حل الازمة يكمن في الدستور
طرحت فكرة الانتخابات المبكرة كمخرج دستوري من استمرار ازمة نظام الحكم وبلوغها مستوى مقلقا، بعد ان اصبحت الاجواء السياسية مشحونة، وطغى الخطاب المتوتر والتصريحات الحادة، فضلا عن الاتهامات المتبادلة ، في العلاقات السياسية. ومن جانب اخر فقدت "المبادرات" قيمتها، وتراجع حماس الشخصيات الداعية والراعية لها، نظرا الى عدم الاستجابة لحضور الاجتماعات المشتركة، والتصريح بعدم جدواها. وهناك ايضا شعور بعدم جدية التعاطي مع المبادرات، الى جانب المماطلة والتسويف في بحث القضايا الخلافية، وعدم وضع النقاط على الحروف، والابتعاد عن البحث الجدي في اسباب الازمة، والتهرب من وضع مخارج جذرية لها، تجنب البلاد المزيد من المخاطر.وتبدو فكرة الانتخابات المبكرة معقولة وواقعية، خاصة وان المقترحات الاخرى للخروج من الازمة تزيد الاوضاع توترا. فلا تكريس المحاصصة في اعادة توزيع المناصب هو الحل، مهما استخدمت من اجل ذلك لغة المواربة والكلمات الحريرية (الترشيق، استكمال توزيع المناصب الامنية، اعادة تعريف مجلس السياسيات وشرعية تشكيله، حسم ترشيح الشخصية التي من المفترض ان تتولى رئاسته). كما ان بقاء الحال على ما هو عليه يعني الاستسلام، والقبول بالقدرية، وانتظار المزيد من المصائب. وبكلمات اخرى ابقاء الازمة مفتوحة في بلد مضطرب، غير مستقر، يعج بمشاكل كبيرة تهدد بالانفجار في اية لحظة. ومن جهة اخرى لم تعد فكرة الانقلاب العسكري مستساغة، فالحل لا يكمن في قيام الحكم الفردي، والمنقذ ليس "المستبد العادل" كما يحلو الترديد بين فترة واخرى للمتذمرين من الخيار الديمقراطي، المنشدّين الى الماضي الدكتاتوري، والعاجزين فكريا عن انتاج حلول دستورية.
ما تقدم يتيح الاستنتاج ان استمرار الوضع الحالي غير ممكن، ومبادرات "تبويس اللحى" فقدت بريقها، والانقلابات ولـّت دون رجعة. لذا فالحل لابد ان يكون ضمن الاطر الدستورية والشرعية، ولا خيار غير التبكير في اجراء الانتخابات، وهو مخرج ممكن واقل كلفة من الحلول سالفة الذكر. هذا الحل الذي يحمل في طياته اجابة كبيرة على الطروحات التي تنطلق من العبث واللاجدوى، والتي تطرحها بعض القوى وتدافع عنها، في مسعى لتأبيد الواقع المر عبر اثارة العجز، واضعاف ثقة المواطنين بقدرتهم على احداث التغيير المطلوب.
ان أعادة الانتخابات حل في اطار الديمقراطية، وليس خارجا عنها، وهو يعني في ما يعني تكريس التفكير بالمخارج الديمقراطية لاية ازمة سياسية، وترسيخ ثقافة الرجوع الى الشعب لتجاوز الازمات. ومن الخطأ استهجان ذلك، اوالاستهانة به، لان الشعب هو مصدر السلطات، وهو صاحب المصلحة الحقيقية في الاستقرار. اما ذريعة الكلفة المالية لاجراء الانتخابات، فهي لا تزيد على موارد اسبوع واحد من تصدير النفط، في حين تبلغ الكلفة المالية لبقاء الازمة مفتوحة عشرات اضعاف ذلك. هذا بجانب كلفها الباهضة على الاصعدة الاخرى، وانعكاساتها السلبية على الاستقرار والامن والتنمية والبناء. كذلك ليس صحيحا اشاعة اليأس من حدوث تغيير، وتصوير الامور وكأنها ستعيد انتاج نفسها بالتمام. فذلك هو منطق العاجز غير المطلع على حركة التاريخ. مؤكد ان الوضع سيشهد تغيرا، مهما بدا صغيرا وغير ملحوظ، وهو سيؤثر بقدر او بآخر. فهناك تغييرات سيفرزها الصراع داخل الكتل ذاتها، وما ينعكس في تشكيل كل قائمة على حدة، وعلى التحالفات الانتخابية. اما الرهان الكبير فسيكون على قناعات المواطنين وتبديل خياراتهم في نسب معينة، ما سيرسم ملامح وضع آخر غير الذي نعيشه الان.
كما ان الذهاب الى هذا الحل الديمقراطي يتطلب حزمة اجراءات وتشريعات، منها تشريع قانون الاحزاب الذي يتوجب ان يكون ديمقراطي المضمون، وتعديل قانون الانتخابات بشكل يوفر مبدأ العدل والانصاف، وتشريع قانون للحملات الانتخابية يحدد فيه سقف الانفاق، واعادة تشكيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، بعيدا عن المحاصصة والاستحواذ، الى جانب اجراء احصاء سكاني عام. ومن المؤكد ان حسن صياغة هذه المشاريع، سيساعد في احداث تغييرات كبيرة.
مؤكد ان قرار حل البرلمان تضمنه المادة الدستورية 64، وهو ما لا يمكن اعتماده الا عبر قناعة البرلمانيين وتصويتهم. لكن هذا لا يعني ان القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني وحركة الاحتجاج والشباب ونشطاء الفيس بوك لا دور لهم. فهم جزء اساسي من صناع الراي العام والمؤثرين فيه، ومن كاشفي الحقائق وموقدي مشاعل الامل، المروجين لقيم الديمقراطية، والمبصّرين بالحلول الديمقراطية ومخارجها الشرعية، والتي مهما كانت صعبة فانها اقل كلفة من الحلول غير الدستورية، وانجح من تلك التي يقررها افراد مهما كانت مناصبهم وارتباطاتهم وامكانياتهم.