حول الشراكة الحقيقية من منظور السيد بارزاني
لم يخطر على بالي يوماً أن أكون ناقداً أو معارضاً للسيد مسعود بارزاني، رئيس الاقليم الكردستاني، إلا إنه وللأسف الشديد هو الذي تبنى سياسة تعريض العراق الديمقراطي، وما تحقق للشعب الكردستاني من مكاسب عظيمة، إلى الخطر تماماً كما عملت قيادة الحركة الكردستانية بقيادة والده بعد ثورة تموز، خاصة وهو (السيد مسعود) انتقد موقف هذه الحركة وتمنى لو لم تكن قد انفجرت الثورة الكردية في عهد الزعيم قاسم. مشكلتي هي أني لا استطيع السكوت عن أي شيء أره خطئاً، خاصة إذا كان هذا الخطأ يهدد أمن وسلامة الشعب، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، و"صديقك من صدقك لا من صدّقك". والنقد البناء الهادف هو أساس التقدم. فالكرد اليوم، وكغيرهم من مكونات الشعب العراقي، هم شركاء حقيقيون في هذا الوطن، يتمتعون بكافة حقوق المواطنة دون أي تمييز. والعراق تكالبت عليه جهات عديدة لإجهاض الديمقراطية وما تحقق لشعبه من مكتسبات عظيمة في جميع المجالات، ووضعه مازال هشاً لا يتحمل المزيد من الصراعات والمناكفات، فعلى الجميع دعم العملية السياسية والعمل على تكاملها لا هدمها.
الملاحظ، أن الجملة المكررة في معظم تصريحات السيد مسعود بارزاني ومساعديه، ومؤيديه هي "إما شراكة حقيقيىة أو الانفصال"، ودائماً يستشهدون بالدستور. ونحن مع هذا التوجه، ولكنه في نفس الوقت يطالب بإمتيازات لا تتوفر إلا بالكونفيدرالية، وهو فعلاً قد بدأ يطالب بالكونفدرالية بدلاً من الفيديرالية التي أكد عليها الدستور وتم استفتاء الشعب العراقي عليه بما فيه الشعب الكردستاني. على أية حال، وكمواطن عراقي عربي، أرى من حق الشعب الكردي، وكغيره من الشعوب، أن يتمتع بحق تقرير المصير، وإذا أراد الانفصال والاستقلال لتحقيق حلمه في تأسيس دولته القومية، ولكن ليكن بالوسائل السلمية الديمقراطية الحضارية. فالشعب العراقي عانى أكثر مما يتحمل من الحروب العبثية والسياسات الطائشة للحكومات العراقية المتعاقبة منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وإلى سقوط الفاشية عام 2003.
كما اكد النائب عن التحالف الكردستاني محما خليل، الثلاثاء (27/5/2014)، "أن جميع الخيارات أمام الكُرد مفتوحة بما فيها انفصال الإقليم عن المركز في حال تولي رئيس الوزراء نوري المالكي ولاية ثالثة."(1). هذا التصريح الذي ينسجم مع تصريحات السيد رئيس الإقليم، يدل على رفض السيد برزاني وأنصاره لجوهر الديمقراطية وهو احترام خيارات أغلبية الناخبين.
بينما نائب آخر عن التحالف الكردستاني، شريف سليمان أكد، في (4 أيار 2014)، "أن الكرد لن يوافقوا على منح ولاية ثالثة للمالكي حتى لو تم إعطاؤهم موازنة الإقليم والموافقة على تصدير نفط كردستان الى الخارج "(نفس المصدر).
فماذا لو قال نائب من العرب، من تحالف سني أو شيعي، أنهم يختارون الانفصال عن كردستان لو بقي السيد مسعود بارزاني لولاية أخرى في رئاسة الإقليم؟ فهل هذه التصريحات تدل على الإيمان بالديمقراطية؟
الديمقراطية ترفض سياسة ليّ الأذرع، وترفض حق النقض (الفيتو) الذي طالب به أحد الأخوة من الكتاب الكرد، بما معناه أن في مجتمع متعدد الأقوام والديانات مثل الشعب العراقي، يجب تعديل الدستور بحيث يسمح للأقلية استخدام حق النقض ضد قرارات الأكثرية. هذا يعني تفريغ الديمقراطية من مضمونها الحقيقي، لأن الديمقراطية تعني حكم الأكثرية السياسية، مع حق الأقلية الدفاع عن حقوقها ضمن القوانين المرعية.
والملاحظ أيضاً، أنه كلما هبطت شعبية السيد مسعود بارزاني في الشارع الكردستاني، أو حصلت له مشكلة مع منافسيه في كردستان، اختلق أزمة مع "حكام بغداد"، على حد تعبيره الذي يطلقه على الحكومة المركزية الفيدرالية رغم أن الشعب الكردي يشارك فيها برئاسة الجمهورية، وخمسة وزراء، والمراكز القيادية الحساسة في الجيش، وجميع مفاصل الدولة العراقية. فالأزمات التي يختلقها السيد رئيس الإقليم بلا انقطاع ولكن خطها البياني في صعود وهبوط. وآخر تصعيد له هو قراره تصدير النفط عن طريق تركيا بدون موافقة "حكام بغداد".
يؤكد الدستور العراقي بوضوح وبدون أي تأويل، أن الثروات الطبيعية، ومنها النفطية في جميع أنحاء العراق بما فيها كردستان العراق، يتم استخراجها وإنتاجها وتصديرها من قبل الحكومة الاتحادية وحدها، لتقوم بدورها في توزيع ريعها على المحافظات وحسب النسب السكانية فيها وبعدالة. كذلك الدفاع عن البلاد، ونقاط الحدود والسيطرة على مداخل البلاد الدولية، والسياسة الخارجية، وتوقيع العقود مع الشركات والاتفاقيات مع الحكومات، من صلاحيات وواجبات الحكومة الاتحادية المركزية. ولكن الذي يجري الآن هو أن الاقليم يتمتع بجيشه الخاص به (بيشمركة)، لم يكن لرئيس الحكومة الاتحادية أية علاقة به، لأنه خاضع لأوامر رئيس الإقليم فقط، ومع ذلك يطالب الحكومة الاتحادية بدفع رواتب منتسبيه وتكاليف تسليحه. كذلك يريد السيد بارزاني أن يتصرف بالسياسة الخارجية ويسطر على مداخل البلاد في الإقليم، ويسمح لسكان أية دولة بدخول كردستان من دون تأشيرة دخول (فيزة) من السفارات العراقية في الخارج، في الوقت الذي لا يسمح فيه بدخول العراقيين إلى الاقليم إلا بتأشيرة دخول، وتعريضهم للإذلال في طوابير انتظار عند نقاط التفتيش الحدودية مع الإقليم، ومنع الكثير منهم من الدخول. كما ويحق للإقليم المشاركة في الحكومة المركزية ولا يحق للحكومة المركزية أن تبدي أي رأي فيما يخص الاقليم. هذه هي (الشراكة الحقيقية والفيدرالية) التي يفهمهما السيد البرزاني ومؤيدوه، والتي لا يوجد لهما مثيل في أي مكان في العالم إلا في العراق.
في الحقيقة هذا النوع من العلاقة لا يوجد في الانظمة الفيدرالية وإنما في الأنظمة الكونفيدرالية والتي هي اتحاد بين الدول، وليس بين أقاليم الدولة الواحدة. فما يطالب به السيد مسعود هو أن تكون كردستان دولة مستقلة، وكما قالت الدكتورة ناهدة التميمي (كردستان دولة مستقلة مصرفها على العراق).(2)
وآخر أزمة فجرها رئيس الإقليم، هو قراره بتصدير النفط بدون موافقة بغداد مما أثار حتى معارضة الإدارة الأمريكية التي دفعت الكثير من أجل تحرير العراق من الفاشية، فقد أثبتت أمريكا حرصها على نجاح العملية السياسية ووحدة العراق أرضاً وشعباً أكثر من بعض الكيانات السياسية. فقد صرحت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية، جين ساكي، "إن موقف واشنطن منذ وقت طويل، هو عدم تأييد تصدير النفط من إقليم كردستان من دون موافقة الحكومة العراقية الاتحادية...".(3)
هذا التصريح الأمريكي أثار غضب حكومة إقليم كردستان التي ردت بالقول على لسان الناطق باسمها، السيد فلاح مصطفى: ((إن الأكراد إما أن يكونوا "شركاء حقيقيين" ضمن العراق الفيدرالي الاتحادي، أو أنهم "سيقررون بأنفسهم" ما يتعلق بمصلحة الإقليم وشعبه.))، وأضاف: ((يتوجب على السلطات في بغداد أن تشعر بأن الكرد يجب أن يكونوا شريكاً حقيقيا ضمن إطار الدستور، وأن يُمنحوا حقوقهم، وإلا فإنه يجب قطع العلاقة بين بغداد وأربيل")).(نفس المصدر 3)
ولم يكتفِ السيد مصطفى بهذه المطالبات، بل راح يطالب الحكومة المركزية بتعويضات تقدر بمئات المليارات دولار عن جرائم حكم البعث الصدامي بحق الشعب الكردي إذ تساءل : "لماذا لا تجيبنا بغداد بخصوص تعويض المتضررين من القصف الكيمياوي لمدينة حلبجة، ولماذا لا تجيبنا بشأن تدمير نحو 4500 قرية في إقليم كردستان، ولماذا لا تجيبنا بشأن قتل ثمانية آلاف من البارزانيين وآلاف المؤنفلين في منطقة كرميان و12 ألف كردي فيلي، ولماذا لا يحترمون القوانين والأعراف الدولية، ويقدمون شكوى بشأن تصدير الإقليم للنفط".
إن من يقرأ هذه المطالبات يعتقد كأن النظام الصدامي الساقط قد اضطهد الشعب الكردي وحده دون غيره من مكونات الشعب العراقي وخاصة سكان محافظات الوسط والجنوب، حيث استخدم الغازات السامة ضد عرب الأهوار، وقتل خلال الانتفاضة الشعبانية نحو 300 ألف من الثوار، وبلغ عدد القتلى العراقيين نتيجة حروبه الداخلية والخارجية ومضاعفاتها نحو مليونين، ولحد الآن تم اكتشاف أكثر من 400 مقبرة جماعية، ودمر الحرث والنسل في الوسط والجنوب، وتشرد من العراق نحو 4 ملايين، فمن يعوض هؤلاء؟
نعتقد أن محاولات السيد مسعود البرزاني في اختلاق الأزمات الدائمة مع بغداد، وتفسيره للدستور حسب اجتهاداته كما يشتهي، ليست بمعزل عن أجندات السعودية وقطر وتركيا، إذ كما صرح السيد عادل مراد، القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني: أن"الاجندة السعودية والتركية تحاول إبعاد الكرد من العملية السياسية في بغداد، مشددا على عدم السماح لهذه المحاولات والعمل على المشاركة في الحكومة المقبلة ايا كان الفائز فيها لضمان الأمن والاستقرار في اقليم كردستان".(4)
فتصعيد الأزمة بين بغداد وأربيل من قبل السيد بارزاني لا يخدم العراق، وبالأخص الشعب الكردي، بل يصب في خدمة أعداء الجميع. وقد حذر العقلاء من الكرد مثل السيد عادل مراد (التصريح أعلاه)، والدكتور محمود عثمان حكومة الإقليم من مغبة الاندفاع ضد بغداد، والإعتماد على تركيا والسعودية في تحقيق بعض المكاسب الآنية الزائلة. إذ صرح الدكتور محمود عثمان قائلاً: "الإعتماد على تركيا لغرض تصدير النفط من كردستان أمرٌ خاطئ وغير مضمون بنظري، وهذا النفط هو نفط العراق والكل متفق على ذلك ولا بد من وضع اتفاق لتصديره، وأن سياسة تركيا ليست مع الأكراد وأنا لا أؤيد الاعتماد عليها".(5)
فحكومة تركيا الأردوغانية تتبع سياسة خبيثة في علاقاتها مع دول الجوار، فإذا أرادت تدمير دولة ما بدأت معها بتقوية علاقاتها معها أولاً، كما حصل مع سوريا حيث استغلتها في دعم الإرهاب ضد العراق. ثم انقلب أردوغان على بشار الأسد وراح يدعم الإرهاب ضد الشعب السوري. ويجب أن يعرف السيد بارزاني أنه ليس أذكى من أردوغان الذي يضطهد الشعب الكردي في تركيا، ويمنع عليهم حتى تسميتهم بالكرد إذ يسميهم (أتراك الجبال), فغرض أردوغان من علاقته مع بارزاني هو إضعاف الدولة العراقية الفيدرالية، وإذا ما نجح في تحقيق هذا الغرض اللئيم، وهو مستحيل، فسينقلب على البرزاني نفسه كما انقلب على بشار الأسد من قبل ويكون الخاسر الأكبر هو الشعب العراقي والكرد بشكل خاص.
ما العمل؟
نتمنى على السيد مسعود بارزاني أن لا يعيد غلطة والده عندما انضم إلى جوقة المتآمرين على ثورة 14 تموز، حيث جلب المصائب على الشعب العراق وخاصة على الشعب الكردي. فاليوم توفرت للعراق فرصة ذهبية، على السيد مسعود وكل المسؤولين العراقيين عدم التفريط بها، وإلا فالتاريخ لا يرحم. أما شعار الانفصال الذي يستخدمه بارزاني، فهو شعار فارغ غير عملي هدفه الابتزاز فقط، فالبارزاني يريد نفط كردستان لكردستان ونفط البصرة للجميع، مع الاحتفاظ بـ 17% للإقليم من ثروات العراق(علماً بأن استحقاق الإقليم هو 13% حسب نسبته السكانية).
كما وأهيب بالحكومة الاتحادية المركزية أن لا تذعن لسياسة الابتزاز، فإما نظام فيدرالي حقيقي كما أقره الدستور وليس بمفهوم بارزاني، أو الانفصال بالمعروف وبالطرق السلمية الحضارية الديمقراطية. والسيد بارزاني يعرف جيداً نتائج انفصاله عن العراق في هذه الظروف المحلية والدولية.
ـــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- نائب كُردستاني: الانفصال وجميع الخيارات مفتوحة في حال تولى المالكي ولاية ثالثة
http://alakhbaar.org/home/2014/5/169170.html
2- د. ناهدة التميمي - كردستان دولة مستقلة مصرفها على العراق
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=265929
3- إقليم كردستان في بيان غاضب: على واشنطن الحياد أو الصمت، أن الأكراد إما أن يكونوا "شركاء حقيقيين" ضمن العراق الاتحادي، أو أنهم "سيقررون بأنفسهم" ما يتعلق بمصلحتهم
http://alakhbaar.org/home/2014/5/169034.html
4- -عادل مراد : الأجندة "السعودية" و "التركية" وراء ابتعاد الكرد عن العملية السياسية في بغداد
http://alakhbaar.org/home/2014/5/168801.html
5- قيادي كردي ينتقد بشدة اعتماد الاقليم على تركيا بتصدير النفط العراقي
http://alakhbaar.org/home/2014/5/168989.html