؤلاء يلهون المجتمع بهذه المشكلات لينفذوا مخططات أخرى تسهم في إلحاق أكبر الأذى بالمجتمع, وعلى المجتمع إيقافهم ولجمهم قبل أن يتفاقم دورهم..
علينا جميعاً تقع مسؤولية المشاركة في تصعيد الحملة من أجل الحريات الديمقراطية لا إضعافها بأي شكل كان, لأن وراء إضعافها أو السكوت عنها عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع وعلى مستقبل العراق الديمقراطي المنشود...
18/1/2011 كاظم حبيب