حكومة المالكي الجديدة ومحنة الشعب والوطن!
29/12/2010من غرائب الأمور أن يتحدث رئيس الوزراء السيد نوري المالكي في حفلة تنصيبه وتشكيل الحكومة العراقية العتيدة بقوله أنه غير راضي عن تشكيل هذه الحكومة!، بل وأضاف أن لا أحداً راضٍ بها، وتلك هي المهزلة الكبرى.
وفي واقع الأمر إن ما قاله المالكي يمثل الحقيقة المرة، فقد تشكلت الحكومة بعد مخاض عسير دام ثمانية أشهر من الصراع بين المالكي وعلاوي، ونتيجة لإصرار المالكي على التمسك بمنصب رئاسة الوزارة مهما كانت الوسائل والسبل، فقد أخذ الطرفان المتصارعان على السلطة يمارسان عملية المساومات مع بقية الكتل السياسية لضمان الحصول على دعم كتلهم في المجلس النيابي، وطبيعي أن تلك المساومات جاءت على حساب الشعب والوطن، حتى بات الشعب والوطن أشبه بملكية شخصية للمتصارعين المالكي وعلاي، واشتدت التدخلات والضغوط الإقليمية والدولية لدعم المتنافسين، وبدأت التنازلات التي قدمها المالكي لقادة الكتل السياسية تتوالى، فقد تعهد لمقتدى الصدر بإطلاق سراح المعتقلين والمسجونين من أعضاء ما يسمى بجيش المهدي الذين ارتكبوا أبشع الجرائم بحق الشعب العراقي خلال الحرب الأهلية التي أشعلوها عامي 2006 و2007، والتي استهدفت تفريغ بغداد من أبناء الطائفة السنية، وبالفعل تم تهجير 4 ملايين مواطن عراقي من ديارهم هرباً من الموت على أيدي هؤلاء القتلة المجرمين وبينهم 160 عنصراً محكوم عليهم بالإعدام من قبل المحاكم العراقية، وزاد المالكي بأن منح للكتلة الصدرية 5 وزارات بينها منصب نائب رئيس الوزراء مكافئة لهم على جرائمهم بحق الشعب والوطن، متناسيا عشرات الألوف من الضحايا الذين فقدوا أرواحهم على أيديهم.
ومن جهة أخرى مارست القيادة الكردية ضغوطها على المالكي لكي يوقع لها على تنفيذ قائمة ضمت 19 عشر بنداً من المطالب لقاء تأييد ترشيحه لرئاسة الوزارة، من بينها فرض إعادة انتخاب السيد جلال الطالباني رئيساً للجمهورية، وإعادة تعيين السيد هوشيار زيباري وزيراً للخارجية، وضم مدينة كركوك والمناطق التي دعيت بالمتنازع عليها، والتي تضم نصف محافظة الموصل وديالى لدولة السيد البارزاني، بالإضافة إلى الاعتراف بعقود النفط التي وقعتها حكومة البارزاني خلافاً للدستور والقانون، ومسألة تمويل قوات البيشمركة وتسليحها من الميزانية الاتحادية، علماً أن هذه القوات الكردية لا تتلقى أوامرها من القائد العام للقوات المسلحة الذي هو رئيس الوزراء المالكي، بل من قبل رئيس الاقليم البارزاني، وغيرها من المطالب الأخرى التي تضمنتها ورقة السيد البارزاني، وكل ذلك من أجل أن تصوت الكتلة الكردية لتولي المالكي منصب رئيس الوزراء، وهكذا باتت مصالح الشعب والوطن سلعة يتاجر بها السيد المالكي.
ومما زاد في الطين بلة أن قادة الكتل السياسية قد فرضوا على المالكي توزير شخصيات غير معروفة بكفاءتها، ولم يستطع المالكي الذي أحرجه الوقت لتشكيل الوزارة رفض الوزراء المفروضين عليه، واضطر للرضوخ والقبول بهم ، وهذا هو السبب الذي دفعه للقول عن عدم رضائه عن تشكيل الوزارة الجديدة، ولا احد رضي عنها.
فإذا كان السيد المالكي غير راضٍ عن الوزارة، فهو الذي سيتحمل بكل تأكيد مسؤولية النتائج التي ستتمخض عنها أعمال وزارته التي جاءت نسخة من الوزارة السابقة حيث المحاصصة الطائفية والعرقية هي التي جرى تأليف الوزارة بموجبها، والتي تفتقد الكفاءة والانسجام الذي تتطلبه المرحلة الحرجة التي يمر بها العراق.
كيف سيحكم السيد نوري المالكي العراق؟
وكيف يستطيع أن يلبي الشروط المفروضة عليه؟
وكيف يستطيع إيصال السفينة التي يقودها 42 ملاحاً إلى شاطئ السلام؟
فإن استجاب السيد المالكي لشروط القادة الكرد حول ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها فسينهار ائتلافه الوزاري عاجلاً أم آجلا، وسيخسر إلى الأبد أي انتخابات برلمانية يخوضها مستقبلاً، وسيدمغ الشعب العراقي حكمه بكونه قد فرط بمصالح الشعب والوطن، وتنكر للقسم الذي اقسمه حين تولى رئاسة الوزارة.
وفيما يخص عودة عصابة جيش المهدي السيئة الصيت إلى الواجهة من جديد بعد العفو عنهم، فسوف يعني ذلك استمرار حالة الفوضى في البلاد، واستمرار الإرهاب بكل اشكاله وصوره، النفسية منها والجسدية، لينخر بالمجتمع العراقي من جديد، وهذه العصابة المجرمة على الرغم من ضغط ملالي طهران على زعيمهم مقتدى الصدر لتأييد ترشيح المالكي لرئاسة الوزارة، إلا إن هذه العصابة لن تغفر للسيد المالكي حملته العسكرية التي خاضها ضدهم في البصرة ومدينة الثورة.
والمالكي نفسه كما اعتقد ينتابه نفس الشعور تجاه هذه العصابة التي أوشكت أن تصفيه مع كل أفراد حمايته في معارك البصرة، بعد أن حاصرته تلك العصابة، لولا تدخل القوات العسكرية الأمريكية التي استطاعت فك الحصار المحكم حوله وإنقاذه من موت محقق، هو وسائر حمايته ومرافقيه.
كيف سيستطيع المالكي قيادة الدولة، وبناء مؤسساتها المدنية منها والعسكرية وهو الذي يعتمد على كادر يضم الآلاف من المزورين لشهاداتهم، والتي أدانتهم هيئة النزاهة المشكلة من قبل حكومة المالكي نفسها، وقدمت ما يزيد على 2500 من المزورين الذين يتبوأون أعلى المناصب في أجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية، من وزراء ونواب ومدراء عامين، همهم الشاغل كيف يغرفون من المال العام في أقصر وقت ممكن لكي يتحولوا إلى ملياديرية العهد الجديد!! بعد أن كان معظمهم يعيش على المساعدات الاجتماعية في بلدان اللجوء بأوربا وأمريكا !!.
ومن المفارقات العجيبة أن يسعى رئيس الوزراء المالكي إلى إصدار عفو عن هؤلاء المزورين الذين مكانهم الطبيعي ينبغي أن يكون السجن بجريمة مخلة بالشرف، فهؤلاء الفاسدين المزورين لا يمكن أن يبنوا بلداً على الإطلاق، بل يزيدوا في تخريبه.
ثم أن محاولة السيد المالكي بإصدار عفو عنهم تشكل أكبر إساءة لسمعته باعتباره يغطى على المزورين والفاسدين، وهذا العمل بحد ذاته يحاسب عليه القانون، حتى لمجرد التستر عليهم فما بالنا والمالكي يريد استصدار عفو عنهم لكي يشجعهم ويشجع غيرهم على نفس السلوك.
لقد غدت شهادات الدكتورا تباع في سوق مريدي، وفي قم بأبخس الأثمان لهؤلاء الأميين الجهلة لذي لا يمتلكون أية مؤهلات تؤهلهم لشغل المناصب التي يتمتعون بها حالياً بعلم وقبول السيد المالكي. وهذا ما دفع العديد من حملة شهادة الدكتورا إلى الدعوة لحرق شهاداتهم بصورة علنية في ساحة الفردوس احتجاجاً على موقف رئيس الوزراء المالكي.
لقد باتت دولة العراق كما وصفها الشاعر بحر العلوم تماماً ، حيث قال:
دولة يُؤجر فيها كل أفـاكٍ عنيدِ
أجره لا عن جهودٍ بل لتعطيل الجهودِ
العراق اليوم في أزمة خانقة لا فكاك منها، والشعب العراقي في محنة يصعب الخروج منها، وهو في وادٍ وحكومته وبرلمانه في وادٍ آخر يفصل بينهما جبال شاهقة، وستمضي الأيام والأشهر والسنين، والشعب يتملكه الدوار والحزن والأسى والندامة، فهو الذي يتحمل مسؤولية وصولهم إلى قمة السلطة دون أن يتعلم الدرس من الانتخابات السابقة، وقديماً قيل: المرء لا يلدغ من جحرٍ مرتين، لكن الشعب لُدغ ثلاث مرات دون أن يتعض!!.
موقع حامد الحمداني الجديد
www.Hamid-Alhamdany.blogspot.com