Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

حوار خاص مع الاستاذ نزار حيدر: مدير مركز الإعلام العراقي في واشنطن / الجزء الثاني والاخير

13/10/2008

شبكة اخبار نركال/NNN/
حوار الالغاء فاشل
الحوار الحضاري من منظور الاسلام
نحو علاقة افضل بين الشيعة والسنة
تجربة شيعة المنطقة الشرقية في الحوار الوطني

أجرى الحوار: الأستاذ المهندس غريبي مراد
(كاتب و باحث إسلامي جزائري)

الحوار الحضاري من منظور الإسلام
1- كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن صراع الحضارات و حوارها و التعارف بينها؟ ما هو تعريف الحضارة في تصوركم؟ و هل للإسلام تصور حضاري في الراهن العالمي بنظركم؟.

الجواب:
انا اعرف، بتشديد الراء، الحضارة بانها طريقة عيش الامم والشعوب، فالحضارة هي جواب على السؤال، كيف يفهم هذا الشعب الحياة؟ وكيف تعيش هذه الامة حياتها؟.
فالحضارة هي تلك المنظومة من الثقافات المتراكمة والقوانين والمدونات والتشريعات التي تنظم حياة الامة وتحدد علاقات افرادها، سواء مع بعضهم البعض الاخر، او مع الاخرين، من الشعوب والامم والحضارات، وان التقدم المدني والصناعي والتكنولوجي جزء من الحضارة وليس كل الحضارة، كما يتوهم البعض، فالحضارة مادة وروح، واذا كان المدنية هي مادة الحضارة، فان الفكر والثقافة هي روح الحضارة.
وللاسلام، بلا شك، تصور حضاري للراهن العالمي ولكل يوم، اذ ان له منظومة ثقافية متكاملة حددت المعاني السامية للحياة، كما انها حددت العلاقات الانسانية التي يجب ان يكون عليها البشر، سواء في اطار الامة الواحدة، او مجموع الامم والشعوب، ولقد لخصت الاية القرآنية المباركة التالية الهدف الاسمى الذي رسمته هذه المنظومة، بقول الله عز وجل { يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير} ولقد عبر القرآن الكريم عن الاختلاف في اللسان واللون بكلمة (الاية) كما في قوله تعالى { ومن آياته خلق السماوات والارض واختلاف السنتكم والوانكم ان في ذلك لآيات للعالمين} فالاختلاف آية، اي حجة، على عكس ما يتصوره البعض بانه سبب للتفرقة والتناحر والبغضاء.
كما ان للاسلام رؤية في الجانب المادي للحضارة، وردت في آيات قرانية كثيرة، منها في قوله عز وجل { يا معشر الجن والانس ان استطعتم ان تنفذوا من اقطار السماوات والارض فانفذوا، لا تنفذون الا بسلطان}.
تاسيسا على هذه الحقائق، فانا اعتقد بان البشرية ستصل في نهاية المطاف الى حقيقة (الحوار) بين الاديان والحضارات والشعوب والامم، بدلا عن الصراع او الصدام، كما يذهب الى ذلك فوكوياما، وان اي صراع نراه اليوم في العالم، انما سببه سياسي، فهو صراع من اجل البقاء او النفوذ وليس بسبب الدين او المذهب او القومية، وان اكبر دليل على ذلك، هي هذه الصراعات الدموية بين المسلمين انفسهم وبين المسيحيين انفسهم وبين العرب انفسهم وبين الكرد انفسهم، وهكذا، فلو كان الصراع غير سياسي وان سببه الدين او الحضارة او الاثنية فلماذا يتقاتل ابناء الدين الواحد والمذهب الواحد والقومية الواحدة؟.
نعم، هناك من يسخر الدين او المذهب لحسم بعض فصول الصراع، وهناك من يمتطي الدين او المذهب لحشد الراي العام وراءه، ولكن هذا لا يعني بان جوهر الصراع هو الدين او المذهب.

2- أليس من المبالغ فيه الحديث عن حوار مع الغرب؟ و نحن نجد الثقافة الإسلامية لا تتوالد بل تدور في حلقة مفرغة، بعكس الثقافة الغربية التي تثري الواقع الإنساني بالإبداع على مستوى العلوم كلها، حتى مجال الإسلاميات بحيث تدخلت في دراسة القرآن ؟.

الجواب:
لقد وضعت الاصبع على الجرح في هذا السؤال، فكما تفضلت فان مشكلة المسلمين على صعيد الحوار، هي انهم الان يجترون الافكار والثقافات، بعد ان توقفوا عن انتاجها منذ زمن ليس بالقصير، وللاسف الشديد، وان من ينتج الثقافة والفكر من المفكرين المسلمين باتوا اليوم يعدون بالاصابع، ولذلك فان كل ما نستشهد به اليوم على هذا الصعيد هو لمفكرين اموات، ظل المسلمون يستنسخون افكارهم جيلا عن جيل.
بالمقابل، فان مفكري الغرب ينتجون الافكار بشكل مضطرد، وعلى مختلف الاصعدة، ومن الواضح فان الامة التي تنتج الفكر هي التي ستعلو في نهاية المطاف، وهذا ما نراه اليوم في هذا العالم الذي نعيشه، لان البشرية تنهض بالفكر اولا، فماذا يبقى لامة تستهلك الفكر ولا تنتجه ولا تبدع فيه؟.
من هنا اعتقد انه لو اراد المسلمون ان يتركوا بصماتهم على مسيرة البشرية وعلى هيكل الانسانية الضخم، كما فعلوا ذلك من قبل، فان عليهم ان يتجهوا صوب انتاج الفكر والثقافة العالمية التي تساهم في انتاج الحلول لمشاكل البشرية، وتقدم نماذج جديدة يمكن ان تكون سببا في استشراف المستقبل.
ان على النظام السياسي الحاكم في بلداننا ان يرفع يديه عن الثقافة والفكر ليتمتع المفكرون بالحرية الكافية التي تمكنهم من الانتاج والابداع، كما ان على (السلطة الدينية) في مجتمعاتنا ان ترفع يدها قليلا عن الفكر فتقلل الخطوط الحمراء ومساحات المسكوت عنه او اللامفكر فيه، ليتسنى للمفكرين الانطلاق بشكل جديد في فضاءات الفكر الاسلامي العملاق، ليساهموا بشكل جدي ومثمر وحقيقي في انتاج الفكر المعاصر الذي يتلاءم وحاجات العصر الحالي، وذلك هو التحدي الاكبر الذي يواجه المفكرين المسلمين للاجابة على السؤال، فيما اذا كان الاسلام لكل عصر ومصر ام انه للماضي فقط؟ وبالتاكيد لا يمكن للمسلمين ان يجيبوا على هذا السؤال بشكل عملي وواقعي اذا كان مفكريهم يعيشون الرهبة والخوف من سياط المتحجرين وسيوف فقهاء التكفير والتخلف والقدسية المزيفة، ومحاكم التفتيش التي نصبتها السلطات الحاكمة، والتي تجوب مراكز البحث والتعليم والدراسات ليل نهار، بحثا عن رؤوس اينعت وحان قطافها، على حد قول طاغية العرب الحجاج.
وبسبب كل ذلك نرى ان جل من (ينتج) الافكار انما هو في الحقيقة ينتج انشاءا وليس افكارا من العيار الثقيل، لان منتجي الافكار اليوم مكبلون باكثر من سلسلة حديدية يجب عليهم ان ينتبهوا اليها اذا ارادوا ان يحتفظوا برؤوسهم فوق اكتافهم، فهو يسيرون في حقول الغام، عليهم ان ينتبهوا الى موطئ اقدامهم خشية ان ينفجر لغم فيهم وهم يهمون بانتاج فكرة حقيقية، اكثر من انتباههم الى الفضاءات العالمية.
ان علينا جميعا تقع مسؤولية نقليص مساحات اللامفكر فيه، ومساحات المحرمات الفكرية والثقافية، من اجل حرية اكبر للمفكر، واذا كان الفقهاء والعلماء يخشون الانفلات الفكري والثقافي اذا ما تقلصت مثل هذه المساحات، فليبادروا هم لتنظيم هذه العملية الفكرية الهامة جدا فيشرفوا على الانتاج الفكري الحر من خلال المتخصصين والمبدعين من مثقفي ومفكري الامة، اما ان لا يبادروا هم الى ذلك، ويرعبوا الاخرين حتى لا يفكروا بمثل هذه المبادرة، فهذا يعني انهم يساهمون بموت الامة، شاؤوا ام ابوا، لان امة لا تنتج فكرا لهي امة ميتة او في طريقها الى ذلك، فهي ميت الاحياء ان شئت.
ان على فقهاء الامة الحقيقيين، ان يحموا المفكرين من الغوغاء وانصاف المتعلمين، الذين نصبوا انفسهم حكاما على الفكر وعلى الفقه وعلى الدين، كما ان على علماء الامة الحقيقيين ان يحرموا دم المفكرين، فلا يقتل انسان بسبب فكرة او راي، مهما كانت، فالمفكر ثروة انسانية ودينية ووطنية، ينبغي الحفاظ عليها وعدم هدر دمها على يد المتسولين على الدين والفكر لابسط راي واصغر فكرة.
لقد حمى الاسلام الفكر الحر، مهما كان مصدره، ولذلك شرع بان يجادل الفكر بالفكر، فهو لم يدع الى مجادلة الفكر بالرصاصة او السيف او السيارات المفخخة والاحزمة الناسفة، والى هذا المعنى اشارت الاية القرانية الكريمة { ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين} وبالمناسبة فان حديث الجدال هنا هو الخالق، وهو اعظم واخطر حديث، لانه يمس موضوعة التوحيد، فاذا كان الاسلام قد حمى الفكر الذي يناقش في وجود الخالق، فكيف باي فكر آخر يناقش اي موضوع آخر، هو بالتاكيد ليس بمثل خطورة وحدة الخالق؟.
يجب ان ننتبه الى ان من يعبث بارواح ودماء المفكرين بسبب فكرة، يعتقد بانها تمس مقدساته وثوابته، فانه سيعبث بدم اي مفكر آخر لمجرد الاختلاف معه في قضية من القضايا الفكرية، وهذا ما نراه اليوم ونسمعه ونقراه عمن يهدر دم الاخر، حتى اذا كان مسلما، لمجرد اختلافه معه في راي او فكرة.

3- أنتم كباحث و إعلامي و مثقف ، بنظركم هل هناك حضور مؤثر للمثقف الديني الإسلامي في حرب الأفكار التي أطلقها الغرب؟ و هل دخلنا فعلا في حوار حضارات ؟.

الجواب:
للاسف لا، فكما قلت قبل قليل، فان المفكرين المسلمين يعيشون اليوم مرحلة الاجترار، اجترار الافكار، وليس خلقها وابداعها وانتاجها وصناعتها، وما لم ينتقل المفكرون من مرحلة الاجترار الى مرحلة الانتاج فان من الصعب بمكان ان نتصور لهم دور يذكر فيما اسميته بحرب الافكار وفي حوار الحضارات.
هناك نقطة في غاية الاهمية بهذا الصدد، وهي، ان من ينتج من المفكرين المسلمين، لا يقدم انتاجه بلغة العصر من ناحية الخطاب والصياغة، كما انه لا ينتج باللغات الحية ليسجل حضورا حقيقيا في الساحة العالمية، وهذا القصور او التقصير تتحمل مسؤوليته المؤسسات الثقافية ودور الطباعة والنشر التي يجب ان تتحمل مسؤوليتها لنقل الانتاج الفكري الى مائدة الحوار الفكري العالمي، حتى لا يظل حبيس اللغة المحلية.
يجب ان يسجل الفكر الاسلامي المعاصر والحديث حضورا في نوادي الفكر العالمي، والمتمثلة بالجامعات ومراكز البحث والدراسات والمؤسسات الفكرية والثقافية المعنية بذلك، كما ان عليه ان يسجل حضورا في المكتبات العالمية ليقف الى جانب فكر الاخرين، ليقارن فيما بينه وبينهم، وبالمقارنة سيكتشف العالم حقيقة ما يمكن ان يمثله هذا الفكر من وزن في الساحة العالمية، ولا ننسى ان هناك الكثير الكثير جدا من المفكرين الغربيين المنصفين الذين يمكن ان يساعدوا على ذلك، من منطلق ايمانهم بان تعدد الثقافات في العالم عامل مساعد على التعايش والتفاهم بين الامم والشعوب، وتاليا على تحقيق الامن والسلم العالمي، من خلال المساهمة في تقليص مساحات الصدام والتقليل من المساحات المازومة ثقافيا وفكريا.
على العكس من ذلك، نرى كيف ان الفكر الغربي الذي ينتج اليوم بلغته اذا به في كل مكتبات العالم وبمختلف اللغات، ولذلك فان المفكرين الغربيين يسجلون حضورا دائما في كل مكان، على العكس من المفكرين المسلمين الذين ان سجلوا حضورا ففي ساحاتهم او مساحاتهم المحددة، وكلنا يعرف مدى اهمية حركة الترجمة في نقل الفكر وتدويره في هذا العالم، قديما وحديثا.
تصور، مثلا، ان مجلة واحدة، كالمختار، تصدر شهريا في (25) لغة عالمية حية، وتطبع باكثر من (60) مليون نسخة، وهذا المثل يمكن ان يعطينا تصورا عن حركة الفكر والثقافة الغربية، على العكس من نتاج المسلمين، اذ لم نسمع يوما ان مجلة او كتابا طبع بعدة آلاف نسخ، واذا طبع بمثل هذا العدد فنصفه او اكثر يخزن في الارشيف، لتاكله الارضة بمرور الوقت، وان هذه الامثلة اشارة الى دليلين، الاول هو اننا لا نقرا وانهم يقرأون، والثاني هو انهم ينتجون فكرا قويا ونحن ننتج فكرا ضعيفا.
هذه هي الحقيقة وليغضب من يغضب من المسلمين.

4- هل تغيرت نظرة الغرب للإسلام و المسلمين؟ أم هناك مدارات عدة تتحكم في النظرة مما يجعلها مبهمة المعالم؟.

الجواب:
منذ القدم اختلفت النظرة عن الاسلام لدى الغرب، فاختلف الغربيون انفسهم وفيما بينهم في هذه النظرة.
بعبارة اخرى، فان النظرة تكون ايجابية ومتفاعلة مع الاسلام اذا رجحت كفة العقلاء والمتنورين والمعتدلين من المفكرين الغربيين على كفة المتطرفين منهم، اذ عندها سنسمع دعوات الحوار والتفاهم والتعايش تنطلق من الغرب، والعكس هو الصحيح، فاذا طغت لغة المتهورين والمتطرفين من المفكرين الغربيين على لغة العقلاء، فاننا سنسمع دعوات التصادم والتدمير والالغاء التي ستطغى على لغة الغرب ازاء الاسلام.
واليوم، وبسبب التحديات الكبيرة التي يواجهها الغرب، والتي انتجتها له سياساته الرعناء ازاء قضايا الشعوب المستضعفة، وخاصة شعوب العالم العربي والاسلامي، وكذلك بسبب تحديات تداعيات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) وفي محاولة من عقلاء المفكرين الغربيين لامتصاص الصدمة، فاننا نسمع اليوم الكثير من دعوات الحوار للتفاهم وتاليا للتعايش مع الاسلام، كقيم انسانية نبيلة يمكن ان يفهمها الغرب ويتفهمها بدلا من ان يصطدم معها فيفجر نقاط الخلاف.
في الولايات المتحدة الاميركية، مثلا، هناك اليوم توجه واضح لدى عدد كبير من الجامعات المرموقة لادخال مادة (الدين الاسلامي) في المناهج الدراسية، كما ان هناك اقبالا ملحوظا من قبل الطلاب لدراسة هذه المادة، ولعلكم قراتم الاحصائية الاخيرة التي نشرت الاسبوع قبل الماضي والتي اشارت الى ان الاسلام في اميركا هو من اكثر الديانات سرعة في الانتشار، كما اشارت دراسة سابقة الى ان القران الكريم هو من اكثر الكتب مبيعا في الولايات المتحدة الاميركية، يقتنيه الناس للتعرف على الاسلام وحقيقة دعوته الانسانية.
نحو علاقة أفضل بين الشيعة و السنة
1- الاسناذ نزار، الأكيد أن كل من المذاهب الإسلامية بحاجة إلى ترتيب أموره لإنجاح الوفاق الإسلامي و التعايش، هل من المنطقي أن يتحاور مذهب من مدرسة ككل مع مدرسة، أقصد هل هناك توازن في معادلة اللقاء الشيعي الوهابي أم ليس بعد؟.

الجواب:
بالتاكيد ليس بعد، وذلك للاسباب التالية:
اولا: ان الفكر الوهابي لا زال يعتقد بنظرية (شعب الله المختار) لاتباعه، فلهم وحدهم الحق في ان يعيشوا وينشروا افكار مذهبهم، لانه الوحيد على حق، وان باقي المذاهب على باطل ولذلك فليس لها الحق في ان تعيش او ان تبشر برسالتها وافكارها ومبادئها، وان الفتوى التي صدرت قبل ايام معدودات على لسان (الداعية) القرضاوي لهي اكبر دليل على ما اذهب اليه بهذا الصدد.
ولهذا السبب نرى ان الوهابية تسخر كل الطرق والاساليب الماكرة والملتوية والهدامة للوصول الى هدفها والمتمثل بتدمير الاخر لا زال لا يوافقها الراي والفكر.
لقد سخرت الوهابية القتل والتدمير والتفجير والذبح والقتل الجماعي وكل شئ من اجل العلو على الاخرين، لانها لا تعترف بهم ولا تستطيع ان تراهم يعيشون على وجه هذه البسيطة، فكيف يمكن ان نتصور حوارا منطقيا وموزونا مع مثل هذه النماذج التكفيرية التدميرية الهدامة؟.
ثانيا، ان الوهابية تسخر الفتوى الدينية لالغاء الاخر، ولذلك عرف عنهم دون سواهم الفتاوى التكفيرية التي تخرج الاخرين عن الملة والدين.
وان (مذهبا) يكفر الاخر لمجرد انه يختلف معه بالفكر والراي كيف تريده ان يقتنع بالحوار او ان يركن الى الحوار كاسلوب ديني وحضاري للتعايش مع الاخرين؟ بالتاكيد لا يمكن ان نتصور مثل ذلك ابدا، الا ان يعترف الوهابيون اولا بالجميع وان لا يكفروا احدا اختلف معهم.
طبعا، ان ما يبعث على الاطمئنان هو هذا الصراع الخفي الذي دب مؤخرا بين اقطاب الفكر الوهابي بعضهم مع البعض الاخر، من جانب، وبينهم وبين الاسرة الحاكمة في الجزيرة العربية (السعودية) والتي نجحت في ترويض احد ابرز اعمدة الوهابية واقصد بهم (آل الشيخ) من جانب آخر.
كما ان الصراع العنيف الذي قد يتحول الى دموي في القريب المنظور بين اقطاب الوهابية، منذ انشقاق زعيم تنظيم القاعدة الارهابي عن ولاية سلطة الاسرة الحاكمة في الجزيرة العربية، وتكفيره لبعض فقهاء التكفير القابعين في السعودية، ان كل ذلك سيساعد الوهابيين في ان يعيدوا النظر في متبنياتهم المهترئة التي مزقت العالم الاسلامي ودمرت سمعة الاسلام لدرجة كبيرة.
ان الوهابيين بحاجة اليوم الى قليل من الشجاعة ليعترفوا بواقعهم المزري وبالمخاطر التي احدقت بالاسلام والمسلمين بسبب سياساتهم المدمرة والخطيرة.
يجب ان لا تاخذهم العزة بالاثم، فيبادروا الى التفكير بصوت عال من اجل حوار مع انفسهم اولا، لينتهي بهم، اذا ما كان حقيقيا، الى اعادة النظر في متبنياتهم الفكرية المنحرفة، وتاليا يمكن ان يندمجوا مع بقية المسلمين قبل ان يندمجوا مع البشرية على اختلاف اديانها وافكارها وعقائدها.

2- طيب، سبق لكم أستاذ نزار حيدر ، أن كتبتم حول موضوع الحوار الإسلامي – الإسلامي ، و كانت لكم قراءات متنوعة بتنوع أبعاد هذا المجال الحساس و المهم في آن واحد بالنسبة لمستقبل الأمة، فهل تعتقد أن أطروحة اللقاء و التفاهم بين الشيعة و السلفية السنية وهمية ، كما يتصور البعض؟.

الجواب:
دعني اثبت هنا قاعدة في غاية الاهمية بشان الحوار، اي حوار، وهي ان للحوار هدف سامي يبدا بالتعارف وينتهي بالتعاون مرورا بالتهدئة، فالمتحاور الذي يضع نصب عينيه هذا الهدف، سيكون الحوار بالنسبة له مثمرا ومنتجا، اما المتحاور الذي يحضر جلسات الحوار متربصا ليعد مثالب الاخر ليشهر به، فانه بالتاكيد لم ولن يصل الى نتيجة تذكر ابدا.
اعتقد ان جذر المشكلة في الحوار الاسلامي ـ الاسلامي، هو انه قائم على اساس الالغاء والاقصاء وليس على اساس التعارف وتاليا التعاون، او على الاقل التهدئة، بمعنى آخر فان المتحاورين عندنا يحضرون جلسات الحوار من اجل كسر الاخر وليس من اجل التعرف عليه للبحث في المشتركات لتحقيق مبدا التعارف والتهدئة، وهذه هي المشكلة الحقيقية، فاذا لم يتخلص منها الحوار الاسلامي ـ الاسلامي فاننا امام ازمة حوار ستستمر من دون نتيجة منظورة ابدا، خاصة اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار وجود اطراف عديدة تسعى لركوب موجة الخلاف بين المذاهب الاسلامية، انظمة حكم كانت ام اجهزة مشبوهة، لا فرق.
هناك بين المتحاورين من يعتاش على هذا الخلاف فكيف تريده ان يصل الى نتيجة من اي حوار؟ بالتاكيد انه يدفع دائما بالاتجاه المعاكس من اجل ان لا يصل الحوار الى بر معين.
خذ مثلا الوهابيون، فهؤلاء الذين غذوا الشارع (الاسلامي) بفكرة (شعب الله المختار) او (مذهب السماء المختار) فحاربوا الاخرين على هذه القاعدة وكسبوا المغفلين تحت هذا الشعار، وابعدوا الناس عن الفكر الاخر واسترهبوهم تحت هذا المسمى، ونشروا افكارهم الضالة في العالم بهذه الحجة، كيف تريدهم ان يشجعوا اي محاولة للحوار لتصل الى بر ما؟ بالتاكيد لا يفعلون ذلك، لان مثل هذه النتيجة الايجابية لاي حوار ستنسف قواعد تفكيرهم وتهد بنيانهم على رؤوسهم، ولذلك لم نسمع يوما ان وهابيا يعتد به حضر مجلسا او منتدى او مؤتمرا للحوار، حتى مؤتمر مكة الذي عقد قبل عامين تقريبا والذي اريد منه ان يكون قاعدة بين المذاهب الاسلامية في العراق لتحريم دم العراقيين وتجريم القتلة، رفض الوهابيون حضوره، بل رفضوا اصدار بيان بسطر واحد يؤيدون فيه المؤتمر ونتائجه، لماذا؟ لانهم هم من يدعون الى قتل العراقيين واستباحة دمائهم فكيف تنتظر منهم ان يؤيدوا مؤتمرا يدعوا الى تحريم سفك الدم العراقي؟.
بل ان عددا من اقطاب الوهابية التكفيرية حرموا حتى حضور جلسات مؤتمر الحوار الوطني الذي دعا اليه العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، لان مثل هذا الحوار يعدونه نوع من انواع الاعتراف بالاخر، وهذا ما لا يريدون ان ينجز على ايديهم، لاي طرف من الاطراف، لانهم غير مستعدين لمنح الاخر شهادة اعتراف ابدا، على حد زعمهم.
ولقد سمعنا وقرانا جميعا، مؤخرا، ما ذهب اليه احد قادة الفكر التكفيري واقصد به الشيخ يوسف القرضاوي والذي دعا المسلمين الى تجنب الاصغاء الى (الشيعة) لانهم سيسحرون بما يقولونه، وهي، كما هو واضح، محاولة منه لارهاب المسلمين من الاصغاء الى الراي الاخر، لانه يعرف، افضل من غيره، مدى قوة الحجة والدليل والبرهان عند الفكر الشيعي، وعند دعاته ومفكريه ومبلغيه، بل ان عددا من فقهاء التكفير شنوا في الفترة الاخيرة حملة اعلامية تضليلية شعواء ضد عدد من القنوات (الشيعية) بعد ان لمسوا مدى تاثيرها الفكري والثقافي على الشارع الاسلامي على وجه التحديد، في مسعى منهم لاقناع الناس بمقاطعة مشاهدة مثل هذه القنوات، متسلحين بالفتوى الطائفية والكلام المعسول، ولكن هيهات، اذ لم تعد الامة تصغ الى الجهلة لتمتنع عن متابعة اية فضائية من هذه الفضائيات.
وانني لاستغرب من المومى اليه كيف لا يفتي بحرمة الاصغاء الى اليهود والنصارى مثلا، ويفتي بحرمة الاصغاء الى الشيعة؟ وكيف يجيز لنفسه ان يحرم على الشيعة التبليغ في الدول (المقفلة) للمذاهب الاخرى، على حد زعمه؟ اوليس ذلك نوع من انواع الارهاب الفكري؟ اوليس (اجتهاد) مقابل النص القراني الكريم الذي يقول {الذين يستمعون القول فيتبعون احسنة، اولئك الذين هداهم الله واولئك هم اولوا الالباب} فلماذا لا يدع المسلمين يقراون ما يريدون ويصغوا لمن يريدون ليختاروا ما يرونه صوابا وصحيحا؟ من عين الموما اليه مفتشا على العقول، وحاكما على الفكر؟.
اذا كان رب العزة اجاز للانسان ان يستمع الى ما يشاء قبل ان يختار احسنه ليتبعه، فكيف يجيز الموما اليه لنفسه ان يحدد خيارات الانسان الفكرية والثقافية، خاصة وانها في اطار الدين الواحد، فكيف بالاديان الاخرى؟.
لقد وثق الخالق بعبده واحسن الظن برايه ووعيه وادراكه فمنحه حرية اختيار المتحدث وما يتحدث به قبل ان يختار الصواب، اما الموما اليه فشكك بعقل الامة واستخف بوعيها وادراكها وقدرتها على التمييز، ولذلك حرم عليها الاصغاء، وحدد لها الخيارات، على طريقة، لا تتعبوا انفسكم في التفكير فانا سافكر بالنيابة عنكم.
يذكرني هذا بسياط عتاد قريش التي كانت تهوي على اجساد الناس ليمنعونهم من الاصغاء الى ما يقراه محمد (ص) خوفا عليهم من ان يسحرهم بسحره.
ويتحدث عنهم القران الكريم بقوله { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القران والغوا فيه لعلكم تغلبون} فالجاهل يتصور انه اذا منع الناس من الاصغاء الى الاخر فانه سيتغلب عليه بالحجر، وهل يعقل ذلك؟.
ان حال فقهاء الوهابية التكفيرية يشبه الى حد بعيد حال قوم نبي الله ابراهيم عليه السلام، الذي القمهم حجرا عندما دعاهم الى ان يسألوا كبير الاصنام لمعرفة من كسرها وحطمها، فهم، وبدلا من ان ينتبهوا الى انفسهم، ليكتشفوا حقيقة خواء فكرة عبادة الاصنام التي لا تقدر ان تدفع الضر عن نفسها، فكيف تدفع الضر عن غيرها، وليكتشفوا انحرافهم الفكري بالتفاتة ذكية من قبل نبي الله ابراهيم عليه السلام، بدلا من كل ذلك، اخذتهم العزة بالاثم، فتنادوا فيما بينهم لحرق نبي الله تعالى، فكانت النتيجة ان الله تعالى اوقفهم على معجزة اخرى، افحمتهم واسقطت الامر من ايديهم.
لنستمع الى ما يحدثنا عنه القران الكريم بهذا الصدد، ثم لنقارن بين امرهم وامر الوهابية، يقول الله عز وجل {قالوا اانت فعلت هذا بالهتنا يا ابراهيم، قال بل فعله كبيرهم هذا فسالوهم ان كانوا ينطقون، فرجعوا الى انفسهم فقالوا انكم انتم الظالمون، ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون، قال افتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم، اف لكم ولما تعبدون من دون الله افلا تعقلون، قالوا حرقوه وانصروا الهتكم ان كنتم فاعلين، قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم، وارادوا به كيدا فجعلناهم الاخسرين} فعندما اختلى القوم بانفسهم، وقفوا على انحرافهم واعترفوا به، لانهم لمسوا آية انحرافهم واضحة ناصعة لا لبس فيها، الا انهم اخذتهم العزة بالاثم، فارادوا ان ينتقموا لكبريائهم وجبروتهم وسطوتهم في الناس وسمعتهم في الشارع، فبدلا من ان يعترفوا بالانحراف لتصحيحه اذا بهم يرتكبون انحرافا اكبر، وهكذا هو حال الوهابية اليوم، فعندما يختلي فقهاء التكفير بانفسهم يتلمسون انحرافهم من دون شك او ريبة، الا انهم تاخذهم العزة بالاثم، عندما يتذكرون ما قالوه للناس فخدعوا به المغفلين، فتراهم يصدروا الفتوى تلك الاخرى، التي يدعون فيها الى القتل والتدمير، خشية ان يعتبر الاخرون تراجعهم انتصارا، فيقفوا على ما هم عليه، ويخطئ من يظن بان فقهاء التكفير لا يرتبطون بالسلطة الوراثية الحاكمة في السعودية باية علاقة، او انهم يتحملون لوحدهم مسؤولية مثل هذه الفتاوى التضليلية، بل انهما لا زالا يرتبطان بعلاقة سفاح حرام، يدعم احدهما الاخر، ويؤيد احدهما الاخر، فهما وجهان لعملة واحدة، وان آخر دليل على ذلك، هو فتوى القتل التي صدرت عن المدعو الشيخ صالح اللحيدان، وهو من اشد فقهاء التكفير سفكا لدماء المسلمين عموما والشيعة على وجه الخصوص، وهو بالمناسبة لا زال يحتفظ بموقعه الرسمي في الدولة السعودية، اذ انه لا زال رئيس مجلس القضاء الاعلى، وان فتواه نطق بها في برنامج على الهواء بثته الاذاعة السعودية الرسمية، ثم نشرت على صدر صفحات الجرائد السعودية الرسمية، وكل ذلك دليل على تبني السلطات السعودية فتاوى فقهاء التكفير وبشكل رسمي.
اخيرا، اسال من الموما اليه، ترى لو ان احدى البلاد الغربية منعته، او احد من المسلمين، من (التبشير) للاسلام فيها بحجة انها مقفلة على الديانة المسيحية او البوذية او الكونفشيوسية، او ما الى ذلك، فماذا سيكون موقفك؟ وما هو رد فعلك؟ بالتاكيد ستطعن بديمقراطيتها، وستتهمها بمحاربة حرية الاديان، اليس كذلك؟.

3- في رأيك.. هل السلفية الوهابية، تمر بمخاض إيديولوجي أم ماذا؟.

الجواب:
بالتاكيد، فكما قلت قبل قليل، انها تمر بمخاض ارجو ان ينتهي بولادة فكر حضاري جديد يبتعد عن التكفير والغاء الاخر، ويبتعد عن الافكار المهترئة لزعيم الوهابية عبد الوهاب الذي غير وبدل وابدع (من البدعة) في دين الله الحنيف.
انظر الى هذا الخلاف الذي يتعاظم اليوم بين بقية السلفيين و(السلفية الوهابية) وبتصفح سريع لمواقع السلفيين غير الوهابيين، ستلمس بيديك وسترى بام عينيك حجم هذا الخلاف الفكري الكبير، بعد ان اعتبر السلفيون ان كيل الوهابية قد طفح ولابد من وقفة دينية مسؤولة لردعها وتعريتها وكشف حقائقها التي ظل كثيرون يتسترون عليها لحاجة في نفوسهم، بعد ان وجدوا في افكار الوهابية متسع لخدمة اغراضهم واهدافهم الدنيئة والمريضة، لدرجة ان بعض السلفيين، ومن على منابرهم ومواقعهم على صفحات الانترنيت، راحوا يكفرون الوهابية ويعدونها من (المذاهب) الخارجة عن ملة الاسلام، وان كنت انا لا اعتبر الوهابية مذهب من مذاهب المسلمين، وانما هي حزب سياسي وحركة سياسية اتخذت من الدين والمذهب مطية للوصول الى اهدافها الدنيئة والخبيثة والخطيرة.

4-ماهي قراءتكم للتعهد أو التفاهم الذي حصل بين شيعة و سلفية لبنان بخصوص حقن دم اللبناني ؟ و هل يمكن أن يتوسع ليشمل مجتمعات إسلامية أخرى كالسعودية و البحرين و الكويت و مصر لتحقيق الأمن الاجتماعي الإسلامي؟ أم خصوصية المجتمع اللبناني و إنفتاح أطيافه على بعضها هو ما ساعد على ذلك؟.

الجواب:
لا شك ان مثل هذا التفاهم يعد نقطة تحول جديرة بالاهتمام، ومن الممكن جدا ان يتكرر مثل هذا التفاهم في اية ساحة من ساحات بلاد المسلمين من تلك التي تمر بازمات وتخندقات واحتقانات (طائفية)، فالدم حرام في كل الساحات، وليس في ساحة دون اخرى، ولقد فعل العراقيون ما يشبه هذا خلال الاعوام الثلاثة الماضية.
انا اعتقد بان مشاكل بلاد المسلمين هي مشاكل سياسية وليست مذهبية او طائفية، الا ان هناك من يسعى لتوظيف العامل الطائفي في هذه المشاكل من اجل تحقيق اهداف معينة، ربما لان الطائفية هي من اكثر العوامل التي تستهوي الناس في الصراعات، كما كان الدين في حقب معينة عامل مهم يستهوي الامم والشعوب في صراعاتها ومشاكلها التي كانت في احيان كثيرة دموية.
وان مثل هذه التفاهمات تبعد المذهب عن مثل هذه المشاكل والصراعات، وبالتالي تحفظ للمذهب كرامته وقدسيته ومنزلته عند الناس، خاصة عند معتنقيه.

5-أستاذ حيدر، كل مرة أود سؤالكم حول كيف يمكننا كمسلمين أن نعيش الوحدة مع التنوع فنبحث في مشاكلنا و خلافاتنا وفق المتفق عليه؟ و هل الوحدة واجب ديني أم خيار استراتيجي؟.

الجواب:
لا اعتقد بان الوحدة واجب ديني، فالله تعالى الذي خلق الناس مختلفين، كيف يفرض عليهم الوحدة بعد الخلاف؟ اولم يقل عز وجل في محكم كتابه الكريم { ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين، الا من رحم ربك ولذلك خلقهم}.
ان الاختلاف آية ورحمة، وهو مقوم اساسي من مقومات التكامل والتطور والتقدم، فهو حجر الزاوية في البناء الحضاري، وان تجربة البشرية على مر التاريخ تثبت هذه الحقيقة التي يجب ان لا نغفل عنها فنضحك على انفسنا، ونضلل الاخرين.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فاذا كان مفهوم الوحدة يعني الالغاء، اي انك تدعوني لاتنازل عن مذهبي كشرط لتحقيق الوحدة، فهذه خرافة، وهو عبث لا ينتج امرا سليما ابدا، فنحن نعرف بان اتباع كل مذهب يعتقدون بانهم على حق وان الاخرين ليسوا كذلك، فكيف تريد من اي منهم التنازل عن مذهبهم لتتحقق الوحدة؟.
انا افهم الوحدة على انها حوار من اجل البحث في المشتركات ليتم التعاون عليها، ووضع المختلفات جانبا في كل مرحلة من مراحل الحوار، ولذلك ترى ان المشتركات بين المتحاورين تختلف من زمان لآخر ومن مكان لآخر.
ان اي مشروع وحدة يقوم على اساس ترك المعتقد او التنازل عن المذهب او حتى بعض اسسه، انما هو مشروع فاشل لا يثمر شيئا ابدا.
انا استغرب كيف نجيز لانفسنا ان نتحدث عن مشتركات مع الغرب مثلا او مع اليهود او مع (المشركين) او مع اية ملة من ملل الارض، ولا نتحدث عن مشتركات مماثلة بين مذاهب امة الاسلام؟.
الم يجد فقهاء التكفير القابعين في المملكة العربية السعودية مشتركات كثيرة مع (الغرب الكافر) ليفتوا على اساسها لسلطة آل سعود بجواز استدعاء جيوش (الكفار) و (المشركين) الى ارض الحرم؟ بل، الم يجدوا مثل هذه المشتركات ليفتوا بجواز استدعاء جيوش (الكافر) الفرنسي لينفذ عمليات الانزال العسكري المسلح على بيت الله الحرام في قضية (جهيمان العتيبي) المعروفة في محرم الحرام عام 1400 هـ؟فلماذا لم يجدوا مثل هذه المشتركات مع اتباع بقية المذاهب الاسلامية ليفتوا على اساسها بحرمة دمائهم واعراضهم واموالهم واملاكهم؟ ام ان غير المسلمين اضحوا اقرب لهم من المسلمين الاخرين الذين لا يدينون بدين الوهابية؟ مالكم كيف تحكمون؟.
يجب ان يعترف الجميع بما يعتقد به الاخر، ويجب ان يقبل بعضنا البعض الاخر على (علاته) قبل ان نبدا اي حوار جدي وحقيقي، وان الشرط الوحيد للبدء بالحوار هو ان لا نكفر احدا ولا نلغي احدا ولا نستهزئ باحد، او بافكاره مهما كانت، فهذا هو واقعنا وعلى اساسه يجب ان نبدا الحوار.
تاسيسا على كل ما سبق، فانا اعتقد بان الوحدة هي خيار استراتيجي لمواجهة كل هذا الكم الهائل من التحديات التي تواجهها اليوم الامة الاسلامية، والتي تقف على راسها تحديات الانظمة السياسية الفاسدة التي تحكم بلاد المسلمين، والتي انتجت بدورها تحديات الفقر والجهل والتخلف والامية والبطالة، وتاليا تحدي العنف والارهاب الذي هو نتيجة طبيعية للبيئة الموبوءة التي يعيشها (المسلم) في بلاده.

تجربة شيعة السعودية في الحوار الوطني
1- كيف تقيم الحراك الشيعي بالمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية في إطار الحوار الوطني السعودي ؟.

الجواب:
لاشك ان الحوار الوطني اكسب شيعة المنطقة الشرقية فرصة كبيرة لمثل هذا الحراك الثقافي والفكري، بل وحتى السياسي.
وبالمجموع فان الحوار حقق شيئا من الايجابيات التي اعتقد بانها لا تكتمل اذا ظلت محصورة في المطاليب الهامشية والثانوية.
بمعتى آخر، فانا اعتقد بان سقف الحوار ومصافه يجب ان يرتفع الى المستوى السياسي، من خلال اطلاق حزمة المطاليب السياسية الاستراتيجية لشيعة السعودية، والتي يمكن ان نلخصها في النقاط التالية:
اولا:المشاركة في الحكم، فالى متى يظل الشيعة في بلاد الحرمين محرومون من المشاركة السياسية الحقيقية؟.
يجب ان يحصل الشيعة على نسبة من الوزارات تساوي نسبتهم في المجتمع السعودي، وكذلك على صعيد السفارات ومجلس الشورى وغير ذلك من مؤسسات الدولة.
يجب ان يكون للشيعة حضورا في كل مكان لنصدق بانهم شركاء حقيقيون في هذا البلد، وليسوا مواطنين من الدرجة الثانية.
ثانيا: الحكم الذاتي في المنطقة الشرقية، فلماذا يجب ان يكون حكام المناطق الشيعية من غير اهلها؟ الا يوجد فيهم من هو كفوء لمثل هذا الدور؟ ام انه التعامل معهم بمقاسات مواطنة الدرجة الثانية، التي تحتم ان لا يكون منهم من يتسنم مواقع القيادة على الاقل في مناطقهم؟.
ثالثا: تاسيس الاحزاب السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية وغير ذلك.
رابعا: على صعيد التعليم والدراسة، يجب ان يحصل الشيعة على حقوقهم في تاسيس المدارس والمعاهد والجامعات الخاصة، كما هو معمول به في كل دول العالم المتحضر.
خامسا: الاعتراف بالمذهب الشيعي كاحد المذاهب الاسلامية، لترفع عنه كل القيود والسدود التي تضعها السلطات السعودية، وبالتالي رفع كل القيود المفروضة على اتباعه في مجال العبادات والزيارات والتربية والتعليم الديني والتاريخي وما الى ذلك.
سادسا: على الصعيد الاعلامي، يجب ان يتمتع الشيعة بحق تاسيس الفضائيات واصدار المجلات والجرائد والدوريات بشكل رسمي، وان لا يحرموا من حقوق النشر والتوزيع، فالى متى يظل المنتج الفكري والثقافي الشيعي مراقبا من قبل السلطات الامنية؟ والى متى يظل هذا المتج بحاجة الى اجازات خاصة قبل ان يرى النور، هذا اذا ما صدر ضده قرارا بالمنع في وسط الطريق، او وهو في طريقه الى المطبعة او دار النشر، او احيانا وهو في طريقه الى النشر والنزول في الاسواق والمكتبات؟.
ان الجزيرة العربية بلد ثري جدا، ولذلك يجب ان لا يكتفي اهلها بفتات الحكام، بل يجب ان يتمتعوا بخيرات بلادهم، ويعيشوا في مصاف الاخرين برفاهية وكرامة وبحبوحة من العيش، فلماذا ينبغي ان يكون في هذه البلاد التي حباها الله تعالى بالخير الوفير، فقير او معوز او صاحب حاجة؟.
لقد كتب (المستر فيليبس) القائم بالاعمال البريطاني في جده، تقريرا بتاريخ 19 تشرين الاول (اكتوبر) 1954 رفعه الى (المستر انطوني ايدين) وزير الخارجية البريطانية آنئذ، يشرح فيه تصوراته عن الملك الجديد (سعود) الذي اعتلى العرش في السعودية بعد وفاة والده الملك عبد العزيز بن سعود، وجهوده التي يبذلها لتهدئة الشارع، يقول فيه؛
ان وراثة الملك الجديد للعرش لم تقابل باي تحد ولا تشكل حتى الان موضوعا للنزاع، ولابد ان تكون مهمته الكبرى ان يحول الى نفسه المحبة التي كان يحملها شعبه تجاه والده (العظيم) ويبدو انه حقق ذلك بما كان لابد له ان يكون جهودا شخصية، وربما كانت اسس هذه الجهود هي الجمع التقليدي بين الاستعراضات من الدرجة الثالثة، والولائم الباذخة، والوعود الجوفاء، وترميمات الجوامع، وصدقات للفقراء، وصكوك بالف جنيه لقضية خيرية او اخرى، ولكن الاغلبية الساحقة من شعب هذه البلاد ليسوا منظمين ولا منسقين ليطالبوا بما هو افضل من ذلك مع الثروة التي تتدفق على حكامهم من النفط، كما ان الحكام يحرصون على ان لا يتعلم الناس ما هو افضل من ذلك.
اتمنى ان يقرا شعب الجزيرة العربية هذا النص ويتفكر في الامر.

2- من خلال نشاطكم الإعلامي, هل استطاع المثقف الشيعي السعودي أن يحضر وطنيا رغم الطائفية التي عانى منها سنين ؟.

الجواب:
بالتاكيد، فهناك اليوم جيش من المثقفين الشيعة السعوديين الذين انظلقوا في فضاء الانتاج الثقافي المتميز والمشهود، بعد ان تمكن الشيعة من تحقيق ولو هذا الكم البسيط من فضاء الحرية الذي هيأ الارضية لبروز مثل هؤلاء المثقفين، والذين ظلوا مقموعين طوال العقود الماضية بسبب سياسات الاسرة الحاكمة في السعودية، والتي كممت الافواه وقمعت الراي والراي الاخر، وحاصرت الثقافة والمثقفين.
تصفح مواقع الانترنيت لتجد اسماء لامعة من المثقفين الذي ينتجون ما يجب ان يجلب الانتباه والاهتمام، وهذا اكبر دليل على ان الشيعة في السعودية يتمتعون بكفاءات عالية جدا ستبرز اذا ما اتيحت لها الفرصة، او اذا ما انتزعت الفرصة بشكل او بآخر، ولعلها ثورة الاتصالات التي مكنت هؤلاء من ان ياخذوا موقعهم المناسب والطبيعي في عالم الثقافة، بعد ان كسروا قيود التعامل الطائفي معهم من قبل السلطات الحاكمة.

3- كيف ترون مستقبل الحوار الوطني السعودي في ضوء التجاذبات الحاصلة بين مؤيد و رافض ؟ وكيف للشيعة أن يسهموا بقوة رغم بعض صور التشكيك و التهميش إعلاميا في انتمائهم للوطن ؟.

الجواب:
ليس امام السلطة في السعودية الا مواصلة هذا الحوار، حتى اذا لم تكن تؤمن به، فالظروف الدولية لا تسمح بمزيد من الاستبداد لا في السعودية ولا في غيرها، بالاضافة الى ثورة المعلومات التي تحدثت عنها للتو، فهي الاخرى لم تعد تسمح بقمع الفكر والراي والثقافة والراي الاخر مدة اضافية، بعد ان تحول الفضاء اليوم الى امر مشاع للجميع من دون تمييز.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فان الازمة التي تعيشها السلطات في الجزيرة العربية والهزائم السياسية التي بات يلمسها كل متتبع، وتحديات الارهاب التي جاءتها للسلطة من داخلها، ان كل ذلك لا يسمح لها في ان تفكر بالغاء الحوار او التراجع عنه، حتى اذا راح ياخذ منحى يبتعد عن الاهداف المرسومة له، فكما هو معروف فان اطلاق الحوار قد يكون بيد الملك او الامير، الا ان تحديد مساراته حتى النهاية ليس بيد احد، لان الذي يحضر مثل هذا الحوار ليس موظفا عند هذا الامير او ذاك، بل ان كل واحد منهم يرى بنفسه القدرة على تحديد مسارات الحوار التي تخصه على الاقل بنفسه، ولذلك يرفض تحديد المسارات من قبل اي كان، على الاقل ليحترم نفسه ويحترم متبنياته واراءه وعقله.
بالنسبة للشيعة، فاعتقد ان من المهم بالنسبة لهم هو ان يثقوا بانفسهم وبمتبنياتهم ليشاركوا في الحوار عن قناعة، وعليهم ان لا يعيروا اهتماما الى تشكيك المشككين او اراجيف المرجفين في المدينة، كما ان عليهم ان يتذكروا دائما بان زمن سياسات العزلة والمقاطعة والاعتزال ولى ومن غير رجعة، فالعزلة لا تنفع كسياسة في عالم الحضور اليوم، وان سياسات المقاطعة تبعدهم عن الساحة ولا تدنيهم، وتقلل من تاثيرهم ولا تزيده.
عليهم ان يكونوا حاضرين في كل ساحات الحوار ومؤتمراته وندواته، فبالحضور يسجل المرء موقفه وليس بالمقاطعة او الغياب، شريطة ان يكون حضورا قويا وليس ضعيفا، وان يكون حضورا نوعيا وباسلحة الحوار المتينة من دليل ومنطق ومحاججة وبرهان وحكمة ومشروع فكري وثقافي وغير ذلك.


خاتمة اللقاء


أشكرك جزيل الشكر الاستاذ نزار حيدر على رحابة صدركم و انفتاحكم الإسلامي الأصيل و صراحتكم الثقافية و الإعلامية ، و إن شاء الله نلتقي و إياكم في حوار آخر تكون قد تغيرت أحوال المسلمين إلى الأفضل و استعاد العراق الحبيب عافيته و كل بلاد المسلمين.

نزار حيدر:

بدوري اشكرك كثيرا على هذا الحوار الذي اتمنى ان يضيف شيئا الى الساحة الاسلامية خصوصا والانسانية بشكل عام.
متضرعا الى العلي الاعلى ان ياخذ بايدينا الى ما فيه صلاح الدنيا وخير الاخرة برضاه والجنة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM
السبت 26 رمضان 1429 هجرية
27 ايلول 2008
Opinions