Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

حلان لثلاثة تحديات

ثلاثة تحديات تواجه العملية السياسية، وحلان لا ثالث لهما، يمكن ان يجنبا البلاد نذر مخاطر حقيقية، وشيكة الوقوع، سيما وان تشبثت هذه الشخصية او تلك بأحقية تشكيل الحكومة اصبح عنوان الازمة المستفحلة. وقد كذبت التصريحات التي ادعى البعض من خلالها بانهم حملة برامج تهدف الى خدمة الشعب العراقي واحترام حقوقه وحفظ كرامته. واثبت المسار الفعلي للاحداث بطلان الادعاءات ان مساعي البعض لتحمل المسؤوليات هي من اجل بناء مؤسسات العراق بعيدا عن المحاصصة والحزبوية الضيقة، ومن اجل اعادة بناء العراق واعماره. وبدا للعيان ان الاصرار على المواقف المتشددة التي لا تتزحزح قيد انملة، في حين تتعمق الازمة وتتداخل حتى غدت تهدد بكارثة حقيقية، وضع البلاد أمام مفترق طرق، لا تفضي نهايته الى ما كان يأمله الشعب حينما اختار القائمة التي تمثل طموحاته في الامن والاستقرار والبناء واعادة السيادة واستكمال الاستقلال.



يكمن التحدي الاول في الخروقات الدستورية التي استسهلها البعض في حينه؛ الدستور الذي صُـوّر للعراقيين يوم الاستفتاء بانه احد الوثائق المقدسة التي تحفظ الحقوق وتحمي المؤسسات، وتؤمن الطريق امام ترسيخ الديمقراطية وتضمن حقوق المواطن وتحفظ حقوق الانسان. هذا الدستور الذي صوتت لصالحه الاغلبية من الشعب، استخدمه البعض كورقة التوت لستر العورات، واستغل كمنفذ للدوران على الازمة، دون البحث عن حلول ناجعة تكفل عدم التجاوز عليه من جهة، وتؤمن تنفيذ بنوده كما هي شروط الديمقراطية وقوانينها، من جهة اخرى. فلا زالت جلسة البرلمان مفتوحة ولا يستطيع احد التكهن بموعد غلقها، ويبقى ممثلو الشعب في اجازة مفتوحة ايضا، منحهم اياها رؤساء كتلهم الذين استعصى عليهم ايجاد حل يؤمن للعراق السير في طريق الديمقراطية. وبانسداد افق الحلول العقلانية لحالة الاستعصاء، والاصرار على انتهاك الدستور، يكون العراق قد وضع خطواته الهشة التي سار بها من اجل الديمقراطية في هاوية الردة بغض النظر عن المبررات. وبهذا لم تبق للدستور قيمة بعد ان انصبت جهود السياسيين ليس على إحترامه بل للتحايل على بنوده.



اما التحدي الثاني فهو التدخل الاقليمي الذي بدا واضحا في الانتخابات، وبشكل لم يخجل منه البعض الذي ارتضى ان يكون بيدقا بيد هذه الدولة او تلك. هذه الدول التي رمت كل واحدة منها بثقلها لتستثمر في خيرات العراق ومستقبله السياسي والاقتصادي، وعلى حساب مصالح الشعب العراقي وحقه بموارده. وغاب عن الاوساط التي ارتضت تقبل هذا الدعم ان الدول الاقليمية حينما ترسم سياساتها خارج حدود دولها، فإن هذا يدخل ضمن خططها الاستراتيجية والتي تنطلق فيها من مصالحها الخاصة، فالمصالح الاقليمية لا تنسجم بالضرورة مع مصالح الشعب العراقي، بل تتناقض معها، كونها لم تحدد وفق المصالح المشتركة، ومبادئ حسن الجوار. ويبدو ان البعض فاته فهم حقيقة ان اولويات الدول الاقليمية هي غير اولويات الشعب العراقي، فالعامل الاقليمي يتعامل مع المرتهنين كأدوات صغيرة ضمن لعبة استراتجية الصراع الدولية، التي سرعان ما تستغني عن اي واحد منهم، ان تطلبت شروط اللعبة ذلك. لذا فالحركة التي تشهدها الساحة الاقليمية بحثاً في تشكيل الحكومة العراقية، بدت للعراقيين "حركة بدون بركة" كون زمام الامور، كما يحلو للعراقيين تسميته، ليس بيد زعمائنا.. ما وضعهم موضع التندر وقلل من هيبتهم كزعماء للعراق.



اما التحدي الثالث فهو امكانية قيام الانقلاب العسكري. وهذا امر ليس غريب عن التاريخ السياسي، خاصة وان فرصته تكون مواتية ومرحباً بها من قبل اوساط الناس في وقت اشتداد الازمة وانغلاق الافاق. صحيح ان وقت الانقلابات قد ولى، لكنه لم ينتف تماما. وصحيح ايضا ان هذا الاحتمال كان مستبعدا خلال الفترة السابقة، بسبب ثقل وجود الاحتلال. لكنه يبقى احتمالا ممكنا، وربما سيرحب به الامريكان كحل ممكن للازمة المستفحلة، خاصة بعد استعدادات الجيش الامريكي للانسحاب. وبذلك يكون المحتل قد ازاح عن كاهله مسؤولية ما، باسم عدم التدخل في الشؤون الداخلية! والحقيقة ان الانقلاب ان حصل فلن يكون الا اعادة للاحتلال بصيغة اخرى.



حين نؤشر هذه الاحتمالات فإننا لا نصطنع المخاطر بل نتحسس مفاعيلها، ولا نبتغي اشاعة اليأس والاحباط، وانما نسعى الى تنبيه المواطن الى المخاطر الجسيمة التي تقف عند اعتاب هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق المعاصر. لكننا ونحن نضع هذه الاحتمالات ونصورها، نؤكد وجود امكانيات للحل تتلخص بطريقين لا ثالث لهما: الاول: هو ان يشعر المتنفذون بالمخاطر الجسيمة هذه وتداعيات كل منها على العملية السياسية، والتي ستجرف الكل في تيار مخاطرها. ولن يمكن لاي منهم النجاة من تداعياتها، وهذا يتطلب منهم، بالتالي، تقديم التنازلات المتقابلة وأخذ مصلحة العراق وحاجات الشعب العراقي بعين الاعتبار، وقبول فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية، بعيدة عن ان تعيد المحاصصة بكل الاحوال. وإذا قدر لهذه الحكومة الاستمرار بتنفيذ المشروع الوطني فهذا امر جيد، وان لم تتمكن من تحقيق ذلك فيمكن لها عندئذ ان تعد لانتخابات مبكرة كي يعاد تشكيل الخارطة السياسية وفق استحقاقات انتخابات جديدة. ويمكن للبرلمان، في اثناء ذلك، ان يشرع قانون الاحزاب ويعدل قانون الانتخابات، ويعيد تسمية المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وفق الكفاءة والنزاهة وبعيدا عن المحاصصة البغيضة.



والحل الثاني: هو تسمية الحكومة الحالية حكومة تصريف اعمال، واعادة الانتخابات سريعا، ومنح الشعب العراقي فرصة المشاركة وتحمل المسؤوليات في ايجاد مخرج حقيقي من هذه الازمة. ومن المؤكد ان النتائج التي ستتمخض عنها الانتخابات، ان حدثت، ستعيد تشكيل الخريطة السياسية، وتعيد ترتيب الاوراق. وبهذا نكون قد وضعنا حدا لانتهاكات الدستور، والتدخل الاقليمي، وسددنا الطريق امام فكرة الانقلاب والذي هو، في الجوهر، انقلاب على العملية السياسية وطريق الديمقراطية صعب ومكلف ايضا.
Opinions