حفلة عشاء على شرف الملفونو نينوس آحو
في الساعة السادسة والنصف من مساء يوم السبت الأول من كانون الأول لهذا العام تقاطرت حشود غفيرة من أصدقاء ورفاق شاعرنا الكبير الملفان نينوس أحو ، قدموا من السويد وكندا ولبنان ومن مدن أمريكية مختلفة الى مدينة شيكاغو تكريما لمعلمنا الكبير الملفان نينوس آحو ، وتعبيرا عن حبهم وعطفهم ووقوفهم معه في صراعه مع مرضه .لقد تحول هذا اللقاء الى مهرجان كبير قدمت فيه كلمات ومأثر عن أعمال وسيرة حياة هذا الشاعر الرقيق في الوطن والمهجر.
لقد برع رفيقه وصديقه منذ الطفولة الأستاذ أبجر مالول, ان ينقلنا من تلك الليلة الماطرة المثلجة التي خيمت على مدينة شيكاغو الصاخبة ، الى سكون وهدوء أزقة وشوارع القامشلي الدافئة العطرة وهو يتكلم عن مآثر طفولة نينوس مع أترابه ورفاقه في حارات القامشلي ومدارسها التي حضنت نينوس آحو ورضّعته حب الأمة والوطن والإنسان .
قلة من لم يسمع بإسم الملفونو نينوس آحو ، والأقل منهم من لم يسمع بشعره ومآثره ...
إن الملفونو نينوس آحو له فلسفته ونظرته الخاصة في الحياة وفي الأمة بكل مفاصلها ، إكتسبها من معايشته للآباء والمؤسسين الآوائل للمنظمة الآثورية الديمقراطية .
شعره ينساب الى أعماق الوجدان الإنساني ، مثل إنسياب قطرات الندى على أوراق الصفصاف الخابورية ، يوقظ فيها الضمائر المتخدرة الغارقة في سباتها ، ويبشرها ببزوغ فجر جديد ، فيخلق فيها الامل وتنتعش الحياة من جديد .. .
الملفان نينوس آحو, هو شاعر الحب من الطراز الأول , وشاعر الأمة , وشاعر اليقظة القومية , وشاعر الثورة , وشاعر الفقراء والمضطهدين ... والأهم من كل ذلك , هو شاعر الأمل ...
الملفان نينوس آحو هو بوق النفير الأخير لهذا الشعب التائه المتسكع على طرقات الشتات ، وهو الناقوس الذي يقرع على كل دار وقرية هجرها اهلها في الوطن ، ليرسم لهم معالم طريق العودة , إنه الصوت الصارخ المنبثق من أعماق وجدان هذه الامة المشتتة المنقسمة التائهة ... الناقوس الذي يدعونا لننفض غبار الجهل والإنقسام عن كاحلنا ، ونكسر قيود العبودية والتبعية المتعشعشة في ثنايا أدمغتنا ، إنه النداء الصارخ الآتي من دهاليز برج بابل المتكسر , ومن عتبات معبد عشتار المدنس ، إنه الصلاة التي تطلب من الرب أن ينهي ويختصر المخاض العسير لهذه الأمة ، ليعلن للملأ تباشير ميلاد " الآشوري الجديد " .
لقد تناوب على المنصة العديد من أصدقائه ورفاقه ، كل يسرد مآاثره القومية والوطنية حسب طريقته وحسب خبرته ومعاشرته للملفان نينوس آحو ، تلك المآثر التي أدخلت الرعشة والحياة في ضمير ووجدان جميع الحضور .
وكان على قمة المتكلمين الملفان الكبير حبيب أفرام رئيس الرابطة السريانية في لبنان، المشهود له بوطنيته وإيمانه وإخلاصه لهذه الامة وهذا الشعب , حيث قطع كل هذه المسافة الطويلة حاملا معه حب وشموخ أرز لبنان العتيد ... مختزلا إياها في وسام من أقدس وأشرف الأوسمة ليقلدها على صدر شاعرنا الكبير الملفان نينوس آحو. متمنيا له أن يتعافى من مرضه ومصابه ، وللأمة الوحدة ونبذ كل أشكال التفرقة والإنقسامات ، لأن أمتنا لم تعد تتحمل أكثر . فتركت كلمته أثرا كبيرا في نفوس المجتمعين .
وبعد أن إنتهى المتكلمون مشي الملفان نينوس آحو بإتجاه المنصة بمشيته المعروفة ، وما كاد يصل المنصة حتى إهتزت القاعة لموجة من التصفيق الذي إستمر لعدة دقائق بدون إنقطاع .. وما أن وقف التصفيق وجلس كل في مكانه ثم خيم صمت مطلق على القاعة لم يكسر هذا الصمت سوى صوت الملفان نينوس آحو وهو يردد قولا مآثورا للمعلم الكبير الملفان نقوم فائق بينما كانت الدموع ترقرق في عينيه , فقال بصوت مبحوح :
" لقد قال الملفان نعوم فائق ، إن وردة واحدة تقدمها للإنسان في حياته ، هي أفضل من ألف أكليل ورد تفرشها على قبره بعد مماته ، وأنتم الآن بحضوركم وكلماتكم , قدمتم لي تلك الوردة ... ) .
وبحركة خاطفة مد يده الى وجهه ماسحا دمعة إنسابت على خديه خلسة ثم صمت عندما بدأت دموعه تتكلم وهي تترقرق في عينيه كلؤلؤة في ليلة مقمرة ، عندها تعال هدير التصفيق ثانية وأستمر التصفيق حتى قاطعه الملفان نينوس عندما قال " آثورايا خاثا " الأشوري الجديد . مطلع قصيدته المشهورة . ثم تابع شكره وإمتنانه لما لقيه من رفاقه وأصقاءه من تقدير وحب ووفاء ...
وكان يتخلل الكلمات بين فترة وأخرى آداء غنائي وموسيقي من أشعار الملفان نينوس آحو يؤديها الفنان القدير نينب عبد الاحد القادم من السويد خصيصا لهذه المناسبة ، يرافقه الفنان الكبير سرغون عدي بعزفه على الأورغ .
وقد قدم لكل من حضر حفلة العشاء أقراص سي ــدي مدون عليها شعر نينوس آحو مع كراس يحتوي شعره باللغة بكلتا اللهجتين .
الجميع تمنى لنينوس الصحة والشفاء العاجل ، والكل تضرع الى الرب أن يُسربل عليه ثوب الصحة العافية ليعود الى عائلته وأصدقائه ورفاقه بسلام .
لمحة قصيرة عن سيرة الشاعر نينوس آحو :
ولد نينوس آحو في قرية كرك شامو في 24 نيسان سنة 1945 بعد وفاة والده ، فأكمل دراسته الإبتدائية في القرية ثم إنتقل الى مدينة القانشلي سنة 1958 لتكميل دراسته الأعدادية والثانوية .
وفي سنة 1961 إنتسب الى المنظمة الآثورية الديمقراطية ، ومن خلال العمل التنظيمي تعرف على الرفيق ابجر مالول في سنة 1962 . وكان يداوم بإستمرار على زيارة مؤسس المنظمة الآثورية الديمقراطية الملفان الكبير شكري جرموكلي في القامشلي .
كان له دور كبير في قيادة الحركة التصحيحية في المنظمة سنة 1964 فقام مع رفاقه بعزل قيادة المنظمة وتشكيل قيادة جديدة .
في سنة 1965 دخل جامعة دمشق فرع كلية العلوم ، ثم عاد الى القامشلي في سنة 1968 ليمارس مهنة التدريس حتى سنة 1970 .
وفي سنة 1970 غادر سوريا الى المانيا مع كل من رفاقه ، صليبا إيليو ، وجورج سلمون ، وجان كردوسلي ، لحضور المؤتمر الثالث للإتحاد العالمي الآشوري ، وصدف وهو في طريقه جوا من بيروت الى اثينا إن تعرضت طائرته لعملية الإختطاف من قبل الفلسطينين , وبعد سلسلة مباحثات صعبة بين المختطفين وحكومة اليونان تم تلبية مطالب المختطفين وأفرج عن ركاب الطائرة وخرج نينوس آحو بسلام مواصلا رحلته الى المانيا .
في سنة 1971 وصل نينوس آحو الى شيكاغو واصبح عضوا فعالا في الأتحاد العالمي الآشوري ، وقد أشترك مع كل من رفاقه أبجر مالول ، وصليبا إيليو ، وجورج سلمون ، وأخرون بوضع النظام الداخلي لــ ( حزب آشور ) لينقله معه المرحوم ملك يعقوب إسماعيل ، بطل العودة ، الى العراق .
في سنة 1975 تم عقد قرانه على الآنسة أوغاريت بقّال ( وبينما هو في فترة شهر العسل في لبنان ، إندلعت الحرب الاهلية فإضطر الى العودة الى شيكاغو في السابع من ايار من نفس السنة .
رَزَقه الله بأربعة أطفال أسمائهم هي التالية : رومراما ـــ زلكي ــــ ديلمون ــــ إنليل .
في سنة 1988 إنسحب من الإتحاد العالمي الآشوري ، ثم قرر في سنة 1991 أن يعود الى الوطن مع كافة أفراد عائلته ليكون مثالا يُحتذى به لمن يرغب بالعودة الى وطنه , وبقي في الوطن في مدينة حلب حتى سنة 2002 حيثُ إضطره مرضه أن يعود الى أمريكا ثانية .
yakdannissan@hotmail.com