Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

حزب الدعوة ومفهوم ممارسته للديمقراطية في العراق

كلما تابعت الوضع الجاري في العراق والأساليب المستخدمة في تأخير تشكيل الوزارة الجديدة, تذكرت مباشرة تلك الندوة التي نظمتها قبل أربع سنوات تقريباً قناة الحرة وشارك فيها بعض الأحزاب السياسية الإسلامية, ومنه بشكل خاص حزب الدعوة ممثلاً بالسيد علي الأديب.
كان البحث يدور عن برامج وسياسات وأساليب عمل حزب الدعوة. قدم السيد علي الأديب مطالعة عن أهداف وسياسات واسلوب عمل حزب الدعوة مشيراً بشكل خاص إلى فلسفة حزب الدعوة وأدوات عمله. فأشار بكلمة واضحة لا لبس فيها إلى أن: الديمقراطية ليست الفلسفة التي يلتزم بها حزب الدعوة بل هي أداة. هذه الجملة التي ربما لم يستطع البعض تفسيرها في حينها, يمكن اليوم فهمها بسهولة وبساطة جداً, إذ أنها ليست معقدة بل واضحة, فهي تعني أن الإسلام فلسفتنا, والإسلام هو الحل, وأن الديمقراطية لا تدخل ضمن مفاهيم الإسلام الفلسفية والسياسة, ولكن هذه الديمقراطية "الغريبة عن الإسلام" يمكن استخدامها كأداة للوصول إلى السلطة, ثم نبدأ بتطبيق فلسفتنا وليست الفلسفة الديمقراطية بما تعنية من حقوق إنسان وحرية فردية وحقوق قومية وحرية المرأة ومساواتها بالرجل وحريات ديمقراطية عامة وحياة نيابية حرة وتداول ديمقراطي سلمي برلماني للسلطة ...الخ.
ولكن طرح الأديب لهذه المقولة كان قد تبلور في سلوك الدكتور إبراهيم الجعفري حين رفض ممارسة الموقف الديمقراطي بعد نهاية ولايته وحاول أن يبقى في السلطة بكل السبل, ولكنه فشل, فعوضها براتب كبير شهرياً يكفي لشراء المزيد من القصور في بريطانيا (60) مليون دينار شهرياً, كما يتداوله الشارع العراقي, واستعيض عنه بشخص آخر من حزب الدعوة كان نائبه في الحزب هو السيد نوري المالكي, الذي اتفق عليه "البيت الشيعي"!
هذا الطرح الصريح والواضح للأديب قد غاب عن ذاكرة الناس لفترة حين بدأ السيد نوري المالكي يطرح بخطاباته وتصريحاته موضوع الوحدة الوطنية ورفض الطائفية وتصدي فعلاً لأفعال جيش المهدي المشينة والشنيعة في البصرة وفي مناطق أخرى من جنوب ووسط العراق وكركوك.
ولكنه عادت مقولة الأديب إلى الواجهة من جديد بعد أن انتهت السنوات الأربع وانتهت ولاية المالكي بعد انتخاب مجلس نواب جديد بطاقم مماثل للمجلس السابق من حيث التوزيع القومي والطائفي, ولكن المالكي رفض بعناد لا مثيل له تسليم الأمور لرئاسة الجمهورية لتكليف شخص آخر على وفق الاستحقاق الدستوري. فهو لا يزال وبعد مرور سبعة شهور على انتهاء ولايته يرفض تسليم السلطة لرئاسة الجمهورية ومجلس النواب لاختياره ثانية أو اختيار البديل الذي يقرره المجلس النيابي. وبذلك عطل المجلس النيابي الذين يتسلم أعضاؤه رواتب دون عمل يؤدونه (راتب النائب يبلغ 20000 $ x 325 نائب= 7,200,000 دور أمريكي في الشهر الواحد) في مقابل عشرات الآف العائلات تتضور جوعاً, وعطل أعمال مجلس الوزراء وراح يستجدي الحكم كالدكتور أياد علاوي, في دول الجوار, وليس من خلال قوى الشعب والتحالفات المحلية, وبهذا سمح لها بتكريس تدخلها رسمياً في الشأن العراقي بموافقة رئيس الوزراء والمرشح الآخر لرئاسة الوزراء!
من هنا يمكن أن نفهم مضمون ما قاله علي الأديب: إن الديمقراطية أداة للوصول إلى السلطة أولاً, ثم نبدأ بتطبق الفلسفة الإسلامية ثانياً, وفق تفسير حزب الدعوة لها, في البقاء على رأس السطة وعدم السماح لغيره في الوصول إليها. ولم يكن تعبير السيد نوري المالكي الشهير ما "ننطيها بعد" للسلطة لغير حزب الدعوة هو المفسر والمكمل لموضوعة السيد علي الأديب باعتباره الديمقراطية أداة وليست فلسفة عند حزب الدعوة, أداة للوصول وليست للمارسة الحياتية في الدولة والمجتمع.
أدرك مخاطر بعض شروط القائمة العراقية, وخاصة في مجال إعادة جمهرة كبيرة من بعثيي النظام السابق إلى الجيش العراقي, وأدرك مخاطر وجود جمهرة مهمة من بعثيي النظام السابق ضمن القائمة العراقية, وكما عبر عنها صديق لي, "في القائمة العراقية كورة زنابير", وليس كلها طبعاً بل فيها الكثير, إذ أن ذلك يخيف القوى الأخرى والشعب الذي عانى من قمع وشراسة ودموية حزب البعث الذي قاد العراق إلى الهاوية بدلاً من قيادة البلاد إلى مواقع إنسانية متقدمة. كما لم يبرهن الدكتور أياد علاوي على ديمقراطيته المزعومة حين كان في الحكم بل كان فردياً إلى حد اللعنة, كما كان فردياً في علاقته مع رفاقه في حزبه, إذ لم يكن عبثاً استقالة 5 من رفاقه في المكتب السياسي بعد أن بدأ علاوي يمارس مهامه في مجلس الحكم وسبل تعامله غير الديمقراطية في اتخاذ وتنفيذ قرارات "حزبه"!
ومع ذلك علينا اعتماد الدستور العراقي والكف عن التلاعب به والتحايل عليه واستخدامه أداة دون أن نعتمده كمضمون ومفهوم سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي شامل وعام لجميع مرافق الحياة, (وقد جرت المحكمة الاتحادية لترتكب الخطأ ذاته), وخاصة في العلاقة بين السلطات الثلاث, وفي العلاقة بين المجتمع والسلطة السياسية والدولة عموماً, وكذلك بالنسبة للعلاقة بين القوى السياسية العراقية ومجلس النواب والسلطة السياسية والشعب, كمضمون يؤكد التداول السلمي والديمقراطي النيابي للسلطة.
إن أسلوب التشبث برئاسة الوزارة وبالطريقة الجارية حالياً لا تعبر إلا عن نهج مناهض للديمقراطية بكل المقاييس, وهي ليست سوى محاولة لفرض شخص على الدولة والمجتمع, في حين يمكن لقائمته وتحالفه ان يطرحا شخصاً آخر غير المالكي, فليس المالكي هو المنقذ الأعرج للعراق, ففي العراق, كما يبدو لي, الكثير من الأشخاص الفرديين الذين يمكن أن يحلوا محله, ولا نقص لدينا في هذه البضاعة التي تعود للقرون الخوالي من النظم العربية والإسلامية, فالواقع العراقي ينتج الكثير من الفرديين المستبدين, وأن كان بوجوه واساليب وأسباب مختلفة.. تتعدد الأسباب والموت واحد.
أتمنى أن يعي السيد المالكي سوءات النموذج الذي يقدمه لنا بهذا الإصرار, والذي أخشى ما أخشاه هو تأكيده بأن الديمقراطية ليست سوى أداة, ولكن الفلسفة هي الانفراد بالسلطة والاستبداد والتشبث بالسلطة أو فرض الرأي الواحد, كما يجري اليوم في محافظة البصرة وفي محافظة بابل من منع للأغاني والموسيقى والتمثيل والإبداع الفني, كما فعلوا في إلغاء الغناء والموسيقى من مهرجان بابل. إنها المأساة بعينها. إذ إن الأكثرية في مجلسي المحافظتين تمثل القوى المتشددة, ومنها قوى في حزب الدعوة ومن يتحالف معه.
وهذه الحالة تذكرني بما ورد في الكتاب الذي اصدرته في العام 1995 في بيروت تحت عنوان "ساعة الحقيقة: مستقبل العراق بين النظام والمعارضة", باعتباره سيكون مستقبلاً موحشا توقعته حينذاك, ولم أكن اتمنى أن يحصل ما توقعته, بسبب معرفتي القريبة بالكثير من قوى المعارضة العراقية, وخاصة الإسلامية منها, التي كانت منذ ذلك الحين تعلن عن أهدافها في ممارسة الطائفية والشمولية وليس الديمقراطية.
كم أتمنى أن يستطيع الشعب وعي ما يجري لينهض بأساليب وأدوات سلمية لتقويم وتغيير هذه الحالة البائسة التي يموت فيها يومياً الكثير من العراقيات والعراقيين ويقارن ذلك بما بذل من جهد عظيم لإنقاذ 33 عاملاً من عمال المناجم في شيلي. هذا هو عين الاحترام للإنسان حيث تكون له قميته الأساسية كإنسان وليس ما نعيشه في العراق إذ لا قيمة للإنسان ولا لموته اليومي على أيدي الإرهابيين او تعذيبه في السجون والمعتقلات على أيدي أجهزة الدولة الأمنية, أو إفقاره إلى حد الكراهية والحقد على الحكومة, وبالتالي بدء الاستعداد لمشاركة البعض غير القليل مع قوى الإرهابية ضد المجتمع, ولكن غالبية الناس الفقراء لا تزال لا تنفذ القول العبقري للإمام علي بن ابي طالب حين دعا إلى مقارعة الجوع ولو بحمل السيف, والذي لا أدعوا له اليوم.

15/10/2010
كاظم حبيب

Opinions